4 دروس تقود الشركات الناشئة إلى النجاح في السعودية
في اليوم الوطني السعودي 95، ترصد "عربية .Inc" رؤى خبراء وقادة أعمال تكشف أسرار النّجاح في السّوق السّعوديّة، حيث تتقاطع الرّؤية الوطنيّة مع فرصٍ غير مسبوقةٍ للشّركات النّاشئة

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
مع احتفال المملكة العربية السعودية باليوم الوطني الخامس والتسعين في 23 سبتمبر من هذا العام، فإنّ المناسبة لا تقتصر على استذكار الإرث والتّاريخ، بل تُمثل أيضًا فرصة لإبراز الدّور المتنامي للمملكة كمحرّكٍ أساسيٍّ في اقتصاد الشّركات النّاشئة على مستوى منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويأتي هذا الاحتفال بعد أيّامٍ قليلةٍ من جولاتٍ استثماريّةٍ بارزةٍ عزّزت حقيقة أنّ المنظومة الرّياديّة السعودية ماضية نحو ترسيخ موقعها كمركزٍ إقليميٍّ محوريٍّ. على سبيل المثال، جمعت شركة "هلا" (HALA) العقارية 157 مليون دولار في جولة تمويلٍ من الفئة "أ"، وُصفت بأنّها من أكبر جولات الفئة ذاتها لشركات التكنولوجيا المالية في المنطقة، في حين حصلت شركة "تمارا" (Tamara) للتّقنيات الماليّة على تسهيلاتٍ ماليّةٍ مضمونةٍ بالأصول تصل إلى 2.4 مليار دولارٍ من مؤسّساتٍ أمريكيّةٍ كبرى مثل "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) و"سيتي" (Citi) و"أبولو" (Apollo). وتُظهر هذه الأمثلة المتتالية أنّ المملكة تمضي بخطىً ثابتةٍ نحو أن تصبح مركزاً رئيسيّاً للمشاريع المبتكرة.
والأرقام تؤكّد هذا الزّخم. ففي الوقت الّذي شهدت فيه معظم أسواق المنطقة تباطؤاً في التّمويل خلال الشّهر الماضي، واصلت السعودية تقدّمها، لتكرّس موقعها كوجهةٍ أولى لرأس المال الرّيادي والمواهب، في مسارٍ يتماشى بدقّةٍ مع رؤية 2030 الّتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن النّفط، وتحويل المملكة إلى مركزٍ عالميٍّ للابتكار. ووفقًا لتقرير "ومضة" حول استثمارات الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2025، استقطبت الشّركات النّاشئة في المملكة 166 مليون دولار عبر 19 صفقةً في أغسطس وحده، وهو ما يمثّل ما يقرب من نصف إجمالي رأس المال المُجمّع في المنطقة. وقد برزت قطّاعاتٌ مثل العقارات التّقنية، والتّشييد الذّكيّ، والتكنولوجيا المالية، وصناعة الألعاب، كأكثر القطاعات جذباً للتّمويل.
لم يأتِ هذا التّفوق السّعوديّ مصادفةً، بل هو نتيجةٌ استراتيجيّةٌ مدروسةٌ تقوم على رؤية 2030، الخطّة الوطنيّة الطّموحة لتنويع الاقتصاد وبناء منظومة ابتكارٍ عالميّة المستوى. وأحد أبرز محرّكات هذا الزّخم يتمثّل في الاستثمارات الحكوميّة الموجّهة والسّياسات المصمّمة بعنايةٍ، والّتي وفّرت بنيةً ماليّةً وتنظيميّةً متينةً تمنح المؤسّسين المساحة للنّمو، وتزرع الثّقة لدى المستثمرين.
ويستند هذا التّحوّل أيضاً إلى منظومة دعمٍ متكاملةٍ تشمل المسرّعات، والمؤسّسات الماليّة، والجامعات، ومراكز البحث، وصناديق رأس المال المغامر. كما يسانده لاعبون رئيسيّون مثل صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، والشّركة السعودية لرأس المال المغامر (SVC)، والبرنامج الوطنيّ لتنمية التّقنية (NTDP)، وغيرهم، ممن يقدّمون التّمويل والدّعم التّنظيميّ ومسارات التّوسّع للشّركات النّاشئة. وبهذا، فإنّ الشّركات السّعوديّة -وكذلك أولئك الذين ينتقلون إلى المملكة- لا تتمتّع فقط بقدراتٍ تمويليّةٍ قويّةٍ، بل أيضاً بموقعٍ استراتيجيٍّ يؤهّلها لقيادة قطّاعات المستقبل.
إذن، ما الّذي يتطلّبه الأمر لنجاح الشّركات النّاشئة في السعودية؟ وفيما يلي 4 خلاصاتٍ استقيناها من مقابلات أجرتها "عربية .Inc" خلال الأشهر الأخيرة:
1. استثمار رؤية 2030
معتز أبوعنق، المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "ڤاليو ميكرز ستوديو" (Value Makers Studio)، وهي شركة بناء مشاريع تستثمر في الشّركات السّعوديّة وكذلك الشّركات السّاعية للتّوسّع داخل المملكة، يوضّح أن أطروحته الاستثماريّة ترتكز على ثلاثة محاور: قابليّة التّوسّع المبنية على البيانات، والأثر المجتمعيّ، والانسجام مع رؤية السعودية 2030.
ويقول أبوعنق: "المملكة على أعتاب تحوّلٍ واسعٍ في قطّاعاتٍ عدّةٍ، لا سيما الأغذية والمشروبات، والتّكنولوجيا الصّحيّة، والسّياحة والثّقافة، والخدمات اللّوجستيّة، والتّكنولوجيا الماليّة، والتّقنيات المستدامة. وقد فتحت رؤية 2030 أبواباً غير مسبوقةٍ في هذه القطّاعات، ليس فقط من خلال الانفتاح التّنظيميّ، بل أيضاً عبر تحفيز الطّلب".
ويضيف أنّ هذه الفرص تُمهّد الطّريق أمام الشّركات النّاشئة لتلعب دوراً محوريّاً في الاقتصاد السّعوديّ، قائلاً: "ستؤدّي الشّركات النّاشئة دوراً حاسماً بوصفها عوامل للتّغيير؛ فهي أكثر مرونةً، وأسرع استعداداً للتّجريب، وأكثر قدرةً على دمج أفضل الممارسات العالميّة ضمن السّياق المحليّ. سواء تعلّق الأمر ببناء نظامٍ رقميٍّ متكاملٍ لإدارة المطاعم، أو تطوير منصّاتٍ تسهّل الوصول إلى خدمات الصّحة النّفسيّة، أو إعادة ابتكار تجارب السّياحة من خلال التّكنولوجيا، فإنّ الشّركات النّاشئة تتمتّع بالقدرة على سدّ الفجوات بسرعةٍ".
2. كن حاضراً لتفوز
آنابيل ماندر، النّائب التّنفيذيّ لرئيس شركة "تحالف" (Tahaluf)، أكبر منظّمٍ للفعاليّات في المملكة، ترى أنّ النّجاح في السعودية يتطلّب حضوراً فعليّاً راسخاً. وتقول: "إذا أردت أن تفوز بالسّوق السعودية، فعليك أن تكون حاضراً فيها. وهذا يعني التّفكير جديّاً في إنشاء مكتبٍ داخل المملكة، وربّما حتّى جعل مكتبك الرّئيسيّ للشّرق الأوسط هنا. والأهمّ من ذلك هو التّفاعل مع المجتمع والمنظومة المحليّة، وبناء علاقاتٍ مع الجهات التّنظيميّة وفهم آليّات عمل الحكومة. فالفرصة ضخمةٌ، لكنّك تحتاج إلى التّواجد الفعليّ لتتمكّن من اغتنامها".
3. حافظ على ميزتك التنافسية
أديب سمارة، المدير العام لشركة "بلاك لاين" (Blacklane) في السعودية، يوضّح أنّ مفتاح النّجاح في المملكة يكمن في القدرة على التّكيّف السّريع مع وتيرة التّغيّرات. ويقول: "تتغيّر السّعودية باستمرارٍ، ما يعني أنّ على الشّركات أن تواكب هذا التّغيّر بشكلٍ دائمٍ. ويتطلّب ذلك التّركيز على الأسس: وضع معايير عاليةٍ لجودة الخدمات، وبناء الفريق المناسب، وإنشاء البنية التّحتيّة الّتي تتيح للشّركة النّموّ جنباً إلى جنبٍ مع تطوّر المنظومة".
ويضيف نصيحته لروّاد الأعمال: "الاستمراريّة هي جوهر التّميّز، وعدم التّراخي هو ما يحفظ للتّجربة بريقها؛ فالنّجاح الحقيقيّ لا يعني التوقّف عند محطةٍ والاكتفاء بما تحقق، بل هو دعوةٌ لمواصلة السّير بخطىً أثبت وأعمق. كما أنّ الابتكار ليس لحظةً عابرةً تُسجَّل في دفتر الذّكريات، بل هو عقليّةٌ حيّةٌ تنبض بالتّجدّد كلّ يومٍ، وتستدعي من القادة أن يظلّوا في حركةٍ دائمةٍ، يرفضون الرّكون ويبحثون دوماً عن آفاقٍ أبعد؛ فالجوع إلى التّطوّر يجب أن يقترن بالتّواضع في الطّموح، والإصرار على بناء التّقدّم لبنةً لبنةً، لتظلّ الرحلة مفتوحةً على المستقبل، لا تنتهي بانتصارٍ مؤقّتٍ، بل تتواصل كمسيرة إبداعٍ لا تعرف حدّاً ولا سقفاً".
4. ميزة التوسع
يُعدّ مايك تشامبيون، الشّريك المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "تحالف"، من أبرز الأصوات الخبيرة في سوق الأعمال السعودية، حيث قاد شركته إلى تنظيم فعاليّاتٍ كبرى مثل "ليب" (LEAP) و"سيتي سكيب" (Cityscape) و"موني 20/20 الشرق الأوسط" (Money20/20 Middle East)، الّتي حقّقت حضوراً عالميّاً لافتاً. ويقول تشامبيون: "لو كنّا ننظم هذه الفعاليّات في أسواقٍ أخرى، لما بلغ حجمها نصف ما هي عليه اليوم، ولما حظينا بأكثر من عُشر مستوى الدّعم والمشاركة الحكوميّة؛ فالحقيقة أنّ السعودية اليوم هي المكان الّذي يُصنع فيه المستقبل؛ ففرص النّموّ والتّوسّع هنا لا يمكن مقارنتها بأيّ سوقٍ آخر".