الرئيسية الاستدامة كيف تقلل شركتك الناشئة من البصمة الكربونية؟

كيف تقلل شركتك الناشئة من البصمة الكربونية؟

خطواتٌ لبناء نموذجٍ مستدامٍ يتنفّس من صميم التّأسيس، حيث يلتقي طموح النّموّ بصدق الحفاظ على الطّبيعة في توازنٍ يكتب قصّة نجاحٍ تُحكى

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تتصاعد الحاجة اليوم إلى نماذج أعمالٍ لا تكتفي بتحقيق الأرباح، بل تدرك أثرها البيئيّ وتسعى بوعي لتقليصه، وهو ما يمنح الشركات الناشئة فرصةً فريدةً لبناء هويّتها على أسسٍ مستدامةٍ منذ لحظة التّأسيس، حين يكون الهيكل مرناً والقرارات قابلةً للتّوجيه نحو الأفضل، وهنا يبرز سؤالٌ جوهريٌّ لا يمكن تجاهله: كيف تقلل شركتك الناشئة من البصمة الكربونية دون أن تُقوّض طموحها أو تتنازل عن كفاءتها؟ تبدأ الإجابة من دمج الاستدامة في صميم النّموذج التّشغيليّ، لا كقيمةٍ مضافةٍ بل كعنصرٍ فاعلٍ في بناء الميّزة التّنافسيّة؛ فكلّ تفصيلٍ -من نوع الطّاقة الّتي تغذي أنظمتك إلى سلوك فريقك وطريقة توزيع المنتج- يسهم في تشكيل الأثر النّهائيّ الّذي تتركه الشّركة.

مفهوم البصمة الكربونية

مفهوم البصمة الكربونية هو مقياسٌ دقيقٌ لكميّة غازات الاحتباس الحراريّ الّتي تنتج عن نشاطٍ معيّنٍ، سواء كان فرديّاً أو مؤسسيّاً، ويُعبّر عنها عادةً بوحدة ثاني أكسيد الكربون المكافئ (CO2e). تشمل هذه الانبعاثات مصادر متعدّدةٍ، مثل: استهلاك الطّاقة، ووسائل النّقل، وعمليّات التّصنيع، واستخدام الموارد الطّبيعيّة، ما يجعل البصمة معياراً شاملاً لتقييم الأثر البيئي.

يُتيح فهم هذا المقياس للشركات الناشئة فرصة تحديد المصادر الرّئيسيّة لانبعاثاتها والعمل على تقليلها بفعاليّةٍ، ما يعزّز من استدامتها البيئيّة والاقتصاديّة. وتعتمد الشّركات في قياس بصمتها الكربونية على أطرٍ ومعايير عالميّةٍ، مثل: بروتوكول غازات الدفيئة (GHG Protocol)، ممّا يوفّر دقّةً وشفافيّةً في التّقييم ويسهّل وضع استراتيجيّاٍت مستدامةٍ تقلّل من الأثر البيئيّ وتحسّن صورة الشّركة في السّوق. بهذه الطّريقة، تتحوّل البصمة الكربونية من مجرّد رقمٍ إلى أداةٍ عمليّةٍ تقود نحو نموٍّ مسؤولٍ ومتوازنٍ.

كيف تقلل شركتك الناشئة من البصمة الكربونية؟

تخفيض البصمة الكربونية ليس مجرّد خيارٍ بيئيٍّ، بل بوصلةٌ تُعيد رسم ملامح الاقتصاد المعاصر، حيث تتقاطع التّقنية مع الوعي، وتولّد النّماذج الجديدة من رحم الانسجام بين النّموّ والاستدامة. كما تنبثق المبادرات الخضراء من رؤيةٍ شموليّةٍ ترى في كلّ تفصيل فرصةٍ لتقليل الانبعاث، وتحويل الأثر البيئيّ إلى أثرٍ إيجابيٍّ ممتدٍّ. ومن بين هذه المبادرات، تبرز 5 ركائز أساسيّةٍ تُشكّل جوهر التّحوّل في الشركات الناشئة الجادة في بناء مستقبلٍ منخفض الكربون، ألا وهي:

الطاقة المتجددة: من الاعتماد إلى الاكتفاء

حين يُستبدل التّيار الكهربائيّ القادم من الوقود الأحفوري بطاقةٍ شمسيّةٍ أو رياحٍ متجدّدةٍ، لا يتغيّر مصدر الطّاقة فحسب، بل تتغيّر بنية الانبعاث بأكملها. ويشكّل هذا التّحوّل أحد أكثر الإجراءات تأثيراً، إذ يُخفّض الانبعاثات المباشرة بنسبةٍ قد تتجاوز 80% في بعض الأنظمة التّشغيليّة، ويؤسّس لبنيةٍ تحتيّةٍ لا ترتبط بزمن الحرق بل بزمن النّقاء.

سلسلة الإمداد: من التوسع العشوائي إلى الانسياب المحسوب

لا تقتصر رحلة تقليل البصمة الكربونية على حدود المكاتب والمصانع، بل تبدأ من نقطة الانطلاق الأولى، حيث تُعاد صياغة سلاسل الإمداد لتصبح أقصر وأكثر قرباً من مصادرها، محكمة التّخطيط ودقيقة الحساب؛ فبهذا الانضباط يُمكن تقليص انبعاثات النّقل والتّخزين بنسبةٍ تصل إلى أربعةٍ من كلّ عشرةٍ. وتأتي تقنيات الذكاء الصناعي لتلعب دوراً محوريّاً في إعادة رسم خريطة التّوريد، باختيار مورّدين يلتزمون بمعايير الانبعاث المنخفضة، ما يخلق شبكةً لوجستيّةً تتناغم مع نبض الأرض، دون أن تفتقد الفعاليّة أو الإنتاجيّة.

النفايات الإلكترونية: من نهاية الاستخدام إلى بداية الدائرة

ينتج الجهاز الرّقميّ الواحد أكثر من 50 كغم من انبعاثات الكربون في دورة حياته، نصفها تقريباً في التّصنيع. لهذا، تُعد إعادة التدوير وتحديث الأجهزة القائمة آليّةً حاسمةً. وعبر استرجاع المعادن النّادرة وتكريرها، تُقلّل الحاجة إلى استخراج جديدٍ وتُكسر الحلقة الجهنميّة للاستهلاك السّريع.

البيئة الداخلية: من الإجراء الفردي إلى العادة المؤسسية

لا تُبنى الاستدامة بتصريحاتٍ عابرةٍ، بل تنشأ كوعيٍ متأصّلٍ يتغلغل في أروقة العمل، حيث تتحوّل الممارسات اليوميّة الصّغيرة إلى نبضٍ مستمرٍّ ينبعث من صلب الثّقافة المؤسّسيّة؛ فعندما يُدار استهلاك الموارد الرّقميّة بكفاءةٍ، ويُرشد استخدام الطّاقة والمعدّات، ويُقلّص الاعتماد على التّنقل، وتُعزّز أدوات الاجتماعات الافتراضيّة التّواصل بذكاء، فتتراكم هذه التّفاصيل على مدى الزّمن لتصبح قوّة تغيّر هادئةً، لا تصخب، لكنّها أكثر ثباتاً وفاعليّةً.

طرق حساب انبعاثات الغازات الدفيئة

يعدّ تحديد انبعاثات الغازات الدّفيئة بدقّةٍ الخطوة الأولى نحو فهم الأثر البيئيّ وتحقيق الاستدامة، ويُستخدم في سبيل ذلك طرقٌ متنوّعةٌ تجمع بين القياسات المباشرة والنّماذج الحسابيّة لتقديم صورةٍ شاملةٍ عن مصادر الانبعاث وحجمها.

القياس المباشر للغازات

تعتمد هذه الطّريقة على أجهزةٍ متخصّصةٍ ترصد تركيز الغازات الدفيئة في الهواء بشكلٍ فوريٍّ، مثل: أجهزة تحليل العادم أو محطّات الرّصد البيئيّ. وتسمح هذه القياسات بحصر الانبعاثات بدقّةٍ عاليةٍ، خاصّةً في المواقع الصّناعيّة أو نقاط الانبعاث الكبيرة، وتعطي بياناتٍ واقعيّةً يمكن الاعتماد عليها في تقييم الأثر البيئيّ.

الحساب باستخدام جداول الانبعاث

تُستخدم جداول الانبعاثات القياسيّة الّتي تحدّد كميّة الغازات المنبعثة لكلّ وحدة نشاطٍ (مثل كمية الوقود المحترق أو حجم الإنتاج). وتعتمد هذه الطّريقة على بيانات النّشاط المتوفّرة، وتُحوّل باستخدام عوامل انبعاثٍ محدّدةٍ إلى أرقامٍ تمثّل كميّة الغازات المنبعثة، وهي طريقةٌ شائعةٌ وبسيطةٌ للاستخدام في الشّركات والمؤسّسات.

نماذج المحاكاة والتقدير

تلجأ هذه الطّريقة إلى نماذج حسابيّةٍ وبرامج متقدّمةٍ تحاكي العمليّات الصّناعيّة أو الاستهلاكيّة، وتقدّر الانبعاثات بناءً على متغيّراتٍ متعدّدةٍ، مثل: نوع الوقود، وكميّة النّشاط، وظروف التّشغيل. كما تسمح النّماذج بالتّنبؤ بالانبعاثات تحت سيناريوهاتٍ مختلفةٍ، ممّا يساعد على التّخطيط للحدّ من الأثر البيئيّ بشكلٍ استباقيٍّ.

كيف تحدد حدود البصمة الكربونية لشركتك الناشئة؟

يشكّل تحديد حدود البصمة الكربونية لشركةٍ ناشئةٍ الأساس لفهمٍ دقيقٍ وشاملٍ للأثر البيئيّ وتوجيه استراتيجيّات الاستدامة بفعاليّةٍ. وتبدأ هذه العمليّة بتحديد جميع الأنشطة الّتي تساهم في انبعاث الغازات الدفيئة، من استهلاك الطّاقة المباشر في المرافق إلى الانبعاثات غير المباشرة النّاتجة عن سلسلة الإمداد والنّقل والاستخدام النّهائيّ للمنتجات.

تُصنف الانبعاثات عادةً ضمن ثلاثة نطاقاتٍ رئيسيّةٍ: الانبعاثات المباشرة (Scope 1)، الانبعاثات غير المباشرة من الكهرباء (Scope 2)، والانبعاثات غير المباشرة الأخرى مثل الموردين والعملاء (Scope 3)، ممّا يضمن شموليّة التّقييم. وتعتمد دقّة التّحديد على جمع بياناتٍ موثوقةٍ واستخدام أدوات تحليلٍ متقدّمةٍ لتقدير الكميّات بدقّةٍ، ممّا يسمح بتحديد أوّلويّات خفض الانبعاثات وتركيز الجهود على المناطق ذات التّأثير الأكبر. بهذا النّهج المتكامل، تتحوّل عمليّة حساب البصمة الكربونية من مجرّد إجراءٍ تقنيٍّ إلى ركيزةٍ استراتيجيّةٍ تمكّن الشّركة من تحقيق نموٍّ مستدامٍ وموثوقٍ.

في نهاية المطاف، ليس حساب البصمة الكربونية مجرّد خطوةٍ رقميّةٍ بل هو انعكاسٌ حقيقيٌّ لمسؤوليّةٍ بيئيّةٍ تضع شركتك النّاشئة على طريق التّحوّل الحقيقيّ نحو مستقبلٍ أكثر استدامةً، حيث تصبح كلّ خطوةٍ مدروسةً تزرع بصيص أملٍ في عالمٍ يشتدّ فيه الطّلب على التّوازن بين التّقدّم والحفاظ على كوكبنا.

  • الأسئلة الشائعة

  1. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الكفاءة البيئية للشركات؟
    يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الكبيرة لتحديد الأنماط وتحسين العمليّات، ممّا يؤدّي إلى تقليل الانبعاثات، خاصّةً في التّخطيط اللّوجستيّ وتقليل عدد الشّاحنات المستخدمة.
  2. ما هي استراتيجيات إشراك الموظفين في الجهود البيئية؟
    يمكن إشراك الموظفين من خلال مبادرات الاستدامة، مثل: إعادة التدوير واقتراح تحسيناتٍ على كفاءة العمليّات. وتعزّز الشركات ذلك من خلال التّدريب المستمرّ وإشراك الفرق في الأنشطة الصّديقة للبيئة.
  3. كيف يمكن تحسين سلسلة الإمداد لتقليل البصمة الكربونية؟
    يتضمّن تحسين سلسلة الإمداد مراجعةً شاملةً لكلّ مرحلة إنتاجٍ وتبني أساليب إنتاجٍ أكثر استدامةً، ممّا يمكن أن يؤدّي إلى تخفيض الانبعاثات بنسبةٍ تصل إلى 45%.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: