الرئيسية الريادة التوظيف القائم على الشخصية: مفاضلة جديدة في عالم الأعمال

التوظيف القائم على الشخصية: مفاضلة جديدة في عالم الأعمال

حين تتغيّر قواعد سوق العمل ولا تكفي المهارات التّقنيّة وحدها، يبرز التّوظيف القائم على الشخصيّة كنهجٍ يضمن الانسجام مع ثقافة المؤسّسة واستدامة النّجاح

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يشهد عالم الأعمال اليوم تحوّلاتٍ جذريّةً جعلت طرق التّوظيف التّقليديّة غير كافيةٍ لمواكبة تحدّيات السّوق. فلم يعد الاعتماد على المهارات التّقنيّة والخبرة العمليّة وحدهما كفيلاً بضمان نجاح الموظّف داخل المؤسّسة. ومن هنا برز مفهوم "التّوظيف القائم على الشّخصيّة" ليقدّم معياراً جديداً يركّز على الصّفات الفرديّة، والسّمات السّلوكيّة، والقيم الشّخصيّة الّتي تحدّد مدى ملاءمة المرشّح لثقافة المؤسّسة وأهدافها. ويساعد هٰذا النّهج على اختيار موظّفين يمتلكون المرونة، والقدرة على التّكيّف، والانسجام مع الفريق، ممّا يعزّز استقرار بيئة العمل ويزيد من الإنتاجيّة على المدى البعيد.

ما معنى التوظيف القائم على الشخصية؟

يقصد بالتّوظيف القائم على الشّخصيّة عمليّة الاختيار الّتي تركّز على الجوانب النّفسيّة والسّلوكيّة للمرشّح أكثر من تركيزها على مؤهّلاته المكتوبة في السّيرة الذّاتيّة. فهٰذا الأسلوب يدرس طريقة تفاعل الفرد مع الآخرين، وقدرته على حلّ النّزاعات، وأسلوبه في اتّخاذ القرارات، ومدى توافق قيمه مع قيم المؤسّسة. وعندما تطبّق الشّركات هٰذا النّهج، فإنّها تبحث عن موظّفين لا يجيدون العمل فقط، بل يتناسبون مع ثقافة الفريق والبيئة الدّاخليّة، وما ينتج عن ذٰلك من تقليلٍ لمعدّل الاستقالات ورفعٍ لمستوى الالتزام الوظيفيّ. [1]

لماذا أصبح التوظيف القائم على الشخصية ضرورياً؟

ازدادت الحاجة إلى الاعتماد على هٰذا النّوع من التّوظيف مع التّغيّر المتسارع في بيئات وأسواق العمل الحديثة؛ فالعالم يشهد ثورةً تقنيّةً متواصلةً تغيّر الأدوات والبرامج ومناهج العمل بوتيرةٍ شبه يوميّةٍ. وهٰذا يعني أنّ المهارات التّقنيّة الّتي تعدّ مهمّةً اليوم قد تصبح قديمةً غداً، وأنّ ما يتقنه الموظّف اليوم قد لا يكون صالحاً للاستعمال بعد سنواتٍ قليلةٍ. وفي هٰذا السّياق، تستطيع المؤسّسات أن تعوّض الفجوة بتدريب الموظّفين على أدواتٍ جديدةٍ أو إدخالهم في برامج تأهيلٍ قصيرةٍ، ولٰكن ما لا يمكن تغييره بسهولةٍ هو شخصيّة الفرد، وقيمه الجوهريّة، وسلوكيّاته في التّعامل مع الضّغوط والتّحدّيات.

ومن هنا يظهر الفرق الجوهريّ: فالمهارة يمكن تطويرها بالتّعليم، أمّا الشّخصيّة فتنشأ من التّجارب والخلفيّات الثّقافيّة والاجتماعيّة، وتعتبر أكثر ثباتاً على المدى الطّويل. ولذٰلك أصبح من الضّروريّ للشّركات أن تبحث عن موظّفين يتناسبون مع ثقافتها الدّاخليّة وأهدافها الاستراتيجيّة، قبل أن تبحث فقط عن أصحاب الخبرات التّقنيّة. فالانسجام الشّخصيّ يضمن استمراريّة التّعاون بين الموظّف وفريقه، ويقلّل من احتماليّة نشوء نزاعاتٍ داخليّةٍ أو عدم توافقٍ يؤثّر سلباً على بيئة العمل.

وإضافةً إلى ذٰلك، أثبتت الدّراسات أنّ الموظّفين الّذين يتوافقون مع قيم المؤسّسة ويشعرون بانتماءٍ حقيقيٍّ لها يتمتّعون بمستوياتٍ أعلى من الولاء والالتزام، كما يبدون استعداداً أكبر للبقاء على المدى الطّويل. وهٰذا ما يقلّل بشكلٍ مباشرٍ من تكاليف التّوظيف المتكرّر النّاتجة عن ترك الموظّفين لوظائفهم بسبب عدم الانسجام مع بيئة العمل. وبالنّسبة للشّركات، فإنّ الاستقرار الوظيفيّ يعادل زيادةً في الإنتاجيّة، وخفضاً في التّكاليف، وتحقيقاً لنموٍّ متواصلٍ.

كما أنّ التّوظيف القائم على الشّخصيّة أصبح ضرورةً في ظلّ تنامي أهمّيّة "المهارات النّاعمة" مثل التّواصل، والذّكاء العاطفيّ، والقدرة على العمل الجماعيّ. فهٰذه العناصر أصبحت اليوم تعادل -إن لم تتفوّق- المهارات التّقنيّة في تحديد نجاح الموظّف داخل المؤسّسة. ولذٰلك لم يعد كافياً أن ينظر إلى الموظّف باعتباره "مؤدّياً للمهامّ"، بل ينظر إليه كعنصرٍ مؤثّرٍ في ثقافة المؤسّسة وفي قدرتها على التّكيّف مع المستقبل. [1]

الفرق بين التوظيف القائم على الشخصية والتوظيف التقليدي

يختلف التّوظيف القائم على الشّخصيّة عن التّوظيف التّقليديّ في عدّة نقاطٍ جوهريّةٍ؛ ففي حين يركز التّوظيف التّقليديّ على المؤهّلات الأكديميّة والخبرات السّابقة بوصفها المحور الأساسيّ للتّقييم، يتّجه التّوظيف القائم على الشّخصيّة ليركّز على السّلوكيّات والقيم والقدرة على الانسجام مع فريق العمل. وبينما يفترض النّهج التّقليديّ أنّ المهارات الفنّيّة كافيةٌ لضمان النّجاح، يؤكّد التّوظيف المبنيّ على السّلوك أنّ التّوافق الشّخصيّ والثّقافيّ مع المؤسّسة لا يقلّ أهمّيّةً عن الخبرة والمعرفة. وعلى هٰذا الأساس، فإنّ التّوظيف التّقليديّ قد يفضي إلى تعيين أشخاصٍ ذوي كفاءةٍ تقنيّةٍ عاليةٍ لكنّهم غير قادرين على الانسجام مع بيئة العمل، في حين أنّ النّهج القائم على الشّخصيّة يقلّل بشكلٍ كبيرٍ من هٰذه المخاطر.

طرق تقييم الشخصية في التوظيف

ولكي تطبّق المؤسّسات هٰذا النّهج بشكلٍ عمليٍّ، تتعدّد الأدوات والطّرق الّتي تعتمدها في اختيار المرشّحين وفقاً لسماتهم الشّخصيّة، ومن أبرزها: [2]

  • اختبارات الشّخصيّة المعياريّة: مثل اختبار مايرز بريجز (MBTI) أو اختبار السّمات الخمس الكبرى (Big Five)، حيث تقيس هٰذه الأدوات مجالاتٍ مثل الانفتاح، والمسؤوليّة، والانبساطيّة، والتّوافق، والاستقرار العاطفيّ.
  • المقابلات السّلوكيّة: فيها يطرح على المرشّح أسئلةٌ عن مواقف واقعيّةٍ سابقةٍ لمعرفة كيف تعامل معها، ومن خلال ذٰلك يتضح أسلوبه في حلّ المشكلات واتّخاذ القرارات.
  • التّقييم النّفسيّ: يعتمد على أدواتٍ علميّةٍ لقياس السّمات النّفسيّة، مثل قدرة المرشّح على التّحمّل أو إدارة التّوتّر.
  • مراكز التّقييم: وهي برامج محاكاةٍ تجسّد بيئة العمل الفعليّة، وتساعد على ملاحظة أداء المرشّح وسلوكه ضمن فريقٍ.

الخلاصة

يشكّل التّوظيف القائم على الشّخصيّة مفاضلةً جديدةً في عالم الأعمال، إذ إنّه لا يقتصر على قراءة السّيرة الذّاتيّة، بل يغوص في أعماق الشّخصيّة ليحدّد مدى ملاءمة المرشّح للمؤسّسة. ويساعد هٰذا النّهج الشّركات على بناء فرقٍ متماسكةٍ، وتقليل النّزاعات الدّاخليّة، ورفع مستوى الولاء المؤسّسيّ والإنتاجيّة. 

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما أبرز القطاعات التي تعتمد التوظيف القائم على الشخصية أكثر من غيرها؟
    أبرز القطاعات التي تعتمد التوظيف القائم على الشخصية، هي: القطّاعات الخدميّة مثل الضيافة، الطّيران، المبيعات، والرّعاية الصّحيّة، حيث يعد التّواصل الفعّال والتّعامل الإنسانيّ جزءاً أساسيّاً من نجاح الموظّف. ومع ذلك، بدأت قطّاعات التّكنولوجيا والماليّة أيضاً بالاعتماد عليه لتقليل معدّل دوران الموظّفين.
  2. ما المخاطر المحتملة إذا تم تطبيق التوظيف القائم على الشخصية بشكل غير علمي؟
    قد يؤدّي إلى تحيّزاتٍ غير مقصودةٍ، مثل اختيار مرشّحين يشبهون ثقافة الفريق الحاليّ فقط، ممّا يضعف التّنوّع داخل المؤسّسة. لذلك، من الضّروريّ استخدام أدواتٍ موضوعيّةٍ وتدريب فرق التّوظيف على تقليل التّحيّز.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: