لماذا يعشق بعض المدراء الظهور وكيف يؤثر ذلك على فريق العمل؟
حين ينجذب بعض المدراء إلى دائرة الضّوء بدافع الحاجة إلى الاعتراف أو الطّموح المهنيّ، يتأرجح أثر سلوكهم بين تحفيز فرق العمل وإضعاف روح التّعاون

يتجلّى في بيئات العمل الحديثة سلوكٌ يثير الكثير من التّساؤلات، وهو حبّ الظّهور عند بعض المدراء. فهٰذا الميل إلى تسليط الضّوء على الذّات وإبراز الإنجازات أمام الآخرين قد يبدو طبيعيّاً في الظّاهر، غير أنّه يحمل أبعاداً أعمق تتجاوز حدود الطّموح الفرديّ؛ فمن جهةٍ يسعى بعض القادة إلى الاستحواذ على الاهتمام من خلال التّفاخر أو كثرة الظّهور الإعلاميّ والمؤسّسيّ، ومن جهةٍ أخرى يطرح مراقبون سؤالاً محوريّاً: ما الّذي يدفع المدراء إلى عشق الأضواء، وكيف ينعكس هٰذا السّلوك على أداء فرق العمل؟
الأسباب النفسية وراء حب الظهور
ينشأ حبّ الظّهور عند المدراء من دوافع نفسيّةٍ متجذّرةٍ تتراوح بين الحاجة إلى الاعتراف والرّغبة في التّقدير والشّعور بالسّيطرة على بيئة العمل. أحياناً يعكس هٰذا الميل رغبة المدير في تعويض نقصٍ داخليٍّ أو بناء صورةٍ أقوى أمام الآخرين، وأحياناً أخرى يرتبط بشخصيّةٍ نرجسيّةٍ تميل إلى الاستعراض المستمرّ. وهٰكذا يسعى المدير إلى أن يكون في المقدّمة مهما كانت مساهمة الآخرين، فيتحوّل حبّ الظّهور من أداةٍ لقيادة الفريق بفعاليّةٍ إلى وسيلةٍ لإشباع غرورٍ شخصيٍّ. [1]
لماذا يعشق بعض المدراء الظهور وكيف يؤثر على فريق العمل؟
يظهر حبّ الظّهور عند المدراء باعتباره مزيجاً بين الحاجة الإنسانيّة للاعتراف والطّموح المهنيّ الّذي يدفعهم إلى البقاء في مركز الضّوء؛ فبينما يرى البعض أنّ كثرة الظّهور أمام الإدارة العليا أو في المحافل المهنيّة وسيلةٌ لإثبات مكانتهم وتعزيز نفوذهم داخل المؤسّسة، يتعامل آخرون مع هٰذا السّلوك كأداةٍ لحماية مواقعهم من المنافسين وضمان استمرارهم في السّلطة. ومع ذٰلك، لا ينفصل هٰذا الميل عن العوامل المؤسّسيّة الّتي تغذّيه، فالنّظم الّتي تكافئ من يبرز على حساب من يعمل بصمتٍ تجعل حبّ الظّهور سلوكاً سائداً لا مجرّد خيارٍ فرديٍّ.
ومن هنا، لا يقتصر تأثير حبّ الظّهور على شخصيّة المدير وحدها، بل ينعكس بعمقٍ على أداء الفريق وثقافة المؤسّسة؛ فإذا وجّه هٰذا السّلوك نحو تسليط الضّوء على إنجازات الفريق، شعر الموظّفون بأنّ نجاحاتهم موضع تقديرٍ، ما يعزّز انتماءهم ويدفعهم للمشاركة الفعّالة في المشاريع. أمّا إذا انحصر الظّهور في شخص المدير، وأصبح الهدف هو الاستعراض الفرديّ، فإنّ الحافزيّة تتراجع وتنشأ بيئةٌ يسودها التّوتّر واللّامبالاة. وبهٰذا يتحوّل حبّ الظّهور من دافعٍ للتّقدّم إلى عائقٍ يضعف الإنتاجيّة ويقوّض روح العمل الجماعيّ. [2]
الجوانب الإيجابية لحب الظهور
على الرّغم من المخاطر، يمكن أن يحمل حبّ الظّهور جوانب إيجابيّةً إذا وجّه بحكمةٍ؛ فالمدير الّذي يسعى إلى البروز قد يدفع نفسه وفريقه إلى رفع مستوى الأداء لتأكيد التّميّز. كما أنّ حضوره القويّ في المؤتمرات والفعاليّات يمنح الفريق فرصاً لتوسيع شبكة علاقاتهم، الأمر الّذي قد يفتح أمامهم مشاريع جديدةً ويعزّز خبراتهم. كذٰلك، يمكن لميل المدير إلى الأضواء أن يعزّز سمعة المؤسّسة، بما ينعكس إيجاباً على مكانة العاملين فيها ويعطيهم شعوراً بالفخر والانتماء. [1]
الجوانب السلبية لحب الظهور
لكن لا تكتمل الصّورة دون النّظر إلى الجانب السّلبيّ، إذ يتحوّل حبّ الظّهور إلى عقبةٍ حين يتغلّب على روح العمل الجماعيّ؛ ففي هٰذه الحالة تهمّش إنجازات الموظّفين وتنسب النّجاحات إلى المدير وحده، فيشعر الفريق بالظّلم ويضعف ولاؤه، وقد يختار بعضهم الانسحاب أو البحث عن فرصٍ أخرى. ومع مرور الوقت، تنشأ ثقافةٌ قائمةٌ على المظاهر بدلاً من الجوهر، حيث تصبح الأولويّة للظّهور الإعلاميّ لا للإنجاز الحقيقيّ، ما يؤدّي إلى خنق الإبداع ويزرع الخوف من سرقة الأفكار.
كيف يتعامل الموظفون مع مدير مُحبٍّ للظهور؟
حين يجد الموظّفون أنفسهم أمام مديرٍ يعشق الظّهور، يصبح من الضّروريّ تبنّي استراتيجيّاتٍ ذكيّةٍ لحماية مسارهم المهنيّ. ومن بين هٰذه الاستراتيجيّات توثيق الإنجازات الفرديّة بطرقٍ واضحةٍ، وبناء شبكة علاقاتٍ داخل المؤسّسة تضمن الاعتراف بجهودهم بعيداً عن ظلّ المدير. كما أنّ تطوير المهارات باستمرارٍ يمنحهم ميزةً يصعب تجاهلها، في حين تساعد المرونة على تجنّب الصّدام المباشر مع القائد والتّركيز على اختيار اللّحظة المناسبة لإبراز النّجاحات الشّخصيّة.
دور المؤسسة في معالجة سلوك حب الظهور
لا تقتصر المسؤوليّة على الأفراد، بل تتحمّل المؤسّسة بدورها دوراً أساسيّاً في ضبط هٰذا السّلوك؛ فاعتماد أنظمة تقييمٍ جماعيّةٍ يظهر إنجازات الفريق بأكمله، بينما تشجيع ثقافة الاعتراف العادل يحدّ من النّزعة الفرديّة. كذٰلك، فإنّ توفير برامج تدريبيّةٍ للمدراء حول القيادة التّشاركيّة يعزّز إدراكهم بأنّ نجاحهم الحقيقيّ يقاس بمدى قدرتهم على تموين فرقهم لا بمدى بروزهم وحدهم. وبهٰذا، يتحوّل حبّ الظّهور إلى دافعٍ للنّموّ بدلاً من أن يكون عقبةً تعيق التّقدّم.
الخلاصة
يبقى حبّ الظّهور سلوكاً مركّباً يتأرجح بين الطّموح والأنانيّة. فقد يصبح قوّةً إيجابيّةً تدفع الفريق نحو النّجاح إذا ارتبط بالإنصاف والتّمكين المشترك، وقد يغدو عقبةً مدمّرةً إذا طغت عليه الرّغبة في الاستعراض الفرديّ. ومن هنا، تظهر أهمّيّة وعي المدراء بحدود هٰذا السّلوك، وأهمّيّة وعي الموظّفين باستراتيجيّات التّعامل معه، إضافةً إلى ضرورة تبنّي المؤسّسات سياساتٍ تعزّز العدالة والشّفّافيّة.
-
الأسئلة الشائعة
- هل حب الظهور سلوك يمكن تغييره عند المدير أم هو صفة ثابتة؟ حب الظهور ليس صفةً ثابتةً بالضّرورة، بل سلوك يمكن تعديله إذا وُجد وعيٌّ ذاتيٌّ عند المدير والدّعم من المؤسّسة عبر التّدريب والتّوجيه وتعزيز ثقافة العمل الجماعيّ.
- ما المؤشرات التي تنبه الموظفين إلى أن حب الظهور عند المدير أصبح خطيراً؟ المؤشرات التي تنبه الموظفين إلى أن حب الظهور عند المدير أصبح خطيراً: غياب الاعتراف بجهود الفريق، والاستحواذ المتكرّر على النّجاحات، وزيادة التّوتر داخل بيئة العمل، وتراجع الإبداع، وارتفاع معدّل الاستقالات.