بين المواجهة والذكاء: أسرار التعامل مع زميلك الفظ في العمل
حين يواجهك زميل فظّ في العمل، تتحوّل السّيطرة على الانفعالات والمواجهة الذّكيّة إلى فنٍّ يحوّل التوتر إلى قوّةٍ ويصنع فرصاً للنّموّ والتّطوّر المهنيّ

تتنوّع بيئة العمل كما تتنوّع الشّخصيّات الّتي تحتضنها، فبين زميلٍ متعاونٍ يسهّل إنجاز المهامّ، وزميلٍ فظٍّ يثير التّوتّر بكلماته وتصرّفاته، يجد الموظّف نفسه أمام اختبارٍ حقيقيٍّ لمهاراته في الصّبر والحكمة. وهنا يبرز دور التّعامل مع الزّملاء كمهارةٍ لا تقلّ أهمّيّةً عن المهارات التّقنيّة، لأنّ تجاهل السّلوكيّات السّلبيّة أو مواجهتها باندفاعٍ قد يؤدّي إلى تفاقم المشكلات، بينما إدارتها بذكاءٍ يحوّلها إلى فرصةٍ للنّموّ المهنيّ والتّطوّر الشّخصيّ. ومن هٰذا المنطلق يصبح التّحدّي مع الزّميل الفظّ ساحةً يثبت فيها الموظّف قدرته على ضبط النّفس وصياغة أسلوبٍ يحافظ به على احترامه ويؤمّن في الوقت نفسه بيئة عملٍ صحّيّةً.
أسرار التعامل مع زميلك الفظ في العمل
يحتاج التّعامل مع الزّملاء الفظّين أكثر من الصّبر، فهو يتطلّب مزاجاً من الذّكاء العاطفيّ والمواجهة الحكيمة لضبط المواقف وتحويلها إلى فرصٍ للتّطوّر.
السيطرة على ردود الأفعال
حين يواجه الموظّف زميلاً فظّاً، تكون السّيطرة على الذّات هي السّلاح الأهمّ. حيث لا يؤدّي التّسرّع في الرّدّ أو الانجرار وراء الغضب إلّا إلى إشعال الصّراع. وعلى هٰذا الأساس، ينصح بالتّوقّف لحظةً قصيرةً قبل الرّدّ، واستعمال تقنيات التّنفّس العميق أو حتّى تدوين الفكرة سريعاً قبل النّطق بها. هٰذه الخطوات الصّغيرة تنحي الموظّف وقتاً للتّفكير المنطقيّ وتجنّبه الوقوع في فخّ الاستفزاز. وبذٰلك لا يحافظ فقط على هدوئه، بل يعكّس صورةً احترافيّةً أمام زملائه ومدرائه. وهكذا يتحوّل ضبط الانفعالات من مجرّد ردّ فعلٍ إلى أداةٍ أساسيّةٍ في فنّ التّعامل مع الزّملاء الّذين يتّسمون بالفظاظة. [1]
اختيار المواجهة الذكية
ليست المواجهة دائماً مرادفاً للصّدام، بل قد تكون في بعض الأحيان خطوةً ذكيّةً تظهر للزّميل أنّ سلوكه غير مقبولٍ من دون أن تفتح باباً لمزيدٍ من الخلافات. ومن أجل ذٰلك، يستحسن أن يستعمل الموظّف لغةً حازمةً لكنّها مهذّبةٌ، مثل: "أقدّر رأيك، لكن أفضّل أن نتناقش بطريقةٍ أكثر هدوءاً". بهٰذا الأسلوب يضع حدوداً واضحةً، وفي الوقت نفسه يحافظ على احترامه لزميله. ومن خلال هٰذا التّوازن، يتحوّل الموقف من تهديدٍ إلى فرصةٍ لترسيخ الاحترام المتبادل.
التركيز على الأهداف المهنية
لا ينبغي أن يختزل حضور الموظّف في مكان العمل في مواجهة السّلوكيّات السّلبيّة، لأنّ الهدف الأسمى هو إنجاز المهامّ وتحقيق النّتائج. لذٰلك يجدر بالفرد أن يوجّه طاقته نحو الأهداف المهنيّة بدلاً من الانشغال بالخلافات. وحين ينجح في تحويل تركيزه إلى دوره في الفريق، يقلّ تأثير الزّميل الفظّ على أدائه، وتبقى إنجازاته شاهداً على جدّيّته. ومن ثمّ، فإنّ التّركيز على ما هو أهمّ يخفّف من قيمة السّلوك السّلبيّ، ويمنح الموظّف طمأنينةً داخليّةً تدفعه للاستمرار بثقةٍ. هكذا يصبح التّعامل مع الزّملاء الصّعاب وسيلةً لتعزيز الالتزام بالمسؤوليّات، لا عائقاً يحول دونها.
طلب الدعم عند الحاجة
قد تصل بعض المواقف إلى مستوى يتجاوز قدرة الفرد على إدارتها وحده، خاصّةً إذا تحوّلت الفظاظة إلى إساءةٍ أو تنمّرٍ متكرّرٍ. وفي هٰذه المرحلة يصبح طلب الدّعم من الإدارة أو الموارد البشريّة أمراً مشروعاً وضروريّاً؛ فتوثيق السّلوكيّات السّلبيّة وتقديمها بموضوعيّةٍ يمنح الإدارة فرصةً للتّدخّل وفرض قواعد واضحةٍ تحمي الجميع. وعلى هٰذا النّحو لا يكون طلب المساعدة علامة ضعفٍ، بل دليلاً على وعي الموظّف بحقوقه ورغبته في بيئة عملٍ عادلةٍ. وهكذا تتجلّى أهمّيّة التّعامل مع الشّخصيّات الصّعبة من خلال الاستعانة بالآليّات الرّسميّة الّتي تضمن العدالة والإنصاف.
متى يكون التجاهل هو الحل؟
أحياناً يكون أفضل ردٍّ على الفظاظة هو التّجاهل المدروس؛ فإذا كان الهدف من سلوك الزّميل هو لفت الانتباه أو استفزاز الآخرين، سيسحب تجاهله من يده وسيلة التّأثير. ومع ذٰلك يجب أن يكون التّجاهل حلّاً واعياً لا يستعمل إلّا حين يتأكّد الموظّف أنّ الرّدّ سيزيد الموقف سوءاً. وبهٰذا الشّكل لا يعكّس التّجاهل ضعفاً، بل يعكّس قوّةً في ضبط النّفس وحكمةً في إدارة الموقف. ومن ثمّ يمكن القول إنّ التّجاهل أداةٌ موازيةٌ للمواجهة الذّكيّة، ولكلٍّ منهما وقته المناسب.
كيف يؤثر التعامل السيئ بين الزملاء على إنتاجية الشركة
حين يسود التّعامل السّيّئ بين الزّملاء داخل بيئة العمل، يتأثّر الأداء الجماعيّ للشّركة بشكلٍ مباشرٍ. فالتّوتّر المستمرّ يولّد جوّاً من القلق يفقد معه الموظّفون القدرة على التّركيز، ممّا يؤدّي إلى انخفاض جودة العمل وتأخّر إنجاز المهامّ. كما أنّ الخلافات المتكرّرة تستهلك وقتاً كان من الممكن استثماره في تطوير المشاريع أو تحسين العمليّات. وفي المقابل، تتراجع روح الفريق لأنّ كلّ فردٍ ينشغل بالدّفاع عن نفسه بدلاً من التّعاون مع الآخرين. ومن ثمّ تنخفض الدّافعيّة العامّة ويزداد معدّل الغياب أو دوران الموظّفين، ما يرهق الموارد البشريّة والماليّة للمؤسّسة. لذٰلك يمكن القول إنّ تجاهل التّعامل مع الزّملاء بشكلٍ سليمٍ لا يضرّ فقط بالعلاقات الفرديّة، بل ينعكس سلباً على إنتاجيّة الشّركة واستقرارها على المدى الطّويل. [2]
الخاتمة
يبقى وجود الزّملاء الفظّين أمراً لا يمكن إلغاؤه من بيئة العمل، غير أنّ طريقة التّعامل هي ما تصنع الفارق. فحين يضبط الموظّف انفعالاته، ويختار المواجهة الذّكيّة، ويركّز على أهدافه، ويطلب الدّعم عند الحاجة، ويستفيد من ذكائه العاطفيّ، يتحوّل التّوتّر إلى قوّةٍ، والصّراع إلى فرصةٍ للتّطوّر. إنّ التّعامل مع الزّملاء ليس مجرّد مهارةٍ إضافيّةٍ، بل هو ركيزةٌ أساسيّةٌ للنّجاح المهنيّ وبناء بيئة عملٍ متوازنةٍ تعكّس الاحترافيّة وتدعم الاستمرار في مسيرة التّطوّر.
-
الأسئلة الشائعة
- ما أهمية وضع خطة شخصية للتعامل مع الزملاء الصعبين؟ يساعد وضع خطّةٍ شخصيّةٍ على تحديد كيفيّة الرّدّ وتوضيح الحدود مسبقاً، ممّا يقلّل من الارتباك عند مواجهة مواقف مفاجئةٍ، ممّا يضمن أن يتصرّف الموظّف بثباتٍ ووعيٍ دون أن ينجرّ وراء الانفعالات.
- كيف يمكن للموظف الاستفادة من المواقف السلبية لتطوير ذاته؟ يمكن للموظّف أن يستفيد من المواقف السّلبيّة عبر تحويلها الى فرصٍ لاكتساب مهاراتٍ جديدةٍ مثل ضبط النّفس، والتّفكير النّقديّ، أو تحسين مهارات التّفاوض؛ فبهذه الطّريقة تتحوّل التّجربة الصّعبة إلى درسٍ عمليٍّ يرفع من قيمة خبرته المهنيّة.