الرسائل تحمل أكثر من كلماتها: كيف تعكس نبرتها شخصيتك؟
حين تتسرّب المشاعر في ثنايا العبارات، تتحوّل النّبرة إلى لغةٍ ثانيةٍ خفيّةٍ، قادرةٍ على بناء جسور الثّقة أو إشعال مسافةٍ من التوتّر والخذلان

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
تحمل كلّ رسالةٍ تبعثها في بيئة العمل وزناً خاصّاً يتجاوز الكلمات. تتسلّل، من غير إدراكٍ منك، تيّاراتٌ شعوريّةٌ كامنةٌ -كالدّفاعيّة والمقارنة والأحكام المتخيّلة والخوف- إلى نبرة خطابك، فتطلق صدىً عاطفيّاً في المتلقّي قد يعكسه عليك، حتّى وإن لم يكن قصدك ذلك.
يميل القادة، عن غير وعي، إلى إضعاف أنفسهم بالكتابة، إذ تنفذ المشاعر إلى السّطور ولو بخفاء. فقد أطلعني أحد عملائي على رسالةٍ أرسلها فأُهملت فوراً من المستلِم. كانت الصياغة مهنيّة، لكن النّبرة أوحت بانفعالٍ دفاعيٍّ، فحجبت الرّسالة عن غايتها. مهما بدا لك خطابك واضحاً، فإنّ دخوله مشحوناً بالعاطفة السّلبيّة قد يقلب المعنى رأساً على عقبٍ.
ولئن وجدت نفسك مرّةً تستجيب بالطّريقة ذاتها لرسالةٍ أو لشخصٍ، فذلك ليس مصادفةً؛ فالبشر مبرمجون على الردّ بالنّغمة نفسها الّتي يُخاطَبون بها. يستجيب الجهاز العصبيّ غريزيّاً لاهتزاز عاطفيّ يصدر عن الآخر أمامك؛ فإذا كان خوفه الدّفين هو الرّفض، انجذبت إلى رفضه. وإذا كان يعتقد في سرّه أنّك تملك سلطة تثبيته أو تهميشه، وجدت نفسك، من غير قصدٍ، تمارس هذا الدّور.
شاهد أيضاً: كبت المشاعر في العمل: ضريبةٌ صحية للنّساء
تُبنى الجدران في التّواصل لأسبابٍ شتّى: مرّةً بدافع الخوف المسقَط، ومرّةً أخرى بفعل الأحكام المتخيّلة أو المقارنات. حين تدخل حواراً وأنت في هذه الحالة الذهنيّة، فإنّ طاقتك تُستشعَر بوضوح، وحينها تتحوّل كلماتك إلى بذورٍ تثمر الاستجابة التي كنت تخشاها أصلاً. لهذا أنصح عملائي ألّا يخطّوا رسالةً تحت وطأة الغضب أو القلق أو أيّ شعورٍ جامح. قد يصعب ذلك أحياناً، لكن في معظم الأوقات يكفي أن يتراجع المرء خطوةً ليدرك أنّ الرسالة المشحونة قد تُغلق الأبواب بدلاً من أن تفتحها.
ولكسر دائرة الدفاعيّة، لا بدّ من يقظةٍ لحظيّة:
- هل صدرك ضيّق، أو فكّك مشدود، أو أنفاسك ضحلة؟
- هل ارتفعت كتفاك إلى أذنيك؟
- هل تدرّب نفسك على حججٍ مضادّة أو تفترض الأسوأ في الآخر قبل أن يمنحك ردّه؟
غالباً ما يكون ذلك مجرّد إسقاط؛ فعندها توقّف واسأل: "هل أستجيب لما أمامي فعلاً أم لظلٍّ قديمٍ في داخلي؟" ثمّ تمهّل، خذ نفساً، واختر أن تردّ بعقلٍ لا أن تندفع بانفعال. وإن كان الموضوع عزيزاً عليك، فاكتب مسوّدةً واتركها جانباً. عُد إليها بعد ساعات، فقد يبدّل صفاء اللحظة رؤيتك، فتكتبها من منظورٍ أكثر هدوءاً. وإن كنت تردّ على رسالةٍ سابقة، فلتكن نبرتك دافئة، مختصرة، محايدة؛ محادثةٌ وديّة بقدر ما هي واضحة. ذكّر نفسك بهدف التبادل، ووجّه الحوار إلى خطوته التالية، وابقِ كلماتك موجزة نافذة.
فحين تتحكّم مشاعرك في أسلوب تواصلك، تفقد رسائلك بريق الوضوح وقوّة الغرض. أمّا النبرة الواثقة المتزنة الموجَّهة، فهي ما يشيع الثقة ويلهم الاستجابة. وقد تميل إلى إرسال الرسائل على عجل، لكن إن واجهتك باستمرار ردود رفض أو صدّ أو تجاهل، فاعلم أنّ حالتك الذهنيّة لحظة الكتابة هي ما يولّد تلك النتائج.
لن يأتي إتقان هذا الانضباط بسهولة، لكن الوعي بسطوة مشاعرك على كلماتك أمرٌ مصيريّ. تأنَّ، راقب ذاتك، واختر أن تجيب بوعي لا أن تردّ باندفاع، لتتلقّى ردوداً أصيلة لا انعكاسات آليّة.
نشر جيري كولونا (Jerry Colonna)، الشّريك المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "ري بوت" (Reboot)، هذا الرّأي التّحليليّ في موقع إنك دوت كوم (Inc.com).