الرئيسية الريادة كيف تساعد المقابلات السلوكية في التوظيف القائم على الشخصية؟

كيف تساعد المقابلات السلوكية في التوظيف القائم على الشخصية؟

حين تتسارع تحوّلات سوق العمل، تصبح المقابلات السّلوكيّة وسيلةً حاسمةً لاختيار موظّفين يجمعون بين الكفاءة والانسجام الثّقافيّ، ما يعزز نجاح المؤسّسات واستدامتها

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يشهد عالم الأعمال تحوّلاتٍ متسارعةً جعلت أساليب التّوظيف التّقليديّة عاجزةً عن تلبية متطلّبات بيئات العمل الحديثة. فلم يعد التّركيز على المؤهّلات الأكاديميّة والخبرة العمليّة وحدها ضماناً لنجاح الموظّف، بل أصبح الاهتمام بالشّخصيّة والسّلوكيّات والقيم عاملاً حاسماً في عمليّة الاختيار. ومن هنا برز مفهوم التّوظيف القائم على الشّخصيّة باعتباره منهجاً يسعى إلى قياس مدى انسجام المرشّح مع ثقافة المؤسّسة، وقدرته على التّكيّف مع الفريق، وامتلاكه للمرونة الذّهنيّة والسّلوك الإيجابيّ. ولأنّ هٰذا النّهج لا يعتمد فقط على ما تحمله السّيرة الذّاتيّة من إنجازاتٍ، فقد جاءت المقابلات السّلوكيّة كأداةٍ عمليّةٍ لفهمٍ أعمق لشخصيّة المرشّح، وكوسيلةٍ لرصد تصرّفاته في مواقف حقيقيّةٍ شبيهةٍ بما قد يواجهه داخل بيئة العمل.

ما معنى التوظيف القائم على الشخصية؟

يقصد بالتّوظيف القائم على الشّخصيّة عمليّة اختيار الموظّفين استناداً إلى سماتهم السّلوكيّة وقيمهم الشّخصيّة ومدى انسجامها مع بيئة العمل. ويختلف هٰذا النّهج عن التّوظيف التّقليديّ الّذي يضع الشّهادات والخبرات في المقام الأوّل، لأنّه يمنح الاعتبارات الإنسانيّة والثّقافيّة مكانةً مركزيّةً في التّقييم. فإذا كانت الشّركة تسعى إلى الابتكار مثلاً، فإنّها لا تحتاج إلى مهندسٍ بارعٍ في تقنيّاته فحسب، بل إلى شخصيّةٍ مرنةٍ تتقبّل التّغيير وتبادر بالأفكار الجديدة. ومن ثمّ فإنّ الاعتماد على السّمات الفرديّة يضمن توافقاً أكبر بين الموظّف والمؤسّسة، ويقلّل من نسب الاستقالات المبكّرة الّتي غالباً ما تنشأ نتيجة ضعف الانسجام الثّقافيّ أو القيميّ. [1]

كيف تساعد المقابلات السلوكية في التوظيف القائم على الشخصية؟

تعدّ المقابلات السّلوكيّة إحدى الأدوات الأكثر تأثيراً في دعم التّوظيف القائم على الشّخصيّة، إذ لا تكتفي المؤسّسة فيها بطرح أسئلةٍ عامّةٍ أو تقليديّةٍ حول المؤهّلات، بل تركّز على استكشاف التّجارب السّابقة للمرشّح لرصد أنماط سلوكه الحقيقيّة. وينطلق هٰذا الأسلوب من فرضيّةٍ أنّ السّلوك الماضيّ يعدّ مؤشّراً قويّاً على السّلوك المستقبليّ، وبالتّالي يمكن اعتباره وسيلةً عمليّةً للتّنبّؤ بمدى قدرة المرشّح على التّكيّف مع بيئة العمل وثقافتها.

فعندما يطلب من المرشّح أن يصف موقفاً صعباً تعامل معه، أو نزاعاً واجهه داخل الفريق، أو مهمّةً نفّذها تحت ضغطٍ زمنيٍّ، فإنّ إجاباته تكشف عن أبعادٍ مهمّةٍ في شخصيّته: هل يتمتّع بالهدوء أم يميل إلى التّسرّع؟ هل يتعاون بروح الفريق أم يفضّل العمل الفرديّ؟ هل يمتلك الشّجاعة للاعتراف بالأخطاء أم يسعى إلى إلقاء اللّوم على الآخرين؟ هٰذه التّفاصيل، على بساطتها، تتيح لمسؤولي التّوظيف صورةً أوضح عن مدى انسجام المرشّح مع قيم المؤسّسة.

وبذٰلك لا تقتصر فائدة المقابلات السّلوكيّة على التّعرّف إلى مهاراتٍ تقنيّةٍ، بل تمتدّ إلى قياس مهاراتٍ ترتبط مباشرةً بالشّخصيّة مثل التّواصل، والقدرة على التّفاوض، والتّحكّم في الانفعالات، والالتزام بالمسؤوليّات. ومن هنا يتّضح أنّ جوهر الاختيار المبنيّ على السّمات الفرديّة يتمثّل في البحث عن موظّفٍ يجمع بين الكفاءة التّقنيّة والشّخصيّة القابلة للتّكيّف والمنسجمة مع الفريق. [2]

كيف تطبق المؤسسات المقابلات السلوكية عملياً؟

لا يكفي إدراج المقابلات السّلوكيّة ضمن عمليّة التّوظيف بشكلٍ عشوائيٍّ، بل يجب أن تنفّذ وفق خطواتٍ منهجيّةٍ تضمن فاعليّتها:

  • تحديد السّلوكيّات المطلوبة: تبدأ المؤسّسة بتحديد السّلوكيّات الّتي تراها أساسيّةً لنجاح الوظيفة، مثل التّعاون، الابتكار، أو الالتزام بالمواعيد. وغالباً ما تستمدّ هٰذه السّلوكيّات من ثقافة المؤسّسة ورؤيتها طويلة الأمد.

  • صياغة أسئلةٍ دقيقةٍ: بعد تحديد السّلوكيّات، تصاغ أسئلةٌ مصمّمةٌ لاستخراج أمثلةٍ واقعيّةٍ من خبرات المرشّح. ومن ذٰلك: "احك لي عن موقفٍ تمكّنت فيه من حلّ خلافٍ بين زملائك" أو "صف لي كيف أنجزت مهمّةً ضاغطةً في وقتٍ قصيرٍ".

  • استخدام إطار STAR: يعتمد كثيرٌ من خبراء التّوظيف على منهجيّة STAR (الموقف – المهمّة – الإجراء – النّتيجة)، حيث يطلب من المرشّح وصف الموقف، ثمّ المهمّة الموكلة إليه، والإجراء الّذي قام به، وأخيراً النّتيجة الّتي حقّقها. يتيح هٰذا الإطار وضوحاً ويقلّل من التّعميم.

  • تقييم الإجابات بموضوعيّةٍ: ينبغي أن تقيّم الإجابات بناءً على معايير محدّدةٍ سلفاً، حتّى تكون المقارنة بين المرشّحين عادلةً وشفّافةً.

  • الرّبط مع ثقافة المؤسّسة: تربط نتائج المقابلة بمدى انسجام المرشّح مع ثقافة العمل. فإذا كانت الشّركة قائمةً على العمل الجماعيّ، يصبح المرشّح الّذي يثبت قدرته على التّعاون أنسب بكثيرٍ من آخر قد يكون متفوّقاً تقنيّاً لكنّه يفتقر إلى روح الفريق.

الخلاصة

يعدّ دمج المقابلات السّلوكيّة ضمن التّوظيف القائم على الشّخصيّة خطوةً استراتيجيّةً تعكس وعياً عميقاً بمتطلّبات بيئات العمل الحديثة. فنجاح المؤسّسة لم يعد مرهوناً بالكفاءات التّقنيّة وحدها، بل بقدرة الموظّفين على الانسجام مع ثقافة العمل والتّواصل بفعّاليّةٍ والتّكيّف مع الضّغوط. ومن خلال أسئلةٍ سلوكيّةٍ دقيقةٍ، تتمكّن المؤسّسات من استشراف أنماط سلوك المرشّحين، وتحديد من يمتلك فعلاً الاستعداد للنّجاح والتّطوّر داخل الفريق. وعندما تستكمل هٰذه الأداة مع وسائل تقييمٍ أخرى، تبنى فرق عملٍ قويّةٌ، مرنةٌ، وقادرةٌ على مواجهة التّحدّيات المستمرّة. وهٰكذا يصبح التّوظيف المرتكز على القيم والسّلوكيّات ركيزةً حقيقيّةً للاستدامة والنّموّ في عالمٍ سريع الإيقاع ومتغيّرٍ باستمرارٍ.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما الفرق بين التوظيف القائم على الشخصية والتوظيف التقليدي؟
    يركّز التوظيف القائم على الشّخصيّة على القيم والسّلوكيّات والانسجام مع ثقافة المؤسّسة، بينما التوظيف التقليدي يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على المؤهلات والخبرات.
  2. هل المقابلات السلوكية تناسب جميع الوظائف؟
    نعم، لكنّها تكون أكثر فعاليّةً في الوظائف التي تعتمد على العمل الجماعي والتّواصل واتّخاذ القرارات. أمّا الوظائف التّقنية البحتة فقد تحتاج دمجاً أكبر مع اختبارات المهارات.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: