الرئيسية الريادة لماذا تنتصر القيادة الفكرية في زمن الذكاء الاصطناعي؟

لماذا تنتصر القيادة الفكرية في زمن الذكاء الاصطناعي؟

بين تهديدٍ متوهَّمٍ وفرصةٍ متجدّدةٍ، كشف التّحوّل الرّقميّ أنّ الأصالة والقيادة الفكرية هما الجسر الأمتن للعبور نحو حضورٍ أوسع وأثرٍ أبقى

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

مارينا بيجانوفا، عضوٌة في منظمة روّاد الأعمال (EO) في كندا، متحدّثةُ عالميّةٌ، وأستاذةٌ جامعيّةٌ، ومؤسِّسةٌ مشاركةٌ لوكالة (Brand of a Leader) المتخصّصة في بناء العلامات الشّخصيّة لروّاد الأعمال. سألتها منظّمة EO: كيف يستطيع قادة الأعمال توظيف «القيادة الفكرية» لتحسين ظهورهم في نتائج البحث المعزَّزة بالذكاء الاصطناعي؟

تقول بيجانوفا: حين بدأت منصّات البحث المعتمدة على الذكاء الاصطناعي -مثل ChatGPT وPerplexity AI- تقلب طريقة وصول النّاس إلى المعلومات، شعرتُ على الفور بأنّ ثمّة تهديداً يطال عملي كرائدة أعمالٍ.

شيّدنا في شركتنا حضوراً راسخاً عبر القنوات التّقليديّة، فكانت الإحالات المصدر الأوّل لعملائنا، فيما شكّل البحث عبر غوغل المورد الثّاني الأهمّ للوافدين إلينا. ولم نعتمد يوماً على الإعلانات المدفوعة، بل كان تدفّق الزوّار إلينا عضويّاً خالصاً، نعتزّ به كما نعتزّ بتقدّمنا إلى المرتبة الثّانية عالميّاً في خدمات العلامة الشخصية.

لكنّ الاعتماد المتنامي -منّي ومن غيري- على أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من غوغل في البحث والتّقصّي، بثّ في نفسي قلقاً عميقاً من أثر هذا التّحوّل السّريع على صرحٍ بنيناه بعنايةٍ حجراً فوق حجر؛ فقد بدا وكأنّ موجةً عاتيةً على وشك أن تعصف بالأساس الّذي ارتكزنا إليه. غير أنّ ما حدث خالف كلّ التوقّعات؛ فبينما كنّا نتسابق مع الوقت لنتعلّم أسرار هذه المنصّات وكيف تُنتِج نتائجها، بدأ العملاء الوافدون يطرقون أبوابنا بعباراتٍ غير مألوفةٍ: «وجدناكم عبر ChatGPT» أو «Perplexity أوصت باسمكم». ولمّا تعمّقتُ في سرّ هذا الظهور، تكشّف لي أنّ سنواتٍ من القيادة الفكرية المصوغة برؤيةٍ استراتيجيّةٍ أخذت تؤتي أُكُلها، وتثمر على نحوٍ لم يدر بخلدنا من قبل.

فهم التحوّل من تحسين محركات البحث إلى تحسين محركات الإجابة

يشهد التسويق الرقمي اليوم تحوّلاً عميقاً غير مسبوقٍ؛ إذ لم تعد محرّكات البحث التّقليديّة تكتفي بإرجاع قوائم روابط مبنيّةٍ على الكلمات المفتاحيّة والرّوابط الخلفيّة وسلطة الصّفحات، بل دخلت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتُعيد صياغة المشهد من جذوره. فهي لا تستعرض الرّوابط، بل تنسج من شتات المصادر معرفةً مركّبةً، وتقدّم إجاباتٍ مباشرةً وسياقيّةً تُشبه محادثةً حيّةً أكثر ممّا تُشبه نتائج بحثٍ جامدةً.

ومن رحم هذا التّحوّل وُلد حقلٌ جديدٌ: تحسين محركات الإجابة (AEO). وعلى خلاف SEO الذي يكافئ الضّبط التّقنيّ، فإنّ AEO يزكّي المحتوى القائم على الخبرة الأصيلة، والفكر المبتكر، والمصداقيّة الرّاسخة المنبثقة من قيادة فكرية حقيقيّةٍ. حتّى غوغل نفسه بدأ يُهذّب أدواته لينتقل تدريجيّاً من SEO إلى AEO. وبالنّسبة إلى شركتي، لم يكن هذا التّغيّر تهديداً بل شهادةً على صواب نهجنا؛ فقد آثرنا دوماً الأصالة الفكريّة على مناورات الحشو بالكلمات المفتاحية، وهو عين ما تقدّره منصّات الذكاء الاصطناعي؛ لذا أصبح الوصول إلينا عبرها أمراً ميسوراً وطبيعيّاً.

ومن خلال تحليل حضورنا في هذه النّتائج، والحوار مع العملاء الّذين تعرّفوا إلينا عبر تلك المنصّات، تكشّفت لنا عوامل رئيسةً تبيّن أنّها قد تكون حاسمةً لنجاح أيّ عملٍ يسعى للظّهور والتّميز في هذا العصر الجديد

منصات الذكاء الاصطناعي تعلي شأن المصداقية والأصالة

انطلقت شركاتٌ كثيرةٌ في خضمّ ثورة الذكاء الاصطناعي لتغمر الشّبكة بسيلٍ من محتوى مُولَّد آليّاً، غير مدركةٍ أنّها بذلك تُخطئ قراءة معايير المنصّات الجديدة في التّقييم والتّوصية؛ فهذه الأنظمة باتت أكثر فطنةً في تمييز ما صُنع على عجلٍ بأدواتٍ آليّةٍ، وهي مهيّأةٌ لأن تُعلّي شأن الفكر الأصيل والخبرة الحقيقيّة، وهما كنزان لا يُنتجان في مصانع النّصوص. ومن يسعى لملء الفضاء الرّقميّ بكتاباتٍ عامّةٍ، مستخدماً الأدوات ذاتها التي ستقصيه لاحقاً، إنّما يخوض سباقاً خاسراً منذ البداية.

لا تقوم الاستراتيجيّة الرّشيدةعلى كثرة المنشورات وتراكمها، بل على صناعة محتوىً نافعٍ، صادقٍ، وأصيلٍ يرتقي وحده في سلّم التّوصيات. أمّا تكديس مقالات المدوّنات ومنشورات لينكدإن المصنوعة بآلةٍ واحدةٍ، فلا يسيء إلى صورة صاحبها فحسب، بل يجرّده كذلك من فرصة الظّهور الحقّ؛ لأنه يفتقر إلى روح القيادة الفكريّة التي لا تُزوَّر ولا تُستنسخ.

تنويع المنصّات يصنع أثراً تراكمياً في الظهور

ففي حين انشغل تحسين محركات البحث (SEO) تقليديّاً بالتّمركز في بضع منصّاتٍ كبرى ذات سُمعةٍ، فإنّ الذكاء الاصطناعي يستمدّ مادته من فضاءٍ أرحب، جامعاً خيوطه من طيفٍ واسعٍ من المصادر. وحين يتوزّع حضورك بين البودكاست، ومنشورات لينكدإن، والمقالات المتخصّصة، وحتّى المنصّات النّيشيّة الأصغر، فإنّك تنسج شبكةً من نقاط التّماس التي تُسهّل على هذه الأنظمة أن تلتقط صوتك وتبرزه.

وهنا تتجلّى قيمة الخبرة الأصيلة التي تعيد التّوازن إلى الكفّة؛ فاليوم تستطيع الشّركات الصّغيرة، متى امتلكت قيادة فكرية راسخةً، أن تنافس الكيانات الضّخمة التي طالما تفوّقت بالميزانيّات الطّائلة. لقد تراجع سلطان المال أمام سطوة الأصالة، وبرزت ديمقراطيّةٌ جديدةٌ في الظّهور تُكافئ الفكرة الصّادقة أكثر ممّا تكافئ الإنفاق التّسويقيّ. أجل، للكثرة دورها، لكن النّوع هو الفيصل. فإن آثرتَ أن تمنح الأوّلويّة لجوهر ما تشارك من معرفة، وتخلّيت عن مناورات الحشو البالية بالكلمات المفتاحيّة، فإنّ الخوارزميات نفسها ستكافئك، لا لأنّك راوغتها، بل لأنّك خاطبت لبّ الحقيقة وأضفت قيمةً صافيةً.

الأصالة قابلة للقياس

غدت منصّات الذكاء الاصطناعي اليوم أقدر من أيّ وقتٍ مضى على تمييز أصالة المحتوى ووزن قيمته. وإنّ التزامك بقيادة فكرية حقيقيّةٍ، لا بمحتوى مُنتَج على عجَل بالجملة، سيغدو رصيداً تنافسياً ثابتاً يصون مكانة مؤسّستك على المدى الطّويل. ولكن بلوغ هذه المكانة لا يتمّ ارتجالاً، بل عبر تنفيذٍ استراتيجيٍّ منظّم، يقوم على أسسٍ واضحةٍ:

  • حدّد زواياك الفريدة: ما البصائر التي تملكها ولا يملكها سواك؟
  • واظب على المشاركة: إنّ مساهمتك الدّائمة في حوارات الصّناعة تراكُم حضوراً تعترف به المنصّات.
  • نوّع قنواتك: لا تركن إلى منفذٍ واحدٍ، بل ابنِ حضورك عبر منصّاتٍ متعدّدةٍ ذات صلةٍ.
  • حافظ على الجودة: ليحمل كلّ ما تنشره قيمةً حقيقية؛ فالأنظمة تزداد يقظة في غربلة الحشو.
  • فكّر على المدى البعيد: فالقيادة الفكرية استثمارٌ يتضاعف مردوده مع الزّمن، والمثابرة والصّبر يدرّان أثمن العوائد.

في بداياته، بدا التّحوّل نحو البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي تهديداً وجوديّاً لنموذج أعمالنا. ولكن ما لبث أن تحوّل إلى شهادة تزكيةٍ لنهجنا، وبوّابةٍ وسّعت أثرنا على نحوٍ غير متوقّع. إنّ المستقبل لا يُمنح لمن يحاول مراوغة الخوارزميّات، بل لأولئك الّذين يسهمون بصدقٍ ونفعٍ في حوارات صناعتهم. ومع مرور الوقت، تزداد هذه المنصّات قدرةً على تمييز ما كان يجب أن يُكافأ منذ البدء: الخبرة الأصيلة حين تُقدَّم بصفاءٍ. وحين يشارك القائد صوته الأصيل ورؤيته الموثوقة، فإنّ الفائدة تعمّ الجميع، من المؤسّسة نفسها، إلى العملاء، وصولاً إلى منصّات الذكاء الاصطناعي الساّعية دائماً لإبراز أفضل ما يمكن أن يُقدَّم لمستخدميها.

رأي خبيرٍ صادرٌ عن منظمة روّاد الأعمال (Entrepreneurs’ Organization) نُشر في الأصل على  Inc.com.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: