الرئيسية التنمية ضع حداً للإسراف: استراتيجيات لحياة أكثر اعتدالاً

ضع حداً للإسراف: استراتيجيات لحياة أكثر اعتدالاً

اكتشف كيف يمكن للإسراف في السلوكيات الإدمانية التأثير على صحتنا العقلية والجسدية

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

بفضل المغنيَّة الأمريكيَّة تايلور سويفت، غدا مصطلح 'العصر' كلمةً رائجةً في كلّ بيتٍ، فقد أسهمت جولتها الموسيقيَّة 'Eras Tour' في تنشيط الاقتصاد الأمريكيّ خلال صيف 2023، واليوم أعتقد أنَّنا نعيش في عصرٍ جديدٍ؛ لنطلق عليه 'عصر الإسراف'، إذ إنَّ الأجيال السَّابقة لم تختبر ما نختبره نحن اليوم. [1]

قبل عقودٍ، وعندما كنت صغيراً، لم تكن الفرص متاحةً للاستمتاع بالأمور كما هو الحال الآن، كان يجبُ عليَّ الانتظار والعمل الجادّ للحصول على ما يمكننا اليوم التَّمتُّع به فوراً وبنقرة زرٍّ، على سبيل المثال عندما كنت في سنّ التَّاسعة كنت شغوفاً بمتابعة باتمان على شاشة التّلفاز، حيث كان يُعرض أسبوعيَّاً في تمام الثَّامنة وخمس دقائق مساءً، وكنت أتركُ كلَّ شيءٍ لأجلس أمام تلفزيون العائلة وأشاهده.

وعلى الرَّغم من عشقي لهذا البرنامج، لم يكن بمقدوري الإفراط في مشاهدته، كنت مضطراً للانتظار أسبوعاً كاملاً لمشاهدة الحلقة التَّالية، أمَّا اليوم فقد تغيَّرت الحياة كليَّاً، حيث أصبح من المحتمل جداً أنَّك قد أمضيت العام الماضي تشاهد العديد من الفيديوهات بلا انقطاعٍ، وبحسب شركة  Nielsen للأبحاث السُّوقيَّة، فقد ارتفع الوقت الذي يقضيه النَّاس في مشاهدة البثّ الحيّ بشكلٍ كبيرٍ بين عامي 2019 و2020.

شاهد أيضاً: ترويض شغف الاكتشاف: كيف تُوجّه دوبامين الدماغ نحو الإنتاجية؟

لماذا من المهمّ مناقشة هذا الموضوع؟

يقول الطَّبيب النَّفسيُّ دانيش أ. آلم من مستشفى Northwestern Medicine: "إنَّ سلوكيَّاتنا وأفكارنا التي تتكرَّر مع مرور الزَّمن، يمكن أن تتحوَّلَ إلى أنماطٍ عصبيَّةٍ وعاداتٍ راسخةٍ صعبة الكسرِ أو التَّعديل"، وتؤكِّد الصَّحفيَّة تشيلسي ستون هذه الحقيقة القاسية، مشيرةً إلى أنَّ المشاهدة المفرطة للمسلسلات المفضَّلة لدينا يمكن أن تخلقَ نوعاً من "النَّشوة"، فنحن عندما ننغمس في نشاطٍ يسرُّنا يفرز دماغنا مادة الدُّوبامين، وهي مادةٌ كيميائيَّة تُعزِّز مشاعر المتعة والإثارة والفرح.

وهذا الدُّوبامين يساعد في تعزيز شعورنا بالرِّضا، ممَّا يؤدِّي إلى نشوةٍ تشبه تلك التي تسبِّبها المواد المخدِّرة أو المواد المسبّبة للإدمان، ويظلُّ دماغنا في شوقٍ للمزيد من المحفّزات دائماً، وطالما أنَّنا نواصل الإفراط في استهلاك تلك المحفِّزات، يستمرُّ دماغنا في إفراز الدُّوبامين، وقد غصتُ بشكلٍ أعمق لاستكشاف الطَّريقة التي تؤثِّر بها قدرتنا على الإفراط في تلك الأشياء المحفّزة للدُّوبامين علينا.

قد نعتقدُ بحكم أنَّنا جيلٌ تلقَّى تعليماً متقدِّماً، أنَّنا قادرون على تجاوز أيَّة تأثيراتٍ سلبيَّةٍ لهذا الإدمان، ولكنَّ الحقيقة المريرة هي أنَّنا أصبحنا شعباً يدمن الأمور غير الصّحيَّة، ولقد أثَّرت قدرتنا على الإفراط في استهلاك الكثير من الأشياء على مستويات الدُّوبامين لدينا، وهذا يفسِّر خياراتنا السَّيئة، إضافةً للخيارات الرَّديئة التي يتَّخذها أطفالنا.

ابحث على الإنترنت وستجد ما أحدثه إسرافنا في استهلاك المحفِّزات من آثارٍ سلبيَّةٍ، نذكر منها: انخفاض مستويات السَّعادة، وارتفاع مستويات الإدمان، ووهن العزيمة، والعزلة عن الآخرين، واضطرابات النوم، وازدياد مستويات الاكتئاب، وانخفاض مستوى الانضباط، والارتفاع في مستوى النَّرجسيَّة.

ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن موقع 'Very Well Health'، توجد أيضاً تبعاتٌ صحيَّةٌ محتملةٌ قد لا تخطر ببالك، فمع مرور الزَّمن يمكن للإفراط في المشاهدة أن يؤذي صحتك بطرقٍ لم تتوقَّعها، ومن بين المخاوف التي أثارها الباحثون قلَّة النَّشاط البدنيّ، ومشكلات النَّوم والإرهاق، وتجلُّط الدَّم، والمشكلات القلبيَّة، وسوء التَّغذية، والعزلة الاجتماعيَّة، والإدمان السُّلوكيُّ، والتَّدهور المعرفيُّ.

وبما أنَّ كلَّ شيءٍ تقريباً أصبح متاحاً عند الطَّلب، وغالباً ما يكون مجاناً، وغدا من الممكن الوصول الفوريّ لأيّ شيءٍ في العالم، فقد نتج عن ذلك تشكيل سلوكنا وسلوك أطفالنا، بحيث أصبح من السَّهل التَّخلّي عن القرارات الهامَّة كقرارات العام الجديد، وإنهاء الصَّداقة، وترك الوظيفة، والانفصال في الزَّواج، بل أدَّى الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك، فقد أصبحنا أكثر براعةً في تبرير قراراتنا للتَّخلّي عن شيءٍ ما، ولدينا مصطلحاتٌ لشرح القرار بوقف القيام بما كنَّا قد قلنا إنَّنا سنفعله، مثل الحدود وإلغاء الالتزام والعناية بالذَّات، وبينما أُقرّ بأنَّنا أحياناً نحتاج إلى رسم حدودٍ وإلى العناية بالذَّات، لكن غالباً ما تتحوَّل تلك الأمور إلى أعذارٍ أكثر من كونها تفسيراتٍ معقولةٍ، فنصبح عبيداً لرغباتنا.

شاهد أيضاً: الإدمان على وسائط التواصل الاجتماعي يهدّد الصّحة النفسية

كيف يمكننا استعادة السيطرة على حياتنا؟

لاستعادة السيطرة على حياتك، اتبع الخطوات التالية:

ضع حدّاً

إذا كنتَ تشاهد المسلسلات بشكلٍ مفرطٍ، ضع حدّاً لنفسك بمشاهدة حلقتين أو ثلاث حلقاتٍ فقط، ثم أغلق التَّلفاز وقم بنشاطٍ آخر، أمَّا إذا كان الأمر يتعلَّق بالطَّعام، فحدِّد حدوداً لحصصك الغذائيَّة، ويمكنك استخدام المؤقّتات لمساعدتك على الالتزام بالحدود، واتَّخذ هذا القرار قبل أن تبدأ، إذ يمكن أن تكون الحدود نعمةً.

أبقِ الأنوار مضاءةً

نحن أقلَّ عرضةً لتضييع الوقت عندما تكون الأضواء مضاءةً، سواءً أكنَّا منخرطين في ألعاب الفيديو أو محتوى البثّ أو أيّ نشاطٍ ممتعٍ، وعندما تكون العناصر الأُخرى مرئيَّةً، يمكننا الحفاظ على الهدف وعدم التَّشتُّت في نشاطٍ مسرفٍ، وافرض الانضباط على نفسك حتَّى لا يضطر شخصٌ آخر إلى فعل ذلك.

افعل ذلك مع مجموعة

غالباً ما نُسرفُ في ممارسة بعض الأمور إذا ما كنَّا بمفردنا، فكِّر في الإفراط في الأكل، أو تصفُّح المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، عندما تجعل هذا من ضمن النَّشاطات الاجتماعيَّة مع صديقٍ أو شريكٍ أو أطفالٍ، حينها يمكنك التَّحدُّث عن البرنامج الفلانيّ أو النَّشاط الذي تقوم به، إذ وجودنا برفقة الآخرين لا يساعد فقط في الحفاظ على أهدافنا، بل هو صحيٌّ أيضاً.

كن معتدلاً ووازن بين ممارسة نشاطٍ مسرفٍ ونشاطٍ آخر

مهما كانت قابليَّتك لممارسة نشاطٍ مسرفٍ قويَّةً، حاول موازنة ذلك مع نشاطٍ معاكسٍ مساوٍ له، مثلاً لماذا لا تشاهد برنامجاً عبر التَّلفاز، ثمَّ تخرج للتَّفاعل مع النَّاس وجهاً لوجه؟ اقضِ عدد السَّاعات نفسها في كلا النَّشاطين، هذا من شأنه أن يساعدكَ على الاعتدال في سلوكيَّاتك.

يجب أن يجعلنا ميولنا للإسراف نشعر بالانزعاج، ولكن قبل أن نتمكَّنَ من الخروج من هذا السّجن، يجب أن ندركَ أنَّنا فيه أصلاً، ويقول شين نيماير: "أحياناً نُحفِّز أنفسنا بالتَّفكير فيما نريد أن نصبحَ عليه، وأحياناً نُحفِّز أنفسنا من خلال التَّفكير في النُّسخة التي لا نريد أن نكون عليها مجدَّداً".

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: