العبقرية ليست ضرورة: سر نجاح رواد الأعمال حسب رأي Steve Jobs

لا شكّ أنَّنا نُعجب أيما إعجاب برواد الأعمال، أليس كذلك؟ سواءً كانوا مثل ستيف جوبز Steve Jobs بعبقريّته الفذَّة وطبعه الحادّ، أو ريتشارد برانسون برؤيته الثَّاقبة وحبِّه للمغامرات، إذ تلقَّى فكرة العبقري الذي يجابه العالم وحيداً صدى واسعاً، خاصَّة في الولايات المتَّحدة.ولطالما كانت هذه الفكرة المتمثَّلة في مطاردة الأحلام مغروسةً داخل عقول جميع رواد الأعمال منذ وقتٍ طويلٍ، وكخبيرٍ قد كتب -وحاول بطرقه الخاصَّة المتواضعة تقليدهم- فإنِّني مذنبٌ كأيِّ أحدٍ آخر لوضعي هؤلاء الأشخاص محلَّ قدوةٍ.  ^[1]  

لكن هذا قد تغيَّر بالنِّسبة لي مؤخَّراً عندما قرأت اقتباساً -لا أحسبه صادراً إلّا عن جوبز- يشير إلى حقيقةٍ أكثر اطمئناناً، وكان ذلك حينما تطلَّب منِّي الأمر مراجعة بعض أفكاري حول الأمور التي يتطلَّبها التَّميُّز في ريادة الأعمال فعلاً، فنحن نعرف جميعاً الأمور المعتادة: التي هي الابتكار، والشَّغف، والرُّؤية الواضحة، أو أيِّ صفةٍ رائعةٍ قد تخطر في بالك. ولكن حين تحدَّث جوبز عن رواد الأعمال ذات مرّةٍ، كان لديه وجهة نظرٍ مختلفةٍ:

"أنا مقتنعٌ بأنَّ نصف ما يفرق روَّاد الأعمال النَّاجحين عن غير النَّاجحين هو الإصرار فقط"

أتى هذا الكلام كضربةٍ خفيفةٍ على جانب الرَّأس، إذ تتحدَّى هذه الكلمات الفكرة المثاليَّة التي يعتقدها الكثيرون منَّا حول ريادة الأعمال، في أنَّها تتعلَّق فقط -أو على الأقلِّ بشكلٍ رئيسيٍّ- بالجري وراء الأحلام والشَّغف واستغلال العبقريَّة الفطريَّة، ولكن ما يشير إليه اقتباس جوبز هو مزيَّةٌ أخرى في المقابل، ونادراً ما يتمُّ الإشارة إليها في نفس الوقت مع الشَّغف والرُّؤية الواضحة.

- الإصرار؟

بالطَّبع، أفهم ذلك، إذ إنّ بدء عملٍ تجاريٍّ من الصِّفر ليس بالأمر السَّهل، وإلّا كان الجميع قد قاموا بالأمر نفسه، وعلاوةً على ذلك، أدرك أنَّ ذلك صحيح، فالإصرار هو صفةٌ أساسيّةٌ إذا كنت تنوي الاستمرار فترةً طويلةً، وبالفعل من الصَّعب عليّ أن أذكرَ حتَّى رائد أعمالٍ واحدٍ كانت الأمور تسير بيسرٍ وسهولةٍ معه، ولم يكن يواجه تحدِّيات شتَّى، بدءاً من حساباتٍ بنكيَّةٍ تتناقص، وليس انتهاء بنظرات الارتياب من الأصدقاء، فالتَّعامل مع كلِّ ذلك يتطلَّب الإصرار.

- لكن هل نستطيع اعتبارها السِّمة الوحيدة التي تُفرِّق بنسبة 50% ما بين روَّاد الأعمال النَّاجحين وغيرهم؟

- أشعر بتحسنٍ الآن.

في عالمٍ مولعٍ بالنَّجاحات السَّريعة والابتكارات الثَّوريَّة، يؤخذ بكلِّ ما هو أحدث وأروع، أكبر وأكثر جرأةً، بكلِّ ما يخطف الأنظار ويحبس الأنفاس ويُثير الضَّجَّة، قد تتوارى قيمة الإصرار بسهولةٍ.

أجل، نحن نُعظِّم الأشخاص الاستثنائيين، العباقرة الَّذين يبدو أنَّهم يتحدُّون الظُّروف ويتسلَّقون سُلَّم العظمة بسهولةٍ، ولكن ربَّما بالفعل ليس كلّ شيءٍ بهذه السُّهولة بالنِّسبة لهم كما يبدو، فمن المحتمل وجود قصَّةٍ مختلفةٍ متواريةٍ خلف الكواليس، قصَّة صمودٍ وإرادةٍ قويَّةٍ وعزمٍ لا يتزعزع. وكما يبدو، يساعدنا الإصرار في التَّعامل مع جوانب أخرى، أقلَّ جاذبيَّةً، في ريادة الأعمال، مثل: الانتكاسات، والرَّفض، والشَّكِّ في الذَّات، والفشل بين الحين والآخر.

شاهد أيضاً: استعادة الشغف في دقائق: رحلتك نحو إعادة إشعال حماسك الداخلي

لا أنكر أهميَّة كلٍّ من الشَّغف والرُّؤية الثَّاقبة، خاصَّةً إذا كان السّباق عبارةً عن سباق جري، ولكنَّ إنشاء عملٍ تجاريٍّ دائمٍ ليس سباقاً، إنَّه ماراثون، رحلةٌ طويلةٌ، أليس كذلك؟ يعني هذا أن تكونَ حاضراً كلَّ يوم -حتَّى عندما تكون الظُّروف ضدَّك، وحتَّى عندما لا تشعر بالرَّغبة في ذلك- وإيجاد القوَّة للمضيِّ قُدماً، وأمَّا الإصرار فيقوم على قبول التَّحدِّيات والانتكاسات المحتملة التي ستواجهك واعتبارها فرصاً من خلالها تستطيع النُّموِّ والتَّعلُّم.

وبالطَّبع، يعدُّ البدء بعملٍ تجاريٍّ ممتعٍ وخلَّاق ومثيرٍ ولكن ليس دائماً، وهنا حقاً يأتي دور الإصرار، الذي يتعلَّق بتنميَّة عقليَّة المرونة والاستعداد للتَّكيُّف والصُّمود في وجه الصُّعوبات، وإدراك بأنَّ النّجاح لا يسير دائماً على خطٍّ مستقيمٍّ، وأنَّ الانتكاسات ليست بالضَّرورة عقبات، بل انعطافاتٌ لتغيير مسار الطَّريق.

إذاً شكراً ستيف جوبز مرَّةً أخرى، فأنت لا تتيح لي فقط أداء عملي بواسطة جهاز كومبيوتر أحمله معي في حقيبتي، ولكنَّك ساعدتني على معرفة أنَّ الوصول إلى التَّميُّز في ريادة الأعمال ليس أمراً مقتصراً عليك، وليس محصوراً بما ندعوهم "العظماء"، بل هو أمرٌ يستطيع تحقيقه كلُّ من لا يستسلم بسهولةٍ، بل يواصل السَّعي لتحقيق أهدافه حتَّى النِّهاية.

لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.