النجاحات المهنية ليست كافية: هل تسمح لمكانتك أن تطغى على قيمك؟
حين تتسارع وتيرة النّجاح وتزداد الأضواء بريقاً، يبقى الاختبار الحقيقيّ في قدرتك على الحفاظ على التّواضع والنّزاهة، لأنّ المناصب تزول، لكن السّلوك هو ما يدوم

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة هنا.
منذ بضع سنواتٍ، التقيت برجلٍ كان يُصنّف آنذاك من بين أبرز الشّخصيّات التّجاريّة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، اسمه يتردّد باستمرارٍ في عناوين الأخبار الرّياديّة، وكان يحظى بالإشادة على منصّات كُبرى الفعاليّات الإقليميّة. جاء لقاؤنا بعد منتدىً تحدّث فيه، وتذكّرتُ أنّني طلبت إجراء مقابلةٍ معه، ثم سألتُ عن بريده الإلكترونيّ لترتيبها، فردّ عليّ بابتسامةٍ ساخرةٍ قائلاً: "أنت صحفيٌّ؛ يفترض أن تعرف كيف تحصل عليه".
كان ردّه مفاجئاً ومحرجاً، لكنّني اكتفيت بالابتسامة والقول "حسناً"، ثم انصرفت. ومع ذلك، بقيت تلك اللّحظة تراودني لأيّامٍ وأسابيع، أعيدها في ذهني مراراً؛ هل أخطأت بطريقةٍ ما في التّعامل معه؟ هل جعلني طلبي لمعلومات الاتّصال أبدو كصحفيٍّ كسولٍ؟ أم أنّ هناك شيئاً فيّ، أو في سلوكي، دفعه للرّدّ بهذه الطّريقة؟ وبعد تأمّلٍ طويلٍ، أدركتُ أنّي لم أفعل شيئاً خاطئاً، وأنّ تصرّفه لم يكن إلا تعجرفاً بحتاً. ربّما كان استعراضاً لسلطته؛ أتصوّر أنّه أراد بطريقةٍ غير مباشرةٍ تذكيري بـ"مكاني" ضمن هذا العالم، وفرض هيمنته بشكلٍ غير مباشرٍ.
لم يغب عن ذهني ذلك اللّقاء أبداً، لكن بعد مرور السّنوات، حين تكشّف أنّ هذا الشّخص كان محور فضيحةٍ ماليّةٍ ضخمةٍ في المنطقة، عاد المشهد إلى ذهني بوضوحٍ أشدّ. كانت تلك الابتسامة المستهزئة وأداءه المتعجرف لمجرّد استعراض القوّة بمثابة إشاراتٍ صريحةٍ إلى الغرور الّذي كان سبب سقوطه في النّهاية، كما أثبتت أنّ المظاهر والزّخارف لا تصمد أمام جوهر الأمور. ومنذ ذلك الحين، صار هذا المشهد مرجعاً لي لأبقى حذراً، مصمّماً على ألّا تطغى المواقع والمناصب أو أدواري الّتي أؤديها على جوهر ما أقدّمه فعليّاً.
أذكر هذا الآن لأنّه درسٌ أساسيٌّ يجب أن نحمله معنا ونحن في منطقتنا على مشارف ما يُعرف شعبيّاً بـ«الموسم»، حين تتكدّس اللّقاءات من جميع الأحجام في جداولنا، وتسعى الشّبكات المهنيّة إلى كلّ الاتّجاهات. نصيحتي؟ كن حذراً في تفاعلاتك، لكن لا تسمح لأنانيّةٍ أو وقاحةٍ أن تقودك. مع مرور السّنوات في هذا المجال، أصبحت متيقّناً أن ّالأشخاص الجديرين بالانتباه هم أولئك الّذين يحافظون على تواضعهم، ويستمرّون في الفضول والتّعلّم، ويعاملون الآخرين بلطفٍ؛ فحين يبني الطّموح النظم البيئيّة، تبقى الشّخصيّة أساساً يحفظها ويجعلها مستمرّةً.