المستقبل المهني للشباب: هل تحل الخوارزميات محلّ الخبراء؟
من الائتمان إلى التّرميز الرّقميّ، يعيد الجيل القادم من شركات التّكنولوجيا الماليّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صياغة حركة الأموال، وانتقال الثّقة في أرجاء المنطقة
ثورةٌ صامتةٌ تجري في منظومة المال في الشّرق الأوسط، ولا تحدث داخل المصارف، بل تتكشّف في قواعد الشّيفرات الخاصّة بالشّركات النّاشئة الّتي تعيد تصوّر شكل البنية التّحتيّة الماليّة حين تُبنى خصيصاً للمنطقة، لا مقتبسةً من خارجها.
خذ على سبيل المثال الشّركات الأربع الّتي فازت في مسابقة (MoneySurge) خلال فعاليّات "موني 20/20 الشرق الأوسط" (Middle East Money20/20) هذا العام في المملكة العربيّة السّعوديّة، والّتي مثّلت أكبر تجمّعٍ للتّكنولوجيا الماليّة في المنطقة، وثاني أكبر تجمّعٍ على مستوى العالم.
من ترميز الأصول الواقعيّة وتوسيع الوصول إلى الائتمان، وصولاً إلى رقمنة معاملات السّوق الخاصّ وأتمتة الادّخار، تقوم هذه الشّركات -"رابح" (Rabeh)، و"أوربي" (Orbii)، و"زيست إكويتي" (Zest Equity)، وادّخار (Eddekhar)- ببناء الأعمدة الخفيّة الّتي سيعتمد عليها مستقبل المال في المنطقة.
متسلّحةً بالابتكار والعزم والإيمان بأنّها تسهم في بناء البنية التّحتيّة الماليّة المستقبليّة للمنطقة، تتصدّى كلٌّ من هذه المشاريع لمشكلةٍ جوهريّةٍ لطالما شكّلت عماد القطّاع الماليّ في الأسواق النّاشئة، ألا وهي: الوصول. ولكن لتخفيض الحواجز وكسب منظورٍ جديدٍ -ناهيك عن حصّة السّوق- تعمل هذه الشّركات على إعادة كتابة القواعد. ومن خلال تضمين الذّكاء الاصطناعيّ والأتمتة والبيانات اللّحظية في صميم بنية الأنظمة الماليّة، تثبت أنّ الشّمول الماليّ لا يعني التّنازل، بل يمكن أن يتحقّق بالدّقّة والشّفافيّة والثّقة.
ويُعدّ من الأهميّة بمكان أنّ هذه الشّركات النّاشئة تُظهر بوضوحٍ أنّ الجيل القادم من البنية التّحتيّة للتّكنولوجيا الماليّة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا لن يكتفي بتقليد النّماذج النّاجحة في الأسواق الأخرى، بل سيبني حلولاً مبتكرةً تعالج التّحدّيات العميقة والمتجذّرة في المنطقة. ومع حلولٍ من هذا النّوع، تمتلك المنطقة القدرة على أن تصبح ليس مجرّد مركزٍ، بل صانعة اتّجاهاتٍ في مجال التّكنولوجيا الماليّة المتوافقة مع القوانين والأنظمة. وحين حظيت رؤاها الطّموحة بالاعتراف خلال "فعاليّات موني 20/20 الشرق الأوسط"، أصبح واضحاً أنّ القصّة الكبرى التّالية للتّكنولوجيا الماليّة قد لا تنطلق من وادي السيليكون أو لندن، بل من الرّياض أو غيرها من مناطق الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يسعى جيلٌ جديدٌ من المبادرين إلى بناء طبقةٍ ماليّةٍ أكثر ذكاءً وعدلاً وترابطاً، تخدم المنطقة والعالم معاً.
على سبيل المثال، يمكن الاطّلاع على "أوربي" الّتي أسّسها نعمان علي، نصرة موجال، وغيوم كيفير في المملكة العربيّة السّعودية عام 2024. بوصفها منصّة إقراضٍ مدمجةٍ مدفوعة بالذّكاء الاصطناعيّ تمكّن المصارف والنيوبانكس وشركات التّكنولوجيا الماليّة وأنظمة B2B من تطوير وتوسيع منتجات الائتمان المخصّصة للمؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة، تقوم "أوربي" فعليّاً ببناء ما يصفه نعمان -المشارك في التّأسيس والرّئيس التّنفيذيّ- بـ "طبقة الذّكاء الائتمانيّ للتّمويل الحديث".
وما يميّز منهج "أوربي" هو كيفيّة استثمارها للذكاء بدلاً من الاقتصار على البيانات وحدها، ما يسمح بتوسيع الوصول إلى الائتمان نحو شركاتٍ كانت ستظلّ غير مرئيّةٍ للمقرضين. ويشرح نعمان قائلاً: "لطالما اعتمدت الأنظمة الائتمانيّة التّقليديّة على الماضي؛ فهي تركّز على التّاريخ وليس على السّلوك. لكن الحقيقة أنّ ملايين الشّركات لديها ملفّاتٌ ائتمانيّةٌ ضعيفةٌ أو معدومةٌ، فتظلّ غير مرئيّةٍ للنّظام الماليّ الرّسميّ، حتّى وإن كانت تتمتّع بصحّةٍ ماليّةٍ جيّدةٍ. أمّا أوربي فتغيّر ذلك، إذ تستخدم منصّتنا الذّكاء الاصطناعيّ والبيانات اللّحظيّة من مجموعةٍ واسعةٍ من المصادر لبناء صورةٍ حيّةٍ لسلوك الشّركة الماليّ. وفي أقلّ من 4 دقائق، نولّّد أكثر من ألف نقطة بياناتٍ تساعد المقرض على فهم المخاطر وإمكانات النّموّ وقدرة السّداد؛ إنّه ذكاءٌ ائتمانيٌّ يتجاوز درجة الائتمان التّقليديّة، ويعزّز دورة الإقراض بأكملها".
بالإضافة إلى تسريع أوقات المعالجة، يساعد ذكاء أوربي أيضاً في بناء طبقةٍ ماليةٍ أكثر شموليّةً -وأكثر شفافيّةً- للمؤسّسات؛ فيقول نعمان: "شهد عملاؤنا انخفاضاً يصل إلى 90% في أوقات التّقييم، وزيادةً بنسبة 68% في الموافقات، ومع توقّعات القروض المتعثّرة اللّحظيّة، نجعل حالات التّعثّر شيئاً من الماضي. لكن ما يحمّسني أكثر هو الشّموليّة الكامنة وراء هذه الأرقام؛ فنحن نساعد على فتح إمكانيّة الائتمان أمام شركاتٍ لم يُعتبر لها الإقراض ممكناً من قبل."
أمّا الهدف النّهائيّ لـ "أوربي" فهو: تعميم الوصول إلى التّمويل عبر البيانات الذّكية. ويضيف نعمان: "نؤمن بأنّ الائتمان يمكن أن يكون مربحاً وعادلاً في آنٍ واحدٍ، وهذا هو المستقبل الّذي نسعى لبنائه".
وبذلك، تجاوز حصول "أوربي" على جائزة موني 20/20 في مسابقة (MoneySurge) كونه علامةً فارقةً، ليصبح إشارةً واضحةً إلى أنّ رؤيتها تتشاركها العقول الرّائدة في الابتكار المالي بالمنطقة. ويضيف نعمان: "لم يكن الأمر مجرّد تقديرٍ، بل كان تأكيداً من بعض أذكى العقول في التّكنولوجيا الماليّة العالميّة على أهميّة ما نبنيه في "أوربي"؛ فقد جمعت مسابقة (MoneySurge) شركاتٍ ناشئةً على مستوىً عالميٍّ تُعيد تعريف قطّاع التّكنولوجيا الماليّة، وكانت فرصةً لإظهار كيف يمكن للذّكاء الائتمانيّ أن يتحوّل إلى طبقةٍ أساسيّةٍ في أنظمة المال. وأن يُعترف بنا ضمن مجموعةٍ استثنائيّةٍ من المبادرين، ولجنة تحكيمٍ تفهم بعمقٍ كلّاً من التّكنولوجيا والمال، كان أمراً محفّزاً للغاية.
ويشير نعمان أيضاً إلى أنّه من خلال الحدث أدرك أنّ اللّحظة ناضجةٌ لأولئك الّذين يبنون البنية التّحتيّة الماليّة المستقبليّة للمنطقة، ومدى تقبّل اللّاعبين التّقليديّين لهذا التّغيير؛ فيقول: "ما لفت انتباهي أكثر هو مدى جاهزيّة المنطقة للتّحوّل؛ فالمحادثات مع المصارف والمنظّمات الماليّة والهيئات الرّقابيّة وشركاء رأس المال المغامر خلال "موني 20/20 الشرق الأوسط" لم تكن حول ما إذا كان الذّكاء الاصطناعيّ سيعيد تشكيل الائتمان، بل حول مدى سرعة حدوث ذلك. وهذا يمثّل تحوّلاً كبيراً مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عامين فقط".
بالنّسبة لنعمان وفريقه، أوضح لهم الفوز في المسابقة أنّ المنطقة ليست فقط جاهزةٌ للتّغيير، بل جاهزة لتبوؤ موقع القيادة في منظومة التّكنولوجيا الماليّة على المستوى العالميّ؛ فيضيف علي: "بالنّسبة لـ"أوربي" (Orbii)، يمثّل هذا التّقدير إشارةً ومنصة انطلاقٍ في آنٍ واحدٍ؛ فهو يعزّز مصداقيّتنا لدى المؤسّسات الّتي تستكشف نماذج جديدة للإقراض المدمج، ويقوّي شراكاتنا مع اللّاعبين الإقليميّين الّذين يرون في "أوربي" جزءاً من قصّة البنية التّحتيّة. وما هو أهمّ من ذلك، فقد أكّد مجدّداً إيماننا بأنّ المنطقة قادرةٌ على القيادة عالميّاً في الجيل القادم من البنية التّحتيّة الماليّة. ونحن لا نكتفي بمجاراة الغرب، بل نبني منذ اليوم الأول شيئاً أكثر ذكاءً وشموليّةً وترابطاً، يمكن أن يعود بالنّفع على الغرب أيضاً. وقد وفّرت لنا فعاليّات "موني 20/20 الشرق الأوسط" واحدةً من أفضل المنصّات في القطّاع الماليّ لسرد هذه القصّة، والآن نحن مركّزون على توسيع نطاق تأثيرها".
مع ذلك، يعترف نعمان أنّ الوصول بـ"أوربي" إلى هذه المرحلة لم يكن سهلاً عليه وعلى فريقه. وبحسب قوله، فإنّ أكبر تحدٍّ يواجه "أوربي"، وكذلك غيرها من الشّركات النّاشئة التي تعمل في مجالي التّكنولوجيا الماليّة والذّكاء الاصطناعيّ هو مسألة الثّقة. ويشرح قائلاً: "عندما تطلب من المؤسّسات أن يسمحوا للذّكاء الاصطناعيّ بالمساعدة في تحديد من يستحقّ الائتمان، فأنت لا تبيع برنامجاً فحسب، بل تطلب منهم إعادة التّفكير في كيفيّة تقييمهم للمخاطر والمسؤوليّة والحكم البشري… ففي الإقراض، لا تُبنى الثقة بين ليلةٍ وضحاها."
ويشير أيضاً إلى أنّ الشّركات النّاشئة مثل شركته، لتتمكّن من محاكاة أداء نماذج المخاطر، وأطر الامتثال، وعمليّات اتّخاذ القرار الّتي استثمرت المصارف والمؤسّسات الماليّة عقوداً طويلة في بنائها، يجب أن تكسب أوّلاً ثقة المقرضين. ولتحقيق ذلك، قرّر هو وفريقه تصميم نماذج "أوربي" بالشّراكة مع المقرضين. ويضيف: "نحن لا نستبدل خبرة المقرض، بل نُعزّزها؛ فنماذجنا قابلةٌ للتّفسير ومكوّنةٌ من وحداتٍ، ما يعني أنّ المؤسّسات يمكنها إضافة تحصينتها الخاصّة فوق طبقة الذّكاء الخاصّة بنا. ويمكنها إدراج سياساتها ومعايير المخاطر وقواعد اتّخاذ القرار في نظامنا، محافظين على ما يميّزها، بينما يستفيدون من سرعة ودقّة الذّكاء الاصطناعيّ".
كما يشرح أنّ "أوربي" لا تعمل بمعزلٍ عن غيرها؛ فشركات التّكنولوجيا الماليّة الأخرى في المنطقة تستخدم تقنياتٍ مثل الذّكاء الاصطناعيّ لتحسين الوصول إلى التّمويل، وهو ما يعتبره دليلاً واضحاً على تطور النّظام البيئيّ الماليّ بشكلٍ عامٍّ. ويضيف: "ما يثير الحماس هو أنّ هذا التّحوّل معدٍ. ونحن نشهد بالفعل منصّاتٍ أخرى تبدأ في التّفكير من منظور طبقات الذّكاء، لا مجرّد المنتجات الرّقميّة فحسب. وتدرك المنطقة أنّ الشّمول الماليّ لا يتحقّق عبر خفض المعايير، بل من خلال رفع مستوى الذّكاء".
وعلى غرار "أوربي"، هناك شركةٌ ناشئةٌ أخرى تعيد رسم مفهوم الوصول إلى التّمويل، وهي شركة "ادّخار" منصّة التّوفير الرّقميّ والصّحة الماليّة في المملكة العربيّة السّعوديّة، التي نالت جائزة التّأثير في مسابقة (MoneySurge). تأسّست ادّخار عام 2020 على يد عبد الكريم الخياري، لتوفّر بنيةً تحتيّةً سلسةً للتّوفير للموظّفين، عبر تمكين الشّركات من إدماج المدّخرات مباشرةً في أنظمة الرّواتب الخاصّة بها، إذ تساعد المنصّة الموظّفين على "ادخار" جزءٍ من رواتبهم بشكلٍ تلقائيٍ كلّ شهرٍ، مع تكاملٍ كاملٍ مع أنظمة الرّواتب في كلٍّ شركةٍ، بحيث تُخصم المدّخرات تلقائيّاً وتودَع في حساباتٍ آمنةٍ ومخصّصةٍ لكلّ موظّفٍ.
ويؤكّد عبد الكريم -الشّريك المؤسّس ورئيس قسم التّكنولوجيا في ادّخار- لمجلة "عربيةInc. ": "مهمّتنا هي جعل التّوفير بسيطاً، متاحاً، وجزءاً من الحياة اليوميّة؛ فالتّحدّي بالنّسبة للكثيرين ليس غياب الرّغبة في الادّخار، بل التّعقيد والاحتكاك المرتبطين بالعمليّة نفسها".
بالنّسبة لعبد الكريم، كان أحد أكبر التّحدّيات الّتي واجهتها "ادّخار" هو تشجيع الشّركات على تبنّي نموذجٍ لم يصبح بعد ممارسةً معياريّةً في المملكة. ويشرح قائلاً: "يقدّم قليلٌ من أصحاب العمل برامج للتّوفير حاليّاً، إذ يُنظر إلى هذه المبادرات غالباً على أنّها 'شيءٌ مرغوبٌ فيه' وليس ضروريّاً. تقليديّاً، إدارة هذه البرامج تتم يدويّاً وبشكلٍ مرهقٍ، من خلال جداول بياناتٍ وموافقاتٍ وتنسيقٍ مع الرّواتب. وقد أدركنا أنّه لكي يحدث التّبني الحقيقيّ، كان علينا إزالة كلّ طبقات الاحتكاك. ولهذا تم تصميم "ادّخار" لتكون العمليّة مؤتمتاً بالكامل، ما يلغي الأعباء الإداريّة عن الشّركات، ويسمح للموظّفين بالادّخار بسهولةٍ عبر دمج الرّواتب."
ومن منظورٍ أوسع، يشير عبد الكريم إلى أنّ "ادّخار" لا يقتصر دوره على تبسيط عمليّة التّوفير للموظّفين، بل يساهم أيضاً في بناء بنيةٍ تحتيّةٍ تربط المؤسّسات الماليّة مع أقسام الموارد البشريّة وأنظمة الرّواتب، وهو أساسٌ -كما يقول- لا وجود له اليوم؛ فيشرح قائلاً: "تمكّن هذه الطبقة من التّوفير التّلقائيّ على نطاقٍ واسعٍ، وتؤسّس لبيئةٍ ماليّةٍ أكثر شموليّةً وكفاءةً وترابطاً عبر المنطقة."
بعد أن أسّست "ادّخار" قاعدةً متينةً في المملكة العربيّة السّعوديّة، تتطلّع الشّركة الآن إلى توسيع نطاق الوصول إلى خدماتها في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، بهدف إرساء طبقةٍ جديدةٍ من البنية التّحتيّة الماليّة تعزّز الشّمول والاستقرار والرّفاه الماليّ طويل الأمد للقوى العاملة". ومن هذا المنطلق، كانت المشاركة في مسابقة (MoneySurge) خلال "فعاليات موني 20/20 الشرق الأوسط"- وهي بحسب عبد الكريم حدثٌ عالميّ المستوى- خطوةً حاسمةً لمسار الشّركة بينما تستعدّ لمراحل نموٍّ إضافيةٍّ.
ولم تقتصر قيمة هذه الفعاليّة على ما أتاحته لعبد الكريم وفريقه من فرصٍ للتّواصل مع روّاد الصّناعة والمبتكرين الّذين يقودون مستقبل المال في المنطقة، بل شكّل اعتراف الحدث بشركة "ادّخار" تأكيداً على جوهر الرّسالة التي تعمل من أجلها. ويقول عبد الكريم: "كان اختيارنا كأكثر شركةٍ ناشئةٍ تأثيراً في مجال التّكنولوجيا الماليّة لحظة فخرٍ لنا جميعاً، وشهادةً على مهمّتنا في "ادّخار" لجعل الادخار بسيطاً ومتاحاً، وجزءاً طبيعيّاً من الحياة اليوميّة. هذا التقدير يعمّق إيماننا بأنّنا نبني شيئاً ذا معنىً، وإن شاء الله، ما زال أمامنا الكثير لنقدّمه؛ فالرّؤية والاعتراف اللّذان نلناهما من "موني 20/20 الشرق الأوسط" سيشكّلان دافعاً قويّاً لنا ونحن نخطو نحو مرحلة النّموّ التّالية، من خلال عقد شراكاتٍ استراتيجيّةٍ، وتوسيع قاعدة مستخدمينا، وتعزيز البنية التّحتيّة الماليّة الّتي تمكّن أصحاب العمل والموظّفين معاً في مختلف أنحاء المنطقة.
تعمل شركة التّكنولوجيا الماليّة "رابح" النّاشئة في المملكة العربيّة السّعوديّة على توسيع الوصول إلى الخدمات الماليّة بطريقةٍ تميّزها في المنطقة. تأسست الشّركة عام 2023 على يد محمد السلمي، وتمكّن من الاستثمار الرّقميّ وترميز الأصول ضمن إطارٍ متوافقٍ مع الشّريعة. ومن خلال تقديم الملكيّة الجزئيّة والتّحقّق المدعوم بتقنية البلوك تشين في العقارات والصّناديق والمشاريع الخاصّة، تهدف "رابح" إلى جعل الاستثمارات الخاصّة والعقاريّة في متناول جمهورٍ أوسع.
ويشرح محمد، مؤسّس ومدير عام "رابح:" "تربط منصّتنا المستثمرين وأصحاب الأصول والمؤسّسات عبر العقود الذّكيّة والشّهادات الموثّقة، ما يخلق منظومةً شفّافةً وفعّالةً. وتمكّن هذه المقاربة من الوصول إلى فرصٍ استثماريّةٍ ذات قيمةٍ عاليةٍ كانت تقليديّاً مقتصرةً على المؤسّسات أو الأفراد ذوي الثّروات الضّخمة، مع الحفاظ على التّوافق الكامل مع أنظمة هيئة السّوق الماليّة وبرنامج تطوير القطاع المالي لرؤية 2030، ومن خلال مختبر التّكنولوجيا الماليّة".
بوصفه مؤسّساً يعمل في صناعةٍ ناشئةٍ نسبيّاً في المنطقة، يقول محمد السلمي إنّ أكبر تحدٍ واجه شركته حتّى الآن كان كسب ثقة المستخدمين، لا سيما عند تقديم مفهوم التّرميز كآليّة استثمارٍ متوافقةٍ مع الأنظمة. ويشير محمد قائلاً: "كان لا بدّ من إعادة صياغة مفهوم 'الأسهم الرّقميّة' أو 'شهادات الاستثمار' من منتجٍ تقنيٍّ إلى أداةٍ ماليّةٍ منظّمةٍ. وتغلّبنا على ذلك من خلال الشّراكة مع مؤسّساتٍ خاضعةٍ للتّنظيم، واستخدام حالاتٍ تطبيقيّةٍ واقعيّةٍ -مثل العقارات المرّمزة ومحافظ المشاريع- لإثبات الشّفافيّة، وإمكانيّة التّدقيق، والامتثال للشّريعة."
ويضيف محمد: "من خلال هذه التّكاملات، تقوم "رابح" بإنشاء بنيةٍ تحتيّةٍ ماليّةٍ رقميّةٍ جديدةٍ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تربط المستثمرين مباشرةً بالأصول الحقيقيّة، وتؤتمت الامتثال، وتدعم التّداول الثّانويّ لرموز الاستثمار، ما يحسّن السّيولة في الأسواق الّتي كانت سابقاً قليلة السّيولة أو غير متاحةٍ".
وبالاستناد إلى هذا السّياق، يتضّح سبب فوز شركة التّكنولوجيا الماليّة "رابح" بجائزة (Seed Award) في مسابقة (MoneySurge) خلال فعاليّات "موني 20/20 الشرق الأوسط" هذا العام، وبالنّسبة لمحمد، شكّل ذلك "معلماً فارقاً" لمسار الشّركة. ويقول محمد: "أكّد تكريمنا بجائزة (Seed Award) أكّد مهمّتنا في جعل الوصول إلى الاستثمار شاملاً ومتوافقاً مع الأنظمة. كما أتاحت لنا هذه الفرصة التّواصل مع كبار المستثمرين، والجهات التّنظيميّة، والشّركاء العالميّين، ممّا سرّع إقامة شراكاتٍ استراتيجيّةٍ تُشكّل الآن المرحلة التّالية لنموّ "رابح"، بما في ذلك إطلاق منصّتنا المنظمة قريباً، والتّوسّع في الاستثمارات الرّقميّة عبر الحدود.
تشكّل قصة "رابح" جزءاً من حركةٍ أوسع تتشكّل في المنطقة، حيث تستفيد الشّركات النّاشئة في مجال التّكنولوجيا الماليّة من التّقنيات لتوسيع الوصول إلى الائتمان، والاستثمارات، والادّخار.
وفي هذا السّياق، تتألّق الشّركة الفائزة النّهائيّة في مسابقة (MoneySurge) لهذا العام: "زست إكويتي" -الشّركة النّاشئة المقامة في الإمارات والّتي تبني طبقة البنية التّحتيّة الرّقميّة للمعاملات في السّوق الخاصّ، وقد نالت جائزة (Scale Award).
تأسّست "زست إكويتي" عام 2021 على يد روان بدور وزهير شمّة في الإمارات، وتدعمها مجموعةٌ من المستثمرين الإقليميّين والعالميّين، من بينهم "بروسَس فنتشرز" (Prosus Ventures) و"ميدل إيست فنتشر بارتنرز" (Middle East Venture Partners - MEVP) و"مورغان ستانلي" (Morgan Stanley)، لبناء النّسيج الرّقميّ الّذي يشكّل حلقة الوصل بين المؤسّسات والمستثمرين.
وتوضّح روان لمجلة "عربيةInc. ": ما نبنيه فعليّاً هو طبقة البنية التّحتيّة، أو كما نحبّ أن نطلق عليها، الأنابيب، الّتي تسمح بتدفّق المعاملات بكفاءةٍ أكبر، مع الشّفافيّة وإمكانيّة التّتبع الّتي يحتاجها هذا السّوق ليواصل ازدهاره. تبني "زست إكويتي" طبقة البنية التّحتيّة الرّقميّة للمعاملات في السّوق الخاصّ لتسريعها وجعلها أكثر شفافيّةً، إذ تزيل منصّتنا العقبات المرتبطة بإدارة الأطراف المختلفة عبر قنوات اتّصالٍ متعدّدةٍ، وتبسّط عمليّة التّنفيذ ضمن سير عملٍ رقميٍّ موحّد يمكّن كلّ من يقود استثماراً في أصلٍ خاصٍّ -سواء من الصّناديق والمكاتب العائليّة، أو النّقابات والمبادرين- من جمع مستثمريهم، ورقمنة عمليّات الامتثال، وتنفيذ صفقاتهم بسلاسةٍ".
بالنّسبة لشركة "زست إكويتي"، الأهداف واضحةٌ، إذ تقول روان: "نسعى لجعل المعاملات في السّوق الخاصّ عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سلسةً وموثوقةً كما هي المدفوعات اليوم". وتتابع روان: "ويعني ذلك الشّفافيّة، وسير العمل المبسّط، والحوكمة المضمّنة، والامتثال، وإمكانيّة التّتبع، لتزويد القادة في الصّفقات ومستثمريهم بالأدوات اللّازمة لتنفيذ معاملاتهم."
ويُتيح أوّل منتجٍ للشّركة لأيّ شخصٍ يقود معاملةً جمع شبكة مستثمريه تحت هيكلٍ استثماريٍّ واحدٍ، بما يتناسب مع مختلف فئات الأصول، بما في ذلك المشاريع النّاشئة، والأسهم الخاصة التّقليديّة، والعقارات. وتضيف روان: "استناداً إلى ذلك، يُعدّ منتجنا الأساسيّ مجموعة معاملاتٍ رقميّةً متكاملةً تمكّن قادة الصّفقات من دمج المستثمرين في هيكل قانونيٍّ موحّدٍ (SPV) وتنفيذ الاستثمارات من البداية إلى النّهاية بسلاسةٍ. كما يوفّر هياكل معياريّةً قابلةً للتّخصيص تُتيح لأيّ شخصٍ -سواء كان مدير صندوق، أو مكتباً عائليّاً، أو صاحب عملٍ- تخصيص المعاملة وفق المتطلّبات التّجاريّة والقانونيّة".
منذ انطلاقتها قبل 4 سنواتٍ، تمكّنت "زست إكويتي " من رقمنة أكثر من 210 ملايين دولارٍ أمريكيٍّ عبر أكثر من 160 معاملةً. لكن هذا الإنجاز لم يأتِ بسهولةٍ، إذ تروي روان أنّ الفريق اضطرّ بشكلٍ مستمرٍّ لإثبات قيمة منصّته أمام جميع الأطراف المعنيّة. وتوضح قائلةً: "كانت أصعب التّحدّيات في العقليّة السّائدة، إذ تعمل الأسواق الخاصّة وفق تدفّقاتٍ مخصّصةٍ تعتمد على خصوصيّات كلّ معاملةٍ، وعلى مدى سنواتٍ، كانت هذه العمليّات يدويّةً وغير معياريّة: سلاسل طويلة من الرّسائل الإلكترونيّة، وجداول بيانات، ومقدّمو خدماتٍ متعددون يتولّون أجزاء مختلفةً من التّنفيذ. تعلّمنا منذ البداية أنّ الحديث عن قيمة الرّقمنة وحده لا يكفي، بل يجب إثباتها عبر تنفيذٍ متّسقٍ يقدّم قيمةً حقيقيّةً في كلّ مرّةٍ. وقد أظهرت معاملات الرّقمنة عبر "زست إكويتي" أنّها تُنجز بسلاسةٍ أكبر مقارنة بالعمليّات التّقليديّة، كما وفّرت وضوحاً مستمرّاً طوال العمليّة، ما ساعدنا على تغيير التّصوّرات. ومع مرور الوقت، كان هذا هو الأساس الّذي بنى الثّقة والاطمئنان."
لقد شكّل هذا الأساس من الثّقة حجر الزّاوية في نجاح الشّركة خلال فعاليّات "موني 20/20 الشرق الأوسط"، إذ لم تقتصر أهميّة الحدث على الجوائز فحسب، بل منح فريق "زست إكويتي" فرصةً فريدةً للتّواصل مع روّاد التّكنولوجيا الماليّة من مختلف أرجاء المنطقة، ومقارنة تجربتهم بأفضل الممارسات الإقليميّة والدّوليّة. وتوضّح روان: "لقد كانت لحظة فخرٍ حقيقيّةً بالنّسبة لنا؛ فقد جاء حدث "موني 20/20" منسّقاً بعنايةٍ فائقةٍ، وجمع بين أذكى العقول في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة، ما أتاح لنا تقديم مهمّة "زست إكويتي" أمام جمهورٍ متخصّصٍ يفهم احتياجات السّوق بدقّةٍ. كما أنّ الفوز بجائزة (Scale Award) لم يؤكّد رؤيتنا فحسب، بل أكّد أيضاً أنّ المشكلة الّتي نحاول حلّها تتوافق تماماً مع ما يتطلّبه السّوق".
وتتضّح أهميّة هذا الاعتراف أكثر عندما نضع في الاعتبار أنّ منطقتنا لا تزال في مراحلها الأولى من الرّقمنة. إذ تؤمن "زست إكويتي" بأنّ بناء طبقة بنيةٍ تحتيّةٍ شاملةٍ لتنفيذ المعاملات في السّوق الخاصّ ليس مجّرد خطوةٍ تقنيّةٍ، بل استثمار في كفاءة السّوق وشفافيّته ومصداقيّة المعاملات. لقد أثبت هذا التّقدير أنّ الوقت قد حان لإطلاق الرّكائز الرّقميّة، كما أعاد التّأكيد على حقيقةٍ أساسيّةٍ: منظومة الشّركات النّاشئة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تعد مجرّد متتبّعةٍ للاتّجاهات العالميّة، بل أصبحت هي من يحدّدها ويقودها.
لكن بناء طبقةٍ جديدةٍ من البنية التّحتيّة الماليّة الرّقميّة للمنطقة، والّتي تُسهم في توسيع الوصول إلى التّمويل وتغيير حركة المال، ليس بالأمر الهيّن. فإلى جانب الحاجة لتغيير العقليّات والتّغلّب على تحدّيات التّكيّف مع السّرعة الهائلة الّتي تتطوّر بها التّقنيات الجديدة، يشير مؤسّسو الشّركات الأربع الّتي أجرَت معهم "عربيةInc. " مقابلاتٍ لهذا المقال إلى أنّهم اضطرّوا لمواجهة عقباتٍ إضافيّةٍ أيضاً. فمثلاً، وبسبب المستوى المنخفض لاختراق الخدمات الماليّة في المنطقة، وجد هؤلاء المؤسّسون أنّ التّحوّلات السّلوكيّة المطلوبة لتعزيز التّبنّي غالباً ما تتأخّر عن وتيرة التّغيير نفسها، ممّا يزيد من تعقيد مهمّة إدخال الابتكارات الماليّة الجديدة.
يشرح نعمان علي من "أوربي" قائلاً: "يمثّل الشّمول الماليّ في المنطقة تحدّياً متعدّد الأبعاد؛ فالحواجز ليست تكنولوجيّةً فحسب، بل تمتدّ لتشمل السّلوكيّات والتّنظيمات والهيكليّة." ويضيف: "على أرض الواقع، لا تزال العديد من الشّركات الصّغيرة والمتناهية الصّغر تعمل خارج النّظام الرّسميّ؛ فهي لا تمتلك بياناتٍ ماليّةً مدقّقةً أو سجلّاتٍ ائتمانيّةً، وبالتّالي تبدو وفق المقاييس التّقليديّة محفوفةً بالمخاطر، حتّى وإن كانت مزدهرةً."
ويوافقه الرّأي محمد السلمي من "رابح"، مشيراً إلى أنّه رغم التّقدّم الكبير في اختراق السّوق، غالباً ما تضطر شركات التّكنولوجيا الماليّة إلى جعل التّثقيف الماليّ جزءاً أساسيّاً من رحلتها لتغيير السّلوك الماليّ؛ فيقول: "لا تزال الحواجز الثّقافيّة والسّلوكيّة كبيرةً؛ فالعديد من المستثمرين ما زالوا يربطون التّكنولوجيا الماليّة بالمخاطر أو التّعقيد. وقد كان ردّنا تصميم تجربة مستخدمٍ تعليميّةٍ، ثنائيّة اللّغة، وبديهيّةٍ، تجمع بين أدوات التّثقيف الماليّ وكشوفاتٍ واضحةٍ وإجراءات انضمامٍ آليّةٍ."
وبالمثل، ترى روان بدور من "زست إكويتي"، الّتي تبني البنية التّحتيّة لإدارة أموال المستثمرين، أنّ الحواجز الرّئيسة لا تزال تتمثّل في الثّقة والشّفافيّة. وتشير أيضاً إلى القيود الّتي تفرضها التّقنيات والأدوات التي تستخدمها الشّركات النّاشئة مثل شركتها. وتوضّح قائلةّ: "لا يمتلك العديد من المستثمرين رؤيةً شاملةً للعمليّة من بدايتها حتّى نهايتها؛ فقد يُطلب منهم تقديم مستندٍ في يومٍ ما، وتوقيعٍ في يومٍ آخر، ثم بعد أسابيع رسالة عبر واتساب تُطلب منهم تمويل استثمارهم. وعلى الجانب الآخر، يكون المسؤولون عن المعاملة لديهم اتّصالاتٌ منفصلةٌ ومتوازيةٌ مع كلّ مستثمرٍ على حدة. هذه الطّريقة في إدارة العمليّة ليست مستدامةً، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بأمرٍ معقّدٍ مثل الاستثمار في أصلٍ خاصٍّ".
ومن جانبه، يوضّح عبد الكريم الخياري من "ادّخار" أنّ أحد أكبر التّحديات الّتي تواجه شركات التّكنولوجيا الماليّة المبتكرة في المنطقة يتمثّل في التّنقل ضمن الأطر التّنظيميّة، لكنّه يرى أنّ هذا العائق "ضروريٌّ ومنطقيٌّ". ويشرح قائلاً: "في مجال التّكنولوجيا الماليّة، لا يُعدّ الامتثال عقبةً، بل مسؤوليّة؛ فهو يضمن أن ما نبنيه آمنٌ ومستدامٌ ومتوافقٌ مع الثّقة التي يمنحنا إياها المستخدمون والمؤسّسات. بالنّسبة لشركة "ادّخار"، كانت الرّحلة التّنظيميّة صارمةً -استغرق الحصول على التّرخيص والموافقات الأوّليّة أكثر من عامٍ- لكنّها أيضاً كانت عمليّةً مجزيةً عزّزت أساس منصّتنا".
تقدّم مثل هذه القصص مؤشّراً على الدّعم الّذي تقدّمه الأطر التّنظيميّة والمؤسّسات والرّؤى الوطنيّة في المنطقة للشّركات النّاشئة المبتكرة في مجال التّكنولوجيا الماليّة. ففي المملكة العربيّة السّعوديّة، وامتثالاً لهدف رؤية 2030 في تحويل المملكة إلى اقتصادٍ رقميٍ متقدّمٍ، وضعت مؤسّسة النّقد العربيّ السّعوديّ (SAMA) الأسس التّنظيميّة اللّازمة لتمكين الابتكار في قطّاع التّكنولوجيا الماليّة. ومن خلال مبادراتٍ مثل: الصّندوق التّجريبيّ التّنظيميّ المفتوح دائماً، وخدمات الدّفع الشّاملة، وأطر البنك المفتوح، بالإضافة إلى تراخيص مصمّمةٍ خصيصاً للفاعلين الرّقميّين فقط، تخلق (SAMA) مساراً واضحاً وداعماً للشّركات النّاشئة لاختبار حلولها، وتوسيع نطاق عملها، والتّشغيل ضمن بيئةٍ موثوقةٍ.
وفي سياقٍ تكامليٍّ، يوفّر مختبر التّكنولوجيا الماليّة لدى هيئة السّوق الماليّة (CMA) منصّة موازية للابتكارات في أسواق رأس المال، ما يتيح للشّركات النّاشئة والمؤسّسات الماليّة تجربة نماذج جديدةً للتّداول الرّقميّ، والاستثمار، والتّمويل الجماعيّ، تحت إشرافٍ تنظيميٍّ دقيقٍ، ممّا يعزّز من إمكانيّة الابتكار واستدامته في بيئةٍ خاضعةٍ للرّقابة.
ويؤكّد عبد الكريم الخياري من "ادّخار "ذلك، مشيراً إلى أنّ الجهات التّنظيميّة في موطنه المملكة العربيّة السّعوديّة، بعيداً عن إعاقة التّقدّم، توفّر لهم دعماً فعليّاً وتخلق بيئةً يمكن للابتكار أن يزدهر فيها. كما يرى أنّ حماسة الجهات التّنظيميّة لدعم شركات التّكنولوجيا الماليّة -مثل شركته- تمثّل فرصةً للمشاركة في تصميم البنية التّحتيّة الماليّة للمنطقة. ويضيف: "نحن لا نرى التّنظيم كعائقٍ، بل كشراكةٍ متطوّرةٍ بين المبتكرين والمؤسّسات، شراكة تمهّد الطّريق لشركات التّكنولوجيا الماليّة مثل شركتنا لتصميم الجيل القادم من الحلول الماليّة الشّاملة والموثوقة."
وبالمثل، يوضّح محمد السلمي من "رابح" أنّ العمل من قلب المملكة العربيّة السّعوديّة في هذا الوقت الّذي يشهد تحوّلاً رقميّاً متسارعاً، منح شركته ميزةً فريدةً لا تتكرّر؛ فيقول: "لقد كان التّقدّم التّنظيميّ في المملكة استثنائيّاً بحقٍّ؛ فالأطر الّتي وضعتها هيئة السّوق الماليّة من خلال مختبر التّكنولوجيا الماليّة (CMA FinTech Lab)، إلى جانب بيئة الاختبار التّجريبيّة التّابعة للبنك المركزيّ السّعوديّ .(SAMA Sandbox)وأطر عمل مكتب المراجعة الشّرعيّة، جميعها مكّنت المبتكرين مثلنا من اختبار حلولهم وتوسيع نطاقها ضمن بيئةٍ آمنةٍ ومنضبطةٍ. كما أنّ هذا الانفتاح المؤسّسيّ على التّجريب، مقترناً بالزخم الكبير للتّحوّل الرّقميّ الّذي تشهده المملكة، يسهم في تسريع وتيرة الشّمول الماليّ على نحوٍ غير مسبوقٍ".
غير أنّ المشهد التّنظيميّ الدّاعم للابتكار لا يقتصر على المملكة العربيّة السّعودية وحدها، إذ تمتدّ ملامحه لتشمل المنطقة بأسرها، حيث تتسارع جهود بناء منظومةٍ ماليّةٍ رقميّةٍ تحتضن التّجربة وتُمكّن التّطوير. وفي هذا السّياق، تُشير روان بدور من "زست إكويتي" إلى أنّ البيئة التّنظيميّة المتنامية في أنحاء الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا باتت تُهيّئ أرضاً خصبةً لازدهار شركات التّكنولوجيا الماليّة مثل شركتها، وتفتح أمامها آفاقاً جديدةً للاستحواذ على حصّةٍ أكبر من السّوق. وتقول: "تقوم الجهات التّنظيميّة في مختلف دول المنطقة بعملٍ استثنائيٍّ في صياغة أطر تُتيح لشركات التّكنولوجيا الماليّة العمل بأمانٍ والتّوسّع بمسؤوليّةٍ. ومن النّادر أن نشهد هذا المستوى من الابتكار والاستباقيّة من جانب الجهات التّنظيميّة؛ إنّه أمرٌ فريدٌ بحقٍّ. فالمنطقة تتعلّم بسرعة،ٍ ونحن ننمو بخطىً متوازيةٍ مع هذا التّقدّم".
ويُبرز نعمان علي من "أوربي" أنّ التّسارع الملحوظ في وتيرة الابتكار ضمن الأطر التّنظيميّة في المنطقة يشكّل في حدّ ذاته عامل تميّز جوهريّاً لشركات التّكنولوجيا الماليّة مثل شركته. ويقول: "لا تكتفي الجهات التّنظيميّة في السعودية والإمارات بمراقبة حركة الابتكار في مجال التّكنولوجيا الماليّة، بل تسهم فعليّاً في صياغتها وتوجيه مسارها؛ فإطارات العمل الخاصّة بالمصرفيّة المفتوحة، وصناديق التّجريب المخصّصة للتّكنولوجيا الماليّة، وسياسات مشاركة البيانات، تُنشئ جميعها ممراً آمناً يتيح للأنظمة المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ التّوسّع بشكلٍ مسؤولٍ. والنّتيجة نظامٌ بيئيٌّ يزداد نضجاً وتعقيداً وانفتاحاً في آنٍ واحدٍ. ونحن اليوم نشهد تعاوناً غير مسبوقٍ بين الجهات التّنظيميّة والمقرضين والمبتكرين لبناء طبقةٍ جديدةٍ من البنية التّحتيّة الماليّة، تقوم على الذّكاء، وقابليّة التّشغيل البينيّ، والشّمول الماليّ".
ويضيف نعمان أنّ هذه الجهود الجماعيّة والحرص على بناء المستقبل تمنح شركات التّكنولوجيا الماليّة ميّزةً تنافسيّةً؛ فيقول: "ما يميّز البناء في هذه المنطقة هو أنّنا لسنا مقيّدين بالبنية التّحتيّة القديمة، بل نبتكر من الصّفر. وهذا يمنحنا ميّزةً كبيرةً. الأطر التّنظيميّة المتعلّقة بالبنوك المفتوحة، وحوكمة الذّكاء الاصطناعيّ، والهويّة الرّقميّة تتطوّر بسرعةٍ، وغالباً بتعاونٍ مباشرٍ بين الحكومات والمبتكرين. وهذا التّناغم بين السّياسة والتّقنيّة هو ما سيمكّن شركاتٍ مثل "أوربي" من تحقيق أثرٍ قابلٍ للتّوسّع".
وبينما يتطلّع جميع هؤلاء المبادرين إلى مستقبل الابتكار في التّكنولوجيا الماليّة بالمنطقة، يشتركون في عددٍ من القواسم المشتركة، أبرزها إيمانهم الرّاسخ بأنّ عملهم يسهم في بناء مستقبلٍ ماليٍّ للمنطقة. وما يثير الإعجاب في ثقتهم هو أنّهم لا يراهنون على أنفسهم فقط، بل يراهنون أيضاً على نجاح شركات التّكنولوجيا الماليّة الأخرى الّتي تعمل إلى جانبهم، وفي بعض الحالات، تتنافس معهم. ويقول محمد السلمي من "رابح ": "شركات التّكنولوجيا الماليّة -مثل شركتنا- ضروريّةٌ لبناء نظامٍ ماليٍّ موثوقٍ وقابلٍ للتّشغيل البينيّ في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظامٌ يتعايش فيه الابتكار والامتثال معاً". ويوافقه عبد الكريم الخياري من "ادّخار" الرّأي، مضيفاً: "تمتلك شركاتٌ ناشئةٌ مثل شركتنا فرصةً فريدةً لتوطين الابتكار، وذلك لتصميم منتجاتٍ تعكس كيف يعيش النّاس في منطقتنا ويعملون ويخطّطون لمستقبلهم. ومن خلال دمج التّكنولوجيا مع التّعاطف، يمكننا إعادة تشكيل السّلوك الماليّ بطريقةٍ تدعم الأفراد والمؤسّسات على حدٍّ سواء".
أمّا روان بدور من "زست إكويتي"، فتؤكّد أنّها ترى شركتها تلعب دوراً محوريّاً في البنية التّحتيّة الماليّة للمنطقة، الأمر الّذي بدوره سيفتح آفاقاً وفرصاً جديدةً؛ فتقول: "نعتقد أنّ "زست إكويتي" تضع الأساس لكيفيّة عمل الأسواق الخاصّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقد المقبل: مبسّطةٌ، موحّدةٌ، شفّافةٌ، وأكثر ترابطاً. ومع استمرار نضج النّظام البيئيّ، ستصبح منصّتنا بمثابة النّسيج الرّابط بين المستثمرين والمبادرين ورأس المال. ونحن لا نبني أدواتٍ فحسب، بل نغرس الثّقة والشّفافيّة والكفاءة في كلّ معاملةٍ… والرّؤية طويلة المدى؟ أن تصبح المنطقة ليس مجرّد وجهةٍ لرأس المال الخاصّ، بل مولّداً له، مدعوماً بالبنية التّحتيّة الّتي نبنيها اليوم".
وفي الوقت نفسه، بالنّسبة للمبادرين السّعوديّين عبد الكريم الخياري ومحمد السلمي، فإنّ المشاركة في تحقيق رؤية المملكة 2030 تشكّل مبدأً إرشاديّاً، يسهم في دفع الابتكار على صعيد الأعمال والأمّة ككلٍّ. ويشير محمد إلى أنّه يتصوّر أن تصبح "رابح" لاعباً إقليميّاً في البنية التّحتيّة، يقود الرّكائز الرّقميّة لترميز الأصول المتوافقة مع الأنظمة، وتداول السّوق الثّانويّ، وإدارة الصّناديق الرّقميّة". ويضيف: "هدفنا هو تحويل الطّريقة الّتي تموَّل وتملك وتتداول بها الأصول، وتمكين المستثمرين، ودعم الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة، والمساهمة في النّسيج الاقتصاديّ الرّقميّ لرؤية 2030."
وبالمثل، يؤكّد عبد الكريم أنّه يرى "ادخار" تلعب دوراً تأسيسيّاً في تعزيز الرّفاهيّة الماليّة ليس فقط في المملكة، بل في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا ككلٍّ. ويقول: "هدفنا أن نصبح العمود الفقري الموثوق للادّخار للموظّفين في جميع أنحاء المنطقة، وتمكين المؤسّسات من تقديم الرّفاهيّة الماليّة كميّزةٍ أساسيّةٍ، لا كأمرٍ ثانويٍّ". ويضيف أنّ مهمّة "ادّخار" في دعم بناء الطّبقة التّالية من ابتكار البنية التّحتيّة للتّكنولوجيا الماليّة تتماشى تماماً مع مسار المملكة ككلٍّ. ويقول: "تماشياً مع الرّؤية الّتي يحدّدها تحوّل المملكة 2030، نسعى إلى المساهمة في ترسيخ ثقافة الادّخار والأمن الماليّ طويل المدى. وسيكون العقد المقبل من الابتكار في التّكنولوجيا الماليّة بمنطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا عن خلق قيمةٍ تدوم، وإن شاء الله، ستكون "ادخار" جزءاً من الأساس الّذي يجعل ذلك ممكناً".
كما يتطلّع نعمان علي من "أوربي" إلى هذا المستقبل الّذي تسهم شركته في رسم ملامحه. فيقول: "نحن ندخل عقداً حاسماً من مسيرة الابتكار الماليّ في المنطقة، عقداً تتحوّل فيه البيانات والثّقة والذّكاء إلى ركائز جديدةً للنّموّ، تحلّ محل البنى التّحتيّة التّقليديّة. ونرى أنفسنا جزءاً من النّسيج المحرّك لهذا التحوّل، نساعد المؤسّسات الماليّة والفاعلين الجدد على الانتقال من أنظمةٍ متفرقةٍ ومعزولةٍ إلى منظوماتٍ ذكيّةٍ مترابطةٍ وقابلةٍ للتّشغيل البينيّ. في" أوربي"، بوصلتنا الثّابتة هي أن نصبح طبقة الذّكاء الائتمانيّ الموثوقة في المنطقة، بما يدعم الإقراض الشّموليّ، ويُفعّل التّمويل المدمج، ويجعلنا في نهاية المطاف جزءاً من البنية التّحتيّة غير المرئيّة الّتي تمكّن حركة الأموال من أن تكون أكثر ذكاءً وسلاسةً. وإذا نجحنا في تحقيق ذلك، فلن نكون قد أسهمنا في تشكيل المستقبل الماليّ فحسب، بل في إعادة تعريفه".