من الفكرة إلى الهيمنة السوقية: أين تكمن معادلة النجاح؟
يرى حسن حيدر أنّ نجاح الشّركات النّاشئة لا يتحقّق بالتّمويل وحده، بل بقدرة فرقها على التّنفيذ والانضباط، مؤكّداً أنّ نضج المنظومة الرّياديّة في المنطقة يبدأ من الواقعيّة والاستدامة
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
حسن حيدر هو المؤسّس المشارك والشّريك الإداريّ في شركة "بلس في سي" (Plus VC)، وهي شركة رأس مال مغامر مقرّها الإمارات العربيّة المتحّدة، تستثمر في الشّركات النّاشئة التّقنيّة والتّقنية المدعومة عبر منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وجاليّاتها المنتشرة. يشير حسن إلى أنّ شركة "بلس في سي" غير مقيّدةٍ بقطّاعٍ معيّنٍ إلى حدٍّ كبيرٍ، ويرتكز منهجها الاستثماريّ على اكتشاف الفرق المؤسِّسة الّتي تتحلّى بقدرةٍ قويّةٍ على التّنفيذ. ويضيف: "نميل للاستثمار في المشاريع الّتي تخرج عن المألوف، والّتي قد تبدو في البداية غريبةً بعض الشّيء، باعتبارها الاستثناءات غير الواضحة، ومن خلالها تتحقّق العوائد الحقيقيّة لرأس المال المغامر. ونحن نؤمن بأنّ منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا تزخر بالمواهب والفرص غير المستغلَّة، ونسعى لتأدية دورٍ رياديٍّ في صياغة منظومة الشّركات النّاشئة فيها".
تميل شركة "بلس في سي" عادةً إلى ضخّ أولى استثماراتها في مراحل ما قبل التّأسيس (Pre-Seed) وحتّى التّمويل الأوّليّ (Seed)، غير أنّ حسن يشير إلى أنّ طبيعة التّمويل اليوم أصبحت أكثر مرونةً، إذ لا تعكس تسميات الجولات دائماً الواقع الفعليّ للأعمال. فيقول: "تسمية الجولة الاستثماريّة ليست أمراً ثابتاً بالضّرورة؛ فقد شهدنا شركاتٍ ناشئةً تحقّق ملايين الدّولارات من الإيرادات وتعلن عن جولات تمويلٍ أوليّةٍ، بينما تعلن أخرى ذات زخمٍ ضئيلٍ عن جولاتٍ من السّلسلة "ب" (Series B). بشكلٍ عامٍّ، تولّد شركات الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا إيراداتٍ أكبر وتمتلك نماذج أعمالٍ فعليّةً قبل الشّروع في جمع التّمويل، ما يجعل مرحلة الشّركة أكثر تقدّماً مقارنةً بوادي السيليكون، على سبيل المثال. في منطقتنا، عادةً ما تحقّق الشّركات النّاشئة في مرحلة السّلسلة "أ" (Series A) إيراداتٍ تتجاوز مليون دولارٍ أمريكيٍّ، بينما قد لا تكون الشّركات المماثلة في وادي السيليكون قد بدأت بتحقيق أي دخلٍ بعد.
يوضّح حسن أنّ هذا التّباين في تصنيف الجولات الاستثماريّة ناتجٌ عن اختلاف مستويات نضج السّوق، وتوجهات المستثمرين، وخبرة المؤسّسين عبر المنطقة. ويقول: "قد تبدو جولة التّمويل الأوّليّة في سوقٍ ما بمثابة جولة السّلسلة "أ" في سوق آخر؛ فالتّسميات غالباً ما تعكس الصّورة الانطباعيّة لعمليّة جمع التّمويل أكثر من كونها مؤشّرات صارمةً على الإنجازات."
ويستعرض حسن رؤية شركة "بلس في سي" لمراحل التّمويل في المنطقة، بدءاً من مرحلة ما قبل التّأسيس (Pre-Seed)، الّتي تُستخدم عادةً للتّحقق من جدوى فكرة الشّركة النّاشئة وبناء المنتج الأوّليّ القابل للتّطبق (MVP). ويضيف: "في هذه المرحلة، تمتلك الشّركات النّاشئة غالباً فريقاً تأسيسيّاً صغيراً، ومفهوماً واضحاً، وربّما تعمل على نسخةٍ مبكّرةٍ من المنتج. وتتراوح جولات التّمويل بين 50,000 و1,000,000 دولارٍ أمريكيٍّ، ويأتي رأس المال عادةً من المستثمرين الملائكيّين، وحاضنات الأعمال، أو شركات رأس المال المغامر المتخصّصة في المراحل المبكّرة مثل "بلس في سي".
تليها مرحلة التّمويل الأوّليّ، حيث يوضّح حسن أنّ هذه الجولة تهدف أساساً لدعم تطوير المنتج، وكسب المستخدمين الأوائل، واختبار استراتيجيّات دخول السّوق. ويشرح موضّحاً: "تمتلك الشّركات النّاشئة في هذه المرحلة غالبًا نسخةً عمليّةً من المنتج الأوّليّ، وزخماً أوّليّاً، وتكون قد بدأت بتحقيق إيراداتٍ مبكّرةٍ أو إظهار تفاعلٍ قويٍّ من المستخدمين. وتتراوح مبالغ التّمويل عادةً بين 500,000 و2,000,000 دولارٍ أمريكيٍّ، ويقدّمها مستثمرون ملائكيّون استراتيجيّون أو شركات رأس المال المغامر المتخصّصة في المراحل المبكّرة."
بعدها تنتقل الشّركات إلى مرحلة السّلسلة "أ"، الّتي تهدف -بحسب حسن- إلى تمكينها من توسيع عمليّاتها، وزيادة حجم فريق العمل، وتوسيع قاعدة العملاء. ويضيف: "في هذه المرحلة، تكون الشّركة قد حقّقت عادةً توافق المنتج مع السوق، مع وجود إيراداتٍ متكرّرةٍ، ومؤشّراتٍ أوّليّةٍ على نموذجٍ قابلٍ للتّوسّع في استحواذ العملاء. وتتراوح مبالغ التّمويل بين 2,000,000 و10,000,000 دولارٍ أمريكيٍّ، وتقود الجولة شركات رأس المال المغامر المؤسسيّة والإقليميّة.
عندما تصل الشّركات النّاشئة إلى مرحلة السّلسلة "ب" وما بعدها (Series B+)، يشير حسن إلى أنّ الحوار يتغيّر من مجرّد إثبات جدوى النّموذج التّجاريّ إلى السّعي نحو الهيمنة في السّوق؛ فيقول: "في هذه المرحلة، تكون الشّركات قد أثبتت قدرتها على جذب العملاء وتحقيق زخمٍ واضحٍ، كما أنّ اقتصاديات الوحدة لديها قويّةٌ، والهيكل التّشغيليّ يعمل بكفاءةٍ عاليةٍ. وعادةً ما تتجاوز جولات التّمويل 20 مليون دولارٍ، وتقودها غالباً شركات رأس المال المغامر المتخصّصة في مرحلة النّموّ، وأحياناً المكاتب العائليّة. وتهدف هذه الجولات إلى دعم توسّعٍ سريعٍ، وتعزيز الحصّة السّوقيّة، وتمهيد الطّريق أمام عمليّات خروج محتملةٍ أو استثماراتٍ استراتيجيّةٍ إضافيّةٍ".
عند النّظر إلى مسار جمع التّمويل بصورةٍ شاملةٍ، يؤكّد حسن على ضرورة أن يكون المؤسّسون منهجيّين ودارسين لكلّ مرحلةٍ من رحلتهم التّمويليّة. ويضيف: "لهذا السّبب، يُعدّ وجود فريق تأسيسٍ أمراً بالغ الأهميّة. وعادةً ما أوصي بأن يكّرس أحد أعضاء الفريق جهوده بالكامل لجمع التّمويل، بينما يواصل الآخرون تطوير الأعمال والنّموّ، لضمان الحفاظ على الزّخم. ومن المهمّ أيضاً أن يمتلك الفريق رؤيةً واضحةً لمستوى نموّ الشّركة المتوقّع في كلّ جولة تمويلٍ، وكيف ستبدو هذه الجولة عمليّاً. لذلك، خطّط لجولةٍ واحدةٍ على الأقل مقدّماً لتتمكّن من تحقيق المؤشّرات الأساسيّة الّتي تجعل جمع الجولة التاّلية أكثر سلاسةً. كما يجب فهم طبيعة السّوق، وحجم التّمويل المطلوب، مقارنةً بالمرحلة الّتي وصلت إليها الشّركة وقيمتها السّوقيّة الحاليّة".
في نهاية المطاف، تتقاطع جميع مسارات جمع التّمويل عند نقطة الخروج الاستثماريّ، ومن منظور حسن، شهدت منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا تحوّلاً واضحاً في توقّعات هذه المرحلة؛ فيقول: "قبل عشر سنواتٍ، لو سألتموني عمّا إذا كان من المتوقّع أن يكون الطّرح العامّ الأوّليّ (IPO) هو مسار الخروج لشركات التّكنولوجيا النّاشئة في المنطقة، لكنتُ اعتبرت ذلك حلماً بعيد المنال. اليوم، ومع النّجاح البارز لشركة "جاهز" (Jahez) والعديد من الشّركات الّتي تبعتها، أصبح سوق الطّرح العامّ الأوّليّ للشّركات النّاشئة، وخصوصاً في السّوق السّعوديّ، مساراً نشطاً وواقعيّاً لتحقيق الخروج الاستثماريّ.
شاهد أيضاً: بين السّرعة والبقاء: تحدّيات الشّركات النّاشئة
أخطاء جمع التمويل
يتناول حسن حيدر أبرز الأخطاء الّتي ينبغي على الشّركات النّاشئة تجنّبها عند السّعي لجذب رأس المال. ويقول: "ترتكب الشّركات النّاشئة أخطاءً كثيرةً جدّاً، ولا أعلم من أين أبدأ! لكن فيما يلي بعض النّقاط الرّئيسة الّتي يجب أن يكون المؤسّسون على وعي بها:"
غياب التّخطيط المسبق الكافي: يوضّح حسن أنه عند الاستثمار في الشركات الناشئة، يحرص على أن يخوض معهم هذا التمرين: "مع هذا التمويل، إلى متى ستستمر الشركة، وكيف ستبدو عند الحاجة لجمع جولة تمويل لاحقة؟" وغالباً ما يكتشف أنّ الأهداف الّتي وضعها الفريق لن تضمن نجاح الجولة القادمة، ما يضطرهم إلى إعادة صياغة استراتيجيّتهم للوصول إلى مؤشّراتٍ ماليّةٍ منطقيّةٍ تُسهل جذب المستثمرين في المرحلة التّالية.
عدم تخصيص وقت كافٍ لجمع التّمويل: يوضّح حسن أنّ جمع جولة تمويلٍ في الظّروف الحاليّة يستلزم عادةً مدّةً لا تقلّ عن 3 أشهرٍ، وقد تمتدّ إلى 6 أشهرٍ إذا كانت الجولة كبيرة الحجم. وبينما توجد استثناءاتٌ، فإنّ هذا الإطار الزّمني يُعدّ المرجع الواقعيّ الّذي يجب على المؤسّسين أخذه في الحسبان عند التّخطيط لعمليّة جمع التّمويل.
تجاهل مواسم العطلات: يوضّح حسن أنّه كثيراً ما يرى شركاتٍ ناشئةً تبدأ جولات التّمويل قبل فترة الصّيف أو الإجازات مباشرةً. وفي قطّاعنا، يغيب العديد من صنّاع القرار عن المنطقة خلال أكثر الأشهر حرارةً، لذلك يصبح توقيت جمع التّمويل عاملاً حاسماً لضمان توافر المستثمرين وتحقيق النّجاح في الجولة.
التّواصل مع المستثمرين غير المناسبين: يوضّح حسن تلقّى طلباتٍ من مؤسّسين في مرحلة ما قبل التّمويل الأوّليّ يرغبون في التّحدّث مع صناديق تركّز على الصّفقات في المراحل المتقدّمة. ويشير إلى أنّ "هذا ليس أفضل استغلال للوقت في هذه المرحلة، رغم أنّه قد يكون مفيداً مستقبلاً. لذا من الضّروريّ تركيز جهودك على المستثمرين المهتمين بمرحلتك الحاليّة، النّشطين في منطقتك، والّذين لديهم اهتمام بقطّاعك، مع الإشارة إلى أنّ تقييم الاهتمام القطّاعيّ قد يكون مبكّراً قليلاً في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا."
جمع تمويلٍ غير كافٍ وتقييم مبالغٍ فيه: لاحظ حسن كثيراً من الحالات الّتي تفشل فيها الشّركات النّاشئة في جمع التّمويل الكافي، مشدّداً على أهميّة قبول أيّ تمويلٍ واقعيٍّ ومعقولٍ يُعرض عليها، حتّى لو أدّى إلى زيادةٍ طفيفةٍ في نسبة التّخفيف. ويحذّر أيضاً من تحديد تقييمٍ مرتفعٍ بشكلٍ مفرطٍ، مشيراً إلى أنّه "لا يمكن تسعير شركتك كما لو كنت في وادي السيليكون بينما تعمل في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ إنّ استثناءات الخروج هنا لا تصل إلى نفس المعايير المرتفعة الّتي نراها في الأسواق العالميّة.
عدم التواصل مع المستثمرين الحاليّين بانتظامٍ: يوضّح حسن أنّ أكبر داعمي الشّركة هم المستثمرون الّذين سبق وأن وضعوا ثقتهم فيها. ويؤكّد: "يجب إبقاؤهم على اطّلاعٍ دائمٍ بنموّ الشّركة، على الأقلّ بشكلٍ ربع سنويٍّ، وإذا أمكن بتحديثٍ شهريٍّ سريعٍ، ليظلّوا متابعين لتطوّراتك ويتمكنوا من التّحدّث عن تقدّمك مع أيّ مستثمرين آخرين يلتقون بهم. كما يُستحسن إدراج المستثمرين الّذين رفضوا الاستثمار في قائمةٍ بريديّةٍ خاصّةٍ بالتّحديثات نفسها، إذ لا يمكنك التّنبؤ متّى قد تتحوّل مؤشّرات الأداء والتّقدّم المحقّقة إلى سببٍ لإقناعهم بالموافقة مستقبلاً.