الرئيسية الريادة لماذا لم يعد الانشغال وساماً على صدور القادة؟

لماذا لم يعد الانشغال وساماً على صدور القادة؟

حين يظنّ القائد أنّ كثرة الاجتماعات والعمل المستمرّ دليلٌ على النّجاح، يكتشف أنّ القوّة الحقيقيّة تكمن في التّركيز، والتّوازن، والقرارات الذّكيّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

انتشرت في العقود الأخيرة ثقافة التّفاخر بالانشغال بين القادة والمديرين، حتّى غدا الانغماس في الاجتماعات المرهقة، والانشغال الدّائم بالرّدود السّريعة على الرّسائل، والعمل المتواصل لساعاتٍ إضافيّةٍ، معياراً زائفاً لقيم الفرد ومكانته. غير أنّ هٰذا النّمط من التّفكير أخذ يفقد بريقه تدريجيّاً مع تطوّر عالم الأعمال، إذ أثبتت التّجارب أنّ الانشغال المفرط لا يعني بالضّرورة إنتاجيّةً، ولا يقود بالضّرورة إلى نجاحٍ. بل على العكس، فإنّ ما يسمّى التّباهي بالانشغال أو التّظاهر بالعمل المستمرّ تحوّل إلى عائقٍ يحجب القادة عن اتّخاذ قراراتٍ استراتيجيّةٍ، ويمنعهم من إيجاد توازنٍ صحّيٍّ بين الحياة المهنيّة والشّخصيّة.

كيف تحول التفاخر بالانشغال إلى ثقافة سائدة؟

اعتبر القادة في الماضي أنّ الانشغال الدّائم دليلٌ على الجديّة والانتظام، فكانوا يملؤون جداولهم بالإلقاءات والمهامّ ليظهروا إخلاصهم للعمل. ومع صعود الشّركات الكبرى وتزايد حدّة المنافسة، ترسّخت فكرة أنّ من يعمل أكثر هو بالضّرورة الأكثر نجاحاً. غير أنّ هٰذا الاعتقاد سرعان ما خلق وهماً لا واقعاً، إذ انشغل القادة بالتّفاصيل الهامشيّة مثل الرّدود الفوريّة والاجتماعات غير الضّروريّة، بدلاً من التّركيز على التّخطيط الاستراتيجيّ بعيد المدى.

وبما أنّ المجتمعات ربطت قيمة القائد بعدد السّاعات الّتي يقضيها في مكتبه، فقد استمرّت هٰذه الصّورة لعقودٍ طويلةٍ. غير أنّ تطوّر مفاهيم الإدارة وتغيّر أنباط العمل كشف لاحقاً أنّ التّفاخر بالانشغال لا يعكس حقيقة القيادة الفعّالة، بل يخفي أحياناً ضعف القدرة على التّفويض، أو غياب الرّؤية الاستراتيجيّة الّتي تمكّن القائد من قيادة فريقه نحو أهدافٍ واضحةٍ. [1]

لماذا لم يعد الانشغال معياراً للنجاح القيادي؟

أدركت المؤسّسات الحديثة أنّ قيمة القائد لا تقاس بعدد الاجتماعات ولا بساعات العمل الطّويلة، بل بقدرته على اتّخاذ القرارات الصّائبة، وقيادة الفرق بمرونةٍ، وتحقيق نتائج ملموسةٍ قابلةٍ للقياس. فالانشغال المفرط كثيراً ما يقود إلى الإرهاق الذّهنيّ والجسديّ، ويزيد من احتماليّة الوقوع في الأخطاء، ويضعف القدرة على التّفكير الإبداعيّ الّذي تحتاجه المؤسّسات للبقاء في بيئةٍ شديدة التّنافسيّة.

وأثبتت الدّراسات أنّ القادة الّذين يغرقون في تفاصيل يوميّةٍ بلا توقّفٍ يفقدون تدريجيّاً القدرة على النّظر إلى الصّورة الشّاملة، في حين أنّ القائد النّاجح هو من يوازن بين متابعة التّفاصيل الضّروريّة وتحديد الاتّجاهات الكبرى. ولهٰذا السّبب، لم يعد التّظاهر بالانشغال ولا المبالغة في إظهار الانغماس في العمل وسيلةً لبناء سمعةٍ قويّةٍ، بل بات مؤشّراً على ضعف الإدارة الذّاتيّة وانعدام القدرة على ترتيب الأولويّات.

وعلاوةً على ذٰلك، لم تعد المؤسّسات تكافئ القادة على مجرّد "الحضور المستمرّ" أو "التّباهي بالانشغال"، بل على النّتائج الفعليّة الّتي تحقّق نموّاً للأعمال. فلم يعد المستثمرون ولا الموظّفون ولا حتّى العملاء ينظرون إلى القائد الّذي يقضي وقتاً طويلاً في مكتبه باعتباره نموذجاً يحتذى، بل يرونه شخصاً يهدر طاقته في أعمالٍ يمكن تفويضها بسهولةٍ. وهكذا تغيّر معيار النّجاح القياديّ من تقديس الانشغال إلى تقدير الذّكاء في إدارة الوقت، ومن الانغماس في المهامّ الصّغيرة إلى القدرة على صياغة رؤيةٍ استراتيجيّةٍ شاملةٍ. [1]

ما هي أضرار التفاخر بالانشغال على القادة والفرق؟

لا يقتصر أثر هٰذه الثّقافة على القادة وحدهم، بل يمتدّ ليصيب بيئة العمل برمّتها. فأوّلاً، يخلق الانشغال المصطنع مناخاً مرهقاً، حيث يظنّ الموظّفون أنّ عليهم تقليد قائدهم في التّضحية المستمرّة بالوقت والرّاحة، ما يؤدّي إلى انخفاض الرّضا الوظيفيّ وارتفاع معدّلات الاحتراق النّفسيّ. وثانياً، يقيّد الانغماس في المهامّ الرّوتينيّة قدرة القائد على التّفكير النّقديّ والابتكار، وهما عناصر جوهريّةٌ في مواجهة التّحدّيات. وثالثاً، يضعف التّفاخر بالانشغال صورة القائد أمام فريقه، خصوصاً عندما يكتشف الفريق أنّ كثيراً من الوقت الضّائع كان يمكن استثماره في مهامٍّ ذات قيمةٍ حقيقيّةٍ.

بالإضافة إلى ذٰلك، تشوّه هٰذه الثّقافة مفهوم الإنتاجيّة، فبدلاً من أن يقاس النّجاح بالنّتائج والمخرجات، يقاس بعدد السّاعات المهدورة. ومع تكرار هٰذا السّلوك، تتراجع القدرة التّنافسيّة للمؤسّسة، وتفقد الفرق حافزها للعمل بذكاءٍ وكفاءةٍ. [2]

كيف تغيرت نظرة العالم إلى قيمة الوقت؟

أعادت التّكنولوجيا الحديثة وممارسات العمل المرن صياغة مفهوم قيمة الوقت، إذ لم يعد ينظر إلى القائد النّاجح باعتباره الأكثر انشغالاً، بل باعتباره الأقدر على إدارة طاقته ووقته بكفاءةٍ. وساهم انتشار الأدوات الرّقميّة في كشف أنّ كثيراً من الاجتماعات يمكن الاستغناء عنها أو اختصارها، وأنّ التّركيز على الأولويّات يحقّق نتائج أعظم من الانغماس في تفاصيل ثانويّةٍ لا تضيف قيمةً.

وتغيّر معيار التّقدير تبعاً لذٰلك، حيث بات المستثمرون والمساهمون والعملاء يقيسون قيمة القائد بنتائج ملموسةٍ واستراتيجيّاتٍ واضحةٍ، لا بصورةٍ مشغولةٍ زائفةٍ. ومن هنا، فقدت ثقافة التّفاخر بالانشغال بريقها، لأنّها لم تعد تقنع أحداً في بيئة عملٍ تعلّي من شأن الكفاءة والمرونة والابتكار.

الخاتمة

لم يعد الانشغال المفرط وساماً يعلّق على صدور القادة كما كان يظنّ في الماضي. فقد أثبتت التّجارب أنّ التّفاخر بالانشغال أو التّظاهر بالعمل المستمرّ لا يقود إلى نجاحٍ حقيقيٍّ، بل يهدر الطّاقات ويفرغ مفهوم القيادة من جوهره. وفي المقابل، يملك القائد الفعّال اليوم القدرة على الموازنة بين مهامّه، وتحديد أولويّاته بوضوحٍ، وتفويض فريقه بكفاءةٍ، وإدارة وقته بذكاءٍ. ومع تحوّل عالم الأعمال إلى بيئةٍ تقوم على الكفاءة والمرونة، أصبح معيار القيادة الحقيقيّ هو النّتائج الملموسة والقدرة على رسم رؤيةٍ مستقبليّةٍ، لا عدد السّاعات الطّويلة ولا التّفاخر بالانشغال.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل يعني تقليل الانشغال أن القائد يتهاون في عمله؟
    لا يعني تقليل الانشغال أن القائد يتهاون في عمله، بل على العكس تماماً. فتقليل الانشغال يعكس قدرة القائد على إدارة وقته بذكاءٍ وتوجيه جهوده نحو أوّلويّاتٍ استراتيجيّةٍ تحقّق نتائج ملموسةً.
  2. لماذا يزداد التركيز اليوم على النتائج بدلاً من ساعات العمل؟
    يزداد التركيز اليوم على النتائج بدلاً من ساعات العمل؛ لأنّ بيئة الأعمال الحديثة تعتمد على الكفاءة والمرونة، حيث يهم المستثمرون والعملاء بما تحقّقه الشّركة من نموٍّ وابتكارٍ، وليس بعدد ساعات جلوس القائد في مكتبه.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: