الرئيسية التنمية جيل الألفية يبتعد عن الإدارة : كيف يمكن تغيير ثقافة العمل؟

جيل الألفية يبتعد عن الإدارة : كيف يمكن تغيير ثقافة العمل؟

يشهد جيل الألفية تحوّلاً في نظرته إلى القيادة، إذ يرفض الشّباب المناصب الإداريّة التّقليديّة بحثاً عن التّوازن والمعنى، ممّا يدفع المؤسّسات لتغيير ثقافة العمل

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يشهد سوق العمل العالميّ اليوم تحوّلاً جذريّاً في منظومة القيم والطّموحات الّتي تحرّك الأجيال الجديدة، ولا سيّما جيل الألفيّة الّذي ولد بين الثّمانينيّات ونهاية التّسعينيّات. فقد تبدّلت المعايير الّتي تحدّد مفهوم النّجاح والقيادة، إذ يرفض عددٌ متزايدٌ من الشّباب تولّي المناصب الإداريّة أو حتّى التّقدّم لها، فيما تعرف هٰذه الظّاهرة بانتشار رفض الشّباب للمناصب القياديّة. ومع أنّ الإدارة كانت تعدّ في الماضي الغاية الطّبيعيّة لمسار الموظّف الطّموح، فإنّ هٰذا الجيل بات ينظر إليها من زاويةٍ مختلفةٍ، إذ يفضّل البحث عن التّوازن بين الحياة والعمل، وعن الإحساس بالمعنى لا عن السّلطة أو اللّقب. ومن هنا يبرز السّؤال الحتميّ: لماذا يرفض جيل الألفيّة تولّي القيادة؟ وكيف يمكن للشّركات أن تعيد بناء ثقافتها لتجعل القيادة أكثر إلهاماً وجاذبيّةً لهٰذا الجيل؟

تغير نظرة جيل الألفية إلى القيادة

أظهرت الدّراسات الحديثة أنّ أكثر من 60% من موظّفي جيل الألفيّة لا يرغبون في شغل مناصب إداريّةٍ في المستقبل، رغم امتلاكهم المهارات والكفاءات الكافية لتولّيها. وينبع هٰذا النّفور من تفاعل مجموعةٍ من العوامل النّفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي أعادت تشكيل رؤيتهم لمفهوم القيادة؛ فقد نشأ هٰذا الجيل في بيئةٍ رقميّةٍ متسارعةٍ، شهد فيها كيف أثقلت الإدارة كاهل الجيل السّابق بضغط العمل، وطول السّاعات، وتآكل الخصوصيّة، وغياب الصّحّة النّفسيّة. ومن ثمّ، ارتبطت المناصب الإداريّة في أذهان كثيرين منهم بالإرهاق والاحتراق الوظيفيّ أكثر ممّا ارتبطت بالتّأثير أو الإنجاز.

ولم يتوقّف التّحوّل عند هٰذا الحدّ، إذ يعيش جيل الألفيّة مرحلةً تغيّرت فيها أنباط النّجاح جذريّاً. فلم يعد التّقدّم في السّلّم الوظيفيّ المعيار الأوحد لتحقيق الإنجاز كما في الماضي، بل بات النّجاح يقاس بمدى الرّضا الذّاتيّ وقدرة الفرد على العمل في بيئةٍ تقدّر الإبداع والتّجديد والمرونة. ولذٰلك، لا يعبّر رفض الشّباب للمناصب عن قلّة الطّموح أو الانعزال، بل عن رغبةٍ واعيةٍ في نوعٍ جديدٍ من القيادة الّتي تقدّم الإنسان على الهيكل الإداريّ، وتمنح المعنى الأولويّة على المكانة. [1]  

جيل الألفية يبتعد عن الإدارة: كيف يمكن تغيير ثقافة العمل؟

تشير المؤشّرات الحديثة إلى أنّ هٰذه الظّاهرة لم تعد حالةً فرديّةً أو اتّجاهاً مؤقّتاً، بل تحوّلت إلى تغييرٍ ثقافيٍّ واسعٍ في تصوّر الأجيال الجديدة لدور القيادة. فجيل الألفيّة لا ينظر إلى القيادة باعتبارها ترقّياً وظيفيّاً، بل مسؤوليّةً تقيّد حرّيّته وتثقل عليه. ولهٰذا أصبح لزاماً على المؤسّسات أن تعيد بناء ثقافة العمل لتجعل القيادة أكثر إنسانيّةً ومرونةً. ويفترض أن تقوم هٰذه الثّقافة الجديدة على مبادئ الشّفافيّة والتّعاون والتّوازن النّفسيّ، بحيث تعيد تعريف القيادة كفرصةٍ للتّأثير الإيجابيّ، لا كعبءٍ إداريٍّ أو أداة سلطةٍ.

وحتّى يتحقّق هٰذا التّحوّل، ينبغي للمؤسّسات أن تراجع أنظمة الحوافز والتّقييم، بحيث تكافئ الأفكار والنّتائج لا مجرّد الالتزام الزّمنيّ. كما يجب أن ترسّخ ثقافة القيادة التّشاركيّة، فتمنح الموظّفين مساحةً حقيقيّةً للمشاركة في القرار والتّأثير في توجّهات المؤسّسة. وعندما يشعر الشّباب بأنّ صوتهم مسموعٌ، وأنّ القيادة ليست انفصالاً عن الفريق بل اندماجاً فيه، يتحوّل رفض الشّباب للمناصب إلى رغبةٍ في التّقدّم والمبادرة وبناء مستقبل العمل على أسسٍ أكثر عدلاً وإنسانيّةً. [2]  

أمثلة على نجاح ثقافات العمل الحديثة

أثبتت تجارب بعض الشّركات العالميّة أنّ تغيير ثقافة القيادة يمكن أن يعيد حماسة الشّباب نحو الإدارة ويلهمهم لتحمّل المسؤوليّة بطريقةٍ جديدةٍ. فقد أسّست شركاتٌ مثل «غوغل» و«سبوتيفاي» أنظمة قيادةٍ مرنةً ترتكز على فرقٍ صغيرةٍ تتمتّع باستقلاليّةٍ واسعةٍ في اتّخاذ القرارات، ممّا جعل الموظّفين يشعرون بأنّهم يمارسون القيادة فعلاً، حتّى دون ألقابٍ رسميّةٍ. وفي الوقت نفسه، طوّرت شركاتٌ أخرى نماذج «القيادة التّشاركيّة» الّتي تشرك جميع العاملين في القرارات الإستراتيجيّة، ممّا عزّز الإحساس بالانتماء والمسؤوليّة وزاد من فاعليّة الفرق.

وقد أكّدت هٰذه النّماذج أنّ تحفيز الشّباب على القيادة لا يتحقّق عبر الأجور أو الامتيازات المادّيّة وحدها، بل من خلال بناء بيئةٍ عمليّةٍ تثمّن الإنسان قبل المنصب، وتشجّع المبادرة قبل الرّوتين، وتقدّر الإبداع قبل الأوامر. وعندما تدرك المؤسّسات أنّ القيادة الحديثة تبدأ من الثّقة والتّفاعل لا من الرّقابة والإملاء، يتحوّل العمل إلى مساحةٍ للتّطوّر والنّموّ، وتتجدّد الرّغبة في تحمّل المسؤوليّة والإسهام في صناعة التّغيير.

الخلاصة

يبرز رفض الشّباب للمناصب القياديّة تحوّلاً عميقاً في جوهر النّظرة إلى العمل والنّجاح، لا ضعفاً في الطّموح أو قلّةً في الرّغبة في التّقدّم؛ فجلّ أبناء جيل الألفيّة يسعون إلى أن يقودوا بطريقةٍ مختلفةٍ، توازن بين الإنتاجيّة والرّاحة النّفسيّة، وتقيم القيادة على القيم الإنسانيّة لا على السّلطة التّقليديّة.

  • الأسئلة الشائعة

  1. . ما الأسباب الحقيقية وراء رفض الشباب المناصب القيادية؟
    ترتبط الأسباب بتغيّر القيم والأولويات لدى جيل الألفية؛ إذ يفضّل الشّباب اليوم العمل في بيئةٍ تمنحهم التّوازن والمرونة، ويرون أنّ المناصب الإداريّة التّقليديّة تجلب ضغوطاً ومسؤوليّاتٍ تفقدهم الحريّة والوقت الشّخصيّ. كما أنّ كثيرين منهم فقدوا الثّقة في نماذج القيادة القديمة الّتي تقوم على السّيطرة لا على الإلهام.
  2. كيف يمكن للمؤسسات جعل المناصب القيادية أكثر جاذبية؟
    يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير ثقافةٍ إداريّةٍ حديثة تشجع المشاركة واتّخاذ القرار الجماعيّ، وتمنح القادة الجدد مساحة للإبداع دون قيودٍ بيروقراطيّةٍ. كما يجب توفير برامج تدريبٍ متخصّصةٍ في الذّكاء العاطفيّ والقيادة التّحفيزيّة بدلاً من الاكتفاء بالتّعليم الإداريّ التّقليديّ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: