ما بين الانفعال والعشوائية: كيف تتعرّف على المدير المزاجي؟
حين يغلب المزاج على المنطق في القيادة، تتحوّل بيئة العمل إلى فضاءٍ مضطربٍ، فتتراجع المبادرة والإنتاجيّة، ويزداد القلق النّفسيّ والتّوتر بين الموظّفين

يعدّ المدير المزاجيّ أحد أكثر أنماط القيادة تعقيداً وتأثيراً في استقرار بيئة العمل، إذ يصعب التنبّؤ بتصرّفاته أو توقّع منطق قراراته. فهو يتحرّك غالباً بدافع الانفعال لا بدافع التفكير الاستراتيجيّ، ويجعل مزاجه الشخصيّ معياراً لاتّخاذ القرارات أكثر من الحقائق والبيانات الموضوعيّة. وحين تتحكّم العاطفة في الإدارة، تفقد المؤسّسة اتّزانها وتغدو أجواء العمل مشوّشةً يسودها الارتباك والتوتّر. لذلك، تبرز الحاجة إلى فهم هذا النّمط الإداريّ بعمقٍ ليتمكّن الموظّفون من التّعامل معه بذكاءٍ مهنيٍّ يحفظ توازنهم النّفسيّ ويمنع تراجع أدائهم.
من هو المدير المزاجي؟
يوصف المدير المزاجيّ بأنّه القائد الّذي تتقلّب حالته النّفسيّة بسرعةٍ لافتةٍ بين الهدوء والانفعال، فيبدو صباحاً ودوداً متفهّماً، ثمّ يتحوّل مساءً إلى شخصٍ سريع الغضب حادّ الطّبع. لا يبني قراراته على منطقٍ إداريٍّ ثابتٍ، بل يوجّه سلوكه وفق انفعالاتٍ آنيّةٍ وانطباعاتٍ شخصيّةٍ سريعة التبدّل. يتّخذ قراراً اليوم ثمّ يتراجع عنه غداً دون تبريرٍ، ويغيّر أولويّاته بلا خطّةٍ واضحةٍ، ممّا يربك الفريق ويضعف ثقته في القيادة. وغالباً ما يظهر هذا النّمط تناقضاً واضحاً في المواقف؛ فيشجّع الموظّفين على المبادرة في لحظةٍ ما، ثمّ يعاقبهم عليها لاحقاً، أو يمدح إنجازهم أمام الزّملاء ليعود بعد ساعاتٍ ويقلّل من شأنه لأسبابٍ لا علاقة لها بالعمل.
وتشير دراسات السلوك التّنظيميّ إلى أنّ تقلّب المزاج الإداريّ يخلق بيئةً مضطربةً يختلط فيها الخوف بالارتباك، فيشعر العاملون بأنّ الجهد وحده لا يكفي لنيل التّقدير، وأنّ العدالة تخضع لمزاج المدير لا لقواعد المؤسّسة. ومع مرور الوقت، يفقد الفريق حماسه وتتراجع روح المبادرة لديه، لأنّ غياب الاستقرار النّفسيّ عند القائد ينعكس إجهاداً عاطفيّاً على الجميع ويضعف الانسجام داخل بيئة العمل. [1]
ما بين الانفعال والعشوائية: كيف تتعرف على المدير المزاجي؟
لا يحتاج التّعرّف على المدير المزاجيّ إلى تحليلٍ معقّدٍ، بل إلى ملاحظةٍ دقيقةٍ لسلوكيّاتٍ متكرّرةٍ تظهر طبيعته الانفعاليّة والعشوائيّة؛ فالمزاجيّ لا يخفي طبيعته طويلاً، إذ تكشفها تصرّفاته اليوميّة وتناقضاته في المواقف. ويمكن تحديد أبرز ملامحه عبر الخطوات الآتية:
راقب تقلب ردود فعله
تظهر أولى العلامات في تغيّر ردود الفعل على نحوٍ سريعٍ ومفاجئٍ؛ فقد يثني على الفريق صباحاً بحماسٍ، ثمّ ينقلب غاضباً في المساء دون سببٍ واضحٍ. وغالباً ما لا يرتبط هذا الانفعال بنتائج العمل بل بحالته النّفسيّة الآنيّة. لذلك، حين تلاحظ أنّ ردود أفعاله غير متناسبةٍ مع الموقف، فاعلم أنّك أمام قائدٍ تحكمه العاطفة أكثر من المنطق. [1]
لاحظ تناقض قراراته وتبدلها باستمرار
تمثّل هذه السّمة علامةً أساسيّةً في شخصيّة المدير المزاجيّ؛ فهو يغيّر قراراته بلا تبريرٍ منطقيٍّ. فقد يطلب إنجاز مهمّةٍ بطريقةٍ معيّنةٍ اليوم، ثمّ يرفضها في الغد معتبراً إيّاها خطأً إداريّاً جسيماً. هذا التّقلّب يربك الموظّفين ويفقدهم الثّقة في التّوجيهات؛ فالقائد الّذي يبدّل رأيه بسرعةٍ ولا يستند إلى رؤيةٍ واضحةٍ يكشف ميله إلى العشوائيّة بدلاً من التّخطيط المنهجيّ.
تابع طريقة تعامله مع الأخطاء والنجاحات
لا يحكم المدير المزاجيّ على الأخطاء والإنجازات بمعيارٍ ثابتٍ، إذ يتساهل أحياناً مع خطأٍ جسيمٍ إذا كان في حالة رضا، بينما يبالغ في العقوبة على هفوةٍ بسيطةٍ حين يغضب. كما يقلّل أحياناً من شأن إنجازٍ مهمٍّ لأنّه لا يحبّ صاحبه، ويضخّم نجاحاً محدوداً لشخصٍ آخر تربطه به علاقةٌ أفضل. ومع تكرار هذا النّمط من السلوك، يتراجع إحساس الفريق بالعدالة وتتأصّل داخله مشاعر الإحباط والعدمية، فيفقد الأفراد الحافز على الإبداع، وتضمر روح التّنافس الإيجابيّ شيئاً فشيئاً. [2]
انتبه إلى نبرة صوته ولغة جسده
يفصح المدير المزاجيّ عن مشاعره قبل أن ينطق، فوجهه يتجهّم عند الغضب، وصوته يرتفع حين يحتدّ، وحركاته تغدو متوتّرةً وغير منضبطةٍ. وقد يبدأ اجتماعاً بابتسامةٍ ودّيّةٍ تشعر الفريق بالاطمئنان، ثمّ ينهيه باندفاعٍ انفعاليٍّ يربك الجميع. إنّ هذا التّقلّب في التّواصل اللّفظيّ والجسديّ يكشف ضعف التّحكّم الذّاتيّ، ويبرز أنّ الانفعال في شخصيّته أقوى من وعيه الإداريّ ومن ضبطه لسلوكه أمام الفريق.
راقب علاقاته بالموظفين واستقرارها
يبدّل المدير المزاجيّ علاقاته بسرعةٍ لافتةٍ؛ فاليوم يقرب من موظّفٍ ويغدق عليه الاهتمام، وغداً يبتعد عنه دون سببٍ واضحٍ. وقد يمدح أحدهم في اجتماعٍ عامٍّ، ثمّ ينتقده بعد أيّامٍ بشدّةٍ وكأنّه لم يثن عليه يوماً. هذا التّناقض المتكرّر في العلاقات يولّد مناخاً يسوده الشكّ والاحتياط، ويجعل أعضاء الفريق يتصرّفون بحذرٍ لا بثقةٍ. ومع مرور الوقت، يتآكل التّعاون، وتنشأ بين الزملاء صراعاتٌ خفيّةٌ تضعف وحدة الفريق وترهق بيئة العمل.
اختبر ثباته في المواقف الضاغطة
تكشف الأزمات الحقيقيّة جوهر المدير المزاجيّ بلا تجميلٍ، إذ يفقد أعصابه عند أول إشارةٍ للضّغط بدلاً من أن يبحث عن الحلول. وبينما يحافظ المدير المتّزن على رباطة جأشه ويدير الموقف بعقلانيّةٍ، يندفع المدير المزاجيّ إلى إصدار قراراتٍ ارتجاليّةٍ وتوجيه الاتّهامات إلى الجميع بلا تروٍّ. هذا النّمط من الإدارة الانفعاليّة لا يعقّد الأزمات فحسب، بل يضاعفها لأنّه يستبدل التّحليل بالانفجار ويقدّم الغضب على التّفكير. [1]
تأثير المدير المزاجي على الفريق
حين يسود المزاج في القيادة، تفقد المؤسّسة توازنها الداخليّ، ويختلّ أداؤها على جميع المستويات. فالموظّفون الّذين يعملون تحت إدارةٍ متقلّبةٍ يعيشون في قلقٍ دائمٍ، لا يدرون إن كانت قرارات اليوم ستبقى صالحةً غداً. ومع هذا الارتباك المستمرّ، يتراجع الحافز الفرديّ، وتضمر روح المبادرة، لأنّ الخوف من ردّ الفعل الانفعاليّ يطغى على الرّغبة في الإبداع. وبمرور الوقت، يلجأ الموظّفون إلى ما يعرف بسياسة "السّلامة الشخصيّة"، أي الاكتفاء بأداء الحدّ الأدنى من المهامّ لتجنّب الصّدام مع المدير.
ولا يقتصر الضّرر على الجانب النّفسيّ فحسب، بل يمتدّ إلى الإنتاجيّة مباشرةً. فحين تتغيّر التّوجيهات بلا انتظامٍ، تهدر الموارد ويضيع الوقت بين التّعديلات المتكرّرة، وتعاد الأخطاء ذاتها لأنّ المعايير غير واضحةٍ. كما يترك هذا النّمط أثراً عميقاً في النّفوس، إذ يشيع الإحباط ويفقد العاملون ثقتهم بعدالة المؤسّسة، فيتّجه الأكفأ منهم إلى بيئاتٍ أهدأ وأكثر استقراراً.
الخاتمة
لا تقاس القيادة بالخبرة الفنّيّة وحدها، بل بقدرة القائد على ضبط ذاته وإدارة انفعالاته قبل إدارة الآخرين. فحين يغلب الانفعال على المنطق، تفقد المؤسّسة استقرارها ويصاب العاملون بالإجهاد النّفسيّ وتضيع روح الانتماء. لذلك، تحتاج المؤسّسات الطّامحة إلى النّجاح المستدام إلى قادةٍ يتّسمون بالثّبات الانفعاليّ والوعي الذّاتيّ، لأنّ القيادة المتّزنة هي الّتي تنتج بيئةً يسودها الاحترام والثّقة لا الخوف والتّقلّب.
شاهد أيضاً: 5 علامات تدل على أن مديرك يعاني من تقلب المزاج
-
الأسئلة الشائعة
- ما الفرق بين المدير المزاجي والمدير الصارم؟ يتّخذ المدير المزاجيّ قراراته بناءً على انفعالاته المتقلبة، بينما يعتمد المدير الصّارم على قواعد ثابتةٍ ومنهجٍ واضحٍ في التّعامل. كما أنّ المزاجي يتأثّر بمشاعره اليوميّة، أمّا الصّارم فيضبط سلوكه وفق النّظام الإداريّ، ممّا يجعله أكثر عدلاً واستقراراً في قراراته.
- هل يمكن أن يتحول المدير المزاجي إلى قائد ناجح؟ نعم، يمكن أن يصبح المدير المزاجي قائداً ناجحاً إذا طوّر مهارات التّحكم العاطفيّ والذّكاء الانفعاليّ.و يحتاج إلى الوعي بمشاعره وتأثيرها على الآخرين، والتّدريب على إدارة الغضب، والاستماع بإنصاف قبل اتّخاذ القرار.