هل تواجه المسارات المهنية التقليدية نهايتها في عصر جيل زد؟
حين يعيد جيل زد تعريف العمل، يبتعد عن المسارات التّقليديّة ويعتمد على مصادر دخلٍ متعدّدةٍ والذكاء الاصطناعي لمواجهة عدم اليقين الماليّ
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
أعرب العديد من أصحاب العمل وزملاء العمل عن شعورهم بالإحباط تجاه ما يُقال عن مقاومة جيل زد (Gen Z) -إن لم يكن تحدّياً صريحاً- للالتزام بالأدوار والمتطلّبات التّقليديّة في مكان العمل. وتشير بياناتٌ جديدةٌ إلى أنّ أصغر أعضاء القوى العاملة لا ينوون الانصياع لهذه الانتقادات فحسب، بل يرون أنّ نماذج العمل التّقليديّة الّتي تقوم عليها تلك الانتقادات محكوم عليها بالفشل.
هذا الاعتقاد بأنّ النّماذج التّقليديّة للعمل والمسارات المهنيّة مقدّرٌ لها أن تُلقى في رماد التّاريخ يفسّر سبب تصرّف العديد من أفراد جيل زد بطرقٍ تُربك أو تزعج زملاءهم الأكبر سنّاً. ووفقاً لأحدث تقرير "جيل العمل القادم" (Next Gen of Work) الّّذي أجرته منصة العمل الحرّ (Fiverr)، أظهر مسحٌ شمل 12,000 عامل وُلدوا بين عامي 1995 و2012 أنّ الغالبيّة تعتقد أن نموذج التّدرّج الوظيفيّ داخل الشّركات سيختفي قريباً، تماماً كما اختفى مفهوم التّوظيف مدى الحياة. ويشرح هذا السّبب وراء رفضٍ كثيرٍ من أفراد هذا الجيل الامتثال لتوقّعات ومتطلّبات أماكن العمل، واعتقادهم أنّ الانصياع لنمطٍ معيّنٍ من أجل الحفاظ على وظيفةٍ طويلة الأمد أصبح طريقاً مسدوداً.
نتيجةً لذلك، أشار 18% فقط من المشاركين من جيل زد إلى أنّ التّقدّم في المهنة مع صاحب عملٍ واحدٍ يُعدّ وسيلة ذكيّة للنّجاح. والأكثر جرأةً، توقّع أكثر من نصف المشاركين -أي 54% - أن تصبح الوظائف التّقليديّة نفسها غير موجودةٍ خلال السّنوات المقبلة. ولم يذكر سوى 14% من جيل زد أنّ العمل في شركةٍ معروفةٍ يعدّ أحد طموحاتهم المهنيّة، وهو ما يعكس انفصال الجيل عن المبادئ الّتي سيطرت على التّوظيف بعد الحرب العالميّة الثّانيّة.
وليس من غير المنطقيّ أنّ العديد من أفراد جيل زد، الّذين يرون أنّ المسارات المهنيّة الّتي التزم بها الأجيال السّابقة تعيش على وقت مستعارٍ، يبدعون بدائل لنمط العمل التّقليديّ من التّاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً، أو الأسبوع المكوّن من خمسة أيام، أو الاعتماد على صاحب عملٍ واحدٍ. وفي هذا السّياق، يلجأ كثيرٌ منهم إلى ما يُعرف بـ"تكديس الدخل" (income stacking)، أي توليد مصادر دخلٍ متعدّدةٍ من خلال مزاولة أنشطةٍ مهنيّةٍ متعدّدةٍ. وأشار 67% من المشاركين في مسح (Fiverr) إلى أنّهم يعتبرون وجود عدّة مصادر للدّخل أمراً ضروريّاً لتحقيق الأمان الماليّ.
لكن، إلى جانب التّصميم الشهير لجيل زد على شقّ مساراتهم الخاصّة بما يتناسب مع اهتماماتهم الشّخصيّة -وغالباً على حساب الامتثال والتّناغم في مكان العمل- هناك عامل آخر يفسّر تنوّع أنشطتهم المهنيّة؛ فقد أظهر المسح أنّ كثيرين يشعرون بالقلق من أنّ وظيفةً واحدةً ودخلاً واحداً لن يكفي لتغطية احتياجاتهم.
وتقول ميشيل بالتروستيس (Michelle Baltrusitis)، المديرة المساعدة للمجتمع والأثر الاجتماعيّ في (Fiverr): "في ظلّ حالة عدم اليقين الاقتصاديّ، يعيش جيل زد ما نسميه "ذعر الراتب الواحد"؛ فهم ينوّعون مصادر دخلهم لأنّ الاعتماد على وظيفةٍ واحدةٍ يبدو محفوفاً بالمخاطر. بدلاً من انتظار الاستقرار، يراهنون على أنفسهم من خلال العمل الحرّ وبناء مرونةٍ ماليّةٍ كطريقٍ أذكى للمستقبل".
وتشدّد بالتروستيس على أنّ "جيل زد لا يرفض العمل، بل يعيد تعريفه". ووجد المسح أن المشاركين غالباً ما يبدأون في تطبيق هذا التّعريف الجديد حتّى قبل ترك وظائفهم بدوامٍ كاملٍ التي يعتبرونها مهدّدةً بالزّوال، إذ أفاد نحو 40% من المشاركين أنّهم يعملون أو سبق أن عملوا بشكلٍ حرٍّ إلى جانب وظائفهم التّقليديّة.
أمّا سبب هذا التّحوّل، فيعود إلى أنّ ما يقرب من نصف المشاركين اعتبروا أنّ عدم كفاية الرّاتب أكبر مخاوفهم المهنيّة. بالإضافة إلى الرّواتب التي قد تكون محدودةً من وظائفهم بدوامٍ كاملٍ، أشار العديد من أفراد جيل زد إلى أنّ التكاليف الخارجيّة مثل الإيجارات المرتفعة والأسعار المتزايدة وسداد القروض الطّلابيّة جعلت الاعتماد على وظيفةٍ واحدةٍ محفوفاً بالمخاطر.
وبينما ينتقلون من وظيفةٍ واحدةٍ إلى الاستقلاليّة في إدارة عدّة أعمال بدوامٍ كاملٍ، يتبنّى جزءٌ كبيرٌ من جيل زد تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل بطرقٍ تفيد أيضاً أنشطتهم خارج العمل؛ فقد أفاد نحو 60% من المشاركين أنّهم يثقون بهذه التّقنية لتولّي بعض مهامّهم المهنيّة، بينما قال 20% أو أكثر أنّهم يستخدمون التّطبيقات للمساعدة في العصف الذهني، وتوليد المحتوى، وتحسين الأفكار الإبداعية.
ومع أنهم يعيدون تعريف ما يعتبرونه نماذج العمل الحديثة، أظهر المسح أنّ أفراد جيل زد يظلون واعين — وربما متضايقين قليلًا — من الطريقة التي ينظر بها زملاؤهم السابقون والمستقبليون إليهم. فقد أشار نحو ربع المشاركين إلى أنّ الزملاء الأكبر سنًا مخطئون حين يصفون أعضاء الجيل الأصغر بأنهم كسالى. ويبدو أنّ ذلك يعكس استعدادهم للعمل جنبًا إلى جنب مع الأجيال السابقة، إذ لم يذكر سوى 17 في المئة منهم أنّ التقاعد المبكر يعد طموحهم المهني.
وقد يكسب هذا الموقف من جيل زد احترامًا أكبر من زملائهم الأكبر سنًا، لكنّهم سيحصلون على تقدير أعمق وشكر صادق لو قاموا أيضًا بالاهتمام بكيفية تفاعلهم اليومي ومظاهر التواصل غير المباشرة في مكان العمل.