الرئيسية الاستدامة رؤية محمد سليمان: من تدوير المنتجات إلى تدوير السلوك

رؤية محمد سليمان: من تدوير المنتجات إلى تدوير السلوك

الرّئيس التنفيذيّ لمجموعة Basatne في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، محمّد سليمان، يُعدِّدُ ما تحتاجه كلّ شركةٍ ناشئةٍ لتُوسِّع نطاقها في مجال الاستدامة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

مع تحوّل الشّركات من النّماذج التقليديّة "الخطّيّة" إلى أنظمةٍ دائريّةٍ أكثر استدامةً، تشهد الشّركات النّاشئة في مجال "التّقنيّات الخضراء" (Greentech) نموّاً متسارعاً، إلّا أنّ التّوسّع في هذا المضمار يأتي مع تحدّياتٍ خاصّةٍ. 

وقليلون هم من يدركون هذا الأمر كما يدركه محمّد سليمان، المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "كارتلو" (Cartlow) المنبثقة من الإمارات، والّتي تخصّ في نظامها الاقتصاد الدّائريّ. في شهر مارس/آذار الماضي، استحوذت "بساتني" (Basatne)، الشّركة الأمريكيّة الرّائدة في حلول التّجارة المستدامة والخدمات اللّوجستيّة العكسيّة، على "كارتلو"، وتمّ تعيين سليمان بعد ذلك كرئيسٍ تنفيذيٍّ لـ "بساتني جروب، الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا". 

قبل إطلاق "كارتلو"، كان سليمان قد لاحظ فجوةً حرجةً في طريقة تعامل المنطقة مع المنتجات المسترجعة، والمنتجات المجدّدة، والنّفايات الإلكترونيّة. 

يقول سليمان في حواره مع "عربية .Inc": " أتمتّع بأكثر من 20 سنةً من الخبرة في الأعمال الدّوليّة، والتّجارة الإلكترونيّة، والاستدامة، شغلت فيها مناصب قياديّةٍ في شركاتٍ مثل 'وسترن يونيون' (Western Union)، و'هيولت باكارد' (Hewlett Packard)، و'سوق.كوم' (Souq.com)، و'أمازون' (Amazon). خلال ذلك، شهدت تحوّل الاقتصادات من النّماذج الخطّيّة إلى التّدوير، ثمّ نحو أنظمةٍ دوريّةٍ كاملةٍ، مدفوعةٍ برؤىً تسعى لتحقيق أهداف الحياد الكربونيّ. تتطلّب هذه الثّورة تطوّر التّقنيّات لترقية الاقتصاد الدّائريّ وتمكينه، وهنا برزت فرصة "كارتلو"". 

1. بناء الثّقة مبكّراً من خلال ضمان الجودة وتوعية المجتمع 

في الشّركات النّاشئة المتخصّصة في المنتجات المجدّدة أو المستخدمة، الصّورة الذّهنيّة هي بيت القصيد. يقول سليمان: "كان التّحدّي الأكبر هو تغيير النّظرة العامّة لدى المستهلك. في منطقتنا، يُنظر إلى المنتجات المستعملة أو المجدّدة على أنّها أقلّ جودةً، أو محفوفةٌ بالمخاطر، وذلك بسبب الضّعف التّاريخيّ في الوعي بتقنيّات التّجديد". 

لمواجهة هذا الإرث التّصوّريّ، أطلق فريق "كارتلو" نظاماً شديد الصّرامة لشهادة المنتجات، مع تكريس الجودة كرسالةٍ محوريّةٍ في كافّة قنوات التّواصل. وأطلقوا برامج الاسترجاع والاستبدال، ممّا شجّع المستهلكين على تسليم أجهزتهم القديمة مقابل حسوماتٍ أو رصيدٍ، خطوةٌ ساهمت في تعزيز الاقتصاد الدّائريّ، وفي الوقت ذاته، منحت المستهلك شعوراً بأنّه يساهم في حراكٍ مستدامٍ. 

كان الوضوح مفتاحاً آخر. فقد كانت "كارتلو" تُفصح بشفافيّةٍ تامّةٍ عن معايير الجودة وخطوات الفحص في كافّة منصّاتها الرّقميّة. أمّا سياسات الاستبدال، فكانت تجسيداً للتّوجّه الدّائريّ في الممارسة، ومن جهةٍ أخرى، غرست شعوراً عند المستهلك بأنّه جزءٌ فعّالٌ في الحلّ البيئيّ. 

يضيف سليمان: "كذلك استثمرنا بقوّةٍ في توعية الجمهور بفوائد المنتجات المجدّدة وتأثيرها في تقليل نفايات الأجهزة الإلكترونيّة". 

ومع مرور الزّمن، وبعد أن لامس السّوق جودة المنتجات، بدأ الطّلب على الإلكترونيّات المجدّدة في الارتفاع، وتغيّر سلوك المستهلك تجاه قبول مبادئ الاستدامة والاقتصاد الدّوريّ. 

يشير سليمان إلى أنّ هذا التّغيير السّلوكيّ لم يكن فوريّاً، ولكنّ بناء الثّقة وضع أساساً متيناً للنّموّ المستدام. 

2. رقمنة العمليّات بصورةٍ كاملةٍ بالتّقنيات الملائمة 

لا يقتصر توسيع نطاق الاقتصاد الدّوريّ على إنشاء منصّةٍ رقميّةٍ فحسب، بل يتطلّب تغلغل التّقنية في كلّ جانبٍ من دورة حياة المنتج. يوضّح سليمان:  "يساهم الاقتصاد الدّائريّ الممكّن بالتّقنيّة في تبسيط كلّ خطوةٍ، من توفير المنتج وتجديده، إلى توزيعه وإعادة بيعه". 

وبناءً على هذه الرّؤية، قامت "كارتلو" بالاستثمار مبكّراً في أدوات البيانات والأتمتة. يوضّح سليمان: "تساعدنا التّقنية على التّنبّؤ بالطّلب، وإدارة المخزون بفعّاليّةٍ، وتقليل الهدر، مع الالتزام بمستوياتٍ عاليةٍ من الجودة والكفاءة التّشغيليّة". 

ويؤكّد أنّه بدون هذا الاندماج الرّقميّ، تنهار الكفاءة، وذلك بشكلٍ خاصٍّ عند التّعامل مع سلاسل الإمداد العكسيّة وتشخيص الأجهزة. 

وفي ختام هذه النّقطة، يشدّد سليمان على أنّ "في الشّركات النّاشئة المستدامة، لا يجب أن تكون الرّقمنة خياراً ثانويّاً، بل جزءاً أساسيّاً من البنية التّحتيّة". 

3. إنشاء نظامٍ دائريٍّ مغلقٍ يتجاوز البيع المتجدّد 

يشير سليمان إلى أنّه وعلى الرّغم من أنّ الشّركات المستدامة النّاشئة تبدأ غالباً من منصّات البيع المتجدّد، إلّا أنّ التّأثير الطّويل المدى لا يتأتّى إلّا ببناء المحرّك الكامل القائم خلف الدّوران. ويفسّر ذلك قائلاً: "أسّست 'كارتلو' لردم هذه الفجوة، من خلال تطوير منصّةٍ تقنيّةٍ خضراء، تربط كلّ المكوّنات الجوهريّة للنّظام الدّائريّ، من التّجارة الإلكترونيّة للأفراد والشّركات (B2C و B2B)، وحلول البرامج كخدمةٍ (SaaS) لدمج الخدمات اللّوجستيّة العكسيّة، وبرامج الاسترجاع والاستبدال، والفحص ومحو البيانات، مع مساعدة الشّركات على الانتقال إلى ممارساتٍ مستدامةٍ ومعتمدةٍ". 

ويوضّح أنّ هذا النّهج الكلّيّ (Full، stack model) قد مكّن "كارتلو" من خدمة كلٍّ من الأفراد والمؤسّسات، وهو ما أتاح للمنصّة التّوسّع في قطاعاتٍ وفئاتٍ متعدّدةٍ. 

4. بناء شراكاتٍ استراتيجيّةٍ للتّوسّع عبر الحدود 

يشدّد سليمان على أنّ الانطلاق نحو العالميّة يشكّل فاصلاً مفصليّاً في رحلة النّموّ، وأنّ هذا لا يتأتّى إلّا بتأسيس شراكاتٍ استراتيجيّةٍ. ولذلك، جاء استحواذ "بساتني" (Basatne) على "كارتلو" (Cartlow) خطوةً استراتيجيّةً لجلب النّظام الدّوريّ الّذي تطوّر في المنطقة إلى سوقٍ عالميّةٍ أكثر نضجاً. 

"هذا الاستحواذ يقدّم لـ'كارتلو' موارد، ونطاقاً تشغيليّاً، ونفوذاً سوقيّاً ضروريّاً لتسريع رسالتنا"، على حدّ تعبيره. 

ويضيف سليمان أنّ الحضور القائم لـ"بساتني" في أمريكا الشّماليّة يتيح لـ"كارتلو" الوصول إلى مصادر عالية الجودةٍ للمنتجات في الأسواق المتقدّمة، وتدويرها وتوزيعها في الأسواق النّاشئة. 

"هذا يجعل نموذجنا للاقتصاد الدّائريّ أكثر قابليّةً للتّوسّع، وأكثر عالميّةً، وأكثر فعاليّةً في تقليل الهدر البيئيّ"، على حدّ تعبيره. 

5. مواءمة النّموذج مع مبادئ الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة والإداريّة (ESG) وهدف الانبعاث الصفري 

في قطاعٍ يستند إلى قيمةٍ طويلة الأمد، يشدّد سليمان على أنّ الانخداع بالمكاسب السّريعة يعدّ فخّاً قاتلاً.  ويشير إلى أنّه لا بد للاستدامة ّ أن تكون جزءاً جوهريّاً من النّموذج التّجاريّ منذ البداية، وليست زينةً تضاف في المراحل المتأخّرة. 

"في (كارتلو)، كان هذا الالتزام الجوهر الّذي شكّل رحلتنا، وأتاح لنا الانتقال من منصّة تجارةٍ إلكترونيّةٍ إلى منظومة خضراء مترابطة تقود تحوّل الاقتصاد الدّائريّ في منطقة "الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا"،" كما بيّن لنا. 

ويختم سليمان تجربته بدرسٍ حاسمٍ لكلّ شركةٍ ناشئةٍ تسعى للدّخول في مجال الاستدامة: "ينجح المشروع في الاقتصاد الدّائريّ لا حين يرفعُ شعار الاستدامةِ فحسب، بل حين يُؤسَّسُ من البداية على قاعدةٍ راسخةٍ من النّموّ، والثّقة، والقيمةِ الممتدّة عبر الزّمن". 

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد أبريل/ مايو من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: