عصر الوكلاء الأذكياء يبدأ الآن: هل المؤسسات جاهزة للتغيير؟
تُعيد مبادرة الوكلاء الذكيين رسم مشهد العمل عبر تعاونٍ سلسٍ يكسر عزلة الأنظمة، ويوحّد البشر والآلات لرفع الكفاءة والإنتاجيّة وفتح آفاق نموٍّ غير مسبوقةٍ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
يشهد العالم صعوداً متسارعاً لوكلاء الذكاء الاصطناعي (AI agents)، وهو صعودٌ يُعيد تشكيل أساليب عمل الشّركات، وابتكارها، وطبيعة المنافسة بينها، على نحوٍ لم يُشاهد منذ بروز الإنترنت. غير أنّ الاستفادة الحقيقيّة من إمكانات "المؤسّسة المعتمدة على الوكلاء" تتطلّب أوّلاً حلّ معضلة قابليّة التّشغيل البينيّ (Interoperability).
وتبرز هذه المسألة كقضيّةٍ محوريّةٍ في الشّرق الأوسط والعالم، حيث أبدى 48% من قادة أمن المعلومات (IT security leaders) قلقهم من أنّ البنية التّحتيّة لبياناتهم غير مؤهّلةٍ لاستخلاص أقصى استفادةٍ من الذكاء الاصطناعي القائم على الوكلاء، فيما عبّر 55% عن عدم ثقةٍ كاملةٍ بامتلاك الضّوابط اللّازمة لنشر الوكلاء، وذلك استناداً إلى مسحٍ عالميٍّ شمل أكثر من 2000 قائدٍ تقنيٍّ في مجال أمن المعلومات المؤسّسيّ.
يتمتّع الوكلاء القائمون على الذكاء الاصطناعي بالقدرة على الفهم المستقل، والتّفكير، واتّخاذ القرار، بما يمكّنهم من تشكيل قوّة عملٍ رقميّةٍ قادرةٍ على إدارة كمٍّ هائلٍ من الاستفسارات، وأتمتة العمليّات الرّوتينيّة، وتقديم توصياتٍ فوريّةٍ. وعلى خلاف الدّردشة الآليّة التّقليديّة (Chatbots)، يتعلّم هؤلاء الوكلاء من التّفاعلات، ويتأقلّمون مع المستجدّات، ويحافظون على سياق المحادثات المعقّدة، ما يسرّع تحقيق النّتائج.
ووفقاً لأبحاث شركة Salesforce، يُتوقَّع أن يُسهم الوكلاء في رفع الإنتاجيةّ بنسبة 30% خلال العامين المقبلين، مع قفزةٍ في معدّلات تبنّيها تصل إلى 327%. وحين يتعاون الإنسان مع الذكاء الاصطناعي، تكون الحصيلة أكبر ممّا يمكن أن يحقّقه أي منهما منفرداً. وكما يعتمد الموظّف البشريّ على أدلّة المعرفة والتّوجيهات، يحتاج وكيل الذكاء الاصطناعي إلى بنيةٍ تحتيّةٍ تقنيةٍ مرنةٍ تُتيح له النّموّ، إذ يجب أن يفهم طبيعة عمل المؤسّسة ويصل إلى أحدث البيانات، وأن يعمل بتناغمٍ مع وكلاء آخرين عبر تقنياتٍ ومزوّدين مختلفين. ورغم الزّخم الكبير، ما زال معظم الوكلاء يعملون بشكلٍ مستقلٍّ، ينفّذون مهامّ محدّدةً بمعزلٍ عن غيرهم، من دون تعاونٍ فعليٍّ فيما بينهم.
يكمن مستقبل الذكاء الاصطناعي المؤسّسيّ في التّعاون السّلس بين الوكلاء؛ فالوصول إلى النّضج في الذكاء الاصطناعي وإدارة منظومةٍ متعدّدة الوكلاء عبر المشهد الرّقميّ الشّامل للمؤسّسة بات ضرورةً استراتيجيّةً لتحقيق كفاءةٍ غير مسبوقةٍ، ورفع الإنتاجيّة، وفتح أبواباً لفرص أعمالٍ جديدةٍ.
فتح إمكانات الذكاء الاصطناعي خطوة بخطوة
يمكن للنّظام البيئيّ متعدّد الوكلاء أن ينسّق المهامّ المعقّدة عبر تطبيقاتٍ ومصادر بياناتٍ مختلفةٍ، فيفهم الفروق الدّقيقة في المعلومات، ويمنح الموظّفين القدرة على التّركيز على الأنشطة ذات القيمة الأعلى. على سبيل المثال، يستطيع وكيلٌ رقميٌّ في خدمة العملاء إدارة طلب إرجاع منتجٍ بكفاءةٍ عبر التّنسيق مع وكيل الشّركة المصنّعة لتقييم الأضرار، ومع وكيلٍ شريكٍ لوجستيٍّ لتطبيق بروتوكولات الشّحن، بما يضمن سرعة الحلّ.
وفي مجال المبيعات، يمكن لوكيلٍ رقميٍّ رصد فرصة شراكةٍ جديدةٍ، والتّعاون مع وكيل مبيعات تابعٍ للطّرف المقابل لتنسيق العروض والأسعار، ثم صياغة مقترحٍ مخصّصٍ وجدولة اجتماعاتٍ لمندوبي المبيعات البشريّين. ولكن، من دون الاتّصال السّلس بمئات التّطبيقات الّتي تعتمد عليها الشّركات، يبقى الوكلاء محصورين ضمن نطاقاتٍ تقنيّةٍ ضيقة، عاجزةٍ عن استرجاع المعلومات أو أتمتة العمليّات أو تحقيق نتائج ملموسةٍ.
إنّ بلوغ الإمكانات الكاملة لوكلاء الذكاء الاصطناعي هو مسارٌ تدريجيٌّ يمرّ عبر 4 مراحل من التّطوّر؛ يبدأ من المساعدين البسطاء (المستوى 1)، ثم تنفيذ المهامّ ضمن نظامٍ واحدٍ (المستوى 2)، وصولاً إلى إدارة سير عملٍ كاملٍ عبر أنظمةٍ متعدّدةٍ (المستوى 3)، مع الهدف النّهائيّ: تنسيق متعدّد الوكلاء (المستوى 4).
وللتقدّم في هذه المراحل، ينبغي على الشّركات أن تحدّد أهدافاً واضحةً لنشر وكلاء الذكاء الاصطناعي، وأن تضع مقاييس للنّجاح. كما يتعيّن تنسيق البيانات بين مختلف المصادر، وضمان جودتها وتوافرها؛ فالتّكامل السّلس مع الأنظمة القائمة مع التّركيز على تجربة المستخدم يعدّ أمراً أساسياً. ولا بدّ أيضاً من إطار حوكمةٍ متينٍ يشمل الاختبار والمراقبة والسّياسات الأمنيّة، لضمان قابليّة التّدقيق والشّفافيّة. إضافةً إلى ذلك، يبقى التّخطيط للإشراف البشريّ ضرورةً لا غنى عنها.
فهم البروتوكولات الصناعية
لا يتوقّف بناء نظامٍ تعاونيٍّ بين الوكلاء عند حدود الابتكار أو التّعقيد التّقنيّ، بل يتطلّب معايير صناعيّةً مشتركةً وشراكاتٍ بين مزوّدي التّكنولوجيا. فمن دون إطارٍ موحّدٍ يمكّن الوكلاء من اكتشاف بعضهم والتوثّق من الهوية وتبادل المعلومات، يظلّ النّّظام البيئيّ لوكلاء الذكاء الاصطناعي مجزّأً ومحدود الفعاليّة، ما يضيّع فرصة الأتمتة الشّاملة والمتكاملة.
تكتسب المعايير المفتوحة مثل بروتوكول Model Context Protocol (MCP) وبروتوكولات Agent-to-Agent (A2A) زخماً متنامياً، لتشكّل العمود الفقريّ للتّواصل بين الوكلاء. وبدعم هذه المعايير، يمكن لمنصّةٍ مفتوحةٍ وموثوقةٍ أن تُتيح ربطاً آمناً بين وكلاء الذكاء الاصطناعي وأنظمة المؤسّسات المتنوّعة، بما يضمن تواصلاً فعّالاً، والتّعرّف المتبادل، وتبادلاً آمناً للمعلومات.
غير أنّ الاعتماد الحصريّ على MCP وA2A قد يطرح تحديّاتٍ محوريّةً، خصوصاً فيما يتعلّق بالحوكمة، والهويّة الرّقميّة، والتّحكم الدّقيق في الصّلاحيات. ومن دون ضوابط مؤسسيّةٍ، قد ينجم عن ذلك عدم اتّساق في البيانات أو ثغراتٍ أمنيّةً أو مشكلات امتثالٍ.
إعادة التفكير في أسلوب إنجاز العمل
إن الانتقال إلى مؤسّسةٍ تركّز على الوكلاء لا يقتصر على تبنّي تقنية جديدة، بل يتمحور حول دمج ذكاء اصطناعي مترابط قادرٍ على كسر الحواجز التّنظيميّة وخلق قوّة عملٍ هجينةً موثوقةً تجمع البشر والآلات. وهذا التّحوّل يتطلّب إعادة تقييمٍ لطرق العمل من أجل تعظيم الكفاءة والابتكار. فالوكلاء الّذين يستطيعون التّعاون لإنجاز المهامّ والمشروعات لن يقدّموا قيمةً مؤسسيّةً مستدامةً إلّا إذا بُنيت قدراتهم على منصّة عملٍ رقميّةٍ صلبةٍ، مع وصولٍ إلى الأنظمة والتطبيقات والبيانات المناسبة، وإمكانية إيجاد بعضهم وفق معايير صناعية معتمدة.
يمهّد هذا النّهج الاستراتيجيّ الطّريق لظهور "جيل الوكلاء" (Gen Agent)، حيث يصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي الواجهة الجديدة للتّعاملات، بما يغذّي اقتصاد العمالة الرّقميّة المتوقّع أن تصل قيمته إلى 6 تريليونات دولارٍ، ويضمن للشّركات النّجاح في عصر الذكاء الاصطناعي الدّيناميكيّ.
عن الكاتب
محمد الخوتاني نائب الرّئيس الأوّل والمدير العامّ لشركة Salesforce الشّرق الأوسط.