ماذا يريد جيل زد فعلاً؟ سردية جديدة لأحلام العصر
جيلٌ رقميٌّ نشأ وسط طفرة التّكنولوجيا، يمزج بين الإبداع والابتكار والمسؤوليّة الاجتماعيّة لصياغة مستقبلٍ أكثر شمولاً وإنسانيّةً

جيل زد، الذي يطلق عليه أيضاً جيل الألفيّة الجديدة، يشير إلى فئةٍ من الأفراد ولدوا بين أواخر التّسعينيّات وأوائل العقد الثّاني من الألفيّة الثّانية. ويتميّز هٰذا الجيل بارتباطه العميق بالتّكنولوجيا والإنترنت، إذ نشأ في ظلّ طفرة الرّقمنة السّريعة الّتي أعادت تشكيل طريقة الحياة والتّعامل مع المعرفة والمعاملات اليوميّة.
جيل زد والعالم الرقمي
وعلى نحوٍ أعمق، فإنّ جيل زد لم يعش مرحلة التّكيّف مع التّكنولوجيا كما فعلت الأجيال السّابقة، بل ولد وهو محاطٌ بها، ممّا جعل التّقانة جزءاً أصيلاً من هويّته ومن أطر تفكيره وطموحاته؛ فهو جيلٌ يرى العالم من خلال الشّاشات بنفس القدر الّذي يراه بالعين المجرّدة، ويتجاور في حياته العالم الرّقميّ والعالم الحقيقيّ دون حدودٍ واضحةٍ.
تتشكّل أحلام هٰذا الجيل في سياقٍ معقّدٍ يجمع بين الفرص الّتي توفّرها العولمة والتّكنولوجيا، وبين التّحدّيات الّتي تفرضها قضايا الهويّة والبحث عن المعنى في عالمٍ متسارع التّغيّر؛ فهو جيلٌ يقيّم العمل ليس فقط بمقدار الدّخل، بل بما يوافق قيمه ويساهم في إحداث أثرٍ إيجابيٍّ في المجتمع. كما يتّسم برغبةٍ قويّةٍ في تحقيق التّوازن بين الحياة العمليّة والحياة الشّخصيّة، وبتطلّعٍ إلى الحرّيّة المهنيّة والتّعليم المستمرّ، مع انفتاحٍ كبيرٍ على التّجارب الجديدة والثّقافات المختلفة. هٰذه الخصائص لا تشكّل فقط معالم سلوك جيل زد، بل تساهم أيضاً في رسم مساره المستقبليّ وتحديد ما يريده حقّاً في زمنٍ يموج بالتّحوّلات والمتغيّرات. [1]
تطلعات جيل زد: ماذا يريد فعلاً؟
لا يمكن حصر تطلّعات جيل زد في الإطار التّكنولوجيّ فقط، على الرّغم من أنّ التكنولوجيا تشكّل عنصراً أساسيّاً في حياتهم وجزءاً أصيلاً من هويّتهم الرّقميّة؛ فهٰذا الجيل، الّذي نشأ في ظلّ ثورة المعرفة وانفجار المعلومات، يرى التّقنية أداةً للتّمكين والتّغيير، وليس غايةً في حدّ ذاتها.
وتشير الدّراسات الحديثة إلى أنّ ما يقرب من 60% من أفراد جيل زد يعتبرون أنفسهم نشطاء اجتماعيّين، وهو نسبةٌ تعكس قوّة الحسّ المدنيّ والمسؤوليّة الجماعيّة لديهم؛ إنّهم يطمحون إلى إحداث تغييرٍ حقيقيٍّ وملموسٍ على المستوى العالميّ، لا من خلال الشّعارات فقط، بل عبر المبادرات والمشاريع الّتي تمسّ القضايا الجوهريّة في العصر الحديث.
وتتوزّع مجالات اهتمامهم بين المبادرات البيئيّة الّتي تسعى لمواجهة تغيّر المناخ وحماية الموارد الطّبيعيّة، والمساعي المرتبطة بتحقيق العدالة الاجتماعيّة ومحاربة التّمييز بكلّ أشكاله، إلى جانب الدّعم القويّ للتّعليم الشّامل الّذي يمكّن كلّ فردٍ من الحصول على الفرص المتساوية للتّعلّم والتّطوّر.
ومن الزّاوية النّفسيّة والقيميّة، فإنّ جيل زد يبني تطلّعاته على مبادئ أكثر شمولاً وعمقاً، حيث يرى أنّ النّجاح لا يقتصر على المكاسب المادّيّة، بل يتجسّد في القدرة على إحداث أثرٍ إيجابيٍّ مستدامٍ، والمساهمة في صنع مستقبلٍ أفضل للجميع؛ هٰذا الفهم العميق لدورهم في العالم هو ما يجعل تطلّعاتهم تتجاوز الحدود الضّيّقة للتّكنولوجيا، لتصبح رحلةً شاملةً تجمع بين الإبداع التّقنيّ والمسؤوليّة الإنسانيّة. [2]
أحلام جيل زد في العصر الرقمي
يعيش جيل زد في بيئةٍ رقميّةٍ متسارعة الإيقاع، حيث أصبحت التّكنولوجيا لا تؤثّر فقط في أسلوب حياتهم، بل في طموحاتهم وتوجّهاتهم المستقبليّة أيضاً؛ فهم جيلٌ يرى في التّقانة نافذةً للإبداع وفرصةً لإعادة تشكيل العالم، ممّا جعل أحلامهم ترتبط بقوّةٍ بمجالات الابتكار والفنون الرّقميّة والمبادرات الّتي تجمع بين الإبداع والأثر المجتمعيّ. ومن أكثر المجالات الّتي لقيت اهتمامهم تطوير الألعاب الإلكترونيّة وتجارب العالم الافتراضيّ، حيث يرون فيها مساحةً للتّجربة والابتكار وبناء العوالم الجديدة.
ريادة الأعمال التكنولوجية
أدّت الطفرة الرقمية إلى دفع جيل زد نحو ريادة الأعمال؛ فأصبح الكثيرون منهم يرون في إنشاء مشاريعهم الخاصّة سبيلاً للاكتفاء الذّاتيّ وإحداث الفرق. وتبيّن الأبحاث أنّ نحو 45% من أفراد هٰذا الجيل يطمحون لإطلاق شركاتٍ ناشئةٍ تعتمد على الحلول التّكنولوجيّة المبتكرة، كالتّطبيقات الذّكيّة والمنصّات الرّقميّة. ويعكس هٰذا التّوجّه رؤيتهم لريادة الأعمال ليس كأداةٍ للتّربيح المادّيّ فقط، بل كآليّةٍ لحلّ المشكلات وتحسين حياة المجتمع.
الفنّ الرقمي والإبداع
يحتلّ الفنّ الرّقميّ مكانةً محوريّةً في أحلام جيل زد، حيث يعتبر وسيلةً رئيسيّةً للتّعبير عن الهويّة والأفكار الشّخصيّة. وباستخدام أدواتٍ متقدّمةٍ مثل الذكاء الاصطناعي والتّصميم الجرافيكيّ، يطوّر أفراد هٰذا الجيل أعمالاً فنّيّةً تمزج بين الإبداع والتّقنية. وقد أظهرت الدّراسات أنّ نصف أفراد جيل زد يشاركون في أنشطةٍ فنّيّةٍ رقميّةٍ، وهو ما يعزّز فرص تطوير المواهب وتجسيد الأفكار بصورٍ مبتكرةٍ تجمع بين الجماليّات والتّقانة.
هوية جيل زد: ملامح جديدة
لا تعتبر هويّة جيل زد كياناً ثابتاً أو صورةً جامدةً، بل هي مفهومٌ ديناميكيٌّ يتطوّر باستمرارٍ تحت تأثير العوامل الثّقافيّة والاجتماعيّة والتّكنولوجيّة. ويعدّ التّكيّف والمرونة من أبرز سماتهم، فهم قادرون على مواجهة التّغيّرات المتسارعة والتّعامل معها بسلاسةٍ، ممّا يمكّنهم من الابتكار واستكشاف فرصٍ جديدةٍ في مجالاتٍ مختلفةٍ.
الهوية الرقمية الفردية
ترتكز هويّة جيل زد في جانبٍ كبيرٍ على الوجود الرّقميّ، فهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كمنصّاتٍ للتّعبير عن أنفسهم، واستكشاف العوالم الجديدة، وتبادل الأفكار والمعتقدات. وهٰذه الأدوات لا تساعدهم فقط على بناء صورتهم الذّاتيّة، بل تساهم أيضاً في تشكيل طريقتهم في فهم العالم والتّعامل مع القضايا الاجتماعيّة؛ فهم ينقلون رؤاهم وأفكارهم إلى جمهورٍ واسعٍ، ممّا يحوّلهم إلى صنّاع رأيٍ ومؤثّرين في مسائل عالميّةٍ ومحلّيّةٍ على حدٍّ سواءٍ.
الهوية الجماعية والمشاركة الاجتماعية
وعلى الرّغم من تركّز جزءٍ كبيرٍ من هويّة جيل زد على الفرديّة، إلّا أنّهم يظهرون ميلاً واضحاً لتعزيز روح الجماعة والمشاركة الفاعلة في القضايا المشتركة. فمن خلال المنصّات الاجتماعيّة، يتعاونون في إطلاق حملاتٍ تركّز على قضايا محوريّةٍ مثل العدالة الاجتماعيّة، وتحقيق التّعليم الشّامل، ودعم الحرّيّات الأساسيّة. ويؤدّي الانخراط في المجتمعات الافتراضيّة إلى تعزيز شعورهم بالانتماء، مع منحهم صوتاً مؤثّراً وحضوراً فعّالاً في مجال الحوار واتّخاذ القرار.
-
الأسئلة الشائعة
- ما العوامل التي ساهمت في تشكيل هوية جيل زد؟ ساهمت العولمة، والتّكنولوجيا، والانفتاح الثّقافيّ، وتغير القيم الاجتماعيّة في تشكيل هويّة جيل زد المتجدّدة.
- كيف تؤثر التكنولوجيا على تطلعات جيل زد المهنية؟ توفّر التّكنولوجيا فرصاً لريادة الأعمال، والعمل المرن، وتطوير مهاراتٍ مبتكرةٍ تدعم طموحاتهم المستقبليّة.
- ما دور جيل زد في التغيير الاجتماعي؟ يقود جيل زد مبادراتٍ توعيّةً وقضايا العدالة الاجتماعيّة والمناخ، ويوظّف المنصّات الرّقميّة لنشر الأفكار والتّأثير الإيجابيّ.