الرئيسية الريادة هل تقلصت فجوة الأجور بين الجنسين حقاً؟ الأرقام تقول غير ذلك

هل تقلصت فجوة الأجور بين الجنسين حقاً؟ الأرقام تقول غير ذلك

رغم التقدّم في المساواة، ما تزال فجوة الأجور بين الجنسين قائمةً عالميّاً، متخفّيةً خلف سياساتٍ شكليةٍ وثقافةٍ موروثةٍ تجعل العدالة في الأجور هدفاً بعيداً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عالمٍ يرفع راية التقدّم والمساواة، ما تزال فجوة الأجور بين الجنسين تشكّل واحدةً من أكثر القضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة تعقيداً وإثارةً للجدل. فبينما تتغنّى المؤسّسات الدوليّة بشعارات المساواة وتكافؤ الفرص، تكشف الأرقام والبحوث عن واقعٍ مغايرٍ، إذ لم تغلق الهوّة الماليّة بين الرجال والنّساء بعد، بل استمرّت متخفّيةً خلف سياساتٍ محسّنةٍ وشعاراتٍ براقةٍ. وعلى الرغم من التّطوّرات التّشريعيّة والمؤسّسيّة الّتي عرفها العالم خلال العقود الأخيرة، إلّا أنّ هذه الفجوة تتجاوز مسألة الرّاتب إلى عمقٍ بنيويٍّ وثقافيٍّ يمسّ تصوّر المجتمع لدور المرأة ومسارها المهنيّ، وحتّى التوقّعات الضّمنيّة الّتي تفرض عليها بصمتٍ في بيئات العمل.

ما المقصود بفجوة الأجور بين الجنسين؟

تعرّف فجوة الأجور بين الجنسين بأنّها الفارق في متوسّط الدّخل بين الرجال والنّساء الّذين يشغلون وظائف متشابهةً أو يعملون في القطاعات نفسها. ويقاس هذا الفارق عادةً كنسبةٍ مئويّةٍ من أجر الرّجل، فيظهر المؤشّر مقدار ما تكسبه المرأة مقارنةً بزميلها. فعلى سبيل المثال، إذا تقاضى الرّجل مئة دولارٍ في السّاعة، بينما حصلت المرأة على خمسةٍ وثمانين دولاراً مقابل العمل ذاته، فالفجوة تبلغ 15%. ويعدّ هذا المؤشّر إحدى أهمّ الأدوات الّتي يستخدمها الخبراء لتقييم العدالة في سوق العمل وقياس مدى المساواة الفعليّة بين الجنسين.

وعلى الرّغم من تباين النّسب من دولةٍ إلى أخرى، تؤكّد التّقارير الدّوليّة – مثل تقارير منظّمة العمل الدّوليّة والبنك الدّوليّ – أنّ النّساء حول العالم ما زلن يتقاضين في المتوسّط أقلّ من الرّجال بنسبةٍ تتراوح بين 15 و20%، وهي نسبةٌ تكشف عن خللٍ هيكليٍّ يتجاوز القوانين إلى أنماط التّفكير السّائدة. وتتّسع الفجوة في الاقتصادات النّامية والقطاعات غير الرّسميّة، حيث تغيب الرّقابة وتضعف آليّات الشّفافيّة والمساءلة. [1]

هل تقلصت فجوة الأجور فعلاً؟

تكشف الوقائع أنّ الحديث عن تقلّص فجوة الأجور بين الجنسين لا يعكس الصّورة الكاملة. فصحيحٌ أنّ حملات التّوعية والضّغوط الاجتماعيّة دفعت العديد من الشّركات إلى إعادة النّظر في سياساتها، وأنّ تطوّر التّعليم وفرص التّدريب أتاح للنّساء الوصول إلى مناصب أفضل، إلّا أنّ الأرقام لا تزال تشير إلى فجوةٍ واضحةٍ لم تردم بعد. فبحسب تقرير المنتدى الاقتصاديّ العالميّ لعام 2024، سيحتاج العالم إلى نحو مئةٍ وثلاثين عاماً لتحقيق المساواة الكاملة في الأجور إذا استمرّ التّقدّم بنفس الوتيرة، في حين ما تزال الفجوة العالميّة في الأجور تدور حول 18% كمعدّلٍ عامٍّ.

وتتقلّص هذه الفجوة في بدايات الحياة المهنيّة، لكنّها تتّسع مع التّقدّم في العمر أو التّرقّي في المناصب، إذ تصطدم كثيرٌ من النّساء بما يعرف بـ«السّقف الزّجاجيّ»، تلك الحواجز غير المرئيّة الّتي تمنعهنّ من الوصول إلى قمّة الهرم الوظيفيّ. وغالباً ما ترتبط هذه الظّاهرة بعوامل اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ مثل الأمومة، وتقسيم الأدوار داخل الأسرة، والتّصوّرات المسبقة حول التزام المرأة بالعمل، وهي عناصر يصعب على التّشريعات وحدها معالجتها لأنّها متجذّرةٌ في الثّقافة العامّة لا في القوانين الرّسميّة. [2]

الأسباب الخفية لاستمرار فجوة الأجور بين الجنسين

لا تنشأ فجوة الأجور بين الجنسين عن صدفةٍ أو تمييزٍ مباشرٍ فحسب، بل هي ثمرة تراكمٍ تاريخيٍّ طويلٍ من الفوارق البنيويّة في سوق العمل. إذ تميل المؤسّسات إلى إسناد الوظائف ذات الأجر المنخفض إلى النّساء، بينما يحتفظ الرّجال بالوظائف الأعلى عائداً والأوسع فرصاً للترقّي.

ومن ناحيةٍ أخرى، يفاقم غياب الشّفافيّة في الأجور المشكلة، لأنّ كثيراً من المؤسّسات تتجنّب الإفصاح عن معايير تحديد الرّواتب أو الفوارق بين الجنسين، ممّا يجعل من الصّعب على النّساء المطالبة بحقوقٍ متكافئةٍ أو خوض مفاوضاتٍ عادلةٍ. كما تلعب مسؤوليّات الأمومة والرّعاية الأسريّة دوراً محورياً في تعميق الفجوة، إذ تضطرّ النّساء في كثيرٍ من الأحيان إلى تقليص ساعات العمل أو الانقطاع المؤقّت، الأمر الّذي ينعكس سلباً على مسار التّرقّي ونموّ الدّخل على المدى الطّويل.

إضافةً إلى ذلك، تسهم التّحيّزات اللاواعية في ترسيخ الفجوة، فالكثير من أرباب العمل – دون إدراكٍ منهم – يقيّمون أداء المرأة بناءً على تصوّراتٍ نمطيّةٍ مسبقةٍ عن العاطفة أو الالتزام، ممّا يؤدّي إلى إبطاء ترقيها أو التّقليل من قيمتها المهنيّة مقارنةً بنظرائها الرّجال. وهكذا، تتغذّى الفجوة من الدّاخل والخارج معاً، إذ تتشابك القيم الاجتماعيّة مع أنظمة العمل لتنتج واقعاً غير متكافئٍ وإن بدا متحضّراً في ظاهره.

كيف يمكن معالجة فجوة الأجور بين الجنسين؟

لا يمكن معالجة فجوة الأجور بين الجنسين عبر قراراتٍ إداريّةٍ سطحيةٍ، بل من خلال إصلاحٍ متكاملٍ يجمع بين التّشريع والتّثقيف والمساءلة:

  • تعزيز الشّفافيّة: نشر تقاريرٍ دوريّةٍ تكشف الفروقات في الأجور بين الجنسين لزيادة الوعي ودفع المؤسّسات نحو الإصلاح.
  • تحقيق التّوازن بين العمل والأسرة: توفير إجازاتٍ مدفوعةٍ وتشجيع العمل المرن لضمان استمرار النّساء في مسارهنّ المهنيّ.
  • مكافحة التّحيّز اللاواعيّ: تدريب المديرين على تجنّب التّمييز غير المقصود في عمليّات التّوظيف والتّرقية.
  • تمكين النّساء في القطاعات التّقنيّة والعلميّة: دعم دخولهنّ إلى مجالات العلوم والتّقنية والهندسة والرّياضيّات (STEM) لتقليص الفوارق في الأجور.
  • تحفيز المؤسّسات الملتزمة بالمساواة: ربط الحوافز الحكوميّة بالشّركات الّتي تقلّص فعلاً فجوة الأجور بين الجنسين.

الخاتمة

في نهاية المطاف، يتّضح أنّ فجوة الأجور بين الجنسين لم تغلق كما يروّج، بل تبدّلت مظاهرها وتخفّت وراء واجهاتٍ من المساواة الشّكليّة. فالقضيّة ليست مجرّد تفاوتٍ رقميٍّ في الرّواتب، بل منظومةٌ عميقةٌ من التّحيّزات والقوالب الاجتماعيّة الّتي ما تزال تتحكّم في تقييم الكفاءة والجدارة. ولن يتحقّق التّغيير الحقيقيّ إلّا حين يعاد تعريف العدالة المهنيّة على أساس الكفاءة لا النّوع، وحين تكافأ الجهود بالإنجاز لا بالجندر.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما أبرز الأسباب التي تُبقي فجوة الأجور بين الجنسين قائمةً؟
    تستمرّ فجوة الأجور بين الجنسين بسبب توزيع الأدوار المهنيّة غير المتكافئ، وغياب الشّفافيّة في الرّواتب، ومسؤوليّات الأمومّة، والتّحيّزات اللّاواعية في بيئة العمل.
  2. ما الحلول الأكثر فعالية لتقليص فجوة الأجور بين الجنسين؟
    الحلول الأكثر فعالية لتقليص فجوة الأجور بين الجنسين، هي: الشّفافيّة في الأجور، والعمل المرن، ومكافحة التّحيّز في التّوظيف، وتمكين النّساء في مجالات التّقنيّة، إضافةً إلى ربط الحوافز بالشّركات الملتزمة بالمساواة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: