الرئيسية الريادة دروس 50 عاماً في صناعة الأحذية من مؤسّس Dune London

دروس 50 عاماً في صناعة الأحذية من مؤسّس Dune London

رحلةٌ تمتدّ لأكثر من 5 عقودٍ في صناعة الأحذية، تحوّلت خلالها التّحدّيات والعثرات إلى دروسٍ عمليّةٍ في بناء علامةٍ تجاريّةٍ عالميّةٍ مستدامةٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

على مدى العقود الثّلاثة الماضية، عملتُ على بناء "ديون لندن" (Dune London) لتصبح علامةً عالميّةً في مجال الأحذية والإكسسوارات، تتمتّع بحضورٍ قويٍّ في قطّاع التّجزئة. وخلال هذه الرّحلة، حوّلتُ العثرات إلى استراتيجيّاتٍ، وعلى امتداد أكثر من 50 عاماً قضيتُها في تجارة الأحذية، استخلصتُ دروساً محوريّةً ساعدتني على تنمية مشروعٍ تجاريٍّ ليغدو علامةً دوليّةً. وفيما يلي 5 من أبرز هذه الدّروس:

  1. أجرِ بحثك بدقّةٍ

قبل أن تُقدِم على استثمار قدرٍ كبيرٍ من الوقت والمال في مشروعٍ جديدٍ، احرص على القيام بعمليّة تدقيقٍ شاملةٍ ومدروسةٍ. ادرس السّوق بعمقٍ، وافهم طبيعة المنافسة فهماً كاملاً، وتأكّد من أنّ منتجك أو خدمتك يشغلان حيّزاً واضحاً ومحدّداً في السّوق، ويتمتّع بطلبٍ كافٍ يضمن استدامة نشاطٍ تجاريٍّ صحيٍّ. واحرص على جمع أكبر قدرٍ ممكنٍ من المعلومات ذات الصّلة عبر التّحدّث إلى العاملين في القطّاع والعملاء المحتملين، من دون الإفصاح عن أيّ أسرارٍ، حتّى تطمئن إلى أنّك مستعدٌّ فعلاً للاستثمار في هذا المشروع.

أعدّ خطّة عملٍ تتضمّن حساب الأرباح والخسائر المُقدّرة، والأهمّ من ذلك، توقّعات واضحة للتّدفّقات النّقديّة؛ إذ ينبغي أن تكون واثقاً من امتلاكك سيولةً كافيةً لتمويل المشروع خلال السّنوات الأولى، وهي المرحلة الّتي تكثر فيها المصروفات بينما تكون الإيرادات محدودةً؛ فشركاتٌ كثيرةٌ لا تفشل لأنّ خطّة العمل خاطئةٌ أو الفكرة غير صالحةٍ، بل لأنّها ببساطةٍ تنفد من المال اللّازم لمواصلة التّمويل.

وإذا لم تكن تمتلك الخبرة الكافية لإعداد خطّة العمل والميزانيّات، اطلب المساعدة؛ فهناك عددٌ كبيرٌ من المتخصّصين الّذين يمكن التّعاون معهم لإعدادها. كثيرٌ من روّاد الأعمال خبراء في مجالاتهم، لكنّهم يفتقرون إلى المهارات التّجاريّة. ومن الضّروريّ إدراك هذه الثّغرات والعمل مع من يمكنه تزويدك بهذه الخبرة.

بعد حصولي على شهادة محاسبٍ قانونيٍّ، أمضيتُ 50 عاماً في صناعة الأحذية. ودخلتُ هذا المجال لأسبابٍ غير صائبةٍ، إذ سرتُ على خطى عائلتي. كنتُ الجيل الرّابع في عائلةٍ تعمل في صناعة أحذية الموضة النّسائيّة. وهي صناعةٌ شاقّةٌ، تتطلّب الاحتفاظ بمخزونٍ كبيرٍ بسبب تعدّد المقاسات وطول فترات التّوريد. ولو أنّني أجريتُ العناية الواجبة آنذاك، لربما اخترتُ مساراً مختلفاً. ومع ذلك، سارت الأمور على نحوٍ جيّدٍ في النّهاية، غير أنّ شعوراً خفيّاً لا يزال يراودني: لو أنّني كرّستُ 50 عاماً لشيءٍ آخر، لكانت حياتي أسهل، وإن لم تكن بالضّرورة أكثر متعةً.

  1. امتلك خطّة عملٍ قويّةً

بعد أن تنهي مرحلة البحث والتّحرّي الدّقيق، يصبح من الضّروريّ أن تضع خطّة عملٍ قويّةً مدعومةً برأس مالٍ كافٍ لدخول السّوق وتحقيق المبيعات الفعليّة. القنوات الّتي ستستهدفها تعتمد بالأساس على طبيعة عملك، لذلك تحتاج إلى تصوّرٍ واضحٍ ومفصّلٍ لكلّ خطوةٍ؛ فكلّما ازدادت فرص ظهور منتجك في السّوق، كان ذلك أفضل، مهما كان نوع العمل الّذي تقوم به.

ركّز على العملاء الأكثر أهميّةً، ووجّه جهودك نحوهم بطريقةٍ اقتصاديّةٍ ومدروسةٍ. لا بدّ من التّحلّي بالمثابرة، إذ ستواجه الكثير من الرّفض والتّحدّيات، لكن لا تسمح لهذه العراقيل أن تثنيك عن الاستمرار. العديد من أنجح الشّركات واجهت صعوباتٍ في بداياتها قبل أن تكتسب زخماً في السّوق، إلّا أنّ إصرارها وعزيمتها كانا سبباً رئيسيّاً في تحقيق النّجاح في النّهاية.

كما يمنحك التّواجد المستمرّ في السّوق والتّفاعل مع الفاعلين فيه ثروةً من المعرفة والخبرة، ممّا قد يقودك أحياناً إلى إجراء تعديلاتٍ على منتجك لتحسين أدائه وزيادة قابليّته للتّسويق. إضافةً إلى ذلك، فإنّ بناء علاقاتٍ متينةٍ مع عملائك يحمل قيمةً كبيرةً، إذ يمنحك رؤىً ونصائح عمليّةً تجعل عملك أكثر نجاحاً واستدامةً. حتّى لو لم تكن بطبيعتك بائعاً بارعاً -كذلك أنا- فمعرفتك وشغفك بمنتجك هما العنصران الأهمّ، والمشترون يلمسون هذه الصّفات ويقدّرونها، ما يعزّز فرصك في النّجاح.

  1. تعلّم من أخطائك

لكلّ صاحب عملٍ مشكلاتٌ ويرتكب أخطاء؛ فمن المستحيل على مدار المسيّرة المهنيّة ألّا يحدث ذلك. ولكن، المفتاح هو أن تتعلّم من هذه الأخطاء، وأن تفهم أين وقعت السّلبيات، وأن تتأكّد من عدم تكرارها.

من الأخطاء الجوهريّة الأكثر شيوعاً عدم تقدير التّغيّرات الجارية في السّوق، إذ ينغمس صاحب العمل كثيراً في تفاصيل إدارة يومه، حتّى يغفل عن النّظر إلى الصّورة الكبرى. في حين، تسبق الأعمال النّاجحة دائماً الأحداث، وتستشرف التّغيّير قبل وقوعه. وهناك تاريخٌ طويلٌ من الشّركات الّتي فشلت لأنّها لم تتغيّر وأصبحت غير ذات صلةٍ بالسّوق.

لقد بقيتُ صانعاً للأحذية لمدّة 5 سنواتٍ أكثر من اللّازم. كنتُ منغمساً في تفاصيل اليوميّات إلى درجة أنّني لم ألحظ أنّ صناعة الأحذية كانت تنتقل بسرعةٍ من المملكة المتّحدة إلى الشّرق الأقصى. وكان ذلك عندما قمت برحلةٍ إلى تايوان في عام 1987 ورأيتهم يصنعون الأحذية بنصف سعر منتج مصنعي وجودةٍ أفضل، عندها قرّرت بيع المصنع والتّحوّل إلى الاستيراد.

  1. حافظ على تركيزك

يفقد العديد من روّاد الأعمال وأصحاب المشاريع تركيزهم، إذ ينشغلون بالبحث عن فرصٍ جديدةٍ وينصرفون عن جوهر أعمالهم الأساسيّة. بطبيعتهم، كثيرٌ من روّاد الأعمال أشخاصٌ متحرّكون دائماً، يسعون وراء الجديد والتّغيير المستمرّ. ولكن، يكمن الخطر في أن يشتّتوا جهودهم ومواردهم، مستثمرين الوقت والمال في مشاريع غير مثبتةٍ، في حين يتراجع أداء النّشاط الرّئيسيّ.

ومع ذلك، لا يمكن إغفال أهميّة استكشاف الفرص الجديدة، فقد تحمل في طيّاتها القدرة على إحداث تحوّلٍ جوهريٍّ للشّركة. وكحال معظم جوانب الحياة، فإنّ الأمر يتطلّب موازنةً دقيقةً بين الانفتاح على الأفكار والفرص الجديدة، وبين الحفاظ على التّركيز على المجال الرّئيس الّذي يمثّل أساس النّجاح وفرصة النّموّ الحقيقيّة؛ فالوعي بهذه المقاربة يمكّنك من التّقدّم بثقةٍ دون التّشتّت أو التّفريط فيما يشكّل جوهر عملك.

  1. كوّن فريقاً قويّاً

يشكّل بناء فريقٍ قويٍّ الرّكيزة الأساسيّة لأيّ عملٍ ناجحٍ. بطبيعة الحال، يميل كثيرٌ من روّاد الأعمال إلى التّردّد عند التّفويض، وغالباً ما يكونون متعمّقين في تفاصيل أعمالهم اليوميّة ويحرصون على المشاركة المباشرة في كلّ جانبٍ. ومع ذلك، من الضّروري أن يكون لديك وعيٌ كاملٌ بنقاط قوّتك وضعفك، وأن تعرف بدقّةٍ أين تستطيع تقديم أقصى قيمةٍ ممكنةٍ. وعندما تقوم بتشكيل الفريق التّنفيذيّ، لا تتهاون في اختيار أفضل الأشخاص للوظائف الحرجة، حتّى لو استلزم الأمر دفع أجورٍ تفوق المعدّلات السّوقيّة؛ فالكفاءة والقدرة على الأداء تفوق أيّ اعتباراتٍ ماليّةٍ قصيرة المدى.

على الرّغم من أنّني محاسبٌ قانونيٌّ مؤهّلٌ، فإنّ قوتي لا تكمن في الجانب التّشغيليّ للأعمال، بل تكمن خبرتي الحقيقيّة في المنتج وبناء العلامة التّجاريّة، وهو المجال الّذي أكرّس له طاقتي واهتمامي. وفي كثيرٍ من الشّركات، يُعتبر تطوير المنتج محوراً رئيسيّاً للنّموّ والنّجاح. لقد أبدع عمالقة الأعمال مثل ستيف جوبز (Steve Jobs) وجيمس دايسون (James Dyson)  في ابتكار منتجاتٍ عالميّة المستوى، ومع ذلك، بنوا حولهم فرقاً قويّةً لضمان سير كلّ الوظائف الأخرى بكفاءةٍ وسلاسةٍ.

وأخيراً، لا يقلّ أهميّةً عن ذلك أن يتشارك الفريق الّذي توظّفه القيم نفسها الّتي يؤمن بها العمل، وأن يكون متوافقاً ثقافيّاً مع بيئة الشّركة. بالنّسبة لي، تمثّل الرّوح الإيجابيّة والانضباط في الأداء صفاتٍ تفوق أهميّة الذكاء وحده، رغم أنّ وجود كلاهما هو الأمثل؛ فالفريق الّذي يجمع بين هذه الصّفات هو من يستطيع دفع العمل نحو النّجاح المستدام وتحقيق رؤيتك بأفضل صورةٍ ممكنةٍ.

عن المؤلّف

دانييل روبين (Daniel Rubin) هو مؤسِّس ورئيس مجلس إدارة مجموعة Dune، ومؤلف كتاب " الناجي الوحيد: كيف بنيت علامة أحذية عالمية " (Sole Survivor: How I Built a Global Shoe Brand)، الّذي نشرته دار "كانبري برس" (Canbury Press) وهو متاحٌ الآن للقرّاء.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 7 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: