أبرز 4 رائدات أعمال عربيات في مجال التجارة الرقمية
بإسهاماتٍ جليلةٍ، وإنجازاتٍ لامست قمّة العالميّة، نساءٌ عربيّاتٌ قدّمنَ قصص نجاحٍ وريادةً غير مسبوقة في قطاع الرّقمنة التّجاريّة.
في نسيج المشهد الاقتصاديّ في العالم العربيّ، يتعزّز حضور المرأة في طليعةِ قطّاعات التّجزئة والرّقمنة التّجاريّة العالميّة. وببروز المزيد والمزيد من رائدات الأعمال النّساء، يُعاد تعريف معنى كون المرء قائداً تجاريّاً في منطقةٍ مفعمةٍ بالفرص. بإصرارهنّ على كسر الحواجز وتقديم رؤى جديدةٍ، فهنّ يقدّمن حلولاً مبتكرةً إلى السّوق، ويقدنَ تحوّلاً مؤثّراً في الاقتصادِ والأعراف الاجتماعيّة على حدٍّ سواء.
وبالطّبع، لا يقتصر دورهنّ على استحقاقِ مكانتهنّ في عالم الأعمال فحسب، بل يدفعْنَ به صوب مستوياتٍ جديدةٍ، معلناتٍ عن عصرٍ جديدٍ من التّمكين الاقتصاديّ للمرأة، مع مشاريعهنّ المتجذّرة في التّراث الغنيّ للمنطقة والمدفوعة بثورة العصر الرّقميّ.
وفي هذا المقال، نسلّط الضّوء على مجموعةٍ من أبرز رائدات الأعمال العربيّات في قطاع التّجزئة والتّجارة الرّقميّة.
سلوى أخنوش
سلوى إدريسي أخنوش، شخصيّةٌ بارزةٌ في عالم الأعمال والرّيادة في المغرب والعالم العربيّ عامّةً. كمؤسِسةٍ ورئيسةٍ تنفيذيّةٍ لمجموعة أكسال (Aksal Group) التي تأسّست عام 2004م، لعبت سلوى دوراً محوريّاً في إدخال وإدارة أكثر من 45 علامةٍ تجاريّةٍ عالميّةٍ في المغرب، بما في ذلك زارا (Zara)، وغوتشي (Gucci)، وفندي (Fendi)، ورالف لورين (Ralph Lauren). ويعتبرُ مشروعها، موروكو (Morocco Mall) الذي افتتح في عام 2011م، واحداً من أكبر صروح التّسوّق في إفريقيا.
تحت قيادتها، نمت مجموعة أكسال لتغدو بيتاً لأكثر من 1130 موظَّفاً، مع احتكارها لحقوق الامتياز الحصريّة لعددٍ كبيرٍ من العلاماتِ التجاريّة الدّوليّة. وفي عام 2017م، أطلقت علامتها التّجاريّة الخاصّة في مجال التّجميل ومستحضرات العناية الشّخصيّة، يان ووان (Yan & One)، مما عزّز مكانتها في هذا القطاع.
تمتدّ رؤية أخنوش إلى ما وراء التّجارة؛ حيث أسّست أكاديميّة أكسال، وهي مؤسّسة تدريبٍ مهنيٍّ لتجارة التّجزئة، ومبادرة أكسال الاجتماعيّة، داعمةً المشاريع الاجتماعيّة، والثّقافيّة، والتّعليميّة، والصّحيّة. وقد جرى تكريم مساهماتها في عالم الأعمال من قبل فوربس الشّرق الأوسط، التي أدرجتها ضمن قائمتها عن أقوى سيّدات الأعمال العربيّات لعامي 2021 و2023.
سلوى أيضاً زوجةٌ لعزيز أخنوش، رئيس وزراء المملكة المغربيّة، ورغم ذلك، لا تطغى حياتها الشّخصيّة على إنجازاتها المهنيّة. وفي الفترة ما بين عامي 2004 و2019، تمكّنت سلوى من توقيع 23 اتفاقيّة امتياز مع مجموعاتٍ دوليّةٍ كبرى، بما في ذلك ال في ام اتش مويت هينيسي (LVMH)، وإنديتكس (Inditex). مؤخّرًا، أعلنت عن خططها لافتتاح أربعة مراكز تجاريّةٍ جديدةٍ في المغرب باستثمارٍ يقتربُ من مليار دولارٍ، معلنةً عن نيّتها للتّوسّع في الأسواق الإفريقيّة والشّرق أوسطيّة.
قصّةُ سلوى إدريسي أخنوش ليست مجرّد مراحل من الثّروة أو النّفوذ، بل هي أيضاً حكاية نموٍّ استراتيجيّ وتأثيرٍ مجتمعيّ، مع رحلتها الرّياديّة التي ابتدأت من افتتاحها أوّل متجرٍ من سلسلة زارا في عام 1993 إلى أن أصبحت اليوم رمزاً من رموز القيادة النّسائيّة في الوطن العربيّ.
فرح فستق
فرح فستق، الشّخصيّة الرّائدة في القطاع الماليّ. تشغل حاليّاً منصب الرّئيس التّنفيذيّ لشركة لازارد خليج المحدودة، وهي جزءٌ من شركة لازارد (Lazard) لإدارة الأصول منذ مايو (أيّار) 2014. قبل تولّيها القيادة في لازارد، أبدت مهارةً فائقةً في التّنقّل بين تضاريس القطاع الماليّ كمديرٍ تنفيذيّ في شركة آي إن جي لإدارة الاستثمار (ING Investment Management) في دبي من 2008 إلى 2014م، تضمّ مسيرتها المهنيّة، التي امتدّت لعشرين عاماً في صناعةِ المالِ، أدوارٌ قياديّةٌ في شركتي NBD Investment وبنك EFG-Hermes.
مدفوعةٌ بالتزامها نحو تمكين المرأة، شاركت فرح في تأسيس برنامج توجيهٍ غير ربحيّ يدعى ريتش (Reach) في ديسمبر 2013م، وهو مسجَّلٌ لدى مركز دبي الماليّ العالميّ. كما تترّأس الفرع الخاصّ بمجلس التّعاون الخليجيّ لنادي الثّلاثين بالمئة؛ وهي مبادرةٌ تهدف إلى زيادة تمثيل النّساء في الأدوار القياديّة. كما أنّ تفوّقها الأكاديميّ لا يقلّ إثارةً للإعجاب، فهي تحمل درجة البكالوريوس بمرتبة الشّرف في الرّياضيّات من كليّة كينجز لندن (King's College London)، ودرجة الماجستير في التّمويل من كليّة لندن الإمبراطوريّة (Imperial College London)، التي حصلت عليها في عام 1994م.
لم تقتصر أدوار فرح الرّياديّة على القطاع الماليّ فقط؛ إذ إنّها كانت ما بين عامي 2002 و2005م شريكاً مؤسساً لشركةٍ متخصّصةٍ في استشارات العقارات والتّصميم الدّاخليّ في إسبانيا والأرجنتين. وقبل ذلك، اكتسبت خبرتها الأولى في تطوير الأعمال في شركة Angelstreet في لندن من 2001م إلى 2002م، وصقلت مهاراتها في مبيعات الأسهم في شركة مورغان ستانلي (Morgan Stanley) بين عامي 2000 و2001م، وقبل ذلك في دويتشه بنك (Deutsche Bank) بين عامي 1995 و2000.
لم يمرّ تميّز فرح دون أن يُلاحَظ، فقد نالت قيادتها ورؤيتها جائزة الاقتصاد في جوائز المرأة العربيّة لعام 2015م، وفي عام 2018م، كُرّمت بجائزة أفضل مرشدٍ للتكنولوجيا الماليّة في الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا. في عام 2020م، أطلقت فستق منصّة تارا (TARA) للتّعليم والتّوجيه، وعيّنت كرئيسةٍ مشاركةٍ في مجلس سيّدات الأعمال في قمّة العشرين للأعمال (B20).
إنّ رحلةَ فرح فستق تعكس سعيها المتواصل نحو التّميّز وإخلاصها لتمهيد الطّريق للنّساء في عالم المال وما وراءه. وقصّتها ليست مجرّد شهادةٍ على إنجازاتها، بل تعتبر أيضاً مصدر إلهامٍ لجيلٍ جديدٍ من رائدات الأعمال العربيّات.
منى عطايا
في الحيّز الدّيناميكيّ للتّجارة الإلكترونيّة في الشّرق الأوسط، تبرز منى عطايا بوصفها قدوةً للابتكار والتّمكين. كسيّدة أعمالٍ فلسطينيّةٍ أمريكيّة، قد حفرت عطايا مكانةً خاصّةً لها في الاقتصاد الرّقميّ بمنصّتها الرّائدة، ممزوورلد (Mumzworld)، الّتي أسستها في عام 2011، لتكون سوقاً افتراضيّاً رائداً يخدم الأمّهات على وجه الخصوص، بمجموعةٍ واسعةٍ تشمل أكثر من 350,000 منتجٍ من 6,500 علامةٍ تجارّيةٍ عالميّةٍ، لنحو 2.5 مليون عميلٍ عبر المنطقة.
لقد وضعت الكفاءة الأكاديميّة لعطايا، مع درجة البكالوريوس المزدوج في التّسويق والتّمويل من الولايات المتّحدة، الأساس لمسيرتها المتميّزة، حيث بدأت مسارها المهنيّ في شركة بروكتر آند غامبل (Procter & Gamble) في الولايات المتّحدة الأمريكية، تحديداً في قسم إدارة العلامة التّجاريّة في قسم منتجات الصّابون، وذلك في الفترة ما بين عامي 1990 و1995. عقب ذلك، صقلت خبرتها في شركة جونسون & جونسون (Johnson & Johnson) بين عامي 1995 و2000. شاركت منى أيضاً في تأسيس بيت.كوم (Bayt.com) في الإمارات العربيّة المتّحدة، حيث تبوّأت منصب نائب الرّئيس لشؤون التّسويق وتطوير الأعمال لأكثر من عقدٍ بين عامَي 2000 و2011.
وتمتدّ تأثيرات عطايا إلى ما وراء عالم التّجارة؛ فهي من الدّاعين الفاعلين إلى مشاركة النّساء في الاقتصاد الرّقميّ، وإنّ تسميتها من قبل مؤتمر الأمم المتّحدة للتّجارة والتّنمية (UNCTAD) كمناصرةٍ للنّساء في قطاع التّجارة الإلكترونيّة في الدّول العربيّة في عام 2022 تُبرز التزامها بهذه القضيّة.
لقد كسبت مساهمات عطايا لها مكاناً في قائمة فوربس الشّرق الأوسط لأقوى 100 امرأةٍ في عالم الأعمال لعام 2023، ممّا يعكس مكانتها كشخصيّةٍ تحوّليةٍ في المشهد الرّقميّ للمنطقة. كما أنّ دورها في مجلس إدارة غرفة اقتصاد دبي الرّقميّ منذ عام 2011 يعزّز مكانتها كمفكّرةٍ استراتيجيّةٍ وقائدةٍ في التّحوّل الرّقميّ في الشّرق الأوسط. تلخّص رحلة منى عطايا ورؤيتها في الاقتصاد الرّقميّ روح ريادة الأعمال العربيّة، ممّا يجعلها شخصيّةً قياديّةً وقدوةً للنّساء اللّاتي يتطلّعن لتشكيل مستقبل التّجارة الإلكترونيّة في الشّرق الأوسط.
هدى قطان
إنّ مسيرةَ هدى قطان في التّحوّل من القطاع الماليّ إلى تسيّد صناعة الجمال هي بلا شكّ سردٌ مشوّقٌ للتألّق الرّياديّ. وبجذورٍ عراقيّةٍ وبصمةٍ عالميّة، أصبحت قطان رمزاً للقوّة التّحويليّة للجمال، وهي التي انطلقت بعلامتها التّجاريّة، هدى بيوتي (Huda Beauty)، ابتداءً من كونها عبارةً عن مدوّنةٍ بسيطةٍ عن الجمال في عام 2010م، وصولاً إلى إمبراطوريّةٍ تجاريّةٍ، وقد تشاركت في تأسيسها مع كلّ من شقيقتَيها عليا ومنى.
إنّ صعود قطان يُعزى بشكلٍ كبيرٍ إلى استخدامها الذّكيّ لوسائل التّواصل الاجتماعيّ مستفيدةً من جمهورها الواسع الّذي بنته بجدٍّ وشغَفٍ منقطعَي النّظير، بالإضافة إلى زادها العلميّ في هذا المجال بعد دراستها لفنّ المكياج في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في 2006م. وأُدرج اسم هدى ضمن قائمة أفضل 10 شخصيّاتٍ مؤثّرةٍ في مجال الجمال والأناقة في الإمارات العربيّة المتّحدة من قبل SERMO في عام 2017م.
في مشهد سيّدات الأعمال العربيّات، تبرز هدى قطان كخير مثالٍ عن البراعة في تحقيق الاستفادة القصوى من تقاطع المحتوى والتّجارة، الأمر الذي تجلّى في نموّ علامتها التّجاريّة الهائل. قصّتها ليست فقط واحدةً من القصص الشّيّقة عن الفطنة التّجاريّة، بل هي أيضاً رؤيةٌ لكيفيّة إعادة تعريف حدود صناعة الجمال.