حصاد AI في الصحة: تشخيص أسرع وعلاج أكثر دقة في 2025

في عام 2025، غيّر الذّكاء الاصطناعيّ (AI) ملامح الرّعاية الصّحّيّة بشكلٍ جذريٍّ، إذ تجاوز دوره التّجريبيّ أو المساعد ليصبح محوراً أساسيّاً في منظومة التّشخيص والعلاج وإدارة المرضى. وبفضل التّقاء ثلاثيٍّ قويٍّ بين البيانات الضّخمة، والخوارزميّات المتقدّمة، وقدرات الحوسبة الفائقة، استطاع الأطبّاء والمؤسّسات أن يحقّقوا قفزاتٍ نوعيّةً في سرعة ودقّة التّشخيص، وأن يقلّصوا زمن الانتظار، ويرفعوا كفاءة العلاج إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ. هٰذه النّقلة لم تأت من فراغٍ، بل كانت ثمرة ابتكاراتٍ متلاحقةٍ خلال العام أثبتت أنّ الذّكاء الاصطناعيّ لم يعد مستقبل الطّبّ، بل واقعه المتسارع.

تقنية تشخيص الأنسجة المتقدمة Navigator AI Model

استطاع فريقٌ من "مركز الصّحّة الحاسوبيّة" (Computational Health Center) أن يقدّم في عام 2025 نموذجاً ثوريّاً أطلق عليه اسم "نافغيتور" (Navigator)، وهو نظام ذكاءٍ اصطناعيٍّ صمّم خصوصاً لتحليل عيّنات الأنسجة تحت المجهر بدقّةٍ متناهيةٍ وسرعةٍ تفوق قدرات البشر. ولم يأت تفرّده من قدرته الحسابيّة فحسب، بل من منهجيّته الذّكيّة الّتي تحاكي أسلوب الأطبّاء المحترفين في الفحص؛ إذ يبدأ بتحليل الصّورة على مستوى ذي دقّةٍ منخفضٍ قبل أن ينتقل تدريجيّاً إلى التّكبير والتّفصيل بحسب الحاجة. وهٰذه الاستراتيجيّة المرنة مكّنته من معالجة الصّور الطّبّيّة العملاقة المعروفة باسم "صور الشّريحة الكاملة" (Whole Slide Images)، والّتي طالما شكّلت تحدّياً بسبب محدوديّة البيانات الموسّمة المتاحة لتدريب النّماذج.

ومن خلال خوارزميّة التّدريب المبتكرة S5CL v2، تمكّن النّموذج من التّعلّم حتّى في ظلّ ندرة البيانات، ما جعله مناسباً للتّطبيق العمليّ في المختبرات والمستشفيات الحقيقيّة. ونتيجةً لذٰلك، سرّع "نافغيتور" من تحليل الأنسجة وخفّض هامش الخطأ البشريّ، الأمر الّذي أسهم في تشخيصٍ أدقّ لأمراضٍ خطيرةٍ مثل السّرطان والالتهابات النّسيجيّة المزمنة. وهكذا، أثبت أنّ الذّكاء الاصطناعيّ لم يعد منافساً للطّبيب، بل شريكاً داعماً في اتّخاذ القرار السّريريّ. ^[1]  

سماعة AI‑enabled stethoscope: تشخيص أمراض القلب في ثوان

في إطار سباق الابتكار الطّبّيّ، ظهر في عام 2025 جهازٌ لافتٌ أعاد تعريف مفهوم الفحص السّريريّ التّقليديّ: "السّمّاعة الطّبّيّة الذّكيّة المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ" (AI‑enabled stethoscope)، الّتي طوّرها فريقٌ بحثيٌّ في إحدى الجامعات البريطانيّة. جمعت هٰذه السّمّاعة بين الاستماع الميكانيكيّ لأصوات القلب وتحليلها باستخدام خوارزميّات تعلّمٍ عميقٍ، إلى جانب تسجيلٍ فوريٍّ لتخطيط القلب الكهربائيّ (ECG)، لتنجز تشخيص ثلاث حالاتٍ قلبيّةٍ خطيرةٍ -هي فشل القلب، وأمراض الصّمّامات، واضطرابات النّظم- خلال 15 ثانيةً فقط.

وخلال تجربةٍ سريريّةٍ واسعةٍ شملت أكثر من 12,000 مريضٍ، ضاعفت السّمّاعة دقّة الكشف المبكّر لفشل القلب مقارنةً بالأساليب التّقليديّة، كما رفعت معدل التّشخيص السّليم لاضطرابات النّظم القلبيّة بشكلٍ كبيرٍ. وبفضل قابليّتها المحمولة واعتمادها على الذّكاء الاصطناعيّ المحلّيّ، أصبحت أداةً مثاليّةً للطّوارئ والمناطق النّائية الّتي تفتقر إلى التّجهيزات المتقدّمة أو الأطبّاء الاختصاصيّين. إنّها ليست مجرّد جهازٍ استماعيٍّ، بل مختبرٌ مصغّرٌ يترجم نبضات القلب إلى بياناتٍ قابلةٍ للتّحليل الطّبّيّ الفوريّ. ^[2]  

أداة Derm AI by Skin Analytics: الفحص الآلي للسرطان الجلدي

ولأنّ السّرطان الجلديّ يعدّ من أكثر أنواع السّرطانات انتشاراً وصعوبةً في التّشخيص المبكّر، فقد مثّل عام 2025 نقطة تحوّلٍ مع اعتماد مستشفى بريطانيٍّ لأوّل مرّةٍ أداةً مستقلّةً تعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ لتشخيص سرطان الجلد: Derm by Skin Analytics. لا يحتاج الطّبيب أو المريض سوى إلى التقاط صورةٍ دقيقةٍ لشامةٍ مريبةٍ أو آفةٍ جلديةٍ بواسطة هاتف iPhone مزوّدٍ بعدسةٍ مكبّرةٍ، ليقيم النّظام بتحليل الصّورة خلال دقائق معدودةٍ ويحدّد احتماليّة كونها خبيثةً.

وقد حقّقت الأداة دقّةً استثنائيّةً بلغت ‎99.9%‎ في استبعاد الحالات غير السّرطانيّة، وهو ما يفوق بكثيرٍ دقّة الفحص البشريّ العاديّ. ومع تطبيقها اليوميّ منذ مطلع العام، انخفضت فترات انتظار المرضى للفحص الجلديّ بنسبةٍ ملحوظةٍ، إذ بات يفرج عن الحالات السّليمة فوراً، بينما تحال الحالات المشكوك بها إلى مزيدٍ من الفحوصات. هٰذا النّوع من الفحص الذّاتيّ أو شبه التّلقائيّ أثبت أهمّيّته في المناطق الّتي تعاني من نقص أطبّاء الجلديّة، إذ يمنح المرضى فرصةً حقيقيّةً للكشف المبكّر وإنقاذ الأرواح.

نموذج التنبؤ بالأمراض Delphi-2M: يرسم خريطة المستقبل الصحي

لم يقتصر تأثير الذّكاء الاصطناعيّ في 2025 على التّشخيص اللّحظيّ، بل امتدّ إلى التّنبّؤ بالأمراض قبل حدوثها. فقد طوّر فريقٌ بحثيٌّ دوليٌّ نموذجاً مذهلاً تحت اسم "دلفي-2إم" (Delphi-2M)، قادراً على توقّع قابليّة الفرد للإصابة بأكثر من ‎1000‎ مرضٍ مستقبليٍّ، سواءٌ بعد أسابيع أو حتّى عقودٍ. يعتمد هٰذا النّظام على تحليل سجلّاتٍ طبّيّةٍ ضخمةٍ تعود إلى ‎400‎ ألف مشاركٍ ضمن قاعدة بيانات UK Biobank، وقد جرى التّحقّق من دقّته على بيانات ‎1.9‎ مليون مريضٍ في الدّنمارك.

وما يجعل هٰذا الابتكار فريداً أنّه لا يقدّم تشخيصاً آنيّاً فحسب، بل يتيح للأنظمة الصّحّيّة تصميم خططٍ وقائيّةٍ مخصّصةٍ لكلّ فردٍ، عبر تحديد الأشخاص الأكثر عرضةً للأمراض المزمنة مثل القلب والسّكّريّ والسّرطانات. ومع أنّ تطبيقه السّريريّ الفرديّ ما يزال يحتاج إلى مزيدٍ من التّنظيم والاختبارات، إلّا أنّه يمثّل خطوةً عملاقةً نحو طبٍّ وقائيٍّ شاملٍ يعتمد على التّنبّؤ لا العلاج بعد فوات الأوان.

الخلاصة

هكذا أثبت عام 2025 أنّ الذّكاء الاصطناعيّ لم يعد ترفاً تقنيّاً بل ضرورةً طبّيّةً. فمن تسريع تشخيص أمراض القلب والسّرطان، إلى التّنبّؤ بالمخاطر الصّحّيّة قبل حدوثها، غيّر AI قواعد اللّعبة في الطّبّ الحديث. وبالرّغم من التّحدّيات الّتي ترافق هٰذا التّطوّر — مثل حماية الخصوصيّة وضمان دقّة البيانات وتنظيم الاستخدام؛ فإنّ الاتّجاه العامّ واضحٌ: الرّعاية الصّحّيّة تتّجه نحو أن تصبح أكثر سرعةً، ودقّةً، وإنسانيّةً في الوقت ذاته.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال

انضم الآن