وظائف الجيل الجديد: فرص عالية الرواتب للموهوبين بلا شهادات
تتزايد وظائف الجيل الجديد طلباً على المهارات العمليّة والخبرة، مانحةً فرصاً عالية الرّواتب لمن لا يحملون شهاداتٍ جامعيةٍ ويتميّزون بالمهارات الاحترافية
وسط التّحوّلات الجذريّة المتسارعة في أماكن العمل، برز اتّجاهٌ جديدٌ لدى أرباب العمل يتمثّل في إعطاء الأهميّة نفسها لمهارات وخبرات المرشحين الّذين لا يحملون شهاداتٍ جامعيّةٍ كما يُعطى للخريجين الحاصلين على الدّبلومات الجامعيّة. ومع استمرار هذا التّحوّل في معايير التّوظيف، نشأت مساراتٌ مهنيّةٌ جديدةٌ، كثيرٌ منها يتيح رواتب تزيد على 100,000 دولارٍ، فيما يُعرف بـ"وظائف الجيل الجديد" (new-collar)، والّتي تتزايد الحاجة إليها باستمرارٍ.
تسدّ هذه الوظائف الجديدة فجوةً بين فئتين تقليديّتين من سوق العمل: موظّفو المكاتب الّذين كانت شهاداتهم الجامعيّة معياراً أساسيّاً لتوظيفهم، والعمّال اليدويّون الذين يفتقرون إلى تلك الدرجات الأكاديميّّة. في المقابل، يزدهر العاملون في المناصب "الوسطيّة" مستفيدين من المهارات والخبرات المكتسبة عبر التّدريب التّقنيّ، أو برامج الشّهادات المهنيّة، أو ببساطةٍ من خلال تطوير معارفهم وقدراتهم عمليّاً، وهي المهارات التي أصبحت الشّركات تفتّش عنها بشدّةٍ. هذا التّوجّه يتيح للموظّفين الجدد الانطلاق مباشرةً في أداء مهامهمّ وتحقيق النّتائج، دون الحاجة إلى برامج تدريبيّةٍ طويلةٍ كما كان الحال مع خرّيجي الجامعات.
شاهد أيضاً: الجيل إكس: جيلٌ بين إرث الماضي وتحديّات المستقبل
تماماً كما يحدث في العديد من التّطوّرات المعاصرة، تدفع التّقنية نموّ العديد من وظائف الجيل الجديد، لكنّها ليست القطّاع الوحيد المسؤول عن هذا التّوسّع؛ فالشّركات في مجالات التّصنيع والهندسة، وخصوصاً مؤسّسات الرعاية الصحية، توظّف بشكلٍ متزايدٍ أشخاصاً قد لا يمتلكون شهاداتٍ جامعيّةً، لكنّهم يمتلكون المهارات والخبرة اللّازمة للبدء في أداء الأعمال منذ اليوم الأوّل.
قالت مارتينا ماسكالي (Martina Mascali) في منشورٍ حديث على منصّة نشر الوظائف Monster: "تركّز هذه الوظائف على سدّ فجوة المهارات في الصّناعات التي تعتمد على التّكنولوجيا المتقدّمة والتّدريب المتخصّص. فمثلاً، يُعتبر مطوّر البرمجيّات من وظائف الجيل الجديد، وقد يكتسب مهاراته عبر معسكرات التّدريب البرمجيّ (coding bootcamps) بدلاً من الحصول على شهادة علوم الحاسوب. والفارق الأساسيّ هو أنّ وظائف الجيل الجديد تضع الكفاءة والقدرات قبل الشّهادات".
أعدّت Monster قائمة ببعض الوظائف المزدهرة ضمن فئة الجيل الجديد، لتوضّح تنوّع القطّاعات والتّخصّصات ومستويات الرّواتب المتاحة بشكلٍ متزايدٍ للأشخاص الّذين لا يحملون شهاداتٍ جامعيّةً. ورغم أنّ كثيراً من هذه الوظائف تقنيّة بطبيعتها، فإنّها مفتوحة أيضاً للمرشحين المتعلّمين ذاتيّاً أو الذين اكتسبوا المهارات أثناء العمل، والّذين أصبحوا قادرين على توظيفها فوراً.
ومن بين هذه الوظائف محلّلو الأمن السيبراني، الّذين باتت مهاراتهم مطلوبة لحماية الشّركات من الجرائم الإلكترونيّة، ويصل راتبهم السّنويّ بين 85,000 و141,000 دولارٍ. كما تتزايد فرص محلّلي البيانات، لمن لديهم خبرةٌ في Excel وSQL وTableau، إضافةً إلى لغات البرمجة مثل Python وR، ويتمتّعون بقدرةٍ على حلّ المشكلات ومهارة اكتشاف الاتّجاهات والاختلافات في البيانات، مع رواتب سنويّةٍ تتراوح بين 64,000 و114,000 دولارٍ، وفق ما تكتب ماسكالي.
وبالمثل، يجد المرشّحون ذوو الخبرة في الحوسبة السحابية (cloud computing) فرص عملٍ متزايدةً، معظمها برواتبٍ سنويّةٍ بين 95,000 و160,000 دولارٍ. وحتّى من اكتسبوا مهارات HTML وCSS وJavaScript عبر تطوير مواقع لعائلاتهم وأصدقائهم، يمكنهم الآن توظيف هذه المهارات لدى شركاتٍ تسعى لإنشاء منصّات ويب متطوّرةٍ، مقابل رواتب سنويّةٍ تتراوح بين 56,000 و109,000 دولارٍ.
لكن ليست كلّ الوظائف المدرجة في Monster قائمةً على مهارات الحاسوب فحسب. إذ تشير ماسكالي إلى أنّ الشّركات التي تحتاج إلى فنييّ كهرباء داخليّين تدفع لهم رواتب سنويّةٍ بين 47,000 و78,000 دولار. وأولئك الذين يوسّعون خبراتهم الكهربائيّة ويحوّلونها إلى مجالاتٍ أخرى يجدون فرص عملٍ واسعةً كفنييّ التّدفئة والتّهوية وتكييف الهواء (HVAC) الّذين تتراوح رواتبهم بين 36,000 و61,000 دولار سنويّاً، أو كمتخصّصين في توربينات الرّياح براتبٍ سنويٍّ بين 49,000 و61,000 دولار.
وكم سيكون مغرياً للطّلاب الذين يكابدون على الكتب الجامعيّة ويحشرون المعلومات للاختبارات، أن يعملوا كمختبري ألعاب فيديو بدلاً من ذلك؟ فمع ازدياد هذه الوظائف، تصبح أكثر جاذبيّةً، حيث تشير ماسكالي إلى أنّها تتطلب فقط "الاهتمام بالتّفاصيل، والصّبر، والشّغف بالألعاب… لتحديد الأخطاء ومشكلات الاستخدام". والرّاتب مقابل تطبيق هذه المهارات في اختبار الألعاب التي يقضي الطلاب ساعاتٍ طويلةً في لعبها مجّاناً؟ بين 72,000 و124,000 دولار سنويّاً.
قد تفقد شهادة علم الاجتماع بعض بريقها أمام فرصةٍ مهنة تعتمد على لعب Minecraft أو Pokémon Go للعيش منها. ومع ذلك، قد تواجه الشّركات تحدّياتٍ عند توظيف موظّفي الجيل الجديد؛ فالكثير من هؤلاء الباحثين عن عملٍ لا يزالون يظنّون أنّ الشّركات تفضّل الحاصلين على الشّهادات الجامعيّة، وبالتّالي لا يتقدّمون لتلك الوظائف المتاحة لهم. وقد يظنّ آخرون أنّ هذه المناصب تشبه الوظائف اليدويّة ضمن بيئةٍ مهنيّةٍ، فيبحثون عن فرصٍ أكثر وعداً.
ولتجنّب ذلك، تنصح Monster ومنصّات نشر الوظائف الأخرى الشّركات بتسليط الضّوء على أهميّة المهارات والخبرة قبل الشّهادات في إعلانات التّوظيف، كما ينبغي التّأكيد على المساهمات الجوهريّة التي سيقدّمها الموظّفون الجدد وفرص التّرقّي المرتبطة بالوظائف.
ومن المقترحات الأخرى لمديري الموارد البشريّة الباحثين عن موظّفي الجيل الجديد، زيارة منصات التواصل الاجتماعي والمهنيّة الّتي يفضّلها الأشخاص الممارسون للأنشطة التي تطوّر المهارات المطلوبة، واستخدام تلك المنصّات للتّواصل المباشر. وقد يندهش المسؤولون عن التّوظيف من الحماسة والتّرحيب الّذي سيلاقونه هناك.
قال أحد المساهمين تعليقاً على موضوع الجيل الجديد على منصة Reddit: "أحبّ ذلك؛ فالتّعليم الحديث بحاجة إلى إصلاحٍ جذريٍّ. لا سبب يدفع الشّباب للغرق في ديونٍ مدى الحياة مقابل شهادة علم اجتماعٍ؛ فالمحفظة العمليّة أكثر قيمةً من السّيرة الذّاتيّة للعديد من وظائف التّقنيّة. أي، أرني ما تستطيع فعله بدلاً من أن تخبرني أين تعلّمت فعله.
كتب هذا المقال بروس كروملي (Bruce Crumley) ونُشر أصلاً على موقع Inc.com.