برنامج السعودة وتأثيره على الاقتصاد وسوق العمل السعودي
من تعزيز مشاركة المواطنين السعوديين وخفض معدلات البطالة، إلى التركيز الخاص على دور النساء في التنمية الاقتصادية، دراسة تفصيلية لتأثير التوطين على السوق السعودي
منح برنامج السعودة أو برنامج التوطين السعودي، الفرص والأمل للشَّباب والشَّابَّات في المملكة، كذلك قدَّم لهم الدَّافع للنَّجاح والتَّميُّز والمساعدة في العثور على فرصة عملٍ لائقةٍ، في وقتٍ تسعى المملكة العربية السعودية إلى خفض معدَّلات البطالة للحدّ الأدنى فيها، فما هي حكاية السعودة وكيف أثَّرت على الحياة الاقتصاديَّة للبلاد وشركاتها؟
ما هو برنامج السعودة أو برنامج التوطين؟
وتُعرف السَّعودة، باسم برنامج التوطين السعودي، وهي السَّياسة التي تنفِّذها وزارة العمل، من خلال الطَّلب إلى الشَّركات المتواجدة في السُّعوديَّة توظيف المزيد من المواطنين السُّعوديين على أساس الحُصص.
بخلاف الشَّائع، فإنَّ سعودة الوظائف ليست سياسةً جديدةً، إنَّما تمتدُّ إلى سبعينيَّات وثمانينيَّات القرن الماضي، إذ وضعت أسُّسُها ومبادؤها منذ ذلك الوقت، بينما تمَّ التَّركيز عليها والعمل بها بشكلٍ متزايدٍ خلال السَّنوات العشر الأخيرة، حيث لا يكاد يمرُّ عامٌ منذ ذلك الوقت، إلّا ويُعلن فيه عن سعودة المزيد من الوظائف والمهن.
إشراك المزيد من السُّعوديين في سوق العمل، وخفض معدَّلات البطالة فيما بينهم، كانَ السَّبب الرَّئيسي الذي دفع الحكومة السعودية لإنشاء برنامج التوطين، ويبدو أنَّ البرنامج نجح بالفعل بخفض مستويات البطالة إلى أرقامٍ قياسيَّةٍ.
تؤكِّد لغة الأرقام أن برنامج التَّوطين حقَّق نجاحاً باهراً في خفض البطالة بين السعوديين، ففي عام 2016، حين تمَّ الإعلان عن رؤية السُّعوديَّة 2030، كانت نسبة البطالة 12.3%، بينما استهدفت رؤية 2030 خفض النَّسبة إلى 7%، وبحلول نهاية عام 2023، انخفضت نسبة البطالة إلى مستوياتٍ تاريخيَّةٍ لتصل إلى 7.7%، وتقترب بشكلٍ كبيرٍ من مستويات الرُّؤية السُّعوديَّة. [1]
وعلى الرَّغم من أنَّ برنامج التَّوطين، يعدُّ سبباً رئيسيَّاً، إلَّا أنَّ هناك العديد من الأسباب الأخرى، التي أدَّت إلى خفض البطالة في السعودية، مثل تنويع الاقتصاد، والدَّعم الحكوميّ الكبير للشَّركات والمؤسَّسات.
إضافةً إلى ما سبق، أطلقت السعودية برنامج نطاقات التَّابع لمبادرة التوطين عام 2011، بهدف زيادة أعداد السعوديين الذين يعملون في القطّاع الخاصّ، والذين بلغ عددهم عام 2010، 669 ألفاً و37 مواطناً سعوديَّاً، وارتفع العدد إلى مليونين و327 ألفاً شهر كانون الثاني 2024.
شاهد أيضاً: التوطين.. كيف أصبحت الإمارات أمة قوية بسببه؟
وبرنامج السعودة الذي يشجِّع الشَّركات العامَّة والخاصَّة على حدٍّ سواءَ، على منح الأولويَّة لتوظيف المواطنين السعوديين على الأجانب، يشمل ثلاثة أهدافٍ رئيسيَّةٍ، وهي: [2]
- تسهيل حصول المواطنين السُّعوديين على عملٍ.
- تحسين آفاقهم الاقتصاديَّة.
- الارتقاء بمواهبهم ومهاراتهم.
إذاً، في جوهرها، تساعد السعودة المواطنين المحليِّين في العثور على عملٍ، هذا الأمر كان مفيداً جدَّاً بشكلٍ خاصٍّ للنّساء، اللواتي بات لديهنّ إمكانيَّة أكبر من أيّ وقتٍ مضى للحصول على عملٍ، سواءً في الهندسة أو التُّكنولوجيا وغيرها من المجالات.
أثر السعودة على النساء
وفَّرت خطَّة السعودة إطاراً داعماً ومتيناً للنساء، اللَّواتي أصبحنَ أكثر قدرةً على عرض مواهبهنَّ ومهاراتهنَّ، لتزيد رؤية السعودية 2030 من دعم النساء وتمكينهنَّ، حتَّى باتت بيئة العمل ملائمةً جداً لطموحاتهنَّ وتطلُّعاتهنَّ.
على سبيل المثال، ارتفعت نسبة مشاركة النساء السُّعوديَّات في سوق العمل المحليّ، من 20% نهاية عام 2018، إلى 33% بنهاية عام 2020، وفقاً للهيئة العامَّة للإحصاء، وهذا يعني ارتفاع حصَّة المرأة السُّعوديَّة في سوق العمل بنسبة 65% خلال عامين فقط.
ركَّزت السعودة على صناعاتٍ مثل الإعلام والتَّرفيه والتُّكنولوجيا، التي كانت حكراً على الرجال، ومن خلال إعطاء الأولويَّة لمشاركة النساء في تلك القطَّاعات، بعثت الحكومة رسالةً واضحةً لهنَّ، بأنَّ مواهبهنَّ ضروريَّةٌ للمملكة وهي موضعُ تقديرٍ أيضاً.
يرى كثيرٌ من الخبراء، أنَّ السعودة خلّقت نظاماً داعماً لعمل المرأة وازدهارها، كما وفَّرت لهنَّ إمكانيَّة الحصول على التَّمويل وبرامج التَّدريب وكلَّ الدَّعم الذي يلزم لتطوير مهاراتهنَّ.
كذلك، فإنَّ التَّحوُّل الثَّقافيَّ الَّذي أحدثته السعودة، أسهم بتحدِّي الأعراف التَّقليديَّة وتمكين المرأة من الظُّهور في دائرة الضَّوء، كذلك فإنَّها شجَّعت المجتمع على تقدير مساهمات المرأة في كافَّة المجالات الإبداعيَّة، ممَّا أدَّى بدوره إلى كسر الحواجز وتمهيد الطَّريق لبيئةٍ أكثر شمولاً وتنوُّعاً.
وتصدَّرت السعودية مؤخَّراً قائمة الدُّول الأكثر ملاءمةً للمرأة خلال العام 2024 الجاري، كما جاء في استطلاعِ رأيٍ أجرته مجلَّة CEOWORLD، حيث احتلَّت المملكة المرتبة الأولى عربيَّاً، والـ86 عالميَّاً، وهنا يمكن اكتشاف الأثر الكبير الذي حقَّقته السَّعودة لصالح النساء السعوديات. [3]
شاهد أيضاً: السعودية تتصدر الدول العربية في ملاءمة البيئة للنساء لـ2024
ماذا يمكن أن تحقّق السعودة للاقتصاد السعودي؟
حقَّقت السعودة التي تُعرف رسميَّاً باسم خطَّة التَّأميم السعودي، أو نطاقاتٍ، خطواتٍ حاسمةٍ نحو النَّجاح الاقتصاديّ، سواءً للقطَّاع الخاصّ أو العامّ في المملكة.
المديرة الإقليميَّة لشركة سيركو الشرق الأوسط، منى الثقفي، كانت قد قالت عام 2021، إنَّ السَّعودة أسهمت في تنشيط مختلف جوانب الاقتصاد السعودي، مثل: السِّياحة والتَّعليم والبنية التَّحتيَّة، وأضافت أنَّه ومع استمرار الإصلاحات في المملكة، فإنَّ الشَّركات ستستهدف الأجيال السعودية الشابة.
ووفقاً لوجهة نظرها، فإنَّ توظيف الشَّباب والخريجين الجدد، يمكن أن يكون مفيداً جداً للشَّركات العالميَّة، باعتمادها على الدّماء الشَّابَّة، وفي الوقت نفسه يستطيع الموظَّفون السُّعوديون الشَّباب اكتساب خبرةٍ دوليَّةٍ، ما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحليّ.
في الوقت ذاته، فإنَّ توظيف الشَّباب ذوي الخبرة الأقلّ، يسمح للشَّركات بتدريبهم على المعايير والأساليب التي تتبعها الإدارة، كذلك يسمح للشّباب السُّعوديّ باستكشاف بيئاتٍ جديدةٍ، تساعدهم على تغذية مهاراتهم وبالتالي تنمية اقتصاد بلدهم. [4]
شاهد أيضاً: السعودية تشهد أسرع نمو للوظائف في تسع سنوات
كيف تستفيد العلامات التجارية من السعودة؟
تستطيع الشّركات والعلامات التجارية، خصوصاً التي تنوي أو تستعدُّ لدخول سوق العمل السُّعوديّ، الاستفادة من مزايا التَّوطين والسعودة بشكلٍ كبيرٍ، حيث يساعده وجود المزيد من الموظَّفين السَّعوديين على الانتشار بشكلٍ أكبر.
كما أنَّ تلك الشَّركات من خلال توظيف المزيد من السعوديين، فإنَّها تختصر أكثر من نصف المسافة فيما يخصُّ التَّعرُّف على سلوكيَّات ولهجات وتقاليد العملاء، وهو أمرٌ لن تحصل عليه بتوظيف الأجانب والوافدين.
كذلك فإنَّ اللُّغة المحليَّة تعمل على إنشاء علاقاتٍ قويَّةٍ من العملاء، وتظهر كثير من الدّراسات الاستقصائيَّة، أنَّ المستهلكين العالميين ينجذبون بشكلٍ أكبر إلى المواقع والعلامات التجاريَّة التي تستخدم لغتهم الأم، ممَّا يزيد من احتمال قيامهم بعمليَّة الشّراء.
باختصارٍ فإنَّ عمليَّة التوطين تساعد الشركات على دخول السوق السعودية بسرعةٍ قياسيَّةٍ، عبر تقليل الحواجز اللُّغويَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والسِّياسيَّة، والسَّماح للمنتج بالتَّوافق مع السوق السعودية، وبالتَّالي سيضمَنُ هذا الأمر أنَّ العملاء السُّعوديِّين سينشرون الأخبار حول المنتج بين أصدقائهم ومعارفهم وأفراد عوائلهم. [5]
ربّما تُقلِّل عمليَّة التوطين أو السعودة من الفرص المهنيَّة للعديد من الوافدين، إلَّا أنَّها تساعد السُّعوديين في بلدهم وتمنحهم الأفضليَّة، كذلك الحافز للتَّطوير والتَّعليم، ومن شأن هذا أن يرتقي بالبلاد واقتصادها ورفاه سكانها.