القيادة في الأزمات: 7 استراتيجيات لإدارة الفرق تحت الضغط
حين تهبّ العواصف وتضطرب البوصلة، لا تنجو الفرق بخططٍ محكمةٍ، بل بقيادةٍ تبصر في العتمة، وتزرع الثّقة حيث يوشك اليأس أن يستقرّ

عندما تضطرب المعايير الّتي اعتادتها الفرق، لا يعود النّجاح مرهوناً بخططٍ محكمةٍ أو أدواتٍ جاهزةٍ، بل يتجلّى في قدرة القائد على الوقوف وسط العاصفة، هادئاً، واعياً، صامداً. فالقائد لا يختبر في مواسم الرّخاء، بل في شدائد الأزمات، حين تضعف العزائم وتقلّ البدائل وتتشوّش الرّؤى. هناك فقط، تنبثق القيادة الحقيقيّة، لا كموقعٍ وظيفيٍّ، بل كقوّةٍ تلهم، وتوجّه، وتعيد بناء الثّقة في زمن التّصدّع. ومن هٰذا المنطلق، تصبح القيادة في الأزمات فنّاً استثنائيّاً، يعيد تعريف المعنى العميق للمسؤوليّة، ويكشف عن جوهر التّأثير الّذي يصنع الفرق بين النّجاة والانهيار.
ما المقصود بإدارة الفرق؟
تشير إدارة الفرق إلى تلك المهارة القياديّة الّتي تمكّن الفرد من تنظيم مجموعةٍ من الأشخاص وتنسيق أدوارهم، مع توجيه جهودهم نحو هدفٍ مشتركٍ، ضمن بيئةٍ يسودها التّفاهم والتّكامل. وتقوم هٰذه الإدارة على عدّة ركائز، أبرزها توزيع المهامّ بذكاءٍ، ومتابعة الإنجاز بكفاءةٍ، وتحفيز الأفراد بوسائل متنوعةٍ تضمن الحفاظ على دافعيتهم واستقرارهم النّفسيّ. [1]
ولا تقتصر إدارة الفرق على تسيير العمل أو تنفيذ الخطط، بل تشمل بناء ثقافةٍ جماعيّةٍ تقوم على الثّقة، والانتماء، والاحترام المتبادل، ممّا يعزز الانسجام ويضاعف من كفاءة الأداء. ومع أنّ هٰذا النّموذج يعدّ قابلاً للتطبيق في الظّروف العاديّة، إلّا أنّه يزداد تعقيداً وصعوبةً في سياقات الأزمات والطّوارئ، حين تتسارع الأحداث وتتضاءل الخيارات وتتأثّر الحالة النّفسيّة لأفراد الفريق.
7 استراتيجيات لإدارة الفرق تحت الضغط
إليك أقوى استراتيجيّات الإدارة لتوجيه الفريق بفعّاليّةٍ أثناء الأزمات:
اضبط نفسك أولاً: حافظ على الهدوء تحت الضغط
في خضمّ الأزمات، يصبح القائد مرآةً لفريقه؛ فإما أن يكون مصدراً للثّبات والطّمأنينة، وإما أن يزيد من وقع الفوضى والارتباك. فإذا بدا القائد مرتبكاً أو قلقاً، انعكس ذٰلك على أعضاء الفريق، وزاد من حدة التّوتر وانخفاض الثّقة. أمّا إذا تصرف بثقةٍ وتماسكٍ، فإنّه يرسل إشارةً ضمنيةً بأنّ الأمور لا تزال تحت السّيطرة، وبأنّ القدرة على التّعامل مع الواقع المعقد مازالت موجودةً.
وفي سياق القيادة في الأزمات، تبدأ المعركة الحقيقية داخل الذّات، لا في الخارج. فإدارة التّوتر النّفسيّ، وتجنّب ردود الفعل الانفعاليّة، ومراقبة الحالة العاطفيّة، كلها عواملٌ تجعل القائد أقدر على التّحليل المنطقي، واتّخاذ القرار الحكيم، وبثّ الرّؤيّة بثقةٍ في أوقاتٍ يغلب عليها الغموض. كما أنّ التّماسك الدّاخلي لا يخفي الأزمة، ولكنّه يشكّل جسراً نفسيّاً يعبر عليه الفريق من الفوضى إلى الوضوح، ومن الخوف إلى الأمل.
تواصل بشفافية: لا تترك فراغات
في أزمنة الضّغوط والتّقلب، يصبح غياب المعلومة أشبه بفراغٍ نفسيٍّ يتسلّل إليه الشّك وتنبت فيه الشّائعات؛ فالفريق الّذي لا يجد من يخبره بما يجري، يستبدل الواقع بالتّخمين، والوضوح بالوهم، ممّا يقوض الثّقة ويربك التّوجه الجماعيّ.
وهنا، يظهر القائد الحقيقيّ قوّته من خلال التواصل الشفاف، حيث يشارك المعلومات المتاحة بصدقٍ واتزانٍ، دون مبالغةٍ تُثير الهلع، ولا تقليلٍ يوهم بالأمان المزيّف؛ فهو يبيّن للفريق ما الّذي يحدث، وما الّذي يمكن توقعه، وما الخطوة التّالية في الخطّة.
ضع الأولويات بوضوح: ما الأهم الآن؟
في وقت الأزمات، تكتظ السّاحة بالمهامّ، ويتزاحم الضّغط مع الحاجة لاتّخاذ القرار. وفي خضمّ هٰذا التّدافع، قد يستنزف الفريق جهوده في مهامٍّ ثانويّةٍ، فيخسر الزّمن والتّركيز فيما يحدث الأثر الفعلي. ومن هنا تظهر أهميّة تحديد الأوّلويّات بوضوحٍ، كإحدى أبرز مهامّ القيادة في الأزمات. فعلى القائد أن يفرق بين ما هو عاجلٌ وملحٌّ، وما هو مهمٌّ ولكن يمكن تأجيله، وما يمكن تجاوزه في المرحلة الحاليّة، ممّا يساعد الفريق على الفهم، وتوجه الجهود نحو ما يحقّق أقصى درجةٍ من التّأثير في أقصر وقتٍ. [2]
امنح الفريق الثقة: لا تفرط في السيطرة
في لحظات الخطر، يميل القائد غريزياً إلى التّدخل في كلّ التّفاصيل، سعياً للسّيطرة على الوضع وتجنّب الخطأ. ولكن هٰذا السّلوك -على الرّغم من دوافعه المبررة- قد يؤدّي إلى إرهاق القائد، وإضعاف مبادرة الفريق، وخلق جوٍّ من الشّك والاتّكال.
في سياق القيادة تحت الضّغط، تكون القوة في التّفويض الذّكي، لا في الاستبداد بالقرار، إذ ينبغي للقائد أن يحدّد بوضوحٍ مجال كلّ عضوٍ في الفريق، وأن يمنح كلّاً منهم صلاحياتٍ تتناسب مع مسؤوليّاته، وأن يدعم بالثّقة في اتّخاذ القرار وتحمل النّتائج.
احم ثقافة الفريق: لا تتخلَّ عن القيم
حتّى في أقسى اللّحظات، وفي أشد الظّروف اضطراباً، تبقى القيم المؤسّسية -كالاحترام، والتّعاون، والنّزاهة- ركناً أصيلاً لا يجب التّفريط فيه؛ فالأزمة لا تسقط المبادئ، ولا تبيح للقائد أن يغير هويّة الفريق بحجة الضّرورة أو الاستعجال. على العكس، فإنّ القيادة في الأزمات تكمن في التّمسك بالثّوابت، وفي إظهار أنّ القيم ليست زينةً لوقت الرّخاء، بل درعاً نفسيّاً وأخلاقيّاً لوقت الشّدة.
عندما يشعر أفراد الفريق بأنّ المبادئ الّتي يحترمونها لا تزول تحت الضّغط، يزداد انتماؤهم، ويتشبثون ببعضهم أكثر. كما أن تثبيت القيم في الخطاب والممارسة يرسل رسالةً تطمينيّةً، تفيد بأنّ الهويّة الجماعيّة لا تتغير، وبأنّ الثّقة والاحترام لا تزول بتغير الظروف، وهٰذا بذاته يساهم في منع تفكّك الفريق وحفظ استقراره النّفسي والوجدانيّ.
كن مرناً وقابلاً للتكيف
في سياقٍ متغيرٍ، تصبح الخطط المسبقة، وإن كانت محكمةً، عرضةً للتّجاوز أو الإخفاق؛ لأنّها صيغت في ظروفٍ لم تعد قائمةً. وفي مثل هٰذه الحالات، تظهر أهميّة المرونة كقيمةٍ قياديّةٍ تفوق التّصلب والالتزام الأعمى بالمسار.
لا يرى القائد المرن في تغيير المسار هزيمةً، ولا في تعديل الخطّة تناقضاً، بل يعتبر ذٰلك ضرورةً استراتيجيّةً؛ فهو يقيّم الواقع بشكلٍ مستمرٍّ، ويعيد ترتيب الأولويّات بما يوافق التّحولات، ويظهر انفتاحاً على أفكارٍ جديدةٍ، حتّى لو تجاوزت المسلمات السّابقة، كلّ ذٰلك دون أن يفقد الهدف الكبير الّذي يسعى إليه. [3]
احتفل بالنجاحات الصغيرة
في خضمّ التّحدي والضّغوط، قد ينشغل القائد بإدارة الأزمة وتسيير المهام، فيغفل عن تقدير الجهود أو الاحتفاء بالخطوات النّاجحة الّتي يتم تحقيقها على طول الطّريق. ولكن هٰذه اللّفتات البسيطة -كلمة ثناءٍ، تصفيقٌ صادقٌ، أو توثيق إنجازٍ- تجدد الطّاقة النّفسيّة، وتُعيد شحذ الهمم، وتشعر الفريق بأنّ ما يفعلونه له قيمةٌ حقيقيّةٌ.
تحتاج القيادة في الأزماتإلى قائدٍ يدرك أنّ التّقدير لا يؤجّل إلى نهاية المحنة، بل يبدأ من اللّحظة، حيث يزهر الأمل في ظلّ الضّيق. لذلك، كُن كريماً في الثّناء، صادقاً في الإشادة، ودع فريقك يرى أنّ إنجازه لا يمرّ مرور الكرام.
الخلاصة
في أوقات الخوف والارتباك، تتجلّى القيادة في الأزمات ليست كنظريّةٍ أو مفهومٍ مجرّدٍ، بل كممارسةٍ حيّةٍ تستدعي الوعي، والمرونة، والشّجاعة العاطفيّة، والقدرة على اتّخاذ القرار تحت الضّغط. وعبر الاستراتيجيّات السّابقة، يستطيع القائد أن يحوّل الأزمة إلى فرصةٍ للنّمو والتّطور، وأن يثبت لنفسه ولفريقه أنّ الضّغط لا يحطّم القادة، بل يصقلهم ويصعدهم نحو مراتب العظمة الحقيقيّة. فهناك، وفي قلب العاصفة، يولد القائد الّذي لا ينقذ فقط، بل يلهم ويبني ويخلّد أثراً.
-
الأسئلة الشائعة
- ما الفرق بين القيادة في الأزمات والإدارة في الأزمات؟ تركز القيادة في الأزمات على تحفيز الفريق وتوجيهه نفسيّاً واستراتيجيّاً خلال التّحديّات، بينما تعنى الإدارة بتنظيم الموارد وتنفيذ الخطط التّشغيليّة بكفاءةٍ.
- هل تصلح جميع أنماط القيادة في أوقات الأزمات؟ لا، فالقيادة الأوتوقراطية قد تنجح في قراراتٍ عاجلةٍ، لكن القيادة التشاركية والمرنة أكثر فاعليّةً في تعزيز الاستجابة الجماعيّة والتّكيّف.
- كيف يتعامل القائد مع أعضاء الفريق الذين ينهارون تحت الضغط؟ يتعامل القائد مع أعضاء الفريق الذين ينهارون تحت الضغط من خلال: تقديم الدّعم النّفسيّ، وتخفيف الأعباء مؤقتاً، والاستماع الفعّال، وتوفير أدوات المساعدة الدّاخليّة أو الإحالة للدّعم المهنيّ إذا لزم الأمر.