إعادة السرد طريق إلى عرض أقوى: فهل تمضي فيه؟
حين تنجرف إلى إلصاق هويّتك بملصقٍ جامدٍ، يتّضح أنّ قوّتك الحقيقية تنبع من فعلٍ يوسّع حضورك ويعيد صوغ سردك ويمنح عرضك أثره الأعمق
تخيّل المشهد. تدخل مطبخك، تفتح أوّل خزانةٍ أمامك، وتمسك بأقرب مرطبان. ترى شعار العلامة التّجاريّة، واسم المنتج، وقائمة المكوّنات. حسناً، إنّ الهدف من كلّ ذلك هو أن تبقى هويّة هذا المنتج مركّزةً وواضحةً، وقبل كلّ شيء ثابتةً. ومن الطّبيعيّ أن يبدو وجود ملصقٍ في هذا السّياق أمراً منطقيّاً، أليس كذلك؟ غير أنّ محاولةَ إلصاق ملصقٍ واحدٍ بأنفسنا لتثبيت هويّتنا لا تقتصر على كونها فكرةً مضلِّلةً، بل تنطوي أيضاً على خطرٍ خفيٍّ.
لذلك، لا مفرّ من مواجهة ما يلوح في الأفق: وصفُ الانطوائيّ. فمن جهةٍ، يمنحنا هذا التّصنيف شعوراً بالهويّة والثّقة والانتماء، إذ يقدّم لنا إطاراً نتحرّك داخله ونفهم به أنفسنا. غير أنّه، من جهةٍ أخرى، قد يحوّل هويّتنا إلى قالبٍ جامدٍ يحاصرنا، فيدفعنا إلى التّفكير المحدود، ويغرس فينا معتقداتٍ تُقزّم قدراتنا، ويُغري سلوكنا بالدّوران في فلك الصّورة الّتي نرغب في حمايتها. وهكذا، تغدو الكلمات الّتي نستخدمها لوصف ذواتنا أكثر من مجرّد تعابير؛ إذ تتحوّل إلى قوىً موجِّهةٍ تُعيد رسم مسار حياتنا.
الحلّ إذن؟ بدلاً من تثبيت هويّتك كلّها على اسمٍ واحد جامدٍ، استخدم فعلاً يُوسّع وجودك ويغذّي منظومة معتقداتك. فبدلاً من قول: "أنا انطوائيٌّ"، يمكنك أن تقول: "أنا شخصٌ يتعلّم أكثر بالإصغاء لا بالكلام"، أو: "أنا إنسانٌ يزدهر حين يبني علاقاتٍ مقصودةً ضمن دوائر حميمةٍ". هل أدركت الفكرة؟
وها هي حقيقتي: ما تظنّه "نقائص" تُعيقك عن الإلقاء المؤثّر، هو في الحقيقة عينُ ما يمنحك تأثيرك وقوّتك. وإليك أربع طرائق لتقديم نفسك بفعاليّةٍ لأولئك الّذين صنّفوا أنفسهم يوماً على أنّهم "انطوائيّون":
-
احرص على أن يحمل عرضك قيمةً حقيقيةً لحلّ مشكلةٍ كبيرةٍ
قد يستهلك الإنسان ساعاتٍ طويلةً في إعداد عرضٍ تقديميٍّ مثاليٍ أو شرائح باوربوينت متقنةٍ، فيشعر بالنّشاط والانشغال، غير أنّ هذا لا يعني بالضّرورة تحريك الأمور قُدماً أو إحداث أثرٍ ملموسٍ؛ فهناك وقتٌ ومكانٌ لصقل الشّرائح، لكن الجوهر يكمن في فهمك العميق للأشخاص الّذين تخدمهم. كيف تختار المحتوى المناسب إذا لم تعرف أوّلاً جمهورك وما يحتاج إليه حقّاً؟
لذلك، قبل أن تقدّم عرضك المقبل، تأمّل جمهورك بدقّةٍ، وكن مستعدّاً للإجابة عن الأسئلة الجوهريّة التّالية:
- ما المشكلة الكبيرة الّتي يواجهها الجمهور ويجد صعوبةً في تجاوزها؟
- ما الّذي يعتقدون أنّه السّبب الجذريّ لهذه المشكلة؟
- ما المحاولات الّتي قاموا بها لتخفيف ألمهم والّتي لم تثمر؟
- كيف ستتبدّل حياتهم على المستويين الشّخصيّ والمهنيّ عند بلوغ الهدف المرجو؟
- كيف ستبدو حياتهم بعد عامٍ كاملٍ إذا لم يحدث أيّ تغييرٍ؟
تمثّل هذه الأسئلة البداية فقط، ومع ذلك، فإنّ الإجابات عليها تشكّل أساساً صلباً ومتّسقاً لصياغة عرضٍ تقديميٍّ ينسج صلةً حقيقيّةً بينك وبين جمهورك، ويمنح محتواك قدرةً على التّأثير العميق.
-
ابدأ بقصّةٍ شخصيّةٍ
عندما تبدأ عرضك بقصّةٍ، فإنك لا تمنح نفسك بُعداً إنسانيّاً فحسب، بل تبني أيضاً الحبل الرّابط الضّروريّ لتشكيل صلةٍ حقيقيّةٍ ومؤثّرةٍ مع جمهورك. والسّؤال هنا: كيف يمكن القيام بذلك بفعاليّةٍ؟
إليك 5 خطواتٍ بسيطةٍ:
- قدّم الشّخصيّة الرّئيسة، والمكان، ورغبتها الكبرى.
- أضف عنصر التّوتر إلى قصّتك بإدخال شخصيّةٍ مضادّةٍ أو عقبةٍ تمثّل الشرّ أو التّحدّي.
- أظهر اللّحظة الفاصلة أو "لحظة الإدراك" الّتي غيّرت كلّ شيءٍ.
- اختتم بتحوّلٍ يُبرز انتصار الشّخصيّة الرّئيسة، من الألم إلى المجد.
- اختتم بالعبارة التّالية: "وهنا يكمن السّبب في أهميّته بالنّسبة لك…" واربط الرّسالة الجوهريّة لقِصّتك بالمشكلة الكبرى الّتي يواجهها جمهورك، لضمان الصّلة والسّياق المهنيّ.
احرص على البساطة والاختصار، وتذكّر أنّه إذا أخفقت كلّ المحاولات الأخرى، فابدأ دوماً بقصّةٍ إنسانيّةٍ يمكن للجمهور أن يتعاطف معها، تعرقلها عقبةٌ محدّدةٌ، وتنتهي بتحوّلٍ يُبرز الإنجاز والتغلّب على التّحدّي.
-
تمرّن على النّهاية قبل أن تُركّز على مجرد الإنهاء
يتمرّن غالبيّة النّاس على كيفيّة بدء عرضهم لتخفيف التّوتر، ويكرّس غالبية منهم وقتهم لصقل محتوى العرض لضمان تقديم قيمةٍ حقيقيّةٍ. غير أنّ القليل منهم فقط يخصّصون وقتاً للتفكير في كيفيّة اختتام تفاعلهم مع الجمهور، ويكتفون غالباً بالارتجال.
لذلك، أدعوك للتأمّل في هذا، صديقي: الهواةُ يتصرّفون بعفويّةٍ حقيقيّةٍ، أمّا المحترفون فيُتقنون الأداء ليبدو وكأنّهم يتصرّفون بعفويّةٍ. احرص على تمرين نفسك على طريقة الإنهاء بحيث لا تختتم عرضك بطاقةٍ باهتةٍ أو خافتةٍ، بل اجعله ختاماً يعزّز الرّسالة الجوهريّة، ويترك لدى الجمهور فهماً واضحاً للحركة والمهمّة الّتي تبنيها.
-
استعد شعور الهدوء
يمكننا الحديث عن تطوير روتينٍ قبل العرض يمنح تأثيراً أكبر، لكنّنا نعيش في عالمٍ غير كاملٍ، حيث لا يكون الوقت دوماً في صالحنا؛ فإذا وجدت نفسك في موقفٍ حرجٍ أو حسّاسٍ، مع وقتٍ ضئيلٍ أو معدومٍ لاستعادة شعورك بالهدوء، أدعوك لتجربة تقنية التّنشّق الفزيولوجيّ، وهي أسلوبٌ اكتُشف في ثلاثينيّات القرن الماضي لمساعدتنا على استعادة السّيطرة بسرعةٍ على مشاعر التّوتر أو القلق.
الطّريقة بسيطةٌ للغاية: خذ شهيقين عميقين عبر الأنف، يتبعه زفيرٌ طويلٌ من الفمّ مع الشّفاه المضمومة. ستشعر فوراً بالهدوء، وتخفّف التّوتر، وتستعيد حضورك الذّهنيّ. كرّر هذه العملية عدّة مرّاتٍ إذا احتجت إلى تعزيز هذا الشّعور بالاسترخاء والنّشاط الدّاخل.
لا توجد أيّ تكتيكاتٍ أو استراتيجيّاتٍ أو أطر عملٍ يمكن أن تمنحك القدرة الحقيقيّة على الإلقاء المؤثّر ما لم تكن منخرطاً في رحلةٍ صادقةٍ من التّأمّل الذّاتيّ. بالنّسبة للبعض، قد يشمل ذلك الانخراط في ممارسة التّدوين أو التّأمّل؛ أما للبعض الآخر، فقد يعني الانخراط في محادثاتٍ تأمّليةٍ مع معالجٍ نفسيٍّ، أو مرشدٍ، أو مدرّبٍ، أو صديقٍ، حيث يكون من الآمن أن تكون صريحاً وضعيفاً في آنٍ معاً. أدعوك لأن تكون مرناً في اختيار أسلوبك، مع التّمسّك بمعتقدٍ جوهريٍّ واحدٍ: العمل الدّاخليّ يصنع النّجاح الخارجيّ.
وهذه حقيقتي: كلّما شعرت براحةٍ أكبر مع ذاتك، ازداد تأثيرك وقوّتك كمقدّم عروضٍ.
حول الكاتب
"رافي راجاني" (Ravi Rajani) هو متحدّثٌ رئيسيٌّ عالميٌّ وخبيرٌ في التّواصل، ومؤلّف كتاب "عملة العلاقات: 5 عادات تواصل لتحقيق تأثيرٍ غير محدودٍ ونجاحٍ في الأعمال" (Relationship Currency: Five Communication Habits for Limitless Influence and Business Success.).