السكوت في زمن السقوط: أين يختبئ الدّعم؟
في بيئةٍ تُصفّق للنّجاح وتهمس عند الفشل، يصبح الصّدق في دعم الآخر عملةً نادرةً، لا تُقاس إلّا في غياب الأضواء

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على حديثٍ دار بيني وبين مجموعةٍ من الزملاء، حين ذُكر اسم مؤسّس شركةٍ ناشئةٍ. لم أكن أعرف هذا الرّياديّ عن قُربٍ، لكنّني كُنت على درايةٍ به وبالشّركة النّاشئة الّتي أنشأها في المنطقة؛ تلك الّتي شهدت محطّاتٍ لامعةً قبل أن تُغلق أبوابها بشكلٍ مفاجئٍ. وكان هذا التّفصيل الأخير هو ما استوقف الحاضرين على نحوٍٍ خاصٍّ؛ فرغم تعاطف أغلبنا مع المؤسّس المعنيّ، لم يتردّد أحدهم في إطلاق حكمٍ قاسٍ عليه: "فاشل".
ذلك التّوصيف مرّ دون اعتراضٍ لحظةً أطول ممّا ينبغي؛ فشعرت أنّ عليّ أن أتدخّل. أجل، لم يُكتب لتلك الشّركة الاستمرار. ولكن، ذلك لا يجعل من مؤسّسها فاشلًا. نَبَّهتُ إلى أنّ هذا النوع من الأحكام يناقض تماماً ما نردّده في العلن عن أنّ الفشل جزءٌ لا يتجزّأ من مسيرة الريادة، أم أنّ كلّ تلك الشّعارات لا تعدو أن تكون كلاماً للاستهلاك، بينما أحكامنا في الغرف المغلقة تبقى أسيرة عقليّةٍ باليةٍ لا تتزحزح؟
شاهد أيضاً: الفشل ليس النهاية: كيف تبني طريق النجاح من جديد؟
والمفارقة أنّ هذه لم تكن المرّة الأولى التي أسمع فيها رأياً كهذا؛ فالكثيرون في هذه المنطقة يجيدون التّحدّث عن "احتضان الفشل"، لكن فقط إلى أن يفشل أحدهم فعلاً. نُصفّق للجرأة نظريّاً، ثم نتخلّى عنها حين توضع على المحكّ. فالتّصفيق للمخاطرة حين تُؤتي ثمارها أمرٌ يسيرٌ؛ لكنّ المحكّ الحقيقيّ يكمن في ردّة الفعل عندما تُخفق. إذ من السّهل أن نُردّد أنّ الفشل جزءٌ من البناء، ولكن على هذا الإيمان أن يظهر في المواضع الّتي يغيب عنها التّجمّل. لا في جلسات النّقاش المنمّقة، ولا في المنشورات المتأنّقة، بل في محادثات واتساب، وجلسات المستثمرين المغلقة، والهمسات الجانبيّة، تلك الّتي ترسم ملامح السّمعة أكثر ممّا نودّ الاعتراف به.
في نهاية المطاف، ليست العِبرة بما يُقال تحت الأضواء؛ بل بما يُقال حين يغيب صاحب الشّأن عن الغرفة. وإن كنّا نطمح فعلاً إلى بناء منظومةٍ تحتضن المؤسّسين وتنهض بهم، فعلينا أن نرى مزيداً من الأصوات التي تَصدَح حين يكون للسّكوت كلفته، لا حين يكون الكلام استعراضاً.
نُشر هذا المقال لأوّل مرّةٍ في عدد يوليو 2025 من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد الكامل عبر الإنترنت، اضغط هنا.