الرئيسية التنمية القيادة وسط الأزمات: كيف يصنع القادة مستقبل النجاح المستدام؟

القيادة وسط الأزمات: كيف يصنع القادة مستقبل النجاح المستدام؟

حين تتصاعد ضغوط العمل وتتداخل المسؤوليّات اليوميّة، يظهر دور الإدارة الواعية في تحويل التّوتر إلى قوّةٍ دافعةٍ تعزّز التّركيز والمرونة وترفع مستوى الأداء المؤسّسي والشّخصيّحين تتصاعد ضغوط العمل وتتداخل المسؤوليات اليومية، يظهر دور الإدارة الواعية في

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

عندما يتصوّر النّاس الأزمات، يركّزون على الأسواق المنهارة أو الصدمات الماليّة المفاجئة. ولكن تجربتي الطّويلة تُظهر أنّ هذه ليست أصعب الأزمات على الإطلاق؛ فبعد عشر سنواتٍ من إدارة وكالةٍ مستقلّةٍ في الشّرق الأوسط، تعلّمتُ أنّ أصعب اللّحظات لا تنبع من خسارة العملاء أو التّأخر في المدفوعات، بل تنشأ من التّعامل مع البشر أنفسهم.

تشير الدّراسات عالميّاً إلى أنّ نحو 82% من الشّركات الصّغيرة تفشل بسبب مشكلات التّدفق الماليّ، وتشكّل المدفوعات المتأخّرة أحد أكبر التّحدّيات الّتي تواجه روّاد الأعمال في الشّرق الأوسط. لقد عايشت هذا الضغط شخصيّاً خلال عملي كوكالةٍ مستقلّةٍ تتعامل مع علاماتٍ تجاريّةٍ عالميّةٍ، وما علّمتني إيّاه التّجربة هو أنّ التّحدّيات الماليّة، رغم استعجالها، غالباً ما تكون قابلةً للحلّ. ويمكن دائماً اللّجوء إلى التّفاوض، أو تعديل التّوقّعات، أو إطلاق دفعةٍ جديدةٍ من الأعمال لتحقيق استقرار الأرقام. أمّا ما يبقيني ساهراً حقّاً فهي تحدّيات الأفراد، لأنّه لا يوجد صيغة حسابيّة ولا دورة فواتير قادرة على إصلاح الثّقافة أو تعزيز الثّقة أو رفع مستوى الأداء.

تعني إدارة الأعمال العيش في حالة تقلّبٍ مستمرّةٍ؛ فقد ينسحب العميل بين ليلةٍ وضحاها، وقد ينهار عرضٌ كبيرٌ استثمرت فيه أشهراً دون أيّ مبررٍ، وقد تمتدّ شروط الدّفع إلى حدٍّ يهدّد توقّعاتك الماليّة. ومع ذلك، فإنّ العمود الفقريّ الحقيقيّ لأيّ مشروعٍ لا يقتصر على السّيولة الماليّة، بل يتجسّد في الثّقافة الّتي تشكّله. واللّحظات الّتي تصنع المستقبل لا تُسجَّل في الميزانيّة، بل تتكشّف في الحوارات مع الأفراد، الّتي تحدّد ما إذا كان فريقك سيظلّ متماسكاً ومخلصاً للرّؤية.

نادراً ما يمتلك روّاد الأعمال الصّورة الكاملة. على عكس الشّركات الكبرى، ليس لدينا رفاهيّة اللّجوء إلى اللّجان أو النّماذج الحسابيّة الّتي لا تنتهي، وبحلول الوقت الّذي نحصل فيه على المعلومات المثاليّة، غالباً ما يكون الأوان قد فات. وينطبق هذا على الأفراد بقدر ما ينطبق على الاستراتيجيّة: هل ترقّي شخصاً غير جاهزٍ تماماً لكنّه يمتلك الرّغبة في النّموّ؟ هل تتدخّل عندما يتراجع الأداء مع علمك بأنّ الحوار سيكون صعباً؟ هل تتّخذ قرار الاستغناء عن شخصٍ، حتّى ولو كان مؤلماً؟

لقد تعلّمتُ شخصيّاً أنّ القرار الخاطئ المتّخذ بثقةٍ غالباً ما يولّد زخماً أكبر من القرار الصّائب الّذي تأخّر اتّخاذه. في "جي دبليو آي" (JWI)، الوكالة المستقلّة للإبداع والفعاليّات الّتي أترأسها كمديرةٍ تنفيذيّةٍ في دبي، شاهدتُ الفرق تتكاتف بسرعةٍ حول قرارٍ واضحٍ، حتّى وإن لم يكن كاملاً، أكثر ممّا تتكاتف حول الكمال المؤجّل.

أعظم درسٍ قياديٍّ تعلّمته هو أنّ النّاس يحترمون الصّدق، حتى حين يكون مريراً. لذلك في "جي دبليو آي"، حرصت دائماً على مواجهة التّحدّيات بأصالةٍ، لأُظهر لفريقي أنّ اهتمامي بنموّهم الشّخصيّ لا يقلّ عن اهتمامي بتطوّرهم المهنيّ. ومن خبرتي، فإنّ الغالبية العظمى من أعضاء الفريق الّذين يتلقّون ملاحظاتٍ صادقةً ومباشرةً يظهرون تحسّناً ملحوظاً خلال شهرين، بينما غالباً ما يقرّر الأشخاص غير المناسبين المغادرة خلال 6 أشهرٍ. كما تُظهر أبحاث "غالوب" (Gallup)، المختصّة بالتّحليلات والاستشارات العالميّة، أنّ نحو 21% فقط من الموظّفين حول العالم يصفون أنفسهم بأنّهم منخرطون في العمل، وحتّى في دولة الإمارات، حيث ترتفع النّسبة إلى 29%، غالباً ما تتحدّد الفجوة بين فريقٍ منخرطٍ وآخرٍ غير منخرطٍ بالثّقة في القيادة. لقد شهدتُ أنّ هذه الثّقة لا تُبنى بالتّجميل أو الصّمت، بل تُرسّخ بالصّدق، والاتّساق، والاستعداد لإجراء الحوارات التي يتجنّبها معظم النّاس.

في بيئة الشّرق الأوسط المتسارعة، لا يشبه أي ربعٍٍ سنويٍّ ما سبقه. تتبدل متطلّبات العملاء، وتتوتّر التّدفقات الماليّة، وتظهر الفرص وتختفي خلال أسابيع معدودةٍ. وقد يبدو المشهد كلّه سلسلةً متواصلةً من الأزمات الصّغيرة. وما يحافظ على توازن العمل ليس الاستراتيجيّة المثاليّة ولا التّوقّعات الدّقيقة، بل الأشخاص المتناغمون، والمرنون، والملتزمون. وهؤلاء لا يظلّون على التزامهم إلّا حين يدركون أنّ قيادتك نابعةٌ من أصالةٍ حقيقيّةٍ. وبعد عقدٍ من بناء "جي دبليو آي"، أصبحتُ أنظر إلى الأزمات نظرةً مختلفةً؛ فالتّحديات التّشغيليّة، والمدفوعات المتأخّرة، وخروج العملاء، وتقلّبات السّوق، كلّها قابلةٌ للتّجاوز، إذ لا يخلو طريقها من حلٍّ. غير أنّ التّحدّيات المرتبطة بالأفراد هي ما يشكّل ثقافة المؤسّسة، ومصداقيّتها، ومستقبلها. فهي اللّحظات التي تختبر ليس فقط قدرتك على القيادة، بل عمق قيمك أيضاً.

لهذا السّبّب أؤمن بأنّ ريادة الأعمال هي -بجوهرها- قيادة للأزمات. فالأزمات الحقيقية مستمرّة دائماً، فهي تتجسّد في الحوارات الّتي نفضل تجنّبها، وفي الحقائق الّتي علينا قولها، وفي الأشخاص الذين نختار أن ننمو معهم. وإذا تمكّنت من القيادة خلال هذه التّحديات، فأنت قادرٌ على القيادة في أيّ ظرفٍ آخر.

عن الكاتبة

تعّد "تشارلي رايت" (Charli Wright) من أصغر القيادات النّسائيّة في قطّاع الخدمات الإبداعيّة في المنطقة. ففي سن الرّابعة والعشرين فقط، انتقلت تشارلي من المملكة المتّحدة إلى دبي لتأسيس مكتب الشرق الأوسط لشركة "جي دبليو آي" (JWI) -الّتي كانت تُعرف سابقاً باسم "ريف كومونيكيشنز" (Rave Communications)- ثم طوّرته ليصبح وكالة إعلاناتٍ متكاملةً بملايين الدّولارات تعمل مع بعض أكبر العلامات التّجاريّة عالميّاً، بما في ذلك "جيليت" (Gillette)، و"آريال" (Ariel)، و"براون" (Braun)، و"باترون تيكيلا " (Patrón Tequila)، و"غراي غوس"  (Grey Goose). منذ ذلك الحين، استحوذت تشارلي على "جي دبليو آي"، متزامناً هذا الإنجاز مع الذّكرى العاشرة لتأسيسها في الشّرق الأوسط، لتفتح فصلاً جديداً ومثيراً للوكالة تحت قيادتها وملكيّةٍ شخصيّةٍ لها.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: