الرئيسية الريادة من النقد إلى الاستهزاء: كيف يفشل المدير في قيادة الفريق؟

من النقد إلى الاستهزاء: كيف يفشل المدير في قيادة الفريق؟

حين يختلط النقد البنّاء بالاستهزاء، يفقد القائد جوهر القيادة، وتتحوّل كلماته من أداةٍ للإلهام إلى سلاحٍ يهدم الثّقة ويزرع الخوف ويقود الفريق نحو الفشل الصّامت

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يشهد عالم الإدارة الحديث تحوّلاتٍ متسارعةً دفعت القادة إلى إعادة النّظر في أساليبهم القياديّة، ولا سيّما في الطّريقة الّتي يتعاملون بها مع فرقهم. فبينما يعدّ النّقد البنّاء وسيلةً جوهريّةً لتصحيح الأخطاء وتحسين الأداء، يتحوّل في بعض البيئات إلى استهزاءٍ يدمّر الثّقة ويقوّض روح الفريق. وعند هٰذه النّقطة يتجلّى فشل الإدارة بوصفه نتيجةً حتميّةً لغياب الحسّ الإنسانيّ في قيادة الفريق، إذ يفقد القائد قدرته على الإلهام والتّحفيز، ويزرع مكانها الخوف والإحباط والجمود.

تبدأ المشكلة غالباً حين يسيء القائد فهم مفهوم النّقد ذاته، فيظنّ أنّ الصّرامة المفرطة دلالةٌ على القوّة، أو أنّ السّخرية وسيلةٌ فعّالةٌ لإثبات السّيطرة. غير أنّ الحقيقة تختلف جذريّاً، لأنّ التّحفيز لا يتحقّق بالإهانة، ولأنّ الإبداع لا يولد في بيئةٍ يسودها التّوتّر. وعندما يتحوّل النّقد من فعلٍ يقوّي إلى أداةٍ تضعف، يبدأ التّدهور الهادئ الّذي لا يشعر به أحدٌ إلّا حين يفقد الفريق حماسه وتنهار الرّوح الجماعيّة.

كيف يتحول النقد البناء إلى استهزاء مدمر؟

يفقد المدير السّيطرة على فريقه حين يتجاوز الحدّ الفاصل بين النّقد البنّاء والاستهزاء الجارح؛ فالنّقد البنّاء يقوم على الملاحظة الواعية والتّوجيه الهادف نحو التّحسين، بينما يعتمد الاستهزاء على التّقليل من شأن الآخرين لإظهار الهيبة. ويحدث هٰذا التّحوّل تدريجيّاً، إذ يبدأ القائد بعباراتٍ ساخرةٍ يظنّها مزاحاً، ثمّ تتحوّل مع الوقت إلى سخريةٍ علنيّةٍ تهين الموظّفين أمام زملائهم.

وعندما يختار القائد كلماتٍ تحمل طابع الإهانة أو السّخرية، تتبدّد الثّقة فوراً. يتراجع الموظّفون عن المشاركة الفعّالة، ويقلّ التّفاعل الإيجابيّ، ويغيب الدّافع الدّاخليّ للعمل. ومع مرور الوقت، تتشكّل بيئةٌ خانقةٌ يسودها الخوف من الخطأ، لا الرّغبة في التّعلّم. وهٰكذا تستبدل ثقافة التّطوير بثقافة الدّفاع الذّاتيّ والصّمت الإجباريّ.

تظهر دراساتٌ إداريّةٌ حديثةٌ أنّ القادة الّذين يعتمدون أسلوب النّقد السّلبيّ أو الاستهزاء المتكرّر يفقدون السّيطرة على ديناميكيّة الفريق بسرعةٍ كبيرةٍ، لأنّ الطّاقة العاطفيّة الّتي تحرّك الأفراد تتحوّل إلى مقاومةٍ داخليّةٍ صامتةٍ بدلاً من الحماس. ومع كلّ يومٍ يمرّ، تتّسع الفجوة بين القائد وفريقه، وتتحوّل القيادة إلى عبءٍ إداريٍّ بلا روحٍ. [1]  

من النقد إلى الاستهزاء: كيف يفشل المدير في قيادة الفريق؟

يبدأ فشل المدير في قيادة الفريق حين يعجز عن التّمييز بين النّقد البنّاء والاستهزاء المدمّر؛ فبينما يفترض بالنّقد أن يكون وسيلةً لتصحيح المسار ودفع الفريق نحو الأمام، يتحوّل أحياناً إلى أداةٍ للتّقليل من شأن الموظّفين وإهانتهم أمام الآخرين. ويحدث ذٰلك غالباً حين يركّز المدير على الشّخص لا على الفعل، فيوجّه اللّوم بدافع الغضب أو الاستعلاء، لا بدافع الإصلاح.

ومع تكرار هٰذا السّلوك، يتكوّن داخل الفريق جوٌّ من النّفور والخوف. يتراجع الحماس، ويضعف الانتماء، وتختفي روح التّعاون شيئاً فشيئاً. ويجد القائد نفسه محاطاً بفريقٍ صامتٍ يعمل بدافع الخوف لا بدافع الولاء. هنا لا يفشل المدير في إنجاز المهامّ فحسب، بل يفشل أيضاً في إدارة العلاقات الإنسانيّة الّتي تشكّل جوهر القيادة. فالإدارة القائمة على الاستهزاء لا تخلق إنجازاً، بل تنتج إحباطاً متراكماً يفقد المؤسّسة توازنها الدّاخليّ حتّى تصبح بيئة العمل عبئاً نفسيّاً لا مساحةً للإبداع. [2]  

مظاهر فشل الإدارة الناتجة عن الاستهزاء

تظهر علامات فشل الإدارة بوضوحٍ في البيئات الّتي تتفشّى فيها روح السّخرية، إذ يفقد الأفراد شعورهم بالانتماء، وتتحوّل فرق العمل إلى مجموعاتٍ مفكّكةٍ تجمعها المهامّ وتفرّقها المشاعر. وتنعكس هٰذه الحالة في مظاهر ملموسةٍ، من أبرزها:

  • ارتفاع معدّل الاستقالات نتيجة فقدان الشّعور بالأمان المهنيّ.
  • تراجع الإنتاجيّة بسبب ضعف الدّافع الدّاخليّ والرّغبة في المبادرة.
  • انتشار النّزاعات والشّائعات نتيجة انعدام الثّقة داخل الفريق.
  • عزوف الأفراد عن الابتكار خشية السّخرية أو الإهانة.
  • انخفاض الولاء المؤسّسيّ، إذ يبدأ الموظّفون بالبحث عن بيئةٍ أكثر احتراماً وتقديراً.

وتشير هٰذه المؤشّرات بوضوحٍ إلى أنّ القائد فقد السّيطرة على أهمّ عناصر القيادة: التّواصل، والتّحفيز، والقدوة؛ فعندما تتحوّل الإدارة من أداةٍ لتطوير المهارات إلى مصدرٍ للضّغط النّفسيّ، تفقد المؤسّسة قدرتها على النّموّ المستدام.

كيف يعالج القائد الموقف ويستعيد ثقة الفريق؟

يستطيع القائد الواعي أن يعيد التّوازن متى أدرك خطأه بشجاعةٍ واعترف بتأثير كلماته. إذ تبدأ رحلة التّصحيح بالاعتذار الصّادق وفتح حوارٍ إنسانيٍّ مع الفريق، كما عليه أن يصغي قبل أن يتكلّم، وأن يتيح للموظّفين مساحةً آمنةً للتّعبير عن آرائهم دون خوفٍ من العقاب، ثمّ يجب عليه أن يعيد بناء أسلوب التّواصل الدّاخليّ، فيستخدم النّقد الإيجابيّ القائم على الحلول لا اللّوم، ويعبّر عن تقديره العلنيّ لكلّ إنجازٍ مهما كان بسيطاً.

تثبت التّجارب الإداريّة أنّ القائد الّذي يكرّم الجهد ويعترف بالأخطاء الإنسانيّة، يعيد الثّقة بسرعةٍ إلى بيئة العمل، ويحوّلها إلى مساحةٍ للتّعلّم والنّموّ. ولتحقيق تغييرٍ دائمٍ، يجب أن يستثمر القائد في برامج الذّكاء العاطفيّ والتّغذية الرّاجعة المنتظمة، فهٰذه الأدوات تعيد ربط الفريق بمشاعره، وتخلق بيئةً تحترم الاختلاف وتشجّع الحوار البنّاء.

الخاتمة

تبرز التّجارب الحديثة أنّ الفرق بين النّقد البنّاء والاستهزاء المدمّر هو ما يحدّد مصير أيّ مؤسّسةٍ. فإذا تجاهل المدير أثر كلماته، تحوّل من قائدٍ ملهمٍ إلى مصدرٍ للفوضى والإحباط، وسقط في دوّامة فشل الإدارة. أمّا إذا اختار النّقد الواعي والتّواصل الإنسانيّ، فإنّه يبني فريقاً متماسكاً قادراً على تجاوز التّحدّيات بثقةٍ وانسجامٍ.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما آثار الاستهزاء المتكرر على الموظفين؟
    يؤدّي الاستهزاء إلى فقدان الشّعور بالأمان المهنيّ، وانخفاض الإنتاجيّة، وظهور توتّرٍ دائمٍ في بيئة العمل، إضافةً إلى تراجع الولاء المؤسّسيّ ورغبة الموظّفين في المغادرة.
  2. كيف يمكن للقائد تصحيح سلوكه بعد استخدام أسلوب الاستهزاء؟
    يبدأ التّصحيح بالاعتراف بالخطأ والاعتذار الصّادق، ثم فتح حوارٍ مباشرٍ مع الفريق، والالتزام بأسلوب نقدٍ إيجابيٍّ قائمٍ على الحلول، مع التّركيز على بناء الثّقة عبر التّقدير المستمرّ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: