الرئيسية الريادة النساء توازن بين الطموح والحياة: هل تغيّرت معادلة النجاح التقليدية؟

النساء توازن بين الطموح والحياة: هل تغيّرت معادلة النجاح التقليدية؟

يشهد العالم المهنيّ تحوّلاً جديداً مع تزايد توجّه النّساء نحو التّراجع الطّوعيّ عن المناصب القياديّة والعودة إلى أدوارٍ أكثر توازناً، فيما يُعرف بالتّحوّل الكبير نحو التّهدئة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

بدأت ملامح حركةٍ مهنيّةٍ هادئةٍ تتشكّل تدريجيّاً عبر قطاعاتٍ مختلفةٍ، من شركات التّكنولوجيا إلى الصّناعات الخدميّة، لتعبّر عن تحوّلٍ عميقٍ في فهم العمل والنّجاح، أطلق عليه اسم التّحوّل الكبير نحو التّهدئة. وقد لاحظ كثيرون هٰذا التّوجّه في دوائرهم المهنيّة والاجتماعيّة؛ إذ بدأت نساءٌ من خلفيّاتٍ متنوّعةٍ يتّخذن قراراتٍ متشابهةً تقود إلى الاتّجاه ذاته: التّراجع الطّوعيّ عن المناصب العليا والعودة إلى أدوارٍ أكثر توازناً وأقلّ استنزافاً. والمفارقة أنّ هٰذه الظّاهرة، رغم اتّساعها، لم تجد في البداية توصيفاً واضحاً يعبّر عن عمقها، إلى أن بدأت تظهر ملامحها كحركةٍ تعيد تعريف معنى النّجاح المهنيّ من منظورٍ أكثر إنسانيّةً.

يشير هٰذا التّحوّل إلى رغبة عددٍ متزايدٍ من النّساء في الانسحاب المدروس من المناصب الإداريّة العليا، والعودة إلى أدوارٍ تنفيذيّةٍ مستقلّةٍ تتيح لهنّ مساحةً أكبر من الحرّيّة والتّوازن. ولم يأت هٰذا القرار كردّ فعلٍ عابرٍ، بل كإجابةٍ واعيةٍ على عقباتٍ هيكليّةٍ طالما واجهتها النّساء في مواقع القيادة، وعلى رغبةٍ متناميةٍ في تحقيق إنجازٍ مهنيٍّ لا يقوم على التّضحية بالحياة الشّخصيّة أو بالصّحّة النّفسيّة.

الجمود المهني: الأرقام تفضح بطء التقدم

تظهر البيانات بوضوحٍ أنّ الطّريق أمام النّساء إلى المناصب العليا لا يزال مليئاً بالعقبات رغم عقودٍ من الحديث عن المساواة. فقد أشار تقرير LinkedIn Women in Leadership 2025 إلى أنّ النّساء يشكّلن نحو 30.6% فقط من المناصب القياديّة حول العالم، وهو رقمٌ لم يشهد نموّاً يذكر في السّنوات الأخيرة. وبرغم أنّ الولايات المتّحدة تتفوّق نسبيّاً على غيرها، إلّا أنّ نسب النّساء في مناصب “C-Suite” لا تزال دون هٰذا المتوسّط. ويبدو أنّ النّقاش حول تمكين المرأة لم يعد المشكلة، بل التّطبيق العمليّ لذٰلك التّمكين داخل البنى المؤسّسيّة.

وتبرز بعض القطاعات مثل البناء والنّفط والغاز والتّعدين كأمثلةٍ متوقّعةٍ لانخفاض تمثيل النّساء فيها، غير أنّ المفاجأة كانت في تراجع نسبهنّ داخل مجالاتٍ يفترض أنّها أكثر تقدّماً مثل التّكنولوجيا والإعلام والمعلومات. هٰذا التّناقض يكشف أنّ المشكلة لا تكمن فقط في طبيعة الصّناعة، بل في ثقافة العمل ذاتها، وفي الطّريقة الّتي تبنى بها الهياكل التّنظيميّة الّتي تحدّ من وصول النّساء إلى قمّة الهرم.

النساء توازن بين الطموح والحياة: هل تغيرت معادلة النجاح التقليدية؟

لم يأت قرار التّراجع لأنّ الطّموح انطفأ، بل لأنّ تعريف النّجاح تغيّر. فالنّساء اليوم لا يهربن من القيادة، بل يرفضن الشّكل الحاليّ لها حين يتحوّل إلى عبءٍ يفوق المكافأة. إنّ الإرهاق النّفسيّ والجسديّ الّذي تسبّبه الأدوار الإداريّة المرهقة، إلى جانب أعباء الحياة الأسريّة، جعل كثيراً منهنّ يعدن النّظر في أولويّاتهنّ. فغياب الدّعم في مراحل الأمومة، وطول ساعات العمل، وانعدام السّياسات الّتي تراعي التّحوّلات الجسديّة مثل سنّ اليأس، كلّها عوامل دفعت نساءً كثيراتٍ إلى إعادة رسم مسارهنّ المهنيّ بما يتوافق مع احتياجاتهنّ الواقعيّة لا مع الصّورة النّمطيّة للقيادة.

وقد ساعدت التّكنولوجيا الحديثة في تسهيل هٰذا التّحوّل من خلال أدواتٍ تركز على رفاه المرأة الشّامل ودعم العمل المرن. من بين هٰذه الأدوات تطبيق Soula الّذي يقدّم دعماً نفسيّاً قائماً على الذّكاء الاصطناعيّ عبر جلساتٍ إرشاديّةٍ وتواصلٍ مجتمعيٍّ يمنح فيها النّساء مساحةً لتجاوز الضّغوط. وعندما توفّر الشّركات مثل هٰذه المنصّات ضمن حزمها الوظيفيّة، فإنّها تسهّل تبنّيها وتخفّض تكلفتها، ممّا يعزّز الاستقرار النّفسيّ ويحدّ من معدّلات ترك العمل.

وفي السّياق ذاته، بدأت مؤسّساتٌ أخرى بتقديم دعمٍ مباشرٍ للنّساء خلال مرحلة انقطاع الطّمث، وهو توجّهٌ تناولته السّينما أيضاً في فيلم The M Factor. وقد أكّدت بريا باثيجا، مؤسّسة Nyoo Health، أنّ "أعراض انقطاع الطّمث تضعف أداء كثيرٍ من النّساء وتدفع بعضهنّ للتّفكير بالانسحاب. وتشير أبحاث Mayo Clinic إلى أنّ الخسائر الاقتصاديّة النّاتجة عن ذٰلك في الولايات المتّحدة تتجاوز 26 مليار دولارٍ سنويّاً، منها 1.8 مليارٌ بسبب ضياع وقت العمل وحده". وتبيّن هٰذه الأرقام أنّ تمكين المرأة ليس مسألة مساواةٍ فقط، بل قضيّة إنتاجيّةٍ واستدامةٍ اقتصاديّةٍ.

إعادة تعريف السلم المهني

يقدّم التّحوّل الكبير نحو التّهدئة رؤيةً جديدةً للحياة المهنيّة، لا باعتباره تراجعاً عن الطّموح، بل كخيارٍ بديلٍ أكثر واقعيّةً واستدامةً؛ فالكثير من النّساء لا يرغبن في مغادرة سوق العمل، بل في البقاء ضمن أدوارٍ تمنحهنّ التّوازن دون التّضحية بإنجازهنّ. وهٰكذا يتحوّل هٰذا التّراجع إلى وسيلةٍ لحماية الاستمراريّة المهنيّة بدلاً من الانسحاب الكلّيّ منها.

وفي الجوهر، لا يعبّر هٰذا الاتّجاه عن هجرةٍ جماعيّةٍ من عالم العمل، بل عن إعادة انخراطٍ ذكيّةٍ وفق شروطٍ أكثر إنصافاً وإنسانيّةً. فهو رفضٌ صريحٌ للسّلّم الوظيفيّ التّقليديّ الّذي يربط التّقدّم بالتّضحية بالحياة الخاصّة. وربّما يصبح هٰذا التّحوّل مقدّمةً لإعادة تصميم بيئة العمل ذاتها بطريقةٍ تراعي احتياجات البشر كافّةً، رجالاً ونساءً، وتوازن بين الأداء والرّفاه، وبين الكفاية والكرامة.

وبهٰذا، يعيد التّحوّل الكبير نحو التّهدئة طرح سؤالٍ جوهريٍّ طال انتظاره: هل النّجاح أن نصعد أكثر، أم أن نعرف متى نتوقّف وأين نجد ذاتنا؟

 
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: