من الفكرة إلى الأثر: كيف تُسرّع الإمارات مسار المبتكرين نحو الريادة العالمية؟
تعزّز الإمارات منظومة ابتكارٍ متكاملةً تُسهّل على الشّركات الواعدة الانتقال من مرحلة الفكرة إلى التّوسّع العالميّ، عبر سياساتٍ متقدّمةٍ ودعمٍ تمويليٍّ وشراكاتٍ استراتيجيّةٍ تُسرّع النّموّ
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
أصبح الابتكار واحداً من أهم المحركات الدافعة للقدرة الاقتصادية على الصمود. فعبر كل صناعة، أصبحت القدرة على توسيع نطاق التقنيات الجديدة وطرح حلول مؤثرة في السوق تشكل الطريقة التي تتنافس بها الدول وتتطور بها الصناعات.
وفي دولة الإمارات، كان الابتكار منذ فترة طويلة أولوية وطنية استراتيجية، يشكّل ركيزةً أساسيّة لتنويع الاقتصاد والاستعداد للمستقبل، ولتحقيق الرّؤى الوطنيّة. ومع تسارع النّموّ عبر القطّاعات المتقدمة، يتمثّل السؤال الآن في مدى السّرعة -والفاعلية- التي تستطيع بها الشّركات الواعدة التّوسع للحاق بوتيرة هذا التّطوّر.
فليس سرّاً أنّ الإمارات كانت ثابتةً في موقفها تجاه الاستثمار في التّقنيات الجديدة ووضع نفسها كوجهة للمبتكرين العالميين. وخلال العقد الماضي، بنت الدولة بيئة يمكن فيها للمؤسسين ذوي الإمكانات العالية ترسيخ جذورهم، واختبار الحلول ونشرها، والوصول إلى نطاق أوسع من العملاء، بدءاً من الجهات الحكومية ووصولاً إلى عمالقة القطاع الخاص. ويُسهم هذا الالتزام المنسق في تشكيل الإمارات كمكان تُبتكر فيه حلول متنوعة، وتُوسّع بشكل لافت.
منظومة مصممة للتوسع
لقد توسعت منظومة الابتكار في الإمارات بشكل كبير، مدعومة بمزيج من السياسات التقدمية، والبنية التحتية القوية، والبرامج الموجهة. وتمنح هذه العناصر مجتمعةً الشركات ذات الإمكانات العالية الأدوات التي تحتاج إليها للانتقال إلى ما بعد التجارب المبكرة نحو الأسواق الإقليمية والعالمية. كما يجعل الوصول إلى عملاء من قطاعات متعددة، والوضوح التنظيمي، والقرب من طرق التجارة الكبرى، التوسع من الإمارات أمرًا ممكنًا وجاذبًا.
ومع ذلك، وحتى مع وجود البيئة المناسبة، يواجه المبتكرون تحديات نموذجية للشركات التي توسع عملياتها. وتشمل هذه التحديات التعامل مع متطلبات رأس المال، وبناء القدرات المناسبة، وتشكيل شراكات يمكن أن تفتح فرصًا تجارية. وهنا تلعب المؤسسات التي تركز على التوسع -بدلاً من توليد الأفكار- دوراً أساسيّاً.
تم إنشاء صندوق محمد بن راشد للابتكار (Mohammed Bin Rashid Innovation Fund – MBRIF) لدعم الأعمال المبتكرة ذات الإمكانات العالية في توسيع عملياتها. ونحن نعمل مع شركات أثبتت قيمة مقترحاتها بالفعل وأصبحت جاهزة للنمو. وهدفنا هو مساعدتها على تعزيز وضعها المالي، وصقل أسسها التشغيلية، وفتح الأبواب أمام شراكات تُسرّع الوصول إلى الأسواق.
ويُعد تقديم تمويل مرن يكمل مصادر التمويل التقليدية عنصرًا رئيسيًا من هذا الدعم. فهو يمكّن المبتكرين من التركيز على بناء قدراتهم دون تحمل أعباء قد تقيد نموهم على المدى الطويل. كما يتضمن إطار الدعم عنصرًا أساسيًا آخر يتمثل في توفير التواصل مع أصحاب المصلحة المعنيين، مما يساعد الشركات على فهم ديناميكيات العمل في الإمارات وتحديد مسارات التوسع.
كما نسهل الفرص التي تتيح للمؤسسين التواصل مع الخبراء وقادة القطاعات. وتساعد هذه التفاعلات الشركات على التوافق مع احتياجات الصناعة، وتطوير حلولها، واكتساب الثقة لدخول أسواق جديدة. ويكتسب ذلك أهمية خاصة في قطاعات مثل الفضاء والنقل والطاقة النظيفة، حيث تتغير المعايير والتوقعات بسرعة.
الابتكار كمحرك للتنافسية الوطنية
يذهب نهج الإمارات تجاه الابتكار إلى ما هو أبعد من دعم نمو الأعمال، إذ يمثل جزءاً من استراتيجية أوسع لتعميق التنافسية الوطنية وتوسيع مشاركة الدولة في سلاسل القيمة العالمية. وقد أصبح الابتكار عنصرًا محوريًا في قطاعات مثل الطيران والفضاء والخدمات اللوجستية والاستدامة، حيث تتطلب هذه الصناعات تقدماً مستمرّاً، سواء من خلال الأتمتة أو علوم المواد أو الذكاء الاصطناعي أو حلول الطاقة الجديدة.
ومن خلال مساعدة المبتكرين على الانتقال من الجذب الأولي إلى التوسع المؤثر، تعزز الإمارات موقعها في الأسواق العالمية. وغالباً ما تقدم الشركات في مراحل النمو منظورات جديدة، ومرونة، وتقنيات يمكن أن تعزز القدرات الوطنية وتدعم الطموحات الاقتصادية طويلة المدى.
لكن الرحلة من منتج واعد إلى توسع دولي تتطلب التزاماً ووضوحاً ودعماً. وهي تعتمد على وجود منظومة تدرك واقع التوسع، وقادرة على توفير الموارد المستهدفة التي تساعد المبتكرين على التقدم بثقة.
وقد بنت الإمارات مثل هذه المنظومة. فمن خلال الجهود الوطنية المنسقة والتعاون الواسع عبر القطاعات، تُسرّع الدولة نمو الشركات التي تمتلك القدرة على أن تصبح علامات بارزة، وقد أكدت حكومة الإمارات هدفها في زيادة عدد هذه الشركات إلى أكثر من مليوني شركة بحلول عام 2031. وفي صندوق MBRIF، يظل تركيزنا ثابتاً على تمكين هؤلاء المبتكرين من النجاح من خلال هياكل دعم عملية وشراكات تساعدهم على اجتياز مراحل النمو.
وسيقاس نجاح الإمارات في الابتكار ليس فقط بالأفكار التي تجتذبها، بل أيضًا بمدى فعالية تحول تلك الأفكار إلى حلول لمشكلات واقعية قادرة على تشكيل الصناعات؛ فهناك يكمن الأثر الحقيقي، وهناك تركز الإمارات اهتمامها.
عن الكاتب
شاكر زينل (Shaker Zainal) هو رئيس صندوق محمد بن راشد للابتكار. ويُعد MBRIF مبادرة اتحادية صاغتها وأطلقتها وزارة المالية الإماراتية. وتهدف المبادرة إلى تحديد ورعاية الابتكارات ذات الإمكانات العالية داخل الإمارات وخارجها. كما تهدف إلى تعزيز إمكانات نمو الأعمال المبتكرة وتشكيل مستقبل اقتصاد الإمارات.
