العمل يتحول إلى روتين: متى يحتاج الفريق لإلهام جديد؟
حين يتسلّل الرّوتين إلى الفريق بصمتٍ، يطفئ الحماسة ويُنهك الدّافع الدّاخليّ، فيحوّل العمل إلى تكرارٍ جامدٍ لا ينهض إلّا بقيادةٍ تعيد الشّغف
يصل الفريق أحياناً إلى لحظةٍ يفقد فيها شغفه تدريجيّاً، ويتحوّل العمل معها إلى سلسلةٍ من المهامّ المتكرّرة الّتي لا تترك مساحةً للإبداع أو التّطوّر. ومع مرور الوقت، يتعمّق هٰذا الشّعور حتّى يصبح الأداء ثابتاً لا يتغيّر، بينما يختفي التّحفيز الذّاتيّ الّذي يدفع الموظّفين عادةً إلى الابتكار والسّعي نحو الأفضل. ويحدث هٰذا التّحوّل غالباً نتيجة تراكماتٍ صغيرةٍ داخل بيئة العمل، إذ تتراجع ثقافة العمل ويغيب حضور القيادة الإيجابيّة الّتي يفترض بها إعادة توجيه البوصلة وإنعاش روح الفريق. ولأنّ الجمود لا يعالج بالصّدفة، يحتاج القادة في مثل هٰذه المواقف إلى قراءة الأسباب الحقيقيّة الّتي تقف خلف الرّكود، ثمّ اتّخاذ خطواتٍ مدروسةٍ تعيد إشعال شرارة الدّافع الدّاخليّ وتعزّز قيم الالتزام والانتماء.
كيف يظهر الروتين داخل الفريق؟
يتسلّل الرّوتين إلى الفرق بشكلٍ صامتٍ حين تتكرّر المهامّ بصورةٍ رتيبةٍ دون أيّ تطويرٍ، ثمّ يترسّخ تدريجيّاً حتّى يفقد الموظّفون انخراطهم الحقيقيّ في مسؤوليّاتهم. ومع استمرار هٰذا النّمط، يقلّ مستوى الحماس وتختفي المبادرة الفرديّة، فينعكس ذٰلك على الأداء من خلال تباطؤ الإنجاز، ضعف التّواصل، وتراجع جودة المخرجات. ولا يقف الأمر عند هٰذا الحدّ، بل يكشف الرّوتين أيضاً غياب التّحفيز الذّاتيّ الّذي يجعل الموظّف يبحث عن قيمةٍ يضيفها داخل المؤسّسة. وحين تغيب ثقافة التّقدير، تتآكل روح الفريق وتتراجع الثّقة بين أفراده، ما يدفع الموظّف للعمل فقط بدافع الالتزام الوظيفيّ لا الشّغف. وفي خضمّ هٰذه التّغيّرات، تقف القيادة الإيجابيّة حجر الأساس في إعادة ضبط الإيقاع، لأنّها وحدها القادرة على تحويل الأجواء من رتابةٍ باهتةٍ إلى بيئةٍ تشجّع التّفكير الجديد وتضيء مساحات الابتكار. [1]
متى يحتاج الفريق إلى إلهام جديد؟
تحتاج الفرق إلى إلهامٍ جديدٍ عندما تبدأ الحيويّة المهنيّة بالتّراجع، وتفقد بيئة العمل قدرتها على توليد الدّافع الدّاخليّ. ويظهر ذٰلك عادةً عبر تفاصيل صغيرةٍ تتكرّر يوميّاً، إذ ينفّذ الموظّفون مهامّهم بطريقةٍ آليّةٍ، ويؤدّون مسؤوليّاتهم بلا رغبةٍ حقيقيّةٍ في إضافة قيمةٍ جديدةٍ، بينما تختفي المبادرة الّتي تعبّر عن الارتباط بأهداف المؤسّسة. ويشتدّ هٰذا التّراجع عندما تفشل ثقافة العمل في تعزيز الانخراط، أو حين تعجز القيادة الإيجابيّة عن بثّ شعور الثّقة والاعتزاز داخل الفريق.
وتكشف المؤشّرات العمليّة ملامح هٰذا الانحدار بوضوحٍ؛ إذ تتقلّص الأفكار الجديدة داخل الاجتماعات ويتحوّل النّقاش إلى تبادل معلوماتٍ بلا عمقٍ، بينما ترتفع شكاوى ضغط المهامّ رغم ثباتها، ما يدلّ على انخفاض الطّاقة النّفسيّة للأفراد. ويلاحظ القائد كذٰلك أنّ الموظّفين توقّفوا عن طرح الأسئلة أو اقتراح التّحسينات، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أنّ الرّوتين بدأ يستولي على التّفكير. ولا تتوقّف الإشارات هنا، بل يظهر التّراجع أيضاً في تباطؤ الإنجاز وتكرار الأخطاء الصّغيرة، وهي علاماتٌ لا يمكن إغفالها لأنّها تشير إلى أنّ الفريق يعمل بلا شغفٍ.
ولا تقلّ السّلوكيّات الفرديّة أهمّيّةً عن هٰذه المؤشّرات؛ إذ ينسحب البعض بصمتٍ من الأنشطة التّطويريّة، بينما يظهر على آخرين شعورٌ باللّامبالاة تجاه التّحدّيات الجديدة. وعندما يفقد الموظّف قدرته على رؤية أثر جهده داخل المؤسّسة، يتراجع الانتماء ويزداد الشّعور بالانفصال. وهٰذه إحدى اللّحظات الأكثر حساسيّةً الّتي يجب عندها على القيادة الإيجابيّة التّدخّل سريعاً لإعادة بناء الرّابط المهنيّ وإطلاق موجةٍ جديدةٍ من التّحفيز.
دور القائد في معالجة الروتين وتحفيز الفريق
يعالج القادة الإيجابيّون الرّوتين عبر بناء بيئةٍ تعيد تحفيز العقل وتدفع السّلوك نحو الإنجاز. ويبدأ هٰذا التّحوّل عندما يقرّر القائد إعادة تعريف أهداف الفريق بطريقةٍ ترتبط بالغاية الكبرى للمؤسّسة، ما يعيد للموظّف شعوره بأنّ دوره جزءٌ من مسارٍ أكبر. ومع ترسيخ هٰذا الفهم، تبعث جذوة التّحفيز الذّاتيّ من جديدٍ، لأنّ الفرد يشعر بأنّ جهده يترك أثراً حقيقيّاً. وتعزّز القيادة الإيجابيّة هٰذا المسار من خلال تعزيز ثقافة العمل القائمة على التّقدير والاحترام والدّعم المستمرّ، ما يجعل الموظّفين أكثر استعداداً للمشاركة في صنع القرار وأكثر ثقةً بقدرتهم على التّأثير.
ولا يقتصر تأثير القائد الإيجابيّ على التّحفيز، بل يمتدّ ليشمل كسر الرّوتين عبر فتح فرصٍ تدريبيّةٍ، ودفع تحدّياتٍ محسوبةٍ، وإعادة توزيع المهامّ لتوفير مساحاتٍ جديدةٍ للنّموّ. وعندما تمنح الفرق فرصاً لاكتشاف مهاراتٍ جديدةٍ، ينخفض الشّعور بالرّكود ويستعيد الأفراد طاقاتهم تدريجيّاً. [2]
كيف تبني الفرق تحفيزها الذاتي من جديد؟
تحتاج الفرق أحياناً إلى إعادة شحن طاقتها الدّاخليّة واستعادة دافعها الطّبيعيّ للعمل، وهنا يبرز دور الخطوات العمليّة التي تعيد توجيه السلوك وتعزز الشعور بالمعنى والانتماء داخل المؤسسة. ومن أبرز هٰذه الخطوات:
- يوضع الهدف بوضوحٍ ليعرف كلّ موظّفٍ دوره وأثره، لأنّ وضوح الاتّجاه يساعد العقل على التّركيز ويرفع مستوى الدّافع الدّاخليّ، خصوصاً عندما يشعر الفريق بأنّ العمل فقد معناه.
- يمنح الموظّفون استقلاليّةً أكبر في اتّخاذ القرارات اليوميّة، لأنّ الشّعور بالسّيطرة يعزّز الثّقة ويحفّز الابتكار ويقلّل من أثر الرّوتين.
- يقدّم ملاحظات مستمرّة وبنّاءة تظهر للموظّف نقاط قوّته وفرص تطويره، وهي خطوةٌ أساسيّةٌ في أيّ قيادةٍ إيجابيّةٍ لأنّها تشعره بأنّ جهده محلّ تقديرٍ حقيقيٍّ.
خلاصة
يتحوّل العمل إلى روتينٍ عندما يفقد الفريق طاقته الدّاخليّة ويتراجع التّحفيز الذّاتيّ الّذي يدفع الأفراد نحو الابتكار. ومع كلّ إشارةٍ من إشارات التّراجع، تتأكّد الحاجة إلى إعادة بنـاء ثقافة العمل وتحريك القيادة الإيجابيّة لإحياء الشّغف داخل الفريق. وعندما يعاد ترتيب الأولويّات وتعزّز قنوات الحوار ويقدّم التّقدير ويفتح المجال للنّموّ، يستعيد الفريق روحه تدريجيّاً، وتعود المؤسّسة إلى مسارها الحيويّ المليء بالإنجازات.
شاهد أيضاً: أنقذ عملك من ملل الروتين بتبنّي طقوسٍ مميّزةٍ
-
الأسئلة الشائعة
- ما الفرق بين الروتين الطبيعي في العمل والروتين المؤذي؟ يساعد الرّوتين الطّبيعيّ على تنظيم المهام وتثبيت العادات المفيدة، بينما الروتين المؤذي يطفئ الحماس ويقلل المبادرة ويجعل الموظف يعمل بلا هدف. ويظهر الروتين المؤذي عندما تتوقف المهام عن التطور، ولا يحصل الفريق على فرص جديدة للتعلم أو المشاركة. عندها يفقد العمل قيمته النفسية ويبدأ الاداء بالانحدار بشكل واضح.
- كيف يمكن للقائد اكتشاف فقدان التحفيز قبل أن يتحول إلى مشكلة كبيرة؟ يستطيع القائد اكتشاف فقدان التحفيز من خلال مراقبة المؤشرات المبكرة مثل قلة المداخلات في الاجتماعات، انخفاض جودة الاقتراحات، تجنب المشاركة في المشاريع الجديدة، ازدياد التأخير البسيط في المهام، وضعف الطاقة العامة لدى الفريق. ويفضل القائد الذكي التدخل مبكراً عبر فتح حوار مباشر وتغيير نمط العمل قبل تضخم المشكلة.