هل الميتافيرس يموت ببطء أم يغيّر شكله؟ حقائق يجب معرفتها
عالم افتراضيٌّ واعدٌ يتأرجح بين خفوت الحماسة وبوادر النّضج في انتظار تحوّلٍ تقنيٍّ يُعيد تشكيل ملامح المستقبل الرّقميّ ليمنحه حياةً جديدةً

الميتافيرس، ذلك العالم الافتراضي الواعد الّذي أسر خيال الملايين، يطرح اليوم تساؤلاً جوهريّاً: هل نحن أمام أفول بطيءٍ لهذا الحلم الرّقميّ، أم نشهد ولادةً جديدةً عبر تحوّلٍ جذريٍّ في مساره؟ فبعد الموجة الأولى من الحماسة والاهتمام الّتي أحاطت بمفهومه وما يحمله من إمكاناتٍ لا محدودةٍ، بدأت تتكشف تحديّاتٌ وسلبياتٌ أبطأت من اندفاعته، ودفعت البعض للتّشكيك في جدواه. ورغم ذلك، لا تزال منصّاته الرّئيسة تشهد تطوّراتٍ ملحوظةً، وتستمرّ تطبيقاته في التّوسّع ضمن مجالاتٍ متعدّدةٍ، ما يشير إلى أنّ القصّة لم تُكتب نهايتها بعد. فهل الميتافيرس حلمٌ يتلاشى، أم مشروعٌ يُعاد تشكيله ليواكب ملامح المستقبل الرّقميّ؟
ذلك ما سنسعى إلى استكشافه في سطور هذا المقال.
مفهوم الميتافيرس
الميتافيرس هو تقاطعٌ مبتكرٌ بين واقعنا الماديّ والفضاء الرّقميّ، عالمٌ افتراضيٌّ يتجاوز حدود الشّاشة، نلجه عبر أجهزةٍ وتقنياتٍ غامرةٍ كالواقع الافتراضي والمعزز، بل وحتى المختلط، ليمنحنا تجربةً حسيّةً متكاملةً أقرب ما تكون إلى الواقع. ويذهب كثيرون إلى اعتباره امتداداً طبيعيّاً لمسيرة تطوّر الإنترنت، بل نسخته القادمة، حيث يقدّم بيئةً رقميّةً ثلاثيّة الأبعاد، مستمرّةً ومشتركةً، تنتقل فيها الهويّات والأصول الرّقميّة بسلاسةٍ بين تجارب متعدّدةٍ، من التّرفيه والتّعليم إلى الاقتصاد والعمل.
ورغم أنّ فكرة وجود عالمٍ رقميٍّ موازٍ ليست وليدة اليوم، إلّا أن القفزات التّكنولوجية في السّنوات الأخيرة -من انتشار الهواتف الذّكيّة، إلى شبكات الإنترنت عالية السّرعة، وصولاً إلى تطوّر الألعاب التّفاعليّة- قد قرّبت هذا الحلم من الواقع، وجعلت من الميتافيرس تصوّراً ملموساً أكثر من كونه خيالاً تقنيّاً. [1]
حقائق حول الميتافيرس
في نوفمبر من عام 2021، أحدثت شركة فيسبوك (Facebook) -الّتي أعادت تسمية نفسها لاحقاً إلى "ميتا" (Meta) — زوبعةً إعلاميّةً بإعلانها استثمار عشرة مليارات دولارٍ في تطوير تجارب الواقع الافتراضي، مُعلنةً بذلك انطلاقتها الكبرى نحو بناء عالم الميتافيرس. وقد دفع هذا الإعلان شخصيّاتٍ بارزةً، مثل بيل غيتس، إلى التّنبؤ بأنّ الميتافيرس سيكون واجهة الحوسبة التّالية، ومرحلةً مفصليّةً في تطوّر الإنترنت.
إلّا أنّ هذه الآمال المتفائلة، على ما يبدو، كانت سابقةً لأوانها. فبحلول عام 2024، بدأت فقاعة الميتافيرس في الانكماش، بعدما اصطدمت التّطلّعات بالواقع. ورغم ضخامة استثمارات ميتا في مشاريع مثل "Horizon Worlds"، إلّا أنّ مستوى تفاعل المستخدمين لم يرتقِ إلى التّوقّعات، حيث كشفت الإحصاءات عن أرقام متدنيةٍ للغاية في عدد المستخدمين النّشطين، سواء على "Horizon Worlds" أو "Decentraland"، أبرز منصات العوالم الافتراضيّة.
وقد شكّلت هذه الحقائق خيبة أملٍ كبيرةً، إذ فشلت التّجارب الأوّليّة للميتافيرس في إشعال خيال الجمهور أو جذبهم للبقاء، ما دفع المستثمرين والمطوّرين لإعادة النّظر في أولويّاتهم. وبسرعةٍ، تحوّلت بوصلة الاهتمام نحو الذكاء الاصطناعي التوليدي، الّذي بدا أكثر واقعيّةً، وأكثر قدرةً على تحقيق عوائد فوريّةً، بل إنّ شركاتٍ كبرى مثل مايكروسوفت (Microsoft)، وحتّى مارك زوكربيرج نفسه -رائد حلم الميتافيرس- أعادوا توجيه استثماراتهم نحو الذكاء الاصطناعي، واصفين إيّاه بأنّه أكبر استثمارٍ فرديٍّ في تاريخ ميتا، تجلّى في إطلاق روبوتات دردشةٍ ذكيّةٍ مستوحاةٍ من شخصياتٍ مشهورةٍ. [1]
هل الميتافيرس يموت ببطء أم يغير شكله؟
يمكن القول إن الميتافيرس، حتى اللّحظة، لم يرقَ إلى مستوى التّوقّعات، نتيجة جملةٍ من التّحديّات الجوهريّة: من القيود التّقنيّة، إلى تجارب المستخدم غير النّاضجة، مروراً بتكاليف الدّخول الباهظة، وانتهاءً بالمخاوف المتزايدة بشأن الخصوصيّة. وقد جاء صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي ليضاعف من تراجع وهج الميتافيرس، إذ تحوّل الاهتمام الجماهيريّ والاستثماريّ نحوه بوصفه التّقنية الأجدر بالرّهان.
ورغم هذا الانحسار الواضح في الزّخم الإعلاميّ والتّجاريّ، لا يمكن القول إن الميتافيرس قد طُوي تماماً؛ فالمجال لا يزال في مراحله التّأسيسيّة الأولى، وما زالت التّقنيات الكامنة خلفه تُظهر بوادر نضجٍ وتطوّرٍ واعدين، وإن كانت آثارها العمليّة لم تَبلغ بعد المستوى الّذي يُلهم المستخدمين على نطاقٍ واسعٍ.
وقد شكّل إطلاق جهاز Vision Pro من شركة "آبل" (Apple) بصيص أملٍ جديدٍ، إذ أعاد إحياء الحديث عن واقعٍ افتراضيٍّ أكثر تطوّراً. ولكن، ظلّ هذا الاهتمام محدوداً، إذ إنّ التّجارب السّابقة التي خيّبت آمال المستخدمين الأوائل ألقت بظلالها على توقّعات السّوق. ومع ذلك، فإنّ تسارع الابتكار في مجالات الواقعين الافتراضي والمعزز، إلى جانب تحسيناتٍ مرتقبةٍ في تجربة الاستخدام، قد يُمهّدان لعودةٍ تدريجيّةٍ في الاهتمام. لا سيما أنّ التّكامل المحتمل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي -الّتي باتت قادرةً على إنشاء عوالم رقميّةٍ أكثر تفاعليّةً وحيويّةً- قد يفتح آفاقاً جديدةً تُعيد للميتافيرس بريقه المفقود. [2]
ما هي سلبيات الميتافيرس؟
رغم الوعود الكبيرة الّتي يحملها الميتافيرس بوصفه فضاءً رقميّاً ثوريّاً، إلّا أنّ طريقه نحو التّحقّق لا يخلو من تحديّاتٍ جوهريّةٍ ومخاطر محتملةٍ، تتطلّب معالجةً حذرةً ومتأنيّةً قبل أن يصبح جزءاً أصيلاً من حياتنا اليوميّة. إذ لا تقتصر هذه التّحديات على الجوانب التّقنيّة أو الاقتصاديّة فحسب، بل تمتدّ لتشمل أبعاداً أكثر تعقيداً، تتعلّق بالخصوصيّة، والأمان، والتّأثيرات الاجتماعيّة والنّفسية العميقة، ومن أبرزها: [3]
- قضايا الخصوصيّة: سيؤدّي تتبّع سلوك المستخدمين المكثّف عبر تقنياتٍ، مثل: تتبّع حركة العين وأجهزة الاستشعار الجسديّة إلى جمع كميّاتٍ هائلةٍ من البيانات الشّخصيّة الّتي يمكن استغلالها تسويقيّاً أو لأغراضٍ سلبيّةٍ أخرى.
- حماية الأطفال: يصبح من الصّعب مراقبة ما يفعله الأطفال في العالم الافتراضيّ، حيث لا يمكن للوالدين رؤية ما يشاهدونه من خلال نظّارات الواقع الافتراضيّ.
- المخاوف الصّحيّة: قد تسبّب تجربة العودة من عالمٍ افتراضيٍّ غامرٍ إلى الواقع اكتئاباً وحزناً، كما يزيد خطر الإدمان على قضاء الوقت في هذه العوالم.
- عدم المساواة في الوصول: تتطلّب تقنيات الميتافيرس أجهزةً باهظةً الثّمن واتّصالاً قويّاً بالإنترنت، ممّا يحد من وصول الجميع إليها ويخلق فجوةً رقميّةً.
- قوانين الميتافيرس: تثير التّفاعلات داخل الميتافيرس تحديّاتٍ قانونيّةً وتنظيميّةً جديدةً، مثل تعريف الجريمة الافتراضيّة وكيفيّة التّعامل معها.
- اختراق الهوية: يواجه المستخدمون خطر سرقة هويّاتهم الرّقميّة كالصّور الرّمزيّة في الميتافيرس، ممّا قد يؤدّي إلى انتحال الشّخصيّة وإحداث فوضىً في حياتهم الافتراضيّة والواقعيّة.
في الختام، يمكننا الإشارة إلى أنّ الميتافيرس سيبقى تقنيةً في طور التّكوين، تواجه تحديّاتٍ كبيرةً تتطلّب حلولاً مبتكرةً لضمان مستقبله؛ فهل سيتمكّن من التّغلب على عقباته ليصبح جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا الرّقميّة؟ أم يغيب أثره كالعديد من الفقاعات الرّقميّة الّتي انبثقت خلال مسار الثّورة التّكنولوجية الأخيرة.
-
الأسئلة الشائعة
- هل انتهى عصر الميتافيرس بالفعل؟ لا، الميتافيرس لم ينتهِ بعد، بل يمرّ بمرحلة تطوّرٍ وتغييرٍ في ظلّ تحديّاتٍ تقنيّةٍ واقتصاديّةٍ.
- ما هو التحدي الأكبر الذي يواجه الميتافيرس حالياً؟ أكبر تحدٍ يواجه الميتافيرس هو جذب وإبقاء المستخدمين بشكلٍ فعّالٍ، مع تقديم تجارب قيمةٍ ومجديةٍ.