الرئيسية التنمية كيف تتخلص من ثقافة العمل المفرط في بيئات العمل؟

كيف تتخلص من ثقافة العمل المفرط في بيئات العمل؟

حين تتحوّل ساعات العمل الطّويلة والإجهاد المستمرّ إلى معيارٍ للالتزام، تنشأ ثقافة العمل المفرط التي تستنزف الإبداع والصّحة، وتتطلّب تغييراً جذريّاً لتحقيق التّوازن

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

شهد العالم الحديث انتشاراً واسعاً لما يعرف بثقافة العمل المفرط، حيث صارت ساعات العمل الطّويلة، والإجهاد المستمرّ، وضغط المهامّ اليوميّة جزءاً من الرّوتين المعتاد في كثيرٍ من المؤسّسات. ولم يعد الأمر يقتصر على السّعي لتحقيق الإنتاجيّة فحسب، بل تحوّل إلى نمط حياةٍ يربط قيمة الإنسان بقدرته على العمل بلا توقّفٍ. ويثير هٰذا الاتّجاه تساؤلاتٍ عميقةً حول صحّة الموظّف الجسديّة والنّفسيّة، وأثره على الإبداع والتّوازن الحياتيّ. وللتّخلّص من هٰذا النّمط الضّارّ، تحتاج المؤسّسات والأفراد على حدٍّ سواءٍ إلى تغييرٍ جذريٍّ في القيم والممارسات، بحيث تتحقّق بيئة عملٍ أكثر توازناً وإنسانيّةً.

معنى ثقافة العمل المفرط وآثارها السلبية

يقصد بثقافة العمل المفرط تلك العقليّة الّتي تقدّم ساعات العمل الطّويلة على حساب الرّاحة، وتعتبر التّضحيات الشّخصيّة دليلاً على الولاء للمؤسّسة. ويتجلّى هٰذا النّمط في البقاء بعد ساعات الدّوام، وفي الاستعداد الدّائم للرّدّ على الرّسائل والبريد الإلكترونيّ حتّى في أوقات الإجازة. ويؤدّي هٰذا السّلوك إلى أضرارٍ متعدّدةٍ، أبرزها: [1]

  • زيادة معدّلات الإرهاق الجسديّ والنّفسيّ.
  • ارتفاع احتماليّة الإصابة بأمراضٍ مرتبطةٍ بالإجهاد مثل ارتفاع ضغط الدّم أو القلق المزمن.
  • تراجع الإبداع والقدرة على اتّخاذ القرارات الصّائبة نتيجة الإرهاق المستمرّ.
  • إضعاف الحياة الاجتماعيّة والعائليّة بسبب غياب التّوازن بين العمل والحياة الخاصّة.

كيف تبدأ المؤسسات بالتخلص من ثقافة العمل المفرط؟

تحتاج المؤسّسات إلى رؤيةٍ إستراتيجيّةٍ تحوّل نظرتها للعمل من مجرّد ساعاتٍ مكتوبةٍ إلى قيمةٍ حقيقيّةٍ تقاس بالإنجاز والأثر. لا يعتبر التّخلّص من ثقافة العمل المفرط خطوةً تجميليّةً، بل هو تحوّلٌ جذريٌّ يمسّ بنية المؤسّسة وأساليب إدارتها. ولهٰذا السّبب، تتطلّب العمليّة مجموعةً من الخطوات العمليّة الّتي تستند إلى معرفةٍ عميقةٍ بطبيعة البيئة المؤسّسيّة: [2]

إعادة صياغة معايير النجاح

يجب أن تتحوّل مقاييس التّقييم من عدّ ساعات الحضور إلى مراقبة جودة الإنتاج. إذ تعزّز الكثير من المؤسّسات الإفراط في العمل دون أن تلمس فائدةً حقيقيّةً من ذٰلك. عندما تركّز الإدارة على الإبداع وحلّ المشكلات والقدرة على تحقيق الأهداف بأقصر وأذكى طريقةٍ، يزول الضّغط النّاتج عن السّاعات الطّويلة. وهنا تصبح قيمة الموظّف مبنيّةً على ما ينجزه لا على ما يبقى فيه على مكتبه.

تشجيع العمل المرن

لا يعني العمل في المكتب بشكلٍ متواصلٍ أنّ الإنتاجيّة ستكون أفضل. عندما تتيح المؤسّسة خياراتٍ كالعمل عن بعدٍ أو نظام الدّوام الجزئيّ، يستطيع الموظّف أن يوازن بين مسؤوليّاته المهنيّة والشّخصيّة. ويؤدّي ذٰلك إلى رفع مستوى الرّضا الوظيفيّ، ويقلّل من حدوث الإرهاق النّفسيّ والجسديّ الّذي ينتج عن ثقافة العمل المفرط.

تقديم الدعم النفسي والاجتماعي

يعدّ البعد النّفسيّ أحد أكثر العوامل تأثيراً على روح الموظّف. عندما تقدّم المؤسّسة برامج متخصّصةً في العناية بالصّحّة النّفسيّة، مثل الجلسات الاستشاريّة أو ورش التّوعية، تتحوّل بيئة العمل إلى مكانٍ أكثر دعماً وإنسانيّةً. وهنا يشعر الموظّف بأنّ الشّركة تنظر إليه ككيانٍ إنسانيٍّ لا كآلةٍ للإنتاج.

تعزيز ثقافة الراحة والاسترخاء

تفتقد الكثير من المؤسّسات لقيم الاسترخاء وأخذ فرص الاستجمام. ومع ذٰلك، تثبت الأبحاث أنّ فترات الرّاحة تساعد العقل على استعادة نشاطه وتعيد الجسم إلى حالة التّوازن. عندما تحثّ الإدارة موظّفيها على استخدام إجازاتهم بشكلٍ منتظمٍ، وتضمن أن يكون وقت العطلة خالياً من التّواصل الرّسميّ، تتحقّق بيئةٌ صحّيّةٌ تقلّل من الإرهاق وترفع من مستوى الإبداع.

تدريب القادة والمديرين

لا يكفي أن تواجه المؤسّسة ثقافة العمل المفرط بقراراتٍ إداريّةٍ فقط، بل يجب أن تعيد تأهيل قادتها؛ فالقائد الّذي يستطيع توجيه فريقه نحو التّوازن، ويشجّعهم على تحقيق الأهداف بأقلّ جهدٍ مضنٍ، يساهم في تغيير العقليّة الجماعيّة للمؤسّسة ككلٍّ.

دور الموظف في مواجهة الإفراط في العمل

لا يكفي أن تعيد المؤسّسة صياغة سياساتها، بل يجب على الفرد أن يكون واعياً بحدود طاقته؛ فالموظّف هو المستفيد الأوّل من حماية نفسه ضدّ ثقافة العمل المفرط. ويستطيع ذٰلك عبر خطواتٍ واضحةٍ:

  • وضع حدودٍ زمنيّةٍ: يحدّد الموظّف ساعات عملٍ معيّنةً ويلتزم بها دون إفراطٍ.
  • تنظيم الأولويّات: يضع الفرد المهامّ الأكثر أهمّيّةً في المقام الأوّل لتجنّب ضياع الجهد.
  • الاهتمام بالصّحّة: يساعد مرافقة النّوم الكافي والنّظام الغذائيّ والنّشاط البدنيّ على مقاومة آثار الإجهاد.
  • طلب الدّعم: يلجأ الموظّف إلى المدير أو فريق الدّعم في حال تصاعد الضّغط.
  • الانفصال الرّقميّ: يحتاج الفرد إلى فتراتٍ ينقطع فيها عن وسائل التّواصل لحفظ صحّته الذّهنيّة.

كيف يؤثر التوازن على الإنتاجية والإبداع؟

يظنّ الكثير أنّ الإفراط في ساعات العمل يؤدّي إلى إنجازٍ أكبر، ولكنّ الأدلّة تكشف العكس. إذ يملك الموظّف المتوازن طاقةً أكبر للتّفكير النّقديّ والإبداع، ويظهر قدرةً أعلى على مواجهة المشكلات. وعلى المدى الطّويل، تحقّق المؤسّسات الّتي تتخلّص من ثقافة العمل المفرط إنتاجيّةً أكبر وولاءً أقوى من موظّفيها، كما تقلل من نسب الاستقالة وتوفّر تكاليف التّوظيف والتّدريب.

الخلاصة

يعكس انتشار ثقافة العمل المفرط خللاً في موازين الحياة المهنيّة، حيث صارت ساعات العمل المرهقة مقياساً للالتزام بدلاً من أن يكون الأداء الذّكيّ هو المعيار الحقيقيّ. ولكي تتخلّص المؤسّسات من هٰذا النّمط، يجب أن تغيّر سياساتها، وأن تعيد تعريف معنى النّجاح، وأن تدعم الصّحّة النّفسيّة والجسديّة لموظّفيها. وفي المقابل، يتحمّل الأفراد مسؤوليّة وضع حدودٍ واضحةٍ وتنظيم حياتهم بعيداً عن الإفراط في ساعات العمل. فحين يجتمع وعي المؤسّسة مع وعي الفرد، تنشأ بيئة عملٍ متوازنةٌ تعزّز الإبداع والإنتاجيّة والصّحّة، وتضع حدّاً لنمط العمل المفرط الّذي استنزف الإنسان طويلاً.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما الفرق بين ثقافة العمل المفرط والعمل الجاد؟
    يعني العمل الجاد الالتزام بالمهامّ وتحقيق الأهداف بكفاءةٍ، أمّا ثقافة العمل المفرط فتعني الإفراط في السّاعات والضّغط المستمرّ دون رفع جودة النّتائج.
  2. ما دور القوانين الحكومية في مواجهة ثقافة العمل المفرط؟
    تستطيع الحكومات أن تضع تشريعات تحدّد الحد الأقصى لساعات العمل، وتلزم المؤسّسات بمنح إجازاتٍ مدفوعةٍ، ممّا يحدّ من انتشار هذه الثّقافة السّلبيّة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: