الرئيسية الاستدامة هل الاقتصاد الدائري اتجاه أخضر أم ضرورة اقتصادية؟

هل الاقتصاد الدائري اتجاه أخضر أم ضرورة اقتصادية؟

يجمع الاقتصاد الدائري بين حماية البيئة وتحقيق النّموّ الاقتصاديّ المستدام، حيث يُعيد استخدام الموارد ويقلّل الهدر لضمان مستقبلٍ أكثر توازناً وفعاليّةً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عالمٍ تتزايد فيه الضّغوط البيئيّة والاقتصاديّة، لم يعد بالإمكان الاعتماد على نماذج الإنتاج والاستهلاك التّقليديّة. ومن هنا، يبرز الاقتصاد الدائري كبديلٍ واعدٍ يُعيد التّفكير في كيفيّة استخدام الموارد وإدارة النّفايات، من خلال تحويلها إلى فرصٍ اقتصاديّةٍ مستدامةٍ؛ هذا التّحوّل لا يقتصر على كونه استجابةً بيئيّةً لمخاطر التّلوّث واستنزاف الموارد، بل يتعدّى ذلك ليصبح ركيزةً أساسيّةً في استراتيجيّات النّموّ الذّكيّ والفعّال. ومع تبنّي عددٍ متزايدٍ من الحكومات والشّركات لهذا النّموذج، يبرز سؤالٌ محوريٌّ: هل الاقتصاد الدائري اتجاه أخضر نابع من الاهتمام بالبيئة؟ أم أنّه ضرورةٌ اقتصاديّةٌ فرضتها التّحديّات الرّاهنة؟ إنّ الإجابة على هذا السّؤال تتطلّب فهماً أعمق لمبادئ الاقتصاد الدائري، وتأثيره المتزايد على مستقبل الأعمال والاستدامة العالميّة.

تعريف الاقتصاد الدائري

الاقتصاد الدائري هو نموذجٌ حديثٌ يُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والموارد، حيث يقوم على مبدأ أنّ ما نعتبره "نفايات" اليوم يمكن أن يتحوّل إلى قيمةٍ مضافةٍ غداً. إذ بدلاً من المسار التّقليديّ القائم على الاستخراج فالتّصنيع ثم الإلقاء، يدعو الاقتصاد الدائري إلى دورةٍ مستمرّةٍ من الاستخدام، وإعادة التّوظيف، والتّدوير، والتّجديد. في هذا الإطار، تُصمّم المنتجات لتدوم، وتُصنع بطريقةٍ تُتيح إصلاحها وتفكيكها بسهولةٍ، لتعود مرّةً أخرى إلى دورة الإنتاج دون إهدارٍ. وبهذا، لا يقتصر دوره على تقليل الأثر البيئيّ، بل يفتح آفاقاً جديدةً للابتكار، ويوفّر بيئةً اقتصاديّةً أكثر مرونةً واستدامةً؛ إنّه باختصارٍ اقتصادٌ لا يُهدر، بل يُبدع في كلّ دورةٍ.

هل الاقتصاد الدائري اتجاه أخضر أم ضرورة اقتصادية؟

لطالما ارتبط مفهوم الاقتصاد الدائري بالمبادرات البيئيّة والطّموحات الخضراء، باعتباره بديلاً واعياً يسعى للحدّ من التّلوّث وإهدار الموارد. غير أنّ الواقع اليوم يكشف عن بُعدٍ آخر أكثر إلحاحاً، حيث لم يعد تبنّي هذا النّموذج مجرّد اتّجاهٍ أخضر نابعٍ من الحسّ البيئيّ، بل تحوّل إلى ضرورةٍ اقتصاديّةٍ ملحّةٍ تفرضها متغيّرات السّوق، وتقلّبات سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف المواد الخامّ؛ فبفضل قدرته على تقليل الاعتماد على الموارد النّاضبة، وتعزيز كفاءة الإنتاج، وخلق فرص عملٍ جديدةٍ عبر أنشطة التّدوير والتّصميم الذّكيّ، أصبح الاقتصاد الدائري خياراً استراتيجيّاً تتبنّاه الدّول والشّركات ليس فقط لحماية الكوكب، بل أيضاً لحماية استقرارها الاقتصاديّ واستدامة أعمالها، إذ إنّه التقاءٌ بين البيئة والاقتصاد، لا تفاضل بينهما.

الاقتصاد الدائري كضرورة اقتصادية

في ظلّ عالمٍ يتّسم بتقلّبات الأسواق، وارتفاع تكاليف الموارد، وتزايد الضّغوط على سلاسل التّوريد، لم يعد الاقتصاد الدائري مجرّد خيارٍ بيئيٍّ أو رفاهيّةٍ مستدامةٍ، بل غدا ضرورةً اقتصاديّةً لا غنى عنها؛ فهو يوفّر للشّركات والدّول أدواتٍ فعّالةً لتقليل التّكاليف، وتعظيم الاستفادة من الموارد، وتحقيق الاستقرار في بيئةٍ إنتاجيّةٍ أكثر مرونةً.

ومن خلال إعادة استخدام المواد، وتحويل النّفايات إلى قيمةٍ اقتصاديّةٍ، يقلّل هذا النّموذج من الاعتماد على الموارد الخام النّاضبة، ويمنح الاقتصادات المحليّة قدرةً أكبر على الصّمود أمام الأزمات العالميّة. وهكذا، لا يُنظر إلى الاقتصاد الدائري اليوم كاتّجاهٍ أخضر فقط، بل كاستثمارٍ ذكيٍّ طويل الأمد يحقّق التّوازن بين الرّبحيّة والمسؤوليّة، ويعزّز القدرة التّنافسيّة في عالمٍ سريع التّغيّر.

الفرق بين الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر

رغم تشابه الأهداف بين الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر، إلّا أنّ لكلٍّ منهما مساره الخاصّ وأدواته المميّزة في خدمة الاستدامة. فالاقتصاد الأخضر يُعنى ببناء نماذج تنمويّةٍ تراعي التّوازن بين النّموّ الاقتصاديّ وحماية البيئة، من خلال تقليل الانبعاثات، وتشجيع الطّاقة النّظيفة، وتعزيز العدالة البيئيّة. أمّا الاقتصاد الدائري، فيتّخذ من دورة الموارد محوراً له، حيث يُعاد تصميم المنتجات والخدمات لتدوم، وتُستثمر النّفايات كمدخلاتٍ جديدةٍ بدل أن تُهدر. إذ يُمكن القول إنّ الاقتصاد الأخضر يرسم الإطار العامّ لعالمٍ مستدامٍ، بينما الاقتصاد الدائري يقدّم الآلية العمليّة لتحقيق ذلك عبر إعادة تنظيم سلوكنا الإنتاجيّ والاستهلاكيّ. وبين المفهومين تكاملٌ لا تناقضٌ، إذ يشكّلان معاً ركيزتين أساسيّتين في بناء مستقبلٍ أكثر توازناً ومرونةً.

أهمية الاقتصاد الدائري

تكمن أهمية الاقتصاد الدائري في قدرته على إعادة تشكيل الطّريقة التي نفكر بها في الإنتاج والاستهلاك، إذ لا يقتصر دوره على الحفاظ على البيئة فحسب، بل يمتدّ ليصبح حجر الزّاوية في بناء اقتصاداتٍ أكثر كفاءةً واستدامةً. فمن خلال تقليل الفاقد، وإعادة تدوير الموارد، وتصميم منتجاتٍ تدوم أطول، يُسهم هذا النّموذج في تخفيف الضّغط على الموارد الطّبيعيّة، ويقلّل التّكاليف على المدى الطّويل. كما يفتح آفاقاً واسعةً للابتكار وخلق فرص عملٍ جديدةٍ في مجالات إعادة التدوير والصّيانة والتّصميم المستدام. ومع تصاعد التّحديّات البيئيّة والاقتصاديّة في آنٍ معاً، لم يعد الاقتصاد الدائري خياراً إضافيّاً، بل أصبح ضرورةً استراتيجيّةً لتعزيز المرونة الاقتصاديّة وضمان مستقبلٍ أكثر توازناً واستقراراً.

مبادئ الاقتصاد الدائري

تقوم مبادئ الاقتصاد الدائري على إعادة بناء النّظام الاقتصاديّ بطريقةٍ تحافظ على الموارد وتقلّل الفاقد، وهي تستند إلى 4 أسسٍ رئيسيّةٍ تشكّل جوهر هذا النموذج المستدام:

  • التّصميم من أجل الدّيمومة: يُشجّع الاقتصاد الدائري على تصميم منتجاتٍ قابلةٍ للإصلاح، وإعادة الاستخدام، والتّفكيك بسهولةٍ، ممّا يُطيل عمرها ويقلّل الحاجة إلى مواردٍ جديدةٍ.
  • الاستخدام الأمثل للموارد: يتم التّركيز على الاستفادة القصوى من كلّ مادةٍ، عبر إعادة التدوير والتّجديد، وتقليل الفاقد في كلّ مرحلةٍ من مراحل سلسلة القيمة.
  • إغلاق حلقة الإنتاج: بدلاً من التّخلّص من المنتجات بعد الاستخدام، يتم إرجاعها إلى دورة الإنتاج كمدخلاتٍ، ممّا يخلق نظاماً دائريّاً يقلّل الاعتماد على المواد الخام.
  • الاعتماد على مصادر الطّاقة المتجدّدة: يدعو هذا النّموذج إلى تقليل الانبعاثات من خلال التّحوّل إلى الطّاقة النّظيفة، مثل الشّمس والرّياح، لدعم العمليّات الصّناعيّة بشكلٍ مستدامٍ.

تجارب دولية في الاقتصاد الدائري

تشير تجارب دولية في الاقتصاد الدائري إلى أنّ العديد من الدّول حول العالم بدأت بالفعل في تبنّي هذا النّموذج لتحقيق النّموّ المستدام وتقليل الفاقد، ومن أبرز هذه التجارب:

  • هولندا: تُعدّ من الدّول الرّائدة عالميّاً، حيث وضعت هدفاً طموحاً بأن تصبح اقتصاداً دائريّاً بنسبة 100% بحلول عام 2050، من خلال سياساتٍ تدعم إعادة التّدوير، وتقليل استخدام المواد الأوّليّة، وتحفيز الابتكار الصّناعيّ.

  • الصين: دمجت الاقتصاد الدائري في سياساتها الوطنيّة منذ أوائل الألفينات، من خلال قوانين تحفّز إعادة استخدام النّفايات الصّناعية، وتطوير مدنٍ صناعيّةٍ دائريّةٍ تعزّز الكفاءة في استهلاك الموارد والطّاقة.

  • السويد: اعتمدت نموذجاً اقتصاديّاً يدمج بين الاقتصاد الدائري والضّرائب البيئيّة، حيث تُشجّع على إصلاح المنتجات بدلاً من التّخلص منها، وتوفّر حوافز ضريبيّةً للخدمات الّتي تطيل عمر المنتجات.

فوائد اقتصادية ملموسة

تتعدّد الفوائد الاقتصادية للاقتصاد الدائري، حيث يقدّم هذا النّموذج حلولاً مبتكرةً ترفع كفاءة استخدام الموارد وتفتح آفاقاً جديدةً للنّموّ والاستثمار، ومن أبرز هذه الفوائد:

  • تقليل التكاليف التّشغيليّة: من خلال إعادة استخدام المواد وتقليل الاعتماد على الموارد الخامّ الجديدة، يُمكن للمؤسّسات تخفيض نفقاتها بشكلٍ كبيرٍ على المدى الطّويل.
  • خلق فرص عملٍ جديدةٍ: يدعم الاقتصاد الدائري قطّاعاتٍ ناشئةٍ مثل: إعادة التدوير، والصّيانة، والتّصميم المستدام، ممّا يساهم في تنمية سوق العمل وتنويع مصادر الدّخل.
  • تعزيز الابتكار الصّناعيّ: يدفع هذا النّموذج الشّركات إلى تطوير منتجاتٍ أكثر كفاءةً واستدامةً، ممّا يعزّز من قدرتها التّنافسيّة في الأسواق المحليّة والعالميّة.
  • زيادة مرونة سلاسل الإمداد: من خلال تقليل الاعتماد على المواد المستوردة، يساهم الاقتصاد الدائري في تقوية الاقتصاد المحليّ ومواجهة تقلّبات الأسواق العالميّة.
  • تحقيق نموٍّ اقتصاديٍّ مستدامٍ: يُسهم في بناء اقتصادٍ طويل الأمد يعتمد على التّوازن بين الإنتاج والاستهلاك، ويقلّل من المخاطر الماليّة المرتبطة باستنزاف الموارد.

التحديات والفرص

رغم ما يقدمه من فرصٍ واعدةٍ، إلّا أنّ تحديات الاقتصاد الدائري لا تزال تشكّل عوائق أمام تطبيقه الواسع، سواء على مستوى السّياسات أو الممارسات الصّناعيّة، ومن أبرز هذه التّحديّات:

  • غياب البنية التّحتيّة المناسبة: يتطلّب الاقتصاد الدائري أنظمةً متكاملةً لإعادة التدوير، والتّجميع، والمعالجة، وهو ما لا يتوفّر في كثيرٍ من الدّول، خاصّةً النّامية منها.
  • نقص الوعي والمعرفة: لا يزال المفهوم جديداً نسبيّاً في بعض الأسواق، ممّا يحدّ من تبنّي الأفراد والشّركات له بسبب غياب الفهم الكافي لأهميّته وآلياته.
  • ارتفاع تكاليف التّحوّل الأوّليّة: يتطلّب الانتقال إلى نماذج دائريّةٍ استثماراتٍ في البحث والتّطوير، وتغييرٍ في سلاسل الإنتاج والتّوريد، ممّا يشكّل عبئاً على بعض المؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة.
  • تحديّات تشريعيّةٍ وتنظيميّةٍ: تحتاج الحكومات إلى تحديث القوانين واللّوائح لدعم الاقتصاد الدائري، مثل تسهيل دخول المنتجات المعاد تدويرها إلى السّوق، وتقديم حوافز للممارسات المستدامة.
  • صعوبة قياس الأثر الاقتصادي بدقّةٍ: نظراً لتشابك المخرجات والعوائد على المدى الطّويل، يصعب أحياناً إثبات الجدوى الاقتصادية المباشرة لهذا النّموذج، ما يثني بعض المستثمرين عن دعمه.

في النّهاية، يتضّح أنّ الاقتصاد الدائري ليس مجرّد اتّجاهٍ أخضرٍ يُلبّي التّطلّعات البيئيّة فحسب، بل هو ضرورةٌ اقتصاديّةٌ ملحّةٌ فرضتها التّحديّات البيئيّة والاقتصاديّة معاً؛ فهو يمثّل جسراً يربط بين حماية كوكبنا واستدامة النّموّ الاقتصاديّ، ممّا يجعل تبنّيه خياراً استراتيجيّاً لا غنى عنه للدّول والشّركات الّتي تسعى إلى مستقبلٍ أكثر توازناً ومرونةً. لذا، فإنّ السّؤال هل الاقتصاد الدائري اتجاه أخضر أم ضرورة اقتصادية؟ يلقى جوابه في واقع أنّ كلا الجانبين متكاملان، ويشكّلان معًا خارطة طريقٍ نحو اقتصادٍ مستدامٍ يحترم البيئة ويضمن الازدهار الاقتصاديّ على المدى الطّويل.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ليش الاقتصاد الدائري مهم في زمننا؟
    الاقتصاد الدائري مهم في زمننا؛ لأنّه يقلّل من استنزاف الموارد ويخفض التّكاليف ويخلق فرصٍ عملٍ جديدةٍ، ممّا يساعد على استدامة البيئة والاقتصاد.
  2. كيف يمكن للشركات تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري؟
    يمكن للشركات تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري عن طريق تصميم منتجاتٍ تدوم أطول، وإعادة التدوير، وتقليل الفاقد في الإنتاج والاستهلاك.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: