كيف تغير الخوارزميات السلوكية تجربة المستخدم تماماً؟
في عالمٍ تُشكّله البيانات وتُعيد رسمه الخوارزميات السلوكية، باتت تجربتنا الرّقميّة مرآةً دقيقةً لسلوكنا، تُقاس وتُوجّه وتُعاد صياغتها لحظةً بلحظةٍ

في عصرٍ تتسيده البيانات وتهيمن فيه المنصّات الرّقميّة على تفاصيل حياتنا اليوميّة، أصبحت الخوارزميات السلوكية (Behavioral Algorithms) العمود الفقريّ لتجربة المستخدم على الإنترنت. إذ لم تعد هٰذه التّجربة عشوائيّةً أو موحدةً، بل باتت مفصلةً بدقةٍ لتناسب كلّ شخصٍ على حدةٍ، من خلال تحليل أنماط السّلوك، والتّفاعل، والتّفضيلات الفردية. فما هي هٰذه الخوارزميّات؟ وكيف تعمل؟ وما مدى تأثيرها على تفاعلنا الرّقميّ؟ هٰذا ما سنكشفه بالتّفصيل في هٰذا المقال.
مفهوم الخوارزميات السلوكية
الخوارزميات السلوكية هي أنظمةٌ حسابيّةٌ تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتّعلّم الآلي، تجمع وتحلّل البيانات المتعلّقة بسلوك المستخدمين على المنصّات الرقميّة، مثل النقرات، ومدّة التفاعل، ونوعيّة المحتوى الذي يثير اهتمامهم. تهدف هذه الخوارزميات إلى بناء نماذج تنبؤيّةٍ قادرةٍ على توقّع ما يريده المستخدم قبل أن يطلبه، وتخصيص المحتوى والخدمات وفقاً لتفضيلاته الفرديّة.
بمعنى آخر، تحوّل هذه الخوارزميات كلّ تفاعلٍ رقميٍّ بسيطٍ إلى معلومة قابلةٍ للقياس، ومن ثمّ استخدامها لتقديم تجربةٍ رقميّةٍ مصمّمةٍ خصيصاً لكلّ مستخدمٍ، ما يجعل المحتوى أكثر جذباً وارتباطاً بسلوك الشّخص واهتماماته
كيف تعمل خوارزميات السوشيال ميديا؟
تعتمد خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي مثل: فيسبوك، إنستقرام، تيك توك، ويوتيوب على تحليل سلوك المستخدم لحظةً بلحظةٍ. وتستخدم تقنيّات التّعلّم الآليّ (Machine Learning) والذكاء الاصطناعي لفهم ما يفضّله المستخدم، ثمّ تعرض له منشوراتٌ ومقاطع فيديو ومحتوياتٌ تتماشى مع تفضيلاته السّابقة. ويتمّ هٰذا التّحليل بناءً على سلوكيّاتٍ بسيطةٍ مثل: [1]
- ما الّذي ضغطت عليه؟
- كم من الوقت قضيت في مشاهدة محتوى معيّنٍ؟
- أيّ أنواع المنشورات تفاعلت معها بالإعجاب أو التّعليق أو المشاركة؟
ثمّ تنشئ الخوارزميّة نموذجاً شخصيّاً لك، وتتوقّع سلوكك المستقبليّ لتبقيك أطول فترةٍ ممكنةٍ على المنصّة؛ هٰذا ما يجعلنا نشعر أحياناً وكأنّ التّطبيق "يقرأ أفكارنا".
كيف تغير الخوارزميات السلوكية تجربة المستخدم؟
يتجلى التّأثير الجذري للخوارزميات السلوكية في تجربة المستخدم في أربعة محاور رئيسيّةٍ، كلٌّ منها يساهم في صياغة تجربةٍ شخصيّةٍ ومتفردةٍ: [2]
أولاً: التخصيص
أصبحت المنصّات الرّقميّة تقدّم محتوىً مصمّماً خصوصيّاً لكلّ مستخدمٍ، وذٰلك بالاستناد إلى سلوكه السّابق وتفضيلاته الشّخصيّة. فمن الفيديوهات المقترحة إلى نتائج البحث، يفصل كلّ شيءٍ حسب ما "تريد أن تراه" أو ما تتوقع الخوارزميّة أنّك تهتم به، ممّا يعزز الرّبط الشّخصيّ مع المحتوى، ويزيد احتماليّة الاستجابة.
ثانياً: التنبؤ بالاهتمامات
تستخدم الخوارزميات السلوكية التحليل التنبئي لتوقّع ما قد يثير اهتمامك في المستقبل، بل وغالباً قبل أن تدركه أنت نفسك. فبمجرّد تصفّحك لكلمةٍ مرتبطةٍ بمنتجٍ أو فكرةٍ، تبدأ المنصّة تلقائيّاً بعرض محتوىً ومقترحاتٍ تنسجم مع هذا الاتّجاه، ما يسهّل عليك الوصول لاحقاً إلى ما قد تفكّر فيه دون عناء البحث.
ثالثاً: تحسين واجهات الاستخدام
من خلال تتبع نمط تفاعلك مع المنصّة -كأين تنقر، وكيف تتنقل، وفي أيّ نقطةٍ تتوقف- تستفيد الشّركات من تلك البيانات لتحسن تصاميم الواجهات وتبسط التّجربة المرئيّة والتّفاعليّة، ممّا يؤدي إلى تجربةٍ أكثر سلاسةً وراحةً للمستخدم.
رابعاً: زيادة التفاعل
تحلّل الخوارزميات سلوكك التّفصيليّ -مثل سرعة التّمرير، أو التّوقف عند صورٍ أو مقاطع معيّنةٍ- لفهم ما يشدّ انتباهك. بناءً على ذٰلك، تعاد هندسة المحتوى وسلسلته، بطريقةٍ تبقيك متفاعلاً ومندمجاً أطول وقتٍ ممكنٍ، وهٰذا يزيد من زمن الاستخدام ويعزّز الولاء للمنصّة. وفي المجموع، تساهم الخوارزميات السلوكية في صياغة تجربةٍ فريدةٍ ومخصّصةٍ لكلّ مستخدمٍ، وتجعل من الاستخدام الرّقمي عالماً تفاعليّاً دقيق التّشكيل.
أنواع البيانات التي تُجمع عن المستخدم
حتّى تتمكّن الخوارزميات السلوكية من أداء وظيفتها بدقّةٍ وفاعليّةٍ، فإنّها تحتاج إلى تدفّقٍ مستمرٍّ ومنظّمٍ للبيانات الّتي تعكس سلوك المستخدم وخبرته. تبدأ هٰذه البيانات بالبيانات التّفاعليّة، كالنّقرات والإعجابات والمشاركات، وحتّى المدد الزّمنيّة الّتي يقضيها المستخدم في مشاهدة محتوى معيّنٍ، ثمّ تليها البيانات الشّخصيّة، الّتي تشمل العمر والجنس والموقع الجغرافيّ واللّغة، وهي عناصر تساعد في رسم ملامح المستخدم بشكلٍ أوّليٍّ.
ولا يقف الأمر عند هٰذا الحدّ، حيث تعمل الخوارزميّات أيضاً على جمع البيانات السّلوكيّة، مثل أوقات التّفاعل والرّوتين اليوميّ والأجهزة المستخدمة، ممّا يساعد على فهم عادات الاستخدام وتكييف المحتوى وفقاً لهٰذه الأنماط. إلى جانب ذٰلك، تستنبط البيانات النّفسيّة من طريقة التّصفّح والتّفاعل، مثل: تحديد الحالة المزاجيّة أو مستوى الانتباه، وهي بياناتٌ غير مصرّحٍ بها، ولٰكنّها تستنتج ضمناً وتستخدم لتعميق التّخصيص.
ولا يمكن إغفال البيانات التّاريخيّة، الّتي تشمل سجلّ التّصفّح وعمليّات الشّراء والمواضيع المكرّرة في تفاعلات المستخدم. كلّ هٰذه المعلومات، بما تحمله من تفاصيل دقيقةٍ ومتغيرةٍ، تجمع وتحلّل لتشكّل في النّهاية بصمةً رقميّةً فريدةً وعالية الدّقّة تعكس شخصيّتك وتساعد على توجيه تجربتك الرّقميّة بشكلٍ ديناميكيٍّ ومتجدّدٍ.
أهم الأدوات التي تستخدمها الشركات لتحليل بيانات المستخدم
تلجأ الشّركات اليوم إلى مجموعةٍ قويّةٍ من أدوات التّحليل السّلوكيّ المتقدّمة، من أبرزها:
- Google Analytics وFirebase: تستخدم لتتبّع سلوك الزّوّار داخل التّطبيقات والمواقع الإلكترونيّة، بما في ذٰلك عدد الجلسات، مصدر الزّيارة، ونقاط الخروج.
- Hotjar وMicrosoft Clarity: أدواتٌ تقدّم تسجيلاتٍ حيّةً لحركة المستخدم داخل الصّفحة، وتظهر خريطةً حراريّةً لأماكن التّفاعل، ممّا يساعد على فهم سلوك التّصفّح.
- Mixpanel وAmplitude: أدواتٌ متقدّمةٌ لتحليل تفاعل المستخدم مع المنتجات الرّقميّة، وتتيح تتبّع رحلة المستخدم وتحليل الأهداف والتّحويلات.
- Meta Pixel: أداة تتبّعٍ ذكيّةٌ تتيح للمعلنين معرفة كيف يتفاعل المستخدمون مع الحملات خارج منصّة فيسبوك، وتساعد على بناء جماهير مخصّصةٍ.
- AI Recommendation Engines: مثل محرّك التّوصية الخاصّ بـ Netflix أو Amazon، والّتي تستخدم لتحليل تفضيلات المستخدم وتقديم محتوىً أو منتجاتٍ ذات صلةٍ.
تحديات الخوارزميات السلوكية
رغم الفوائد الواضحة الّتي تقدّمها الخوارزميات السلوكية في تحسين تجربة المستخدم وجعلها أكثر تخصيصاً وسلاسةً، إلّا أنّ استخدامها لا يخلو من تحدّياتٍ حقيقيةٍ تستدعي الانتباه. من أبرز هذه التّحدّيات ما يعرف بالتّحيّز الخوارزمي، حيث قد تميل الخوارزميّة-ولو بشكلٍ غير مقصودٍ- إلى تعزيز أنماط تفكيرٍ محددةٍ وتكرّس ما يعرف بـ "الفقاعات المعرفيّة"، إذ تكتفي بعرض المحتوى المتشابه مع ميول المستخدم وتمنعه من اكتشاف آراء أو أفكارٍ مختلفةٍ.
كما تعدّ الخصوصيّة تحدّياً آخر أكثر إلحاحاً، إذ إنّ الكمّ الهائل من البيانات الّتي يتم جمعها وتحليلها يثير تساؤلاتٍ جدّيةً حول مدى أمان المعلومات الشّخصيّة، ومن يملك حق الوصول إليها أو استخدامها. وفي السّياق ذاته، يظهر خطر الإدمان الرّقميّ بوصفه نتيجةً محتملةً للتّخصيص المفرط؛ فكلّما زادت دقة الخوارزميّات في اقتراح محتوى جذّابٍ، زادت احتمالات بقاء المستخدم لساعاتٍ طويلةٍ في التّفاعل المستمرّ مع المنصّة، ما يفاقم مشكلات التّعلّق السّلوكي والانفصال عن الواقع. كلّ هذه المخاطر تجعل من الضّروري التّعامل مع الخوارزميات السلوكية بمسؤوليّةٍ، سواءً من قِبل الشّركات المطوّرة أو المستخدمين أنفسهم. [3]
في الخلاصة، لقد أصبحت الخوارزميات السلوكية جزءاً لا يتجزّأ من عالم الإنترنت، تتحكّم في كلّ ما نراه، ونشتريه، ونتفاعل معه. ورغم ما تقدّمه من تجارب سلسةٍ وذكيّةٍ، إلّا أنّ استخدامها لا بدّ أن يكون متوازناً ومبنيّاً على وعي المستخدم وصراحة الشّركات؛ فالمستقبل مرهونٌ بمدى قدرتنا على تطوير خوارزميّاتٍ أكثر عدالةً وشفافيّةً، تمكّن الأفراد لا أن تقيّدهم.
-
الأسئلة الشائعة
- هل تؤثر الخوارزميات السلوكية على القرارات الشرائية؟ نعم، فهي توجّه المستخدم نحو منتجاتٍ معيّنةٍ من خلال الإعلانات المخصّصة والتّوصيات الذّكيّة.
- ما الفرق بين الخوارزميات السلوكية وخوارزميات البحث؟ يكمن الفرق بين الخوارزميات السلوكية وخوارزميات البحث في طريقة معالجة البيانات، حيث تركّز الخوارزميات السلوكية على تحليل سلوك المستخدم وتفضيلاته لتخصيص المحتوى بشكلٍ فرديٍّ، في حين تهدف خوارزميات البحث إلى مطابقة الكلمات المفتاحية مع نتائج محدّدةٍ ضمن قواعد البيانات أو المواقع.
- ما أثر الخوارزميات السلوكية على الأطفال والمراهقين؟ تؤثر الخوارزميات السلوكية على الأطفال والمراهقين من خلال تعزيز الإدمان الرّقميّ وتوجيههم نحو محتوىً مخصّصٍ قد لا يكون مناسباً دائماً. لذلك، من الضّروري أن تكون هناك رقابةٌ أبويّةٌ فعّالةٌ وإعداداتٍ صارمةٍ ضمن المنصّات الرّقميّة لحماية هذه الفئة العمريّة.
- هل الخوارزميات السلوكية تعتمد فقط على الذكاء الاصطناعي؟ لا تعتمد الخوارزميات السلوكية فقط على الذكاء الاصطناعي، بل تستخدم مزيجاً من تقنيات تحليل البيانات، والتّعلّم الآليّ، والخوارزميات السلوكية المبنيّة على فهم علم النّفس الرّقميّ، ممّا يعّزز دقّة التّوصيات وتخصيص التّجربة الرّقميّة للمستخدمين.