هل يتراجع التضخم العالمي قبل نهاية 2025؟
يشهد الاقتصاد العالمي تحوّلاً تدريجيّاً نحو استقرارٍ تضخميٍّ معتدلٍ مع توقّعاتٍ بانخفاض التّضخم العالميّ قبل نهاية 2025، مدعوماً بالتّكنولوجيا والسّياسات النّقديّة المتوازنة

يشهد العالم في السّنوات الأخيرة اضطراباً اقتصاديّاً واسع النّطاق، إذ تتابعت أزماتٌ متلاحقةٌ هزّت بنية النّظام الماليّ وأعادت رسم خريطة الاقتصاد العالميّ بكامله. فمن جائحة كورونا الّتي عطّلت سلاسل الإمداد وقيّدت حركة الإنتاح والنّقل، إلى الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة الّتي أشعلت أسعار الطّاقة وأربكت الأسواق، مروراً بتقلّباتٍ حادّةٍ في أسعار السّلع الأساسيّة والموادّ الخامّ. وبينما تكافح الدّول لإعادة التّوازن إلى اقتصاداتها، يبرز سؤالٌ محوريٌّ يشغل العقول والأسواق والمستثمرين على حدٍّ سواءٍ: هل يتراجع التّضخّم العالميّ قبل نهاية عام 2025؟
ما هو التضخم العالمي ولماذا ارتفع بشدة في السنوات الأخيرة؟
تزايدت معدّلات التّضخّم العالميّ تدريجيّاً نتيجة تراكم عوامل متشابكةٍ تفاعلت في الوقت نفسه. فقد عطّلت جائحة كورونا سلاسل الإمداد وأوقفت المصانع والموانئ، فارتفعت تكاليف النّقل والإنتاج إلى مستوياتٍ لم يشهدها العالم منذ عقودٍ، ثمّ فاقمت الحرب في أوكرانيا الأزمة بعدما قفزت أسعار النّفط والغاز والحبوب، فأشعلت موجة غلاءٍ عالميّةٍ امتدّت إلى كلّ القطاعات. وفي الوقت نفسه، ضخّت الحكومات أموالاً ضخمةً في الأسواق ضمن برامج الدّعم والتّحفيز، فزاد المعروض النّقديّ وتسارعت حركة الطّلب.
وهٰكذا لم يعد التّضخّم العالميّ مجرّد ظاهرةٍ عابرةٍ، بل تحوّل إلى بنيةٍ هيكليّةٍ متجذّرةٍ غيّرت شكل الاقتصاد العالميّ؛ فتراجعت القدرة الشّرائيّة للأفراد، وتقلّصت هوامش الرّبح في الشّركات، وتعرّضت اقتصاداتٌ كبرى مثل الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ والصّين لهزّاتٍ متكرّرةٍ. وعلى الرّغم من أنّ بعض الدّول حاولت السّيطرة على الأسعار برفع أسعار الفائدة، فإنّ النّتائج تباينت بشدّةٍ بين مناطق العالم، ممّا جعل المشهد الاقتصاديّ الكلّيّ أكثر تعقيداً وتداخلاً ممّا كان عليه في أيّ وقتٍ مضى. [1]
هل يتراجع التضخم العالمي فعلاً قبل نهاية 2025؟
يرجّح أن يشهد التّضخّم العالميّ تراجعاً ملموساً قبل نهاية عام 2025، غير أنّ هٰذا التّراجع لن يعيد الأسعار إلى مستويات ما قبل عام 2020. فالعالم يدخل مرحلةً جديدةً يمكن وصفها بـ«الاستقرار التّضخّميّ المعتدل»، حيث تبقى الأسعار ثابتةً نسبيّاً ولكنّها أعلى من معدّلها التّاريخيّ. ويعني ذٰلك أنّ الضّغوط السّعريّة لن تزول تماماً، بل ستتراجع تدريجيّاً مع دخول الأسواق في مرحلة توازنٍ واقعيٍّ جديدٍ بين العرض والطّلب.
فبعد سنواتٍ من الصّدمات، بدأت الاقتصادات الكبرى تتكيّف مع المشهد الجديد، مستفيدةً من سياساتٍ نقديّةٍ أكثر انضباطاً ومن تحسّنٍ تدريجيٍّ في سلاسل الإمداد الّتي كانت السّبب الرّئيسيّ في اضطراب الإنتاج والتّوزيع. ومع عودة الانسياب في النّقل الدّوليّ وتراجع تكاليف الشّحن والموادّ الخامّ، اكتسبت الأسواق نوعاً من الاستقرار النّسبيّ الّذي يهيّئ لانخفاضٍ تدريجيٍّ في معدّلات التّضخّم.
ولعبت البنوك المركزيّة دوراً محوريّاً في هٰذه المرحلة الانتقاليّة، إذ واصلت مراقبة الأسواق بدقّةٍ واتّخذت قراراتٍ متوازنةً تتجنّب الإفراط في رفع أسعار الفائدة خشية الرّكود، أو التّساهل المفرط الّذي قد يعيد إشعال الأسعار. ومن خلال هٰذا التّوازن الدّقيق بين التّشديد النّقديّ وضمان استمرار النّموّ، تسعى تلك المؤسّسات إلى تثبيت الاتّجاه النّزوليّ للتّضخّم العالميّ.
وفي المقابل، يبرز دور التّكنولوجيا والتّحوّل الرّقميّ كعاملٍ مكمّلٍ في تخفيف الضّغوط التّضخّميّة. فاعتماد الذّكاء الاصطناعيّ والأتمتة والإنتاج الذّكيّ أسهم في خفض التّكاليف التّشغيليّة ورفع كفاءة سلاسل التّوريد، ممّا جعل الإنتاج أكثر مرونةً وقدرةً على الاستجابة لتقلّبات الطّلب. ومع الوقت، ينعكس هٰذا التّحوّل في صورة أسعارٍ أكثر استقراراً واستدامةً. [2]
ما العوامل التي قد تسرع من تراجع التضخم العالمي قبل نهاية 2025؟
تتضافر عوامل اقتصاديّةٌ وسياسيّةٌ وتقنيّةٌ عديدةٌ قد تسارع في خفض التّضخّم العالميّ خلال العام المقبل، إذ يعمل كلّ عاملٍ منها بطريقته على تخفيف الضّغوط السّعريّة وتحقيق توازنٍ أكبر في الأسواق: [1]
- تواصل البنوك المركزيّة الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، تنفيذ سياسةٍ نقديّةٍ متشدّدةٍ تُبقي أسعار الفائدة مرتفعةً لكبح الطّلب والحدّ من الإنفاق، ممّا يخفّف تدريجيّاً من الضّغوط التّضخميّة.
- تستعيد أسواق العمل توازنها مع استقرار الأجور في أغلب القطّاعات، فينخفض الضّغط على تكاليف الإنتاج وتتراجع الأسعار النّهائيّة دون التّسبّب في ركود اقتصادي.
- تساهم التطوّرات التّقنيّة كالأتمتة والذكاء الاصطناعي في خفض كلفة الإنتاج وزيادة الكفاءة، ما يؤدّي إلى تراجع الأسعار واستقرارها بشكلٍ مستدامٍ.
- يخفّض تراجع أسعار الشّحن العالميّة بأكثر من 40% منذ 2023 كلفة التّجارة الدّوليّة، فيما تعزّز الاحتياطيات الاستراتيجيّة من الطّاقة والمواد الخام استقرار الأسواق وثقة المستثمرين.
الخلاصة
يبقى التّضخّم العالميّ ظاهرةً متشابكةً ومعقّدةً، لا يمكن حصرها في عاملٍ واحدٍ أو أزمةٍ معيّنةٍ، بل هي نتيجة تفاعلٍ مستمرٍّ بين السّياسات النّقديّة والتّحوّلات الجيوسياسيّة وتغيّرات الأسواق الماليّة. وعلى الرّغم من وجود مؤشّراتٍ إيجابيّةٍ توحي بانحسارٍ تدريجيٍّ للأسعار، فإنّ الطّريق نحو الاستقرار الكامل ما يزال طويلاً، ويتطلّب إدارةً حكيمةً وتعاوناً دوليّاً مستداماً.
-
الأسئلة الشائعة
- ما الفرق بين التضخم المؤقت والتضخم الهيكلي؟ يحدث التضخم المؤقّت بسبب عوامل قصيرة الأجل مثل ارتفاع أسعار النّفط أو اضطرابات سلاسل الإمداد، بينما التّضخم الهيكلي ينتج عن تغيّيراتٍ أعمق في الاقتصاد كارتفاع الأجور أو تراجع الإنتاجيّة؛ فالتّضخم المؤقّت يزول سريعاً مع استقرار الأسواق، أمّا الهيكلي فيتطلب إصلاحاتٍ اقتصاديّةً وسياساتٍ طويلة الأمد لضبطه.
- كيف تؤثر أسعار الفائدة في خفض التضخم العالمي؟ عندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، يصبح الاقتراض أكثر تكلفةً، ممّا يقلّل من الإنفاق والاستهلاك في الأسواق. هذا التّراجع في الطّلب يؤدّي إلى خفض الضّغط على الأسعار تدريجيّاً. ومع مرور الوقت، يساعد ذلك في استقرار العملة والحدّ من ارتفاع الأسعار دون التّسبّب في ركودٍ اقتصاديٍّ كبيرٍ.