النتيجة الحاسمة: كيف تقيس نجاح الذكاء الاصطناعي في مؤسستك؟
حين يصبح الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ضرورةً لا خياراً، يتعيّن على القادة تحديد أهداف واضحةٍ ومقاييس دقيقةٍ لقياس الأثر الحقيقيّ على النّموّ والكفاءة والاستدامة
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
يُعَدّ الاستثمار في التِّقنية، ولا سيما في الذكاء الاصطناعي، أمراً حتميّاً اليوم لكلّ شركةٍ تسعى إلى البقاء والمنافسة. إذ تُغرق شبكة الإنترنت الأسواق بوابلٍ من الحلول المُعلَن عنها، فتجدها تُعرض عليك في كلّ موقعٍ، ومنصّة تواصلٍ، بل وحتّى في بريدك الإلكتروني.
وفي دول مجلس التّعاون الخليجيّ (GCC)، تستثمر 57% من المؤسّسات ما لا يقلّ عن 5% من ميزانيّاتها الرّقميّة في تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ وحدها، مقارنةً بـ33% من الشّركات على مستوى العالم. كما تُظهر البيانات أنّ 84% من القادة يركّزون على الابتكار والنّموّ، في حين يوجّه 59% منهم اهتمامهم نحو تطوير التّقنيات الجديدة وتعزيز الاستثمار فيها.
ومع هذه الأرقام، يتّضح أنّ تحديد نوع الذكاء الاصطناعي الّذي ينبغي استخدامه، وكيفيّة قياس نجاحه، بات عمليّة شبه معقّدة. غير أنّ ثمّة دليلاً استراتيجيّاً يمكن الاسترشاد به.
تبدأ هذه الرحلة من بناء أساسٍ متين تُشيَّد عليه الرّؤية والنّتائج المرجوّة من تبنّي الذكاء الاصطناعي. ويجب ألّا تقتصر مقاييس التقييم على المؤشّرات التقليديّة البالية، بل أن تشمل مزيجاً من مؤشّرات الأداء الرئيسة (KPIs) الّتي تغطّي جوانب متعدّدة، من القيمة التّجاريّة، وتبنّي المستخدمين، والكفاءة التّشغيليّة، وصولاً إلى الأداء الأخلاقيّ. ومن ثمّ تُقاس النّتائج بناءً على معايير محدّدة قبل الإطلاق. وقد يبدو هذا النّهج بسيطاً في ظاهرهٍ، غير أنّ تطبيقه في الواقع أبعد ما يكون عن السّهولة.
أحسِن تحديد أهدافك
قبل إطلاق أيّ مبادرة تتعلّق بـالذّكاء الاصطناعي، لا بُدّ من وضع أهداف واضحةٍ، محدّدةٍ، قابلة للقياس، قابلة للتّحقيق، ذات صلةٍ مباشرةٍ، ومقيّدةٍ بزمنٍ محدّدٍ- أي وفق منهجيّة SMART. عليك، أنت وفريقك، أن تحدّدوا بدقّةٍ كيف تريدون للنّظام أن يعمل، وما المهامّ التي يجب أن ينجزها، وما النّتائج الّتي يُفترض أن يحقّقها؛ فالأهداف الغامضة لا تُنتج سوى نتائج غامضةً.
وانطلاقًا من هذا المبدأ، ينبغي طرح الأسئلة التّالية:
- ما التّحدّي التّجاريّ المحدّد الذي سيحلّه هذا النّظام؟ كن دقيقاً إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ؛ فإذا كان هدفك تخفيف عبء المكالمات الهاتفيّة المتكرّرة أو المحادثات عبر الويب عن فريقك، فضع هدفاً واضحاً مثل: «سيتمكّن وكلاء الذكاء الاصطناعي لدينا من الإجابة الصّحيحة عن 86% من استفسارات العملاء الواردة من دون تدخّلٍ بشريٍّ». كما أنّ مثل هذا الهدف يمنحك وجهة محدّدة للعمل نحوها، ومعياراً واضحاً لقياس النّجاح أو الإخفاق.
- كيف يتوافق تنفيذ هذا النّظام مع الأهداف الاستراتيجيّة العامّة للشّركة؟ سجّل كلّ طريقةٍ مقصودةٍ -أو حتّى محتملة- يمكن أن تدعم بها التّقنية الجديدة أهداف الشّركة أو تتعارض معها؛ فمرحلة ما قبل الإطلاق هي الوقت الأنسب لتوقّع أيّ إشكالاتٍ محتملةٍ ووضع استراتيجيّاتٍ استباقيّةٍ لمعالجتها.
- ما المعايير التي ستُعرّف النّجاح، وما القيم الأساسية الحالية لتلك المقاييس؟ أيّاً يكن الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسينه أو التّأثير فيه، لا بدّ من وضع مقاييس دقيقةٍ قبل الإطلاق بيومٍ أو أسبوعٍ على الأقلّ. إذ لا ينبغي أبداً أن تجد نفسك في موقفٍ تضطرّ فيه إلى التّخمين أو التّقدير لقياس أداء نظامك ومدى نجاحه أو إخفاقه.
اجعل الأثر ذا قيمة حقيقية
تُقاس مشاريع الذكاء الاصطناعي النّاجحة بنتائج ملموسةٍ قابلةٍ للقياس؛ فلا يمكن الحكم على أداء الذكاء الاصطناعي بناءً على “الانطباع” أو “الشعور”، بل على الأرقام والبيانات الدّقيقة. لذلك، لا بدّ من تتبّع العائد على الاستثمار (ROI) عبر مقارنة العوائد الماليّة التي يحقّقها الذكاء الاصطناعي بتكاليفه الكاملة، بما في ذلك التّطوير والبنية التّحتيّة والصّيانة المستمرّة. إلى جانب ذلك، يجب قياس وفورات التّكاليف النّاتجة عن خفض النّفقات التّشغيليّة وساعات العمل والأخطاء بفضل الأتمتة.
لكن كيف يمكن تتبّع نموّ الإيرادات؟ عليك وضع آليةٍ لقياس أيّ نشاطٍ تجاريٍّ جديدٍ أو زيادة في الأعمال يمكن ربطها مباشرةٍ باستخدام الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال نماذج التّسعير الدّيناميكيّ، أو المحادثات الذّكيّة، أو أنظمة البيع الإضافيّ التي يديرها الذكاء الاصطناعي عبر المكالمات. وأخيراً، ينبغي تتبّع زمن تحقيق القيمة، أي سرعة المشروع في تحقيق نتائج ملموسةٍ، مع ضرورة تحديد ما تعنيه كلمة “ملموسة” ضمن سياق عملك تحديداً.
ومن المرجّح أن يكون أحد أبرز أوجه استخدام الذكاء الاصطناعي هو تحسين العمليّات القائمة وتعزيز قدرات الموظّفين. لذلك، إلى جانب تتبّع مؤشرات الأداء مثل تسريع زمن إنجاز العمليّات، وخفض معدّل الأخطاء، وزيادة الإنتاجيّة العامة للموظّفين، لا ينبغي إغفال الملاحظات النّوعيّة من الفريق نفسه؛ فالإدارة تضع الأهداف، وفريق تقنية المعلومات (IT) يطلق الحلول، لكنّ الفريق العامل في الصّفوف الأماميّة هو من يتعامل مع هذه التّقنيّات يوميّاً.
قبل الإطلاق وبعده، احرص على إبقاء قنوات الحوار مفتوحةً باستمرارٍ مع المستخدمين الرّئيسيين للتّقنية. اسألهم كيف يساعدهم الذكاء الاصطناعي فعليّاً، وما الذي لا يستخدمونه، وما الّذي يبدو معقّداً أو يُبطئ سير العمل. وامنحهم الثّقة الكاملة في التّعبير عن آرائهم، واطلب منهم اقتراحاتٍ لتحسين الأداء أو تبسيط الأدوات. وقد استعنت بهم لدعم الشّركة، وهذه المرحلة بالذّات هي الاختبار الحقيقيّ لتلك الثّقة.
حوّل التبنّي إلى التزام ودعم فعلي
مهما بلغت جودة تنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي أو وضوح أهدافها، فإنّها تبقى بلا قيمةٍ حقيقيّةٍ للشّركة إن لم يتفاعل المستخدمون معها كما هو مخطّط. لذلك، يجب مراقبة معدّل التّبنّي بدقّة، إذ كلّما ارتفعت نسبة المستخدمين الفعليين من بين الفئة المستهدفة، دلّ ذلك على تزايد ثقتهم بالنّظام. إلى جانب ذلك، ينبغي تتبّع مستوى تفاعل المستخدمين بصورةٍ شاملةٍ: ما مدى تكرار الاستخدام؟ وما هو متوسّط مدّة كلّ جلسةٍ وعدد الطّلبات أو الاستفسارات خلالها؟ فهذه البيانات تمنح صورةً واضحةً عن مدى فعاليّة الحلّ التّقنيّ وجودة تجربة المستخدم.
وتقودنا هذه المؤشّرات إلى قياس رضا العملاء (CSAT) ومؤشّر صافي المروّجين (NPS). وكما تفعل مع المستخدمين الدّاخليين، يجب تحليل آراء المستخدمين الخارجيّين على نحو منفصلٍ. هل يشعرون أن وكلاء الذكاء الاصطناعي يخدمونهم بالشّكل الكافيّ؟ وهل يفضّلون التّعامل مع الذكاء الاصطناعي بدلاً من الانتظار للتّحدّث مع موظّفٍ بشريٍّ؟ إنّ هذه الملاحظات تمثل مادةً أساسيّةً لتحسين الأداء والتّطوير المستمرّ.
كما أنّ تتبّع المقاييس التّقنية الفعليّة أمرٌ لا غنى عنه، إذ يُعدّ المؤشّر الأسرع لتحديد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يؤدّي عمله كما ينبغي. وتكتسب هذه الخطوة أهميّةً خاصّةً في أنظمة الذكاء الاصطناعي التّفاعليّة (Agentic AI) التي تتطلّب مخرجاتٍ دقيقةً وموضوعيّةً. لذلك، احرص على قياس متوسّط زمن الاستجابة بدقّةٍ، فسرعة الرّدّ في أنظمة الدّردشة الذّكيّة أو الوكلاء الآليين تمثل عاملاً حاسماً في رضا المستخدمين.
ولا يقلّ جانب الالتزام الأخلاقيّ والمسؤوليّة أهميّة عن الجوانب التّقنيّة. إذ يجب مراقبة معدّل الامتثال التّنظيميّ بانتظامٍ، والتّأكّد من توافق مخرجات الذكاء الاصطناعي مع الأطر القانونيّة مثل قانون الذكاء الاصطناعي للاتّحاد الأوروبيّ أو تشريعات حماية البيانات. كذلك ينبغي تقييم مدى التزام النّموذج بالمعايير الأخلاقيّة الدّاخليّة المتعلّقة بالعدالة والمساءلة. ويتجاوز هذا التّقييم الجوانب الماليّة ليطال القيم الجوهريّة للشّركة. وأخيراً، لا بدّ من وضع آليّةٍ صارمةٍ لتتبّع وتوثيق جميع حالات الإخفاق أو الأعطال في النّظام.
فالذكاء الاصطناعي ليس أداة “اضبطها وانسها”، بل منظومة تتعلّم وتتطوّر وتتغيّر باستمرار. كما أنّ المتابعة الدّقيقة والرّصد المنهجيّ يشكّلان الأساس لتحقيق النّجاح وتعظيم العائد على الاستثمار (ROI). وفي نهاية المطاف، يبقى الأثر الحقيقيّ لدمج الذكاء الاصطناعي في مؤسّستك هو العنصر الفاصل الذي سيحدّد قدرتك على المنافسة والنّجاح خلال هذا العقد وما بعده.
عن المؤلّف
يوسف خليلي (Yousef Khalili) هو الرّئيس التّنفيذيّ للتّحوّل العالميّ، والرّئيس التّنفيذيّ لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة "كوانت" (Quant)، وهي شركةٌ أمريكيّةٌ، متخصّصةٌ في تطوير تقنياتٍ رقمية متقدّمة تُعزّز أداء الموظّفين وتعيد تشكيل بيئات العمل الحديثة.