عائدات استثنائية تؤكد نضوج بيئة الاستثمار المغامر في الشرق الأوسط
بعد عقدٍ من الاستثمار المغامر في الشّركات النّاشئة التّقنيّة، تحقّق عوائد بعشرة أضعافٍ تؤكّد أنّ المنطقة باتت قادرةً على إنتاج قصص نجاحٍ عالميةٍ مستدامةٍ
في يوليو، احتفلت شركة رأس المال المغامر (A15)، ومقرّها القاهرة، بتحقيق عوائد عشرة أضعاف على صندوقها الأوّل خلال عشر سنواتٍ، وهو إنجازٌ يعكس المكاسب الممكنة للمستثمرين في قطّاع الشّركات النّاشئة الّذي لا يزال في طور النّشوء بالمنطقة. تأسّست هذه الشّركة، الّتي أسّسها كريم بشارة في القاهرة عام 2014، على الاستثمار في الشّركات النّاشئة التّقنية والشّركات المدعومة بالتّقنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما جعلها رائدةً في المشهد الاستثماريّ الإقليميّ.
من خلال صندوقها الأوّل، راهنت الشّركة مبكّراً على مؤسّسين استثنائيّين، لتخرج قصص نجاحٍٍ ألهمت ليس فقط روّاد الأعمال، بل أيضاً المستثمرين لتقليد هذه التّجربة. ويوضّح كريم بشارة، الشّريك العامّ في (A15)، لمجلة "عربيةInc. ": "في منطقةٍ كثيراً ما وُجّه فيها النّقد لصنف رأس المال المغامر بسبب قلّة الصّفقات الّتي تحقّق عوائد كبيرةً، فإنّ تحقيق عوائد عشرة أضعاف رأس المال المدفوع حتّى الآن على صندوقنا الأوّل، مع بقاء عدّة استثماراتٍ داخل الصّندوق، يرسل رسالةً واضحةً: منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا قادرةٌعلى إنتاج عوائد استثنائيّةٍ في مجال رأس المال المغامر". ويضيف: "ليس الأمر مقتصراً علينا فقط، فنحن نشهد صناديق أخرى في المنطقة تحقّق نتائج قويّةً أيضاً، ما يعكس صحّة النّظام البيئيّ ونضجه التّدريجيّ".
مكّنت العوائد الّتي يشير إليها كريم بشارة، والّتي نتجت أساساً عن استثماراتٍ مبكّرةٍ في شركاتٍ سبّاقةٍ على السّوق، شركة (A15) من تحقيق ثماني صفقات خروجٍ ناجحةٍ، كان اثنان منها من نوع "دراغون إكسيت"، وهي الصّفقات الّتي يساوي فيها العائد أو يتجاوز إجمالي رأس المال المستثمر في الصّندوق.
جاءت أولى هذه الصّفقات من استثمار (A15) في منصة المدفوعات الاستهلاكيّة "تي باي موبايل " (TPAY Mobile)، الّتي أسّستها رائدة الأعمال التقنية سحر سلامة في مصر عام 2014، ثم بِيع لاحقاً 76% من حصّتها لشركة الاستثمارات الخاصّة "هيليو لشركاء الاستثمار" (Helio Investment Partners).
ومن الصّفقات اللّافتة الأخرى من نوع "دراغون إكسيت" كانت المراهنة المبكّرة على شركة "كونكت آدز" (Connect Ads)، الّتي تأسّست في مصر عام 2001، وباعت 86% من حصّتها لشريكها العالميّ في الإعلام الرّقميّ "أليف القابضة" (Aleph Holding) عام 2021.
عزّزت هذه الصّفقات، إلى جانب غيرها، أكثر من أيّ وقتٍ مضى إيمان بشارة بأنّ الاستثمار في المنطقة يشكّل واحدةً من أفضل المراهنات الّتي يمكن لشركات رأس المال المغامر القيام بها. يقول كريم: "كانت صفقات الخروج مثل "تي باي موبايل" و"كونكت آدز" أكثر من مجرّد نتائج ماليّةٍ قويّةٍ؛ فقد مثّلت أيضاً دليلاً ملموساً على قدرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إنتاج عوائد استثنائيّةٍ في مجال رأس المال المغامر. ومن خلال إعادة رأس المال بالكامل إلى صندوقنا، لم تؤكّد هذه الصّفقات منهجيّتنا فحسب، بل أثبتت أيضاً أن تحقيق نموٍّ كبيرٍ ونتائج ذات صلةٍ عالميّاً ممكن في منطقتنا".
ويشير بشارة إلى أن هذه العوائد، بجانب أنّها أظهرت لـ(A15) أنّها اتّخذت المراهنات الصّحيحة، أرسلت أيضاً رسالةً واضحةً إلى النّظام البيئيّ الأوسع حول القيمة الّتي يمكن جنيها من الاستثمار في الشّركات النّاشئة المتمركزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويضيف: "بالنّسبة للمستثمرين، عزّزت هذه الإنجازات الثّقة في جدوى فئة أصول رأس المال المغامر في منطقتنا. أمّا بالنّسبة للمؤسّسين، فقد رفعت المعايير، موضّحةً أنّ الأهداف الطّموحة تستحقّ السّعي ويمكن تحقيقها بالجمع الصّحيح بين الرّؤية والتّنفيذ والدّعم. ربّما كنّا الأوائل الّذين حقّقوا هذا النّوع من العوائد في المنطقة، لكنّنا بالتّأكيد لسنا الوحيدين ولا آخر من يحقّقها".
ويختم كريم بالقول: "النّظام البيئيّ في تطوّرٍ مستمرٍ ويزدهر، ونحن فخورون بأن نكون جزءاً من مجتمعٍ يحقّق نجاحاتٍ متزايدةٍ ويُلهم الجيل القادم من روّاد الأعمال في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا".
أمّا عن كيفيّة تحقيق (A15) لهذه العوائد، فيعزو كريم هذا الإنجاز إلى مجموعةٍ من العوامل الّتي اعتبرها الأساس لوضع الشّركة في موقعها الحاليّ؛ فيقول: "جاء النّجاح من مزيج دعم الأشخاص المناسبين في وقتٍ مبكّرٍ، وعدم الخوف من اتّخاذ مراهناتٍ كبيرةٍ ومعاكسةٍ للتّوقّعات، والانخراط مباشرةً لمساعدتهم على تحويل طموحاتهم إلى واقعٍ ملموسٍ. ونحن ندرك أيضاً أنّ الفشل جزءٌ لا يتجزّأ من العمليّة؛ فبعض أعرق علاقاتنا المهنيّة نشأت من البقاء على اتّصالٍ مع مؤسّسين لم تنجح مشاريعهم في البداية".
كما يؤكّد كريم أنّ الاستثمار في الأشخاص هو ما مكّن (A15) من المراهنة على الشّركات النّاشئة الصّغيرة الّتي سرعان ما تحقّق نجاحاً كبيراً. ويضيف: "يعود جزءٌ كبيرٌ من نجاحنا إلى توقيت دخولنا المبكّر في المشاريع. وغالباً ما نستثمر في مراحلها الأولى جدّاً، وأحيانًا قبل أن يكون هناك منتجٌ مكتملٌ أو نموذج أعمالٍ واضحٌ. في هذه المرحلة، نركّز على المؤسّسين أنفسهم أكثر من الفكرة نفسها، بحثاً عن الصّفات الّتي تدوم: القيم، الطّموح، القدرة على الصّمود، والقدرة على جذب المواهب المميّزة. ونحن مقتنعون بأنّ المؤسّس المناسب قادرٌ على التّكيّف والتّحوّل وبناء شيءٍ استثنائيٍّ، حتّى لو تغيّرت الفكرة الأصليّة. لهذا السّبب، راهنّا أحياناً على الأشخاص بشكلٍ جريءٍ، حتّى عندما لم نكن مقتنعين تماماً بالفكرة أو كانت لا تزال في طور التّشكّل".
ويشير كريم أيضاً إلى أنّ الاستثمار المبكّر يمنح (A15) دوراً محوريّاً في رسم مسار الشّركات النّاشئة منذ بداياتها؛ فيقول: "منذ اليوم الأوّل، لم نكن مجرّد مستثمرين، بل شريكاً عمليّاً متكاملاً، جاهزين للتّدخّل وتقديم الدّعم اللّازم لمؤسّسينا أينما ومتى احتاجوا إليه". ويضيف: "يتكوّن فريقنا من أشخاصٍ سبق لهم بناء شركاتٍ وتوسيعها وتحقيق صفقات خروجٍ ناجحةٍ عبر صناعاتٍ وأسواقٍ متعدّدةٍ قبل أن يصبحوا مستثمرين في رأس المال المغامر. هذه الخبرة تمنحنا فهماً عميقاً لواقع ريادة الأعمال، بدءاً من ضغوط التّمويل المحدود إلى تحدّيات اتّخاذ القرارات الأصعب".
ويؤكّد بشارة أنّ الخبرة الّتي تراكمت خلال عشر سنواتٍ من العمل المباشر ودعم الشّركات النّاشئة مكّنت فريق (A15) اليوم من تطوير منهجيّةٍ واضحةٍ لدفع شركات المحفظة إلى مستوياتٍ أعلى. ويضيف: "أصبحت القدرة والاستعداد للانخراط العميق في كلّ مراحل بناء الشّركة جزءاً من طبيعتنا، وهذا أحد الأسباب الرّئيسيّة الّتي تجعل المؤسّسين يختارون العمل معنا. وما بدأ كأسلوبٍ غريزيٍّ لدعم شركاتنا أصبح على مر الوقت منهجيّاً ومنظّماً، ممّا يتيح لنا تطبيق هذا النّهج بشكلٍ متّسقٍ وفعّالٍ عبر جميع شركات المحفظة".
مع استشراف كريم للعقد المقبل لشركة (A15)، يشير إلى أنّ هدفه يكمن في الحفاظ على نموذج العمل الّذي أسّسته الشّركة وتعزيزه، مع إعادة هيكلته بما يتيح التّوسّع والنّموّ من خلال الاستفادة من شبكة المؤسّسين التّابعة للمجموعة؛ فيقول: "من أعظم أصولنا المجتمع الّذي نما بشكلٍ عضويٍّ حول هذا العمل، وهو شبكةٌ استثمرنا فيه الوقت والرّعاية خلال العقد الماضي. وقد أصبحت هذه الشّبكة بهدوءٍ واحدةً من أبرز نقاط القوّة الّتي تميّز (A15)، إذ تجمع مؤسّسين موثوقين يدعم كلٌّ منهم الآخر بصدقٍ. تشكّل الصّداقة المشتركة، والخبرات المتبادلة، والمهارات المتكاملة داخل هذه الشّبكة، امتداداً فعّالاً لفريقنا، ممّا يمكّن منصة (A15) من توجيه ودعم الجيل القادم من الشّركات النّاشئة بعمقٍ وتأثيرٍ أكبر".
ويضيف كريم: "إلى جانب استمرارنا في تعزيز استراتيجيّة وضع المؤسّس في المقام الأوّل، نحرص على أن تظلّ (A15) غير مقيّدةٍ بقطّاعٍ محدّدٍ، مع المراهنة على المؤسّسين المتميّزين الّذين يستخدمون أو يطوّرون التّكنولوجيا في مجالاتٍ واعدةٍ، بدلاً من الرّكض وراء الصّيحات العابرة".
كما يوضّح كريم: "نحن نُقدّر الهوامش المستدامة أكثر من النّموّ غير المستدام. ومع ذلك، يشكّل الذّكاء الاصطناعيّ التّحوّل الأبرز على الأفق، بمستوىً يوازي التّغيرات الجذريّة الّتي أحدثتها تقنيات الحوسبة السّحابيّة والهواتف المحمولة. ونحن لا نراه مجرّد فئة منتجاتٍ، بل كعامل تمكينٍ حتميٍّ يمتدّ عبر القطّاعات كافّةً. إذا لم تعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ، فأنت بالفعل متأخّرٌ، والفجوة تتّسع بسرعةٍ؛ فمنافسوك يستخدمونه للبناء بسرعةٍ أكبر، والعمل بكفاءةٍ أعلى، وتقديم تجارب عملاء أغنى وأكثر تخصيصاً. ومع مرور الوقت، قد يتحوّل تجاهل هذه التّقنية من فرصةٍ ضائعةٍ إلى خطرٍ وجوديٍّ حقيقيٍّ".
ويترجم كريم هذه الرّؤية إلى دعم المؤسّسين الّذين يستخدمون الذّكاء الاصطناعيّ لتحويل الصّناعات التّقليديّة. ويضيف: "نشعر بحماسٍ خاصٍّ تجاه المؤسّسين الّذين يدمجون الذّكاء الاصطناعيّ مع خبرةٍ عميقةٍ في مجالاتٍ محدّدةٍ لإحداث تغيّيراتٍ جذريّةٍ في الصّناعات كثيفة العمليّات، سواء في الزّراعة والفلاحة، أو المطالبات والتّصديقات التّأمينيّة، أو النّقل والخدمات اللّوجستيّة، أو البناء، أو التّصنيع. هذه أسواقٌ ضخمةٌ تعاني من عدم كفاءةٍ متجذّرةٍ، حيث يمكن للذّكاء الاصطناعيّ أن يُحدث تغيّيراتٍ جذريّةً في هياكل التّكلفة، وسرعة التّنفيذ، والقيمة المقدّمة للعملاء".
لكن التّحوّل لا يقتصر على السّوق وحده، إذ يشير كريم إلى أنّ المشهد اليوم قد تغيّر بشكلٍ جذريٍّ منذ دخوله عالم رأس المال المغامر قبل أكثر من عقدٍ من الزّمن، ويضيف أنّ أحد أبرز التّغيّرات في منظومة الشّركات النّاشئة في المنطقة هو الازدهار ليس فقط في عدد الشّركات النّاشئة، بل أيضاً في نموّ عدد صناديق رأس المال المغامر؛ فيقول: "عندما أطلقت (A15) عام 2014، كان النّظام البيئيّ الإقليميّ لرأس المال المغامر لا يزال في مراحله المبكّرة، مع عددٍ محدودٍ من الصّناديق النّشطة. أمّا اليوم، فقد تبدّل المشهد تماماً؛ فهناك عددٌ أكبر بكثيرٍ من صناديق رأس المال المغامر تعمل في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، سواء كانت إقليميّةً أو دوليّةً. وهذا تطوّرٌ إيجابيٌّ، ويشير إلى أنّ السّوق يتقدّم، مع المزيد من رأس المال والخبرة والطّموح أكثر من أيّ وقتٍ مضى".
ويضيف كريم أنّ صناديق الاستثمار الإقليميّة والعالميّة باتت اليوم أكثر استعداداً من أيّ وقتٍ مضى لوضع ثقتها ومواردها الماليّة في دعم المؤسّسين والشّركات النّاشئة في المنطقة. وإلى جانب زيادة المنافسة بين صناديق رأس المال المغامر، يفتح نضج النّظام البيئيّ الباب أمام المزيد من التّعاون بين مختلف أصحاب المصلحة. ويختم كريم بالقول: "لطالما اعتبرنا رأس المال المغامر من أكثر الصّناعات تعاوناً. وعلى مرّ السّنوات، بنينا شراكاتٍ قويّةً مع صناديق رأس مال مغامر بارزةٍ، سواء على المستوى الإقليميّ أو العالميّ. لم تساهم هذه الشّراكات فقط في تمكين مؤسّسينا من التّوسّع، بل عزّزت أيضاً صحّة النّظام البيئيّ وحيويّته، ممّا جعل دعمنا للمشاريع النّاشئة أكثر عمقاً وفعاليّةً".
وفي سياق الحفاظ على هذا النّهج، يشير كريم إلى أنّ احتفال (A15) اليوم بتحقيق عوائد تصل إلى عشرة أضعافٍ يرسل رسالةً واضحةً لكلٍّ من المستثمرين الإقليميّين والدّوليّين، مفادها أنّ منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست مجرّد منطقةٍ قابلةٍ للاستثمار، بل قادرة على تحقيق المكاسب الّتي يسعى إليها صنّاع رأس المال المغامر بدقّةٍ. ويقول موضّحاً: "بالنّسبة لأصحاب المصلحة الإقليميّين، هذا دليلٌ على أنّ بناء شركاتٍ رائدةٍ ليس ممكناً فحسب، بل أصبح قابلاً للتّكرار بشكلٍ متزايدٍ. أمّا بالنّسبة للمستثمرين العالميّين، فهذه إشارةٌ إلى أنّ المنطقة تستحقّ اهتماماً جادّاً؛ فعندما تُدار الأمور بالانضباط والتّركيز والشّراكات الصّحيحة، يمكن لمنطقتنا أن تلعب وتنجح على المسرح العالميّ".