كم تحتاج من المال لتبدأ الاستثمار الملائكي؟ الإجابة المفاجئة

يثير الاستثمار الملائكيّ اهتمام كثيرٍ من روّاد الأعمال والمستثمرين الطّموحين، لأنّه يفتح أمامهم باباً ذكيّاً لدخول عالم الشّركات النّاشئة والمشروعات الابتكاريّة. وغالباً ما يظنّ النّاس أنّ هٰذا النّوع من الاستثمار حكرٌ على الأثرياء، غير أنّ التّجارب الحديثة أثبتت أنّ البداية لا تتطلّب ثروةً ضخمةً بقدر ما تحتاج إلى رؤيةٍ واضحةٍ وإدارةٍ ماليّةٍ واعيةٍ. ولأنّ فكرة ضخّ الأموال في مشاريع وليدةٍ قد تبدو مغامرةً في ظاهرها، يصبح فهم آليّاتها واحتساب تكاليفها خطوةً ضروريّةً قبل الشّروع فيها.

ما هو الاستثمار الملائكي ولماذا يتزايد الإقبال عليه؟

يقصد بالاستثمار الملائكيّ ضخّ رأس مالٍ في شركةٍ ناشئةٍ أو مشروعٍ في مراحله الأولى مقابل حصّةٍ من الملكيّة أو الأسهم. ويعرف المستثمر في هٰذه الحالة باسم "المستثمر الملائكيّ" لأنّه يتدخّل في اللّحظة الحرجة الّتي يعجز فيها رائد الأعمال عن الحصول على دعمٍ مصرفيٍّ أو تمويلٍ تقليديٍّ. ويتميّز هٰذا النّمط من الاستثمار بقدرٍ عالٍ من المخاطرة، لكنّه في المقابل يمكّن المستثمر من فرصةٍ استثنائيّةٍ ليكون جزءاً من مشروعٍ واعدٍ قد يتحوّل إلى نجاحٍ كبيرٍ مستقبلاً.

ويتزايد الإقبال على الاستثمار الملائكيّ لأنّه لا يقتصر على تحقيق الأرباح فقط، بل يجمع بين الأثر الماليّ والاجتماعيّ. فالكثير من المستثمرين يرون فيه وسيلةً لدعم الابتكار وتمويل أصحاب الأفكار الشّابّة وتعزيز الاقتصاد المحلّيّ. ومع اتّساع بيئات ريادة الأعمال في العالم العربيّ وازدهار منصّات التّمويل الجماعيّ، أصبح هٰذا الاستثمار أحد الأعمدة الرّئيسة الّتي تغذّي حركة الشّركات النّاشئة وتسهم في بناء منظوماتٍ اقتصاديّةٍ أكثر حيويّةً واستدامةً. ^[1]  

كم تحتاج من المال فعلياً لتبدأ الاستثمار الملائكي؟

تتفاوت الحاجة إلى المال باختلاف الأسواق والقطاعات، غير أنّ المفاجأة أنّ المبلغ المطلوب للبداية في الاستثمار الملائكيّ أقلّ بكثيرٍ ممّا يتصوّره معظم النّاس. ففي الماضي، كان المستثمرون الملائكة يخصّصون مبالغ تتراح بين 25 ألفاً و100 ألف دولارٍ لكلّ صفقةٍ استثماريّةٍ، لكنّ المشهد تغيّر جذريّاً اليوم.

فقد أتاحت المنصّات الرّقميّة الحديثة للمستثمرين الأفراد المشاركة في جولات التّمويل بمبالغ صغيرةٍ نسبيّاً، تصل أحياناً إلى ألفٍ أو خمسة آلاف دولارٍ فقط. ويعرف هٰذا النّموذج بــ"الاستثمار المشترك" أو "الاستثمار الجماعيّ"، حيث يتقاسم المستثمرون رأس المال والمخاطر والخبرة معاً. وبذٰلك، أصبح بإمكان أيّ شخصٍ يمتلك قدرةً ماليّةً محدودةً أن يدخل المجال دون أن يتحمّل عبئاً ماليّاً كبيراً.

ومن ثمّ يمكن القول إنّ الحدّ الأدنى للدّخول إلى عالم الاستثمار الملائكيّ لم يعد ثابتاً، بل بات مرناً ويتغيّر وفق مستوى المخاطرة الّتي يقبلها المستثمر، والمنصّة الّتي يعتمدها، وطبيعة المشاريع الّتي يختار دعمها. كما يفضّل بعض المستثمرين أن يبدؤوا بمبالغ صغيرةٍ تجريبيّةٍ خلال السّنة الأولى، يراقبون من خلالها أداء السّوق ويتعلّمون آليّاته قبل توسيع حجم استثماراتهم لاحقاً.

وفي المقابل، يفضّل المستثمر الذّكيّ أن يضخّ رأس ماله تدريجيّاً على مراحل مختلفةٍ من عمر المشروع بدلاً من استثماره دفعةً واحدةً، لأنّ هٰذه الاستراتيجيّة تمكّنه من مراقبة النّتائج وتقييم الأداء في كلّ مرحلةٍ بدقّةٍ أكبر. وتزداد مرونة الكلفة الفعليّة أيضاً بحسب نوع الشّراكة؛ إذ تسمح بعض الشّركات النّاشئة بمساهماتٍ غير ماليّةٍ كالمهارات أو الخبرات أو العلاقات مقابل أسهمٍ رمزيّةٍ، وهو ما يعرف بالمستثمر الملائكيّ النّشط. ومع توسّع بيئات الاستثمار في المنطقة العربيّة، صار بالإمكان الدّخول في مشاريع واعدةٍ بمبالغ بسيطةٍ عبر منصّاتٍ موثوقةٍ، ممّا فتح الباب أمام جيلٍ جديدٍ من المستثمرين الشّباب لخوض التّجربة بثقةٍ ووعيٍ ماليٍّ واقعيٍّ. ^[2]  

كيف تبدأ الاستثمار الملائكي بخطوات عملية ومدروسة؟

لكي تدخل عالم الاستثمار الملائكيّ بثقةٍ وتتجنّب المخاطر غير المحسوبة، يجب أن تتّبع خطّةً واضحةً ومنهجاً منظّماً يقوم على خمس مراحل أساسيّةٍ مترابطةٍ:

• حدّد ميزانيّتك الاستثماريّة: احفظ بدقّةٍ المبلغ الّذي يمكنك تخصيصه دون الإضرار باستقرارك الماليّ، ويستحسن ألّا يتجاوز الاستثمار الملائكيّ نسبة 10% إلى 15% من إجماليّ أصولك. فطبيعة هٰذا الاستثمار طويلة الأجل وتتطلّب صبراً قبل جني الأرباح.
• انهض إلى منصّاتٍ موثوقةٍ: توفّر منصّاتٌ مثل AngelList وSeedInvest وEureeca فرصاً متنوّعةً للدّخول بمبالغ بسيطةٍ، كما تتيح أدواتٍ لمتابعة الأداء وتقييم الشّركات.
• ادرس المشاريع بدقّةٍ: افتح نموذج العمل وهيكل الفريق والفرص السّوقيّة قبل اتّخاذ القرار، ولا تعتمد على الحماس وحده، فنجاح المشروع يتوقّف على قدرة الفريق على التّنفيذ وتحقيق التّوازن بين الابتكار والرّبحيّة.
• استعن بالخبرة: إن كنت جديداً في هٰذا المجال، فاستفد من خبراء ماليّين ومستشارين قانونيّين يساعدونك في تحليل العقود وتحديد قيمة الأسهم والحقوق.
• تابع استثماراتك باستمرارٍ: لا تكتف بتمويل المشروع ثمّ الابتعاد عنه، بل تابع التّقارير الدّوريّة، وشارك في الاجتماعات، وساهم بخبراتك وشبكتك لتسريع نموّ الشّركة وتحقيق عائدٍ أكبر.

الخلاصة

يظهر تحليل سوق الاستثمار الملائكيّ أنّ البداية لا تتطلّب ثروةً ضخمةً بقدر ما تحتاج إلى رؤيةٍ واضحةٍ واستراتيجيّةٍ محكمةٍ؛ فمن بضعة آلافٍ من الدّولارات، يستطيع المستثمر أن يضع قدمه الأولى في عالمٍ واسعٍ من الابتكار والمغامرة والعوائد المحتملة العالية.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال

انضم الآن