الرئيسية التنمية قلة النوم والإنتاجية: خرافة تستهلك طاقتك

قلة النوم والإنتاجية: خرافة تستهلك طاقتك

ماذا لو كان قضاء وقت أطول في سريرك هو المفتاح الخفيّ لرفع الأداء وتحقيق النّجاح المهنيّ؟

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

بالنّسبة لـغريغوري ماكي، يعتبر الحصول على قسطٍ كافٍ من النّوم ليلاً بمثل أهمّيّة اتّباع نظامٍ غذائيٍّ صحّيٍّ وممارسة الرّياضة بانتظامٍ. إذا لم يحقّق ماكي، المؤسّس والمدير التّنفيذيّ لشركة (STS Capital Partners) الّتي تتّخذ من "لا جولا"، كاليفورنيا مقرّاً لها، ثماني ساعاتٍ من النّوم، فإنّه يجد صعوبةً في التّركيز وأداء مهامّه اليوميّة بكفاءةٍ.

في إحدى المرّات قبل فترةٍ من الزّمن، استقلّ ماكي رحلةً ليليّةً عبر البلاد لحضور اجتماعٍ صباحيٍّ، لكنّه بالكاد تمكّن من النّوم أثناء الرّحلة. وبحلول منتصف اليوم، بدأ يشعر بالإنهاك، واضطرّ لمغادرة الاجتماع عدّة مرّاتٍ للحصول على القهوة والمشروبات الغازيّة. وعندما حاول مراجعة ملاحظاته في نهاية اليوم، وجدها غير مفهومةٍ تماماً. "كانت بلا جدوى"، يقول ماكي، الّذي يدير أعماله في مجالات الاستثمار المصرفيّ الدّوليّ، والاستراتيجيّات، وعمليّات الدّمج والاستحواذ.

على النّقيض، يرى "دارين ويتمر" النّوم لثماني ساعاتٍ فكرةً غير عمليّةٍ. الرّئيس التّنفيذيّ لشركة (Reset My Business)، وهي شركة استشاراتٍ أعمالٍ مقرّها "كاري" بولاية كارولينا الشّماليّة، ينام أربع ساعاتٍ فقط كلّ ليلةٍ، ويؤكّد أنّه يشعر بحالةٍ ممتازةٍ في اليوم التّالي، دون الحاجة إلى كمّيّاتٍ كبيرةٍ من الكافيين أو الشّعور بالخمول. "الأمر غريبٌ بعض الشّيء"، يعترف ويتمر، مضيفاً أنّ زوجته، الّتي تعمل كفيزيولوجيّةٍ، تتابع حالته بفضولٍ. [1]

الحالتان السّابقتان ربّما تثيران أسئلةً عميقةً وجدّيّةً عن مدى أهمّيّة النّوم، ولماذا لا يتأثّر بعض الأشخاص بقلّة ساعات النّوم؟ خصوصاً وأنّ معظم الدّراسات والأطبّاء يؤكّدون الحاجة إلى النّوم لمدّةٍ تتراوح بين 7 إلى 9 ساعاتٍ يوميّاً لتحقيق الأداء الأمثل. كما يؤكّد "تشارلز كزيزلر" من كلّيّة الطّبّ بجامعة "هارفارد"، أنّ العمل لساعاتٍ طويلةٍ مع ساعاتٍ قليلةٍ من النّوم يؤدّي إلى تراجع الذّاكرة والانتباه والتّركيز، إضافةً إلى ضعف القدرة على اتّخاذ القرارات، وهي عوامل أساسيّةٌ في مهنٍ دقيقةٍ كالطّبّ. [2]

الثّمن الخفيّ للإرهاق المزمن

ولكن، بمرور الوقت، بدأت علامات الإرهاق المزمن تظهر على هذا الطّبيب العبقريّ. تشير رواياتٌ تاريخيّةٌ إلى أنّ ذاكرته بدأت تضعف، وأداؤه الجراحيّ لم يعد بالدّقّة الّتي عرف بها، حتّى أحكامه في بعض الحالات الجراحيّة أصبحت مثار شكٍّ وتساؤلٍ.

لقد كان السّبب واضحاً: الحرمان المزمن من النّوم. فالعقل الّذي كان ينظر إليه كآلةٍ لا تتعطّل، بدأ ينهار تحت وطأة الإجهاد المستمرّ. هذه التّجربة المؤلمة للدّكتور هالستيد أظهرت بشكلٍ صارخٍ أنّ التّضحية بالنّوم ليست وصفةً للنّجاح، بل طريقٌ نحو انهيار الجسد والعقل معاً.
تأتي قصّة هالستيد كدليلٍ تاريخيٍّ لما أكّدته الدّراسات العلميّة الحديثة، في دراسةٍ نشرت في "Journal of Sleep Research"، أوضح الباحثون أنّ النّوم ليس رفاهيّةً، بل ضرورةٌ حيويّةٌ للحفاظ على القدرات الإدراكيّة.

أخطاءٌ قاتلةٌ بسبب الحرمان من النّوم

لم يكن الدّكتور هالستيد الحالة الوحيدة الّتي تعكّس تأثير قلّة النّوم على الممارسات الطّبّيّة. في الولايات المتّحدة، تمّ تسجيل حالةٍ شهيرةٍ لطبيبٍ مقيمٍ تسبّب خطؤه في كارثةٍ طبّيّةٍ؛ بسبب الإرهاق النّاتج عن العمل لساعاتٍ طويلةٍ. هذه الحادثة دفعت إلى إصلاح سياسات ساعات العمل للأطبّاء المقيمين.

كما أظهرت دراسةٌ نشرت في "Journal of the American Medical Association" أنّ الجرّاحين الّذين ينامون أقلّ من ستّ ساعاتٍ يوميّاً معرّضون لمضاعفة أخطائهم الطّبّيّة، مقارنةً بأقرانهم الّذين يحصلون على قسطٍ كافٍ من النّوم.

الدّروس المستفادة: النّوم أوّلاً، النّجاح لاحقاً

إنّ قصّة هالستيد وما أظهرته الأبحاث الحديثة تحمل رسالةً واضحةً: الإنتاجيّة ليست مرتبطةً بعدد ساعات العمل، بل بجودة الرّاحة والنّوم. التّضحية بالنّوم من أجل العمل قد تبدو كخيارٍ جذّابٍ، لكنّها تؤدّي في النّهاية إلى تدهور الأداء وزيادة الأخطاء.

الحلّ يكمن في تحقيق التّوازن، ليس المطلوب فقط تنظيم الوقت، بل إدراك أهمّيّة النّوم كجزءٍ أساسيٍّ من الجدول اليوميّ. يمكن للنّوم الكافي أن يعزّز التّركيز والإبداع، بينما يساعد الجسم على تحمّل ضغوط العمل اليوميّة.

ورغم مرور أكثر من قرنٍ على قصّة الدّكتور ويليام هالستيد، إلّا أنّها لا تزال صالحةً لتذكيرنا بواقعنا اليوم. في عصر السّرعة والمنافسة الشّديدة، غالباً ما نجد أنفسنا أسرى لفكرة العمل المستمرّ بلا توقّفٍ. لكنّ التّاريخ والعلم يجمعان على أنّ النّوم ليس عدوّاً للإنتاجيّة، إنّما ركيزةٌ أساسيّةٌ لها.

ويليام هالستيد: أسطورة الطّبّ الّتي أرهقها الحرمان من النّوم

في أواخر القرن التّاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لم يكن العالم يعرف كثيراً عن أهمّيّة النّوم للصّحّة العقليّة والجسديّة. وسط هذا المناخ العلميّ النّاقص، برز الدّكتور ويليام ستيوارت هالستيد كواحدٍ من أعظم الجرّاحين الأمريكيّين، ومؤسّس العديد من المبادئ الجراحيّة الحديثة. ولكن وراء هذا النّجاح الباهر، كانت هناك قصّةٌ أكثر قتامةً، قصّةٌ تكشف الثّمن الباهظ الّذي يدفعه الإنسان حين يضحّي بالنّوم من أجل العمل.

الطّبيب العبقريّ الّذي لا يعرف النّوم

كان الدّكتور هالستيد، أحد مؤسّسي مستشفى "جونز هوبكنز"، رمزاً للعمل الجادّ والتّفاني. لم يكن يترك مجالاً للرّاحة، حيث اعتاد قضاء ساعاتٍ طويلةٍ في غرف العمليّات، متجاوزاً حدود التّحمّل البشريّ. لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل كان يتوقّع من طلّابه ومساعديه الالتزام بنفس الرّوتين القاسي.

في البداية، بدا هذا النّهج وكأنّه مفتاح النّجاح، فقد تمكّن هو وفريقه من تحقيق اختراقاتٍ طبّيّةٍ غير مسبوقةٍ، ووضع أسس تقنيّاتٍ جراحيّةٍ لا تزال تدرّس حتّى اليوم. كان الجميع ينظر إلى هالستيد على أنّه رمزٌ للكمال والانضباط.

ويتّفق معه أستاذ علم النّفس في جامعة "بنسلفانيا"، وأحد أبرز الباحثين في علم النّوم، "ديفيد دينجز"، الّذي قال إنّ الشّخص الطّبيعيّ يحتاج إلى 8 ساعاتٍ من النّوم بالمتوسّط، وأضاف أنّ أقلّ من 5% من سكّان العالم فقط يملكون ما يعرف بـ"السّاعة البيولوجيّة القصيرة"، حيث تعمل أجسامهم بشكلٍ طبيعيٍّ على دورة نومٍ أقصر تتراوح بين أربعٍ وخمس ساعاتٍ يوميّاً. ومع ذلك، فإنّ العديد من الأشخاص يقلّلون ساعات نومهم بشكلٍ متعمّدٍ، ويشعرون بأنّهم بخيرٍ في اليوم التّالي، لكنّ ذلك قد يكون مجرّد خداعٍ مؤقّتٍ للجسم، كما حدث مع الطّبيب الشّهير "ويليام هالستيد". [3]

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: