الرئيسية الريادة الصراع الصامت: كيف تُقوّض العزلة نجاح رواد الأعمال؟

الصراع الصامت: كيف تُقوّض العزلة نجاح رواد الأعمال؟

يعاني غالبية المؤسّسين العزلة بصمتٍ، ما يثقل شركاتهم ويعيق نموّها، ويؤكّد أنّ دعم المؤسّس النّفسيّ والاجتماعيّ أصبح ركائز أساسيّةً لريادة الأعمال

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

غالباً ما نحكي حكاية ريادة الأعمال كما لو كانت رحلة بطلٍ أعزل، المؤسّس المنفرد حامل الرّؤية، يسهر اللّيالي في عناءٍ لا يُحتمل، ويخوض غمار التّحدّيات بمفرده. لقد خضت تلك التّجربة بنفسي. غير أنّ استطلاعاً جديداً شمل أكثر من 100 مؤسّسٍ في أرجاء الشّرق الأوسط يفضح أنّ أسطورة "البطل المنعزل" ليست شارة فخرٍ، بل هي إشكاليّةٌ جمّةٌ. إذ أفاد أكثر من 4 من كلّ 5 مؤسّسين بأنّهم يعانون العزلة أحياناً أو دائماً، ولا يقتصر أثرها على حياتهم الشّخصيّة، بل يثقل كاهل شركاتهم ويعيق تقدّمها.

حين أسترجع رحلتي الخاصّة، أرى أنّني خضت تجربة ثلاث مسرّعات أعمالٍ على مدى 10 أعوامٍ، طوّرت خلالها شركاتٍ خدميّةً وتقنيّةً في أصقاع العالم. وبالفعل، وفّرت تلك المسرّعات أدواتٍ عمليّةً نافعةً، وساهمت في تسريع نموّ مشاريعي وإنهاء بعضها بنجاحٍ وبوتيرةٍ فعّالةٍ. غير أنّها لم تتطرّق يوماً إلى الثّقل النّفسيّ الجسيم المترتّب على بناء شركةٍ، ولا إلى التّحدّي الواقعيّ في الموازنة بين متطلّبات القيادة وحياة الإنسان الخاصّة؛ فلم يتحدّث أحد عن العافية النّفسيّة، ولا طرح أحد سؤالاً عن مهامّ الرّعاية أو الالتزامات الأسريّة، بل كان التّوقّع الضّمنيّ واحداً لا يتغيّر: الاستمرار مهما كان الثّمن. وعندما أمعنت النّظر في نتائج هذا الاستطلاع، أدركت أنّني لم أكن وحيداً في حمل عبء هذا النّهج.

تكشف نتائج الاستطلاع عن مدى اتّساع هذه المشكلة وعمقها بين مؤسّسي الشّركات النّاشئة؛ فقد اعترف أكثر من نصفهم أنّ ضيق الوقت حال دون حصولهم على الدّعم الّذي يحتاجونه، بينما أشار 41% إلى أنّ التّكاليف الماليّة للمسرّعات أو برامج الإرشاد كانت بعيدةً عن متناولهم. إضافةً إلى ذلك، اضطرّ أكثر من ثلث المؤسّسين لموازنة مهامّ الرّعاية الشّخصيّة مع إدارة شركاتهم، وهو ما قلّل من قدرتهم على الاستفادة من أنظمة الدّعم المنظّمة. لا تمثّل هذه الأرقام حالاتٍ نادرةً، بل تعكس عوائق منهجيّةً يواجهها معظم المؤسّسين ويشهدون بها بأنفسهم.

والعواقب جسيمةٌ. فقد أفاد 64% من المشاركين أنّ التّوتر والإرهاق أثرّا سلباً على قدرتهم في اتّخاذ القرارات وإدارة شركاتهم. كما كان المؤسّسون الّذين يعانون العزلة أكثر عرضةً -بنسبة 50%- لتأجيل القرارات التّجاريّة المهمّة، ما أدّى مباشرةً إلى إبطاء نموّ شركاتهم. بالإضافة إلى ذلك، أشار الكثيرون إلى صعوبة الوصول إلى فرص الاستثمار أو الشّراكات في غياب شبكاتٍ قويّةٍ، ممّا وضعهم في موقفٍ متأخّرٍ مقارنةً بأقرانهم.

في الحقيقة، ستظلّ ريادة الأعمال دوماً مشحونةً بالتّحدّيات والمصاعب، غير أنّه لا ينبغي للعزلة أن تكون إحدى هذه المحن. ويستلزم الأمر أن نعيد تشكيل رؤيتنا لدعم المؤسسّين، فلا يُنظر إليه كرفاهيّةٍ اختياريّةٍ أو كامتدادٍ ثانويٍّ، بل كركيزةٍ جوهريّةٍ وأساسيّةٍ في صرح بناء شركاتٍ متينةٍ وصحيّةٍ.

كسر الحلقة المفرغة: ما الذي يجب تغييره؟

إذا كنّا نصبو فعليّاً إلى بناء منظوماتٍ ناشئةٍ مستدامةٍ في الشّرق الأوسط وخارجه، فلا بدّ من إعادة النّظر في أسلوب دعم الّذين يقفون في صميم هذه المنظومات. وفيما يلي 3 نقاط انطلاقٍ أساسيّةٍ:

  1. إعادة صياغة نماذج الدّعم

تترك النّماذج الحاليّة -سواء المسرّعات باهظة الثّمن أو برامج الإرشاد الموحّدة- عديداً من المؤسّسين خارج دائرة الاستفادة، لا سيما وأنّ كثيراً من المرشدين والمستشارين لم يعيشوا تجربة بناء شركاتهم الخاصّة أو الخروج منها عبر بيعٍ أو اندماجٍ. ومن ثمّ، نبرز الحاجة إلى بدائل مرنةٍ، ميسورةٍ، ومصمّمةٍ بتركيزٍ كاملٍ على المؤسّس، تجمع بين الإرشاد العمليّ لبناء الأعمال وتعزيز القدرة النّفسيّة على الصّمود. وتشمل هذه البدائل المحتملة شبكاتٍ يقودها الأقران، وساعاتٍ استشاريّةً عند الطّلب، أو عضوياتٍ متدرّجةً تتكيّف مع مرحلة المؤسّس وموارده الماليّة.

  1. دمج الدّعم الشّخصيّ بالمهنيّ

المؤسّسون ليسوا آلاتٍ؛ فمهام الرّعاية، والصّحة، والعافية النّفسيّة ليست عناصر ثانويّةً، بل تشكّل ركائز أساسيّةً تؤثّر مباشرةً في قدرة الشّركة على الأداء وتحقيق النّجاح. ومن هذا المنطلق، يصبح إدراك هذه الحقيقة ودمج موارد العافية ضمن برامج دعم ريادة الأعمال أمراً حيويّاً، فهو يخفّف من مخاطر الإرهاق ويدعم فرصة المشاريع في النّموّ والتّطور. يجدر بالذّكر أنّ 9 من كلّ 10 كتب أعمالٍ رياديّةٍ كُتبت على أيدي رجال، وتغفل هذه الكتب غالباً هذه العوامل الجوهريّة؛ لهذا كتبتُ كتاب "صيغة المؤسِسة النّاجحة" لأعيد تشكيل نظرة المؤسّسين إلى النّجاح، بأسلوبٍ يجمع بين الاحترافيّة والاعتناء بالإنسانيّة.

  1. إعادة بناء ثقافة طلب المساعدة

حين نتمعّن في أسطورة المؤسّس المنعزل، العارف بكلّ شيءٍ، ندرك حاجتها إلى التّفكيك؛ فالمستثمرون ووسائل الإعلام والمنظومات الرّياديّة يمكن أن يسهموا في إعادة صياغة هذه السّرديّة، لتحتفي -ليس بالصّمود وحده، بل بالتّعاون، والإرشاد، والانفتاح. لا ينبغي لنا أن نخوض مسيرة ريادة الأعمال بمفردنا؛ فالمجتمع الدّاعم، ومرونة الدّعم، والشّفافيّة، تشكّل عناصر جوهريّةً لتسريع الوصول إلى النّجاح. كما يعدّ التّواصل مع من خاضوا التّجربة سابقاً وبنوا شركاتهم أو يسيرون على الدّرب ذاته، أمراً أساسيّاً، يمنح المؤسّسين البصيرة والتّوجيه اللّازمين لمواصلة رحلتهم بثقةٍ.

الصورة الكبرى

يحتضن الشّرق الأوسط اليوم بعض أسرع منظومات الشّركات النّاشئة نموّاً في العالم، لكن ذلك لا يضمن استدامة الابتكار ما لم نتصدّى للصّراع الصّامت الّذي يعيشه المؤسّسون في عزلةٍ؛ فغياب الدّعم النّفسيّ والاجتماعيّ لا يبطئ الابتكار فحسب، بل يستنزف الأشخاص أنفسهم ممن يقودون عجلة النّموّ.

تشكّل نتائج الاستطلاع إنذاراً واضحاً: حين يعاني 4 من كلّ 5 مؤسّسين بصمتٍ، فإنّ الأثر يتجاوز حدود شركاتهم ليصل إلى نسيج الاقتصاد الرّياديّ ككلٍ؛ فلا تقتصر أضرار العزلة على الفرد، بل تضعف الكفاءة، وتقيد الإبداع، وتحدّ من فرص الوصول إلى التّمويل الحيويّ لاستمرار المشاريع النّاشئة. لذلك، تقوم شركات المستقبل على أنظمة الدّعم الّتي نؤسّسها اليوم. ولا يجب أن تكون ريادة الأعمال رحلةً وحيدةً؛ فالمسار الرّياديّ لا ينبغي أن يتحقّق على حساب العافية أو الصّحة النّفسيّة، بل يجب أن يحتضن كليهما معاً.

حول المؤلفة

هلين مكغواير،(Helen McGuire)، رائدة أعمالٍ متعدّدة النّجاحات وأمٌّ لثلاثة أطفالٍ، ومؤلّفة كتاب "صيغة المؤسِسة النّاجحة" (The Female Founder Formula)، ومؤسّسة برنامج "ملاذ المؤسّسين" (The Founder’s Sanctuary)، البرنامج الّذي يمتدّ لتسعة أسابيع ويقدّم دعماً متكاملاً لروّاد الأعمال الّذين يقودهم شغف الابتكار والتّأثير الاجتماعيّ. بعد أن أسّست وباعت شركتين وخاضت تجربة ثلاث مسرّعات أعمالٍ حول العالم، كرّست هلين جهودها اليوم لإعادة تعريف مفهوم دعم المؤسّسين، مركّزةً على بناء بيئةٍ تجمع بين التّوجيه العمليّ والاعتناء بالصّحّة الشّخصيّة، ممّا يعزّز فرص النّجاح المستدام.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: