لعبة لابوبو: كيف تحولت دمية قيمتها 15 دولاراً إلى هوس عالمي؟
من فيديوهات تيك توك إلى مزاداتٍ بآلاف الدولارات، دمية لابوبو من شركة Pop Mart تُشعل جنون الجمع وتُعيد تعريف مفهوم النّدرة

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
بيعت إحداها في مزاد علنيٍ الشهر الماضي بمبلغ بلغ 170,000 دولار، فيما حقّق مقطعٌ مصوَّر لامرأةٍ تدّعي امتلاك نسخةٍ مصنوعةٍ من الذّهب الخالص عيار 24 أكثر من 15 مليون مشاهدةً على منصة تيك توك خلال أسبوعين فقط. ولم تقف الضّجة عند العامّة فحسب، بل امتدّت إلى المشاهير، إذ تقتني "ليسا" من فرقة "بلاكبينك" واحدةً منها، فيما استعرض "ديفيد بيكهام" نسخته بفخرٍ على "انستغرام"، وتحتفظ كل من "سيمون بايلز"، و"دوا ليبا"، و"ريهانا" بنماذج منها أيضاً.
ومع كلّ هذا الاهتمام، يخال لك للوهلة الأولى أنّها قطعةٌ من الحليّ النّادر، أو حقيبةٌ فاخرةٌ محدودة الإصدار، أو ساعةٌ مترفةٌ يلهث وراءها الأثرياء. ولكنّها ليست شيئاً من ذلك؛ إنّها ببساطةٍ: "لابوبو"
هذه اللّعبة المصنوعة من القماش والبلاستيك والفينيل، والّتي تُباع بسعر 15 دولاراً فقط، أصبحت منتشرةً في كلّ مكانٍ، ومع ذلك تكاد تكون نادرةً؛ فالحصول على واحدةٍ منها قد يكون أصعب من اقتناء بعض الحقائب الفاخرة. إذ بلغ الأمر حدّ ظهور سوقٍ مزيفةٍ مزدهرةٍ وارتفاع أسعارها في الأسواق الثّانوية إلى أرقامٍ فلكيّةٍ.
وُلِدت "لابوبو" من خيال الرسّام "كاسينغ لونغ" (Kasing Lung)، المولود في هونغ كونغ والّذي قضى طفولته في هولندا وتعلّق بوحوش الفولكلور الأوروبي القديم. استلهم منها سلسلة كتبه المصوّرة "ثلاثية الوحوش" (The Monsters Trilogy)، والتي تضمّ، من بين وحوشٍ أخرى، شخصيّة "لابوبو"، وهي مخلوقٌ شقيٌّ شبيهٌ بالعفاريت ذات أسنانٍ حادّةٍ.
أطلق "لونغ" خطّاً من الألعاب على هيئة تلك الوحوش، ثم باع حقوق ملكيّة "لابوبو" لشركة الألعاب الصّينيّة "بوب مارت" (Pop Mart) عام 2019. ومنذ ذلك الحين، بدأت "لابوبو" تنتشر عالميّاً، خصوصاً بعد أن شوهدت "ليسا" من فرقة "بلاكبينك" وهي تستخدم واحدةً كزينةٍ لحقيبتها عام 2024.
وعلى الرّغم من أنّ "لابوبو" تُثير ضجّةً هذه الأيام، إلّا أنّها تُعدّ مدخلاً بسيطاً لعالم جمع التّذكارات في نظر بعض الهواة. وليست وحدها من بين الألعاب الصّغيرة الرّخيصة التي أشعلت حمّى الشّراء مؤخّراً؛ ففي العام الماضي، كانت "سوني أنجل" هي اللّعبة المفضّلة. وهي نسخةٌ حديثةٌ من دمية "كيوبي" الشهيرة، بطول 3 إنشاتٍ، لها جناحان صغيرانٍ ووجه طفلٍ بريءٍ، لكنّها بلا سراويل. وقد بلغ هوس "سوني أنجل" حدّ السّخريّة في برنامج SNL، حيث لعبت "دوا ليبا" دور فتاةٍ يتنافس صديقها البشريّ مع "سوني أنجل" على كسب حبّها.
خلف هذا الجنون تقف استراتيجيّةٌ تسويقيّةٌ بسيطةٌ ولكنّها فعّالةٌ، ترفع من شأن الألعاب منخفضة السّعر إلى رموزٍ اجتماعيّةٍ ضخمةٍ، ألا وهي: "الصندوق الأعمى".
ما هي استراتيجية الصندوق الأعمى؟
رغم أنّ "لابوبو" و"سوني أنجل" تنتميان لشركتين مختلفتين ومن بلدان وثقافاتٍ متباينةٍ، إلا أن كليهما غالباً ما يُباع من خلال "صناديق عمياء". وهذا يعني أنك، تماماً كما يحدث مع بطاقات البيسبول، لا تعرف أي "لابوبو" اشتريتها حتّى تفتح العلبة.
ويُعدّ الصندوق الأعمى (Blind Box) من أعمدة ثقافة جمع التّذكارات. ويمكن العثور على هذه الصّناديق في كلّ مكانٍ: من المتاجر الآسيويّة المتخصّصة، ومحلّات الألعاب، ومتاجر "أوربان أوتفيترز"، وصولاً إلى المتاجر المحليّة الصّغيرة وحتى متاجر تيك توك، حيث يُروّج المؤثّرون لسلاسل الصناديق العمياء بوصفها تذكاراتٍ لطيفةً قابلةً للجمع.
العديد من شخصيّات الصناديق العمياء هي ملكيّاٌت فكريّةٌ أصليةٌ لشركات ألعابٍ مقرّها الصين أو كوريا أو اليابان، بينما يقتبس بعضها الآخر شخصيّاتٍ طفوليّةً شهيرةً مثل "المومين" من الدنمارك، و"ميفي" من هولندا، و"بيناتس" الأمريكية. وتجدر الإشارة إلى أنّ أغلب هذه الألعاب تُصنع في الصين.
من اخترع استراتيجية الصندوق الأعمى؟
رغم أنّ العديد من أشكال "الصندوق الأعمى" ظهرت منذ عقودٍ، إلّا أنّ الشّكل الحديث لهذا المفهوم -حيث يُسوّق لدميةٍ صغيرةٍ غالباً ما تكون بلاستيكيّةً كجزءٍ من سلسلةٍ، وتُباع دون معرفة المشتري لمحتواها- قد شاع بفضل "بوب مارت" (Pop Mart)، وهي شركة ألعابٍ صينيّةٌ مقرّها بكين.
اعتمدت "بوب مارت" استراتيجيّة "الصندوق الأعمى" عام 2016، وهي تُجري تعاوناتٍ أو تشتري حقوق ملكيّة فكريّة شهيرة لصنع ألعابٍ حصريّةٍ بصناديق عمياء بأسلوبها المميّز. وقد ساعدت اتفاقيّات التّرخيص مع "ديزني" (Disney) و"يونيفرسال" (Universal) و"وارنر بروس" (Warner Bros) على انتشار هذه الصناديق لدى الجماهير الغربية. إضافةً لذلك، لدى بوب مارت مجموعةٌ من الشّخصيات الخاصّة بها، أشهرها "مولي" و"لابوبو".
ووفقاً لما أوردته صحيفة "تشاينا ديلي"، فقد شهدت "بوب مارت" في عام 2024 نموّاً في الإيرادات بنسبةٍ تتراوح بين 55 و60% داخل الصين، وقفزةً هائلةً قاربت 500% في الأسواق الخارجيّة. ترتبط الشّركة بشراكاتٍ مع متاجر أمريكيّةٍ، مثل: "أوربان أوتفيترز" (Urban outfitters) و"كينوكويا يو إس إيه" (Kinokuniya USA)، وتُباع ألعابها أيضاً عبر متجر تيك توك. ومع ذلك، تعرّض سهم الشّركة مؤخّراً لانخفاض بعد أن حذّر أحد وسائل الإعلام الرّسميّة المملوكة للدّولة من مخاطر الصناديق العمياء.
لماذا تنجح استراتيجية الصناديق العمياء؟
يمتلك الكثير من هواة جمع التّذكارات شخصيّةً مفضّلةً يعتزون بها، وقد تظهر شخصيّتك المفضّلة على غلاف هاتفك، أو كميداليّةٍ لحقيبتك، أو مطبوعةً على أدواتٍ مكتبيّةٍ ومنزليّةٍ، أو حتّى كقطع أثاثٍ؛ فالتّذكار الّذي تختاره يُعبّر عنك، ممّا يُضيف بعداً شخصيّاً يُبرّر الرّغبة في شراء صندوقٍ عشوائيٍّ.
كما توفّر الصناديق العمياء تجربة شراءٍ مثيرةً، نادرةً، وغير متوقّعةٍ، وتُغذّي ثقافة الجمع. بعض سلاسل الصناديق العمياء تحتوي على نسخٍ نادرةٍ وخاصّةٍ، ممّا يُشبه استراتيجيّة "الإنزال المحدود" الّتي خلقت هوساً جماهيريّاً حول أكواب "ستانلي" وحقائب "بوغ".
في نهاية المطاف، تكمن عبقريّة الصندوق الأعمى في أنّه يستثمر في دوافع المقامرة؛ فحتّى أكثر معجبي "سوني أنجل" اعتدالاً قد يشعر بخيبة أملٍ عند فتح صندوقٍ يجد فيه دميةٍ برأس فراولةٍ بدلاً من العنب، ليعود إلى المتجر ويقول لنفسه: "فقط واحدةٌ أخرى".
نُشِر هذا المقال للكاتبة "غرايس جاكسون" (Grace Jackson) في الأصل على موقع Inc.com