هل يشهد سوق التمويل الشخصي تباطؤاً في نهاية 2025؟
حين تتقاطع المؤشّرات الاقتصاديّة مع تحوّلات سلوك المستهلك في المملكة، يدخل سوق التّمويل الشّخصيّ مرحلة نضجٍ تعيد رسم ملامح نموّه واتّجاهه المستقبليّ
يشهد سوق التّمويل الشّخصيّ في المملكة العربيّة السّعوديّة خلال عام 2025 مرحلةً دقيقةً تتقاطع فيها المؤشّرات الاقتصاديّة مع التّحوّلات السّلوكيّة للمستهلكين، ممّا يجعل التّساؤل حول احتماليّة تباطئه في نهاية العام مشروعاً وملحّاً في آنٍ واحدٍ. فمع تصاعد حجم الإقراض وتوسّع أنشطة شركات التّمويل خلال الأعوام الأخيرة، أصبح من الضّروريّ أن يعاد النّظر في ديناميكيّة هٰذا القطاع الّذي يعدّ أحد محرّكات النّشاط الماليّ والاستهلاكيّ داخل المملكة. وفي هٰذا الإطار، يشكّل التّمويل الشّخصيّ السّعوديّة محوراً رئيسيّاً في فهم المشهد الاقتصاديّ، إذ تتداخل فيه العوامل الكلّيّة كالسّياسات النّقديّة والتّضخّم والنّموّ غير النّفطيّ، مع العوامل الجزئيّة كسلوك المستهلك ومستوى الدّخل وإدارة المخاطر الائتمانيّة.
وضع السوق الحالي للتمويل الشخصي في السعودية
عند تحليل المشهد الرّاهن، يتّضح أنّ سوق التّمويل الشّخصيّ السّعوديّة ما زال يسجّل نموّاً مستقرّاً، وإن بدأ يميل إلى التّباطؤ النّسبيّ في وتيرته. فقد قدّر حجم سوق القروض الشّخصيّة في المملكة بنحو مائةٍ وستّةٍ وأربعين مليار دولارٍ عام 2021، مع توقّعاتٍ ببلوغه 670 مليار دولارٍ بحلول عام 2031، بمعدّل نموٍّ سنويٍّ مركّبٍ يناهز 16,3%، وفق تقرير “ألاييد ماركت ريسيرش”. وعند توسيع النّظرة إلى التّمويل الاستهلاكيّ بشكلٍ عامٍّ، تظهر بيانات “آيمارك غروب” أنّ السّوق السّعوديّ بلغ 356 مليار دولارٍ في عام 2024، مع توقّعاتٍ بنموٍّ يقارب 16.4% حتّى عام 2033. كما أوضحت تقارير البنك المركزيّ السّعوديّ “ساما” أنّ حجم الائتمان الممنوح من شركات التّمويل ارتفع بمقدار 010.8% في الرّبع الثّاني من عام 2025، ممّا يعكس استمرار الزّخم في الإقراض، ولو بوتيرةٍ أكثر اعتدالاً.
ومع أنّ هٰذه المؤشّرات تبدو إيجابيّةً، إلّا أنّها تخفي خلفها إشاراتٍ دقيقةً على تغيّر الاتّجاه. فبينما تواصل المؤسّسات الماليّة ضخّ التّمويل، تظهر المؤشّرات الماكرو اقتصاديّةٌ بوادر تشبّعٍ نسبيٍّ في الطّلب، خصوصاً مع اقتراب العديد من الأسر من حدود مديونيّتها القصوى. ومن هنا يبرز السّؤال الجوهريّ: هل بدأ السّوق بالفعل يفقد جزءاً من زخمه التّاريخيّ؟ [1]
هل يشهد سوق التمويل الشخصي تباطؤاً في نهاية 2025؟
تدلّ البيانات الحاليّة على أنّ سوق التّمويل الشّخصيّ السّعوديّة قد يدخل مرحلة تباطؤٍ نسبيٍّ في نموّه بحلول نهاية عام 2025، ولٰكن من دون أن يعني ذٰلك تراجعاً حادّاً أو انكماشاً شاملاً. فقد عاشت السّوق في السّنوات الماضية طفرةً تمويليّةً غير مسبوقةٍ، إلّا أنّ المؤشّرات الأخيرة بدأت تظهر تحوّلاً نحو ما يمكن تسميته «النّموّ الحذر». ويعود ذٰلك إلى مجموعةٍ من العوامل المتشابكة الّتي تتوزّع بين محلّيّةٍ وعالميّةٍ، إذ تسهم سياسات البنوك المركزيّة العالميّة المتّجهة نحو تشديد الائتمان في تقليص سيولة الإقراض، بينما تعمل المصارف السّعوديّة بدورها على تعزيز الانضباط الماليّ بعد موجة توسّعٍ قويّةٍ.
وفي السّياق ذاته، ساهم استقرار معدّلات التّضخّم عند حدود 2%، وتراجع النّموّ غير النّفطيّ إلى نحو 64%، في خفض الحاجة إلى التّوسّع المفرط في القروض الشّخصيّة. فمع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الوعي الماليّ لدى المواطنين، بدأت الأسر السّعوديّة تميل إلى الادّخار والتّخطيط طويل الأجل بدلاً من الاعتماد المفرط على القروض الاستهلاكيّة. وهٰكذا، يتّضح أنّ ما يجري ليس تباطؤاً ناتجاً عن ضعف السّوق، بل تحوّلٌ في نمط السّلوك الماليّ نحو مزيدٍ من الحذر والرّشادة.
وفي المقابل، لا يمكن تجاهل الدّور التّنظيميّ الّذي تضطلع به «ساما»، إذ اتّخذت إجراءاتٍ احترازيّةً لضبط مستويات المديونيّة الفرديّة بعد أن شهدت نموّاً كبيراً في العامين الماضيين. فقد ألزمت الجهات التّمويليّة باعتماد سياسات تقييمٍ أكثر صرامةً، وزادت من متطلّبات الشّفافيّة والإفصاح، ممّا جعل منح التّمويل أكثر انتقائيّةً. ومن ثمّ، اتّجهت الشّركات إلى تركيز تمويلها على الفئات ذات الاستقرار الماليّ العالي مثل موظّفي القطاع الحكوميّ والعسكريّ، وهٰذا ما قلّل من سرعة توسّع المحافظ الائتمانيّة مقارنةً بمرحلة الطّفرة السّابقة.
وعلى الرّغم من هٰذه الضّغوط التّنظيميّة والاقتصاديّة، فإنّ السّوق لم تفقد قدرتها على النّموّ تماماً، إذ يعوّضها الزّخم التّكنولوجيّ والتّحوّل الرّقميّ الّذي يشهده القطاع الماليّ السّعوديّ. فمع انتشار المنصّات الرّقميّة وشركات التّكنولوجيا الماليّة، توسّعت خيارات التّمويل الميسّر عبر الإنترنت، وبرزت منتجاتٌ جديدةٌ مثل «اشتر الآن وادفع لاحقاً» وتمويل المحافظ الإلكترونيّة، ممّا أوجد بدائل مبتكرةً تخفّف من حدّة التّباطؤ التّقليديّ. كذٰلك ساعد ارتفاع معدّلات الشّمول الماليّ ودخول شرائح شبابيّةٍ جديدةٍ إلى سوق العمل على تعزيز قاعدة الطّلب على التّمويل الشّخصيّ السّعوديّة. [2]
توصيات للاعبين في السوق
يتعيّن على البنوك وشركات التّمويل الشّخصيّ في السّعوديّة أن تعزّز متانة معايير الائتمان، وأن تطوّر أدواتٍ أكثر دقّةً لتقييم الجدارة الماليّة، مع المحافظة على مرونة المنتجات الرّقميّة الّتي أصبحت العمود الفقريّ لهٰذا القطاع. كما يجب عليها أن تركّز على فئات العملاء ذوي الاستقرار الماليّ والمخاطر المنخفضة، وأن تنوّع في منتجاتها بما يساهم في خدمة الاقتصاد الحقيقيّ، لا في دعم المضاربات الاستهلاكيّة.
وفي المقابل، ينبغي للمستهلكين أن يتعاملوا مع التّمويل الشّخصيّ السّعوديّة بوعيٍ أكبر، فيوازنوا بين حاجاتهم الفعليّة وقدرتهم على السّداد، خاصّةً في ظلّ احتمالات التّباطؤ الاقتصاديّ. أمّا الجهات التّنظيميّة، فعليها أن تواصل تحديث الأطر القانونيّة، ودعم الابتكار الماليّ، دون المساس باستقرار المنظومة الائتمانيّة.
الخاتمة
يمكن القول إنّ سوق التّمويل الشّخصيّ السّعوديّة لا يسير نحو تراجعٍ، بقدر ما يتّجه إلى مرحلةٍ أكثر نضجاً واتّزاناً. فالتّباطؤ المحتمل في نهاية عام 2025 ليس علامة ضعفٍ، بل دلالةً على تطوّرٍ صحّيٍّ في دورة السّوق، يعيد فيها النّظام الماليّ ترتيب أولويّاته بين النّموّ والاستدامة. ومن خلال الموازنة بين الانضباط الماليّ والابتكار الرّقميّ، سيظلّ التّمويل الشّخصيّ السّعوديّة ركيزةً أساسيّةً في بناء اقتصادٍ متوازنٍ ومستدامٍ، قادرٍ على مواكبة تطلّعات «رؤية 2030».
شاهد أيضاً: استراتيجيات التمويل المثلى للمشروعات الريادية
-
الأسئلة الشائعة
- ما أبرز أسباب تباطؤ سوق التمويل الشخصي في السعودية بنهاية 2025؟ يعود التّباطؤ إلى مزيج من العوامل، أبرزها السّياسات الاحترازيّة التي فرضتها ساما لضبط المديونيّة، وتغير سلوك المستهلك نحو الادّخار، إضافةً إلى استقرار التضخم وتراجع وتيرة النّموّ غير النّفطيّ، ما خفّف من الطّلب المفرط على القروض الاستهلاكيّة.
- هل يشكل هذا التباطؤ خطراً على الاقتصاد السعودي؟ لا، بل يُعد تباطؤاً صحيّاً يعكس نضج السوّق وتوجهه نحو التّمويل المسؤول؛ فالاقتصاد السعودي ما زال قويّاً، والتّحوّل نحو تنظيم الإقراض يهدف إلى الاستدامة وليس الانكماش، ممّا يحمي النّظام الماليّ من الأزمات المستقبليّة.