الرئيسية الريادة العمل عن بعد بعد الجائحة: تحول جذري في ثقافة العمل!

العمل عن بعد بعد الجائحة: تحول جذري في ثقافة العمل!

من خيارٍ استثنائيٍّ إلى ثقافةٍ راسخةٍ تُعيد تشكيل سوق العمل وتوسّع أفق التّوظيف والإنتاجيّة حول العالم

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

غيّرت جائحة "كوفيد-19" مفاهيم العمل عن بعد جذوريّاً؛ فبعد أن كان خياراً محدوداً لبعض الشّركات، أصبح ضرورةً ثمّ معياراً جديداً لثقافة العمل في معظم القطاعات. وفي دولة الإمارات خصوصاً، عكست التّقارير رؤيةً واضحةً لتبنّي نموذجٍ هجينٍ يجمع بين المكتب والمنزل، مع تحوّلٍ مستمرٍّ فيما بعد الجائحة.

أثبتت الجائحة أنّ العمل عن بعد ليس خياراً طارئاً فقط، بل معياراً جديداً في ثقافة العمل عالميّاً، وخاصّةً في الإمارات. وفقاً لدراسةٍ صادرةٍ عن معهد "أبحاث العمل من المنزل" (WFH Research)، ارتفعت نسبة العاملين من المنزل 5 أضعافٍ بين 2019 و2023، وأصبح ‎40%‎ من العاملين في الولايات المتّحدة يعملون عن بعدٍ على الأقل يوماً واحداً في الأسبوع. [1]

الفضول العالمي نحو المرونة

أظهرت دراسةٌ حديثةٌ صادرةٌ عن مؤسّسة "غالب" (Gallup) أنّ الموظّفين الّذين يعملون بشكلٍ كاملٍ عن بعدٍ يسجّلون أعلىٰ مستويات الانخراط الوظيفيّ، حيث بلغت نسبتهم ‎31%‎، مقارنةً بـ ‎23%‎ لمن يعملون بنظامٍ هجينٍ، و‎19%‎ لمن يظلّون في المقرّ طول الوقتويشير مصطلح "الانخراط الوظيفيّ" إلىٰ مدىٰ التزام الموظّف، ورضاه عن بيئة العمل، وحماسه لتحقيق أهداف المنظّمة.

مع ذٰلك، لم تخلُ النّتائج من مفارقةٍ مثيرةٍ للاهتمام؛ فقد أظهرت الدّراسة نفسها أنّ العاملين عن بعدٍ يعانون في المقابل من انخفاضٍ ملحوظٍ في مؤشّرات الرّفاه النّفسيّ، مثل: الشّعور بالاتّصال الاجتماعيّ، والتّوازن بين الحياة الشّخصيّة والمهنيّة، وهو ما قد يؤثّر علىٰ استمرارهم علىٰ المدىٰ الطّويل. [2]

تبرز هٰذه النّتائج ضرورة أن تعتمد الشّركات نهجاً متوازناً في إدارة فرق العمل، بحيث تجمع بين المرونة الّتي تسهم في رفع الإنتاجيّة، وبين الرّعاية النّفسيّة الّتي تضمن سلامة الموظّفين الذّهنيّة. ولا يمكن ـالأداء العالي الاحتفاظ به دون بيئةٍ صحّيّةٍ داعمةٍ. لذٰلك، فمن المهمّ أن تعزّز المنظّمات ثقافة العمل الإنسانيّ، وأن تدمج أدوات تواصلٍ فعّالةً وبرامج دعمٍ نفسيٍّ ضمن سياساتها الدّاخليّة، وذٰلك خصوصاً مع تزايد الاعتماد علىٰ نماذج العمل عن بعدٍ في عديدٍ من الشّركات حول العالم. [2]

تجربة الإمارات

في إطار سعي دولة الإمارات لتبني نماط عملٍ أكثر مرونةً وفاعليّةً، نشر "المكتب الإعلاميّ لحكومة دبي" (Government of Dubai Media Office) نتائج مسحٍ ميدانيٍّ شاملٍ شمل أكثر من 320,000 موظّفٍ في الإمارة. أظهرت النّتائج أنّ تبني نظام العمل عن بعدٍ أسهم في تخفيف الازدحام المروريّ في ساعات الذّروة الصّباحيّة بمعدّلٍ واضحٍ بلغ 30%، وذٰلك نتيجةً لتقلّص أعداد الموظّفين الّذين يتطلّب حضورهم إلىٰ مقار العمل يوميّاً.

وعلىٰ صعيد الإنتاجيّة، أقرّ 80.4% من الموظّفين المستجوبين بأنّ أداءهم الوظيفيّ في المنزل يضاهي -إن لم يتفوّق- علىٰ أدائهم في المكتب. وتشير هٰذه الأرقام إلىٰ أنّ تبنّي نظم العمل عن بعد لا يؤدّي فقط إلىٰ تحسين نوعيّة حياة الموظّفين، بل يساهم أيضاً في معالجة تحدّياتٍ بنيويّةٍ كبيرةٍ مثل الازدحام والضّغط على البنية التّحتيّة للنّقل. وتعتبر هٰذه التّجربة دليلاً عمليّاً علىٰ كيفيّة استفادة المدن المتقدّمة من التّقنية والسّياسات المرنة لبناء بيئة عملٍ أكثر توازناً وفاعليّةً. [3]

كما تؤكّد تحليلاتٌ حديثةٌ صادرةٌ عن "كلّيّة كينغز في لندن" (King’s College London)، ونشرتها صحيفة "ذا تايمز" (The Times)، أنّ نسبةً كبيرةً من النّساء في "المملكة المتّحدة" قد أصبحن يقيّمن نمط العمل وفقاً لميزان المرونة، لا وفقاً لعامل الرّاتب أو المسار الوظيفيّ وحده.

فقد بلغت نسبة ‎64%‎ من النّساء الّلاتي شملهنّ الاستطلاع، أنّهنّ يفضّلن ترك العمل علىٰ أن يجبرن علىٰ العودة إلىٰ الدّوام المكتبيّ الكامل. وتظهر أهمّيّة هٰذه النّتيجة في وقتٍ تتنافس فيه الشّركات علىٰ استقطاب المواهب النّسائيّة والحفاظ عليها، خصوصاً في القطّاعات الّتي تعاني من نسب تّسرّبٍ واسعةٍ أو فجواتٍ في التّوازن الجنسيّ.

في هٰذا السّياق، تشكّل المرونة الوظيفيّة عاملاً حاسماً في إعادة تصميم سوق العمل ليكون أكثر شمولاً وعدالةً، وفي توفير بيئةٍ تمكّن النّساء من التّوافق بين المسؤوليّات المهنيّة والشّخصيّة، دون أن يكلّفهنّ ذٰلك مسارهنّ المهنيّ. ومن هنا، يتّضح أنّ سياسات العمل عن بعد والدّوام المرن لم تعد مجرّد خيارٍ لرفاهيّة الموظّف، بل أصبحت أداةً استراتيجيّةً لجذب الكفاءات النّادرة وبناء قوى عاملةٍ متنوّعةٍ ومستقرّةٍ.

تطور التقنية والإدارة

تظهر تقاريرٌ معتمدةٌ على مؤشّر "مايكروسوفت ورك ترند إندكس 2024" (Microsoft Work Trend Index 2024) تحوّلاً عميقاً في طبيعة بيئة العمل، خصوصاً في ظلّ تزايد ضغوط الإنتاج وتسارع وتيرة المهامّ. ووفقاً للتّقرير، يصرّح 68% من الموظّفين أنّهم يعانون من شعورٍ بالإرهاق" مع سرعة سير العمل وتزايد المتطلّبات، وهو ما يدفعهم إلىٰ اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي للتّعامل مع المهامّ الرّوتينيّة، وتفريغ الوقت لمهامٍّ أكثر إبداعاً وقيمةً.

فالتّقنية، وبخصوص الذكاء الاصطناعي، لم تعد أداةً فنّيّةً محضةً، بل أصبحت شريكاً استراتيجيّاً لفرق العمل والقيادة؛ تساعد علىٰ إعادة توزيع الجهد البشريّ نحو الأعمال الّتي تحتاج إلىٰ التّفكير والتّخطيط والتّحليل، وتقلّل من الإجهاد النّاجم عن التّكرار والإنجاز الآليّ.

ومع ازدياد تعقيد بيئات العمل، تتجه المنظّمات الحديثة إلىٰ تبنّي منصّاتٍ ذكيّةٍ لإدارة المعارف وأطر العمل الرّقميّ، كي توفّر لقادتها ولفرقها أدواتٍ تسهم في رصد الأداء، وتفعيل قدرات التّنبؤ، واتّخاذ قراراتٍ أسرع وأدقّ. باختصارٍ، لم تعد التّقنية المتقدّمة مجرّد ترفٍ تقنيٍّ، بل صارت عنصراً حاسماً في تحقيق الاستدامة ورفع الكفاءة وتعزيز رضا الموظّفين في نماذج العمل المعاصرة: Microsoft.

التأثير على التوزيع الجغرافي لفرق العمل

أحدث نظام العمل عن بعد تغييراً جذريّاً في مفاهيم التّوظيف وتوزّع الفرق في الشّركات؛ فبعد أن كان التّوظيف يقتصر علىٰ المدن الرّئيسيّة أو القرب من مقرّ الشّركة، أصبح ممكناً اليوم للشّركات أن تشكّل فرقاً دوليّةً موزّعةً تضمّ موظّفين من مدنٍ صغيرةٍ أو مناطق نائيةٍ، بل ومن بلدانٍ أخرىٰ لا تضمّ فروعاً للشّركة أصلاً.

وقد أكّدت التّجارب في شركاتٍ رائدةٍ مثل "شوبيفاي" (Shopify) و"تويتر" (Twitter) -قبل الاستحواذ عليها- أنّ تفاعل الفرق المتوزّعة جغرافيّاً لا يقلّل من كفاءة الأعمال، بل يمكّن الشّركات من الاستفادة من مواهب ذات خبرةٍ فريدةٍ مع تقليل تكلفة التّوظيف والإسكان في المدن الكبرىٰعلىٰ سبيل المثال، أطلقت دولة إستونيا في عام 2020 ما يعرف بـ"تأشيرة الرّحّال الرّقميّ" (Digital Nomad Visa)، وهي برنامجٌ يتيح للعاملين عن بعد من مختلف أنحاء العالم الإقامة والعمل في إستونيا دون الارتباط بشركةٍ محلّيّةٍ. وفي الوقت نفسه، تمتنع دولٌ أخرىٰ كاليابان عن الاعتراف الرّسميّ بهٰذا النّمط من العمل، وتستمرّ في فرض الحضور الشّخصيّ علىٰ معظم الموظّفين.

تثبت هٰذه التّجارب أنّ نظم العمل عن بعد قد تفتح آفاقاً جديدةً للتّنمية المحلّيّة والاستقطاب الاقتصاديّ حتّىٰ في المناطق الأقلّ حظّاً، شرط توفّر بنيةٍ تحتيّةٍ رقميّةٍ قويّةٍ، وإطارٍ تشريعيٍّ مرنٍ يواكب هٰذه التّغييرات.

التأثير البيئي للعمل عن بعد

في ظلّ تزايد القلق العالميّ حول تغيّر المناخ وأثر النّشاط البشريّ علىٰ كوكب الأرض، يبرز نظام العمل عن بعدٍ كأحد الأدوات الفعّالة في خفض البصمة الكربونيّة للشّركات والمدن علىٰ حدٍّ سواءٍ. فحسب تقريرٍ صادرٍ عن "برنامج الأمم المتّحدة للبيئة" (UNEP)، يمكن للموظّف الذي يعمل عن بعدٍ يومين في الأسبوع أن يقلّل بنسبةٍ تقارب 390 كيلوجراماً من إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويّاً، وذٰلك بسبب تقليل رحلات التّنقّل، والاعتماد الأقلّ علىٰ السّيّارات ووسائل النّقل العامّ.

وعلىٰ مستوىٰ الشّركات، يساهم تقليل الاعتماد علىٰ مقارّ العمل التّقليديّة في خفض استهلاك الطّاقة والمياه والموادّ المكتبيّة، ويمكّن الشّركات من تقليص مساحات الإيجار بنسبٍ تتراوح بين 20% و30% وفقاً لدراسةٍ أجرتها "جونز لانغ لاسال" (JLL) في عام 2024. ووفقاً لتحليلٍ نشرته وكالة "بلومبيرغ" (Bloomberg)، فإنّ الشّركات الّتي قلّصت الحضور المكتبيّ بنسبةٍ تتجاوز 50%، قد سجّلت في المتوسّط خفضاً في فواتير الطّاقة بنسبةٍ بين 20% و35%، إلىٰ جانب تقليل طباعة الوثائق واستهلاك الأوراق والموادّ المكتبيّة.

ولا يقف الأمر عند تقليل الإنبعاثات فقط، بل يؤدّي العمل عن بعد إلىٰ تقليل النّفايات الإلكترونيّة والموادّ القابلة للاستهلاك، خصوصاً مع تبنّي أنظمةٍ رقميّةٍ في كافّة العمليّات، ممّا يساهم في تعزيز مفاهيم الاستدامة والمسؤوليّة البيئيّة في الثّقافة المؤسّسيّةوبذٰلك، فإنّ نظام العمل عن بعد لا يخدم فقط مصالح الشّركات والموظّفين، بل يشكّل أيضاً خطّاً دفاعيّاً مهمّاً في مواجهة أزمة المناخ وبناء اقتصادٍ أكثر خضرةً.

أهمية التعلم المستمر وإعادة التأهيل

في بيئة العمل الّتي تتطوّر بسرعةٍ، خصوصاً بعد جائحة "كوفيد-19"، أصبح التّعلّم المستمرّ وإعادة التّأهيل أكثر من مجرّد خيارٍ تطويريٍّ، بل حاجةً ملحّةً لكلٍّ من الموظّفين والشّركات علىٰ حدٍّ سواءٍ. فمع الانتقال إلىٰ نماذج العمل عن بعد ، تغيّرت مهارات النّجاح في سوق العمل. لم تعد المهارات التّقنيّة والخبرة المهنيّة كافيةً، بل أصبحت المهارات النّاعمة مثل: إدارة الوقت الذّاتيّة، والتّواصل الرّقميّ، والتّكيّف مع التّغيير، عوامل حاسمةً في نجاح أيّ فريقٍ.

تُشير بيانات "لينكدإن للتّعلّم" (LinkedIn Learning) لعام 2023 إلىٰ أنّ أكثر من 75% من الشّركات النّاجحة تستثمر في برامج تدريبٍ وتطويرٍ مستمرّةٍ، وذٰلك لتأمين مواقعها في سوقٍ يتغيّر بشكلٍ سريعٍ. ووفقاً لتقرير "ماكينزي" (McKinsey) لعام 2022، ستحتاج أكثر من 100 مليون وظيفةٍ حول العالم إلىٰ إعادة تأهيلٍ مهنيٍّ خلال العشر سنواتٍ القادمة، نتيجةً لتغيّر أنواع الأعمال وتزايد دور التّقنية والأوتمة.

ومن هنا، تصبح ثقافة التّعلّم المستمرّ ركيزةً أساسيّةً في أيّ نموذج عملٍ مستقبليٍّ، توفّر للموظّفين فرصاً دائمةً للتّطوّر، وللشّركات مرونةً أكبر للتّكيّف مع أيّ أزمةٍ أو تغييرٍ مفاجئٍ، كما حدث أيّام الجائحة.

نماذج دولية رائدة في تطبيق العمل عن بعد

تعتبر الولايات المتّحدة من أوائل الدّول الّتي شهدت انتقالاً واسع النّطاق إلى نظم العمل عن بعد، خصوصاً في الشّركات التّقنيّة الكبرىٰ مثل "ميتا" (Meta)، و"غوغل" (Google)، و"مايكروسوفت" (Microsoft). وقد أقرّت العديد من هذه الشّركات سياساتٍ هجينةٍ طويلة الأجل تتيح للموظّفين العمل من أيّ مكانٍ لعدّة أيّامٍ في الأسبوع. كما دعمت التّشريعات في بعض الولايات، مثل كاليفورنيا ونيويورك، هذا النّمط من العمل من خلال تقديم إعفاءاتٍ ضريبيّةٍ مؤقّتةٍ، وتسهيل توثيق العقود والرّقمنة الإدارية.

كما أظهرت أستراليا مرونةً كبيرةً في تكييف البنية التّشريعيّة مع نظام العمل عن بعد؛ فقد سمح للموظّفين في القطاعات الحكوميّة والخاصّة على حدٍّ سواءٍ بالعمل من أيّ مكانٍ داخل البلاد طالما كانت متطلّبات الأداء متوفّرةً. كما وفّرت الحكومة دعماً ماليّاً للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة لتطوير البنىٰ التّقنيّة اللّازمة لتبنّي هذا النّظام

أمّا في دولٍ كألمانيا وهولندا، فقد تمّ تقنين العمل عن بعد بشكلٍ جزئيٍّ من خلال تشريعاتٍ تضمن حقوق الموظّف في طلب هٰذا النّمط ما دام لا يؤثّر على سير العمل. ويعتبر ذٰلك تحوّلاً جوهريّاً في مفاهيم "مكان العمل" و"الوقت المناسب للإنتاج".

تبيّن هٰذه الأمثلة أنّ تطبيق العمل عن بعد يختلف بشكلٍ كبيرٍ بين الدّول، بحسب الثّقافة المهنيّة، والتّوجّهات التّنظيميّة، والإمكانات الرّقميّة. ولٰكن القاسم المشترك في جميع الحالات هو أنّ مستقبل العمل سيكون -ولدرجاتٍ متفاوتةٍ- مبنيّاً على المرونة والاختيار، لا على المكان والتّقييد.

تحديات مستمرة بعد الجائحة

علىٰ الرّغم من المكاسب الّتي حقّقها نظام العمل عن بعد في السّنوات الأخيرة، إلّا أنّه لا يخلو من تحدّياتٍ مستمرّةٍ تتطلّب حلولاً دائمةً وفاعلةً. ومن أهمّ هٰذه التّحدّيات:

التقيد بالتشريعات الضريبية والقانونية الدولية

مع توسّع نطاق العمل الدّوليّ، تواجه الشّركات تعقيداتٍ قانونيّةً فيما يتعلّق بضرائب الدّخل، وقواعد الإقامة، وتسجيل النّشاط في أكثر من دولةٍ، وهٰذا يتطلّب نظماً للمتابعة واستشارةً قانونيّةً دوليّةً دائمةً.

تأمين البيانات في بيئات سحابية متعددة

نقل البيانات بين العاملين والخوادم والأنظمة يجعلها عرضةً للاختراق أو الفقدان، خاصّةً إذا تمّت إدارة الفرق عبر مناطق زمنيّةٍ ومزوّدي خدماتٍ مختلفين. ومن ثمّ، تصبح مسؤوليّة تطبيق نظم الأمان السيبراني وضمان موافقة البيانات للتّشريعات -كما في اللّوائح الأوروبيّة لحماية البيانات (GDPR)- أمراً لا يمكن تجاوزه.

الرصد المستمر للرفاه النفسي للموظفين عن بعد

بسبب انعزال العاملين، وقلّة الاحتكاك الاجتماعيّ، تظهر تحدياتٌ في رصد الصّحّة الذّهنيّة والتّوازن النّفسيّ. وقد يؤدّي غياب الفرص للتّفاعل اليوميّ إلى الإجهاد أو الانفصال العاطفيّ عن الفريق، وهو ما يستوجب برامج دعمٍ نفسيٍّ متخصّصةً ومستمرّةً. [4]

توصيات للقادة

لمواجهة التّحدّيات السّابقة، يجب على القادة ومديري الفرق أن يتبنّوا نهجاً استراتيجيّاً مبتكراً في إدارة العمل عن بعد، وذٰلك من خلال التّوصيات التّالية:

  1. تبنّي سياساتٍ هجينةٍ واضحةٍ تجمع بين المرونة ووضوح الأداءوضع أطر عملٍ توازن بين الحضور والعمل عن بعد، مع تعريفٍ صريحٍ للمخرجات، وتطبيق أدوات قياسٍ تركّز على الإنتاج لا على الزّمن.
  2. تطبيق برامج دعمٍ نفسيٍّ مخصّصةٍ للعاملين عن بعدٍ لتجنّب "مفارقة الرّفاه"يدلّ مفهوم "فصل الرّفاه" على حالةٍ ينتج فيها الموظّف بكفاءةٍ، لكنّه يعاني نفسيّاً في صمتٍ. لذٰلك، يوصى بجلسات تواصلٍ منتظمةٍ، ودعمٍ نفسيٍّ مهنيٍّ، وتفعيل آليّات تقييمٍ دوريٍّ للرّفاه.
  3. استثمارٌ في بنيةٍ تحتيّةٍ رقميّةٍ آمنةٍ تدعم العمل مهما اختلفت المناطق الزمنيةمن الضّروريّ توفير بيئةٍ تقنيّةٍ تسهّل التّعاون، وتوفّر أماناً سيبرانيّاً متقدّماً، وتدعم الاتّصال السّلس والمتاحة لكلّ العاملين حول العالم، بما يعزّز الانسجام والإنتاجيّة دون حواجز جغرافيّةٍ.

تثبت التّجارب العمليّة، والإحصائيّات الدّوليّة، ونموذج الإمارات في تطبيق نظم العمل عن بعد، أنّ هٰذا النّظام لا يزال يشكّل رافعةً استراتيجيّةً للنّموّ الاقتصاديّ، وأداةً فاعلةً لتحسين جودة الحياة لشريحةٍ واسعةٍ من الموظّفين.

غير أنّ هٰذا النّجاح لا يتحقّق بمجرّد نقل العمل من المكتب إلى المنزل، ولكنّه يتطلّب نهجاً شاملاً يربط بين الرّؤية الإداريّة الواضحة، والبنية التّحتيّة الرّقميّة الآمنة، والسّياسات الإنسانيّة الدّاعمة للرّفاه. وإذا أحسن تطبيق هٰذا النّهج، فإنّ العمل عن بعد لن يكون مجرّد خيارٍ وظيفيٍّ، بل سيصبح عنصراً محوريّاً في مستقبل سوق العمل، يساهم في تعزيز التّنافسيّة، وتقليل البصمة البيئيّة، ودعم نماذج النّموّ المستدام.

الخلاصة

يثبت العمل عن بعد بعد الجائحة أنّه ليس استجابةً ظرفيّةً، بل هو تحوّلٌ هيكليٌّ في ثقافة العمل العالميّة. كما تُظهر التّجارب أنّ المرونة تعزّز الإنتاجيّة وتوسّع خيارات التوظيف. ومع ازدياد التحدّيات، تظلّ الإدارة الذكيّة والتّقنية الفعّالة شرطاً أساسيّاً للنجاح. 

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل ما زال العمل عن بعد مهماً بعد الجائحة؟
    نعم، فقد تحوّل من حلٍّ مؤقّتٍ إلى نموذجٍ دائمٍ تعتمده الكثير من الشّركات والحكومات، كجزءٍ من ثقافة العمل الجديدة حول العالم.
  2. هل يؤثّر العمل عن بعد سلباً على الإنتاجية؟
    ليس بالضّرورة، بل أظهرت الدّراسات أن الموظّفين عن بعد غالباً ما يكونون أكثر تركيزاً وإنتاجاً عند توفير بيئةٍ مرنةٍ وداعمةٍ.
  3. ما أبرز التحديات التي تواجه نموذج العمل عن بعد؟
    تشمل التحديات التي تواجه نموذج العمل عن بعد: صعوبة ضمان الأمن السيبراني، وتعقيدات الامتثال القانونيّ عبر الحدود، إضافةً إلى مخاوف متعلّقةٍ بالرّفاه النّفسيّ والعزلة.
  4. كيف تستفيد الشركات من تطبيق العمل عن بعد؟
    توفر الشّركات نفقات التّشغيل، وتستقطب مواهب من مواقع جغرافيّةٍ متنوّعةٍ، وتزيد من ولاء الموظّفين بفضل المرونة.
  5. ما الأثر البيئي للعمل عن بعد؟
    يساهم بشكلٍ كبيرٍ في تقليل انبعاثات الكربون، وتخفيف الازدحام المروريّ، وتقليص استهلاك الطّاقة والموارد في المكاتب.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: