الرئيسية الريادة النمو يبدأ من الداخل: كيف تغرس عقلية معمّرة في فريقك؟

النمو يبدأ من الداخل: كيف تغرس عقلية معمّرة في فريقك؟

حين يصبح النّجاح مرهوناً بقدرة الفريق على الصّمود والتّجدّد، تتجلّى العقليّة المعمّرة كفلسفةٍ مهنيّةٍ توازن بين الطّموح والاستدامة، وتحوّل النّموّ إلى رحلةٍ واعيةٍ دائمةٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

لم يعد النّجاح يقاس فقط بحجم الأرباح أو توسّع السّوق، بل بات يقاس بقدرة الفريق على البقاء في أعلى مستويات الأداء والاستمرار رغم التّقلّبات؛ فالعقليّة المعمّرة، أو ما يمكن وصفها بعقليّة الاستدامة المهنيّة، أصبحت اليوم حجر الزّاوية في بناء المنظّمات الّتي تبحث عن النّموّ العميق لا المؤقّت، وعن النّجاح المستدام لا اللّحظيّ.

تقوم هٰذه العقليّة على تأسيس ثقافةٍ داخليّةٍ تشجّع على التّعلّم المستمرّ، وتدعم المرونة الذّهنيّة، وتغذّي النّموّ التّدريجيّ الّذي لا تزعزعه الأزمات ولا تغيّره الظّروف. وحين تزرع هٰذه القيم في عمق الفريق، يتحوّل النّموّ من هدفٍ خارجيٍّ عابرٍ إلى عمليّةٍ داخليّةٍ متواصلةٍ تخلق الابتكار وتعزّز الإبداع وتنمّي الانضباط الذّاتيّ.

ما معنى العقلية المعمرة؟

تعبّر العقليّة المعمّرة عن نمطٍ من التّفكير يضع الاستدامة قبل السّرعة، والنّضج قبل التّسرّع؛ فهي لا تنظر إلى النّجاح كحدثٍ لحظيٍّ، بل كرحلةٍ طويلةٍ تتطلّب بناء الأسس الرّاسخة والمهارات المتجدّدة. ومن يتبنّ هٰذه النّظرة يدرك أنّ التّحدّيات ليست نهاية الطّريق، بل بدايته، وأنّ الصّعوبات ليست عوائق، بل فرصاً لاكتساب الخبرة وإعادة التّشكيل.

وعلى النّقيض من العقليّة المؤقّتة الّتي تفرح بالإنجاز السّريع ثمّ تخبو، تقدّر العقليّة المعمّرة القيمة في الاستمراريّة، فتدمج بين الطّموح والتّأمّل، وبين الإنجاز المتقن والنّموّ المستمرّ. ولذٰلك تثمر هٰذه العقليّة فرقاً قادرةً على مواجهة الأزمات الاقتصاديّة والتّحوّلات التّكنولوجيّة بروحٍ مستقرّةٍ ومتكيّفةٍ. فكلّ فردٍ داخل هٰذا الفريق يتحوّل من منفّذٍ للمهامّ إلى مستثمرٍ في ذاته، يطوّر مهاراته بوعيٍ، ويغذّي تقدّمه المهنيّ كلّ يومٍ دون انتظار التّوجيه أو الرّقابة. [1]

كيف تغرس العقلية المعمرة في بيئة العمل؟

إنّ غرس العقليّة المعمّرة لا يتمّ بقرارٍ إداريٍّ أو مبادرةٍ مؤقّتةٍ، بل يبنى برؤيةٍ استراتيجيّةٍ طويلة المدى تبدأ من القيادة العليا وتنساب عبر كلّ مستويات المؤسّسة. إذ يجب على الشّركات أن تعيد تعريف النّجاح ليصبح أكثر عمقاً وارتباطاً بالقيمة الإنسانيّة قبل المادّيّة، فتحوّل فلسفتها من “الإنجاز السّريع” إلى “النّموّ المتجذّر”؛ فالعقليّة المعمّرة لا تصنع عبر السّياسات فقط، بل تبنى عبر الممارسة اليوميّة والثّقافة التّفاعليّة والانفتاح المستمرّ.

التعلم المستمر

لا بدّ من ترسيخ ثقافة التّعلّم المستمرّ في نسيج العمل اليوميّ، بحيث لا يعامل التّدريب كحدثٍ دوريٍّ، بل كعمليّةٍ حيويّةٍ متواصلةٍ؛ فالقائد المعمّر هو من يحوّل الخطأ إلى درسٍ، والعقبة إلى فرصةٍ، والتّحدّي إلى مختبرٍ لصقل المهارات. وبمجرّد أن يتكرّر هٰذا النّمط داخل المؤسّسة، يتحوّل التّعلّم إلى عادةٍ جماعيّةٍ لا إلى مهمّةٍ إداريّةٍ. كما يبرز دور برامج الإرشاد الدّاخليّ (Mentorship) كوسيلةٍ فعّالةٍ لتبادل الخبرات، إذ تساعد على نقل المعرفة من الأجيال السّابقة إلى الجديدة، وتعزّز الشّعور بالانتماء والمسؤوليّة المتبادلة.

التفكير النقدي

يلعب التّفكير النّقديّ دوراً محوريّاً في بناء العقليّة المعمّرة. فبدلاً من الاكتفاء بما هو مألوفٌ، يجب أن يتعلّم الفريق أن يسأل: "كيف يمكن أن نحسّن؟" لا أن يكتفي بالسّؤال "هل أنجزنا؟". فحين تتبنّى المؤسّسة هٰذا النّوع من التّفكير، تتحوّل من كيانٍ يدار بالأوامر إلى كيانٍ يتغذّى بالأفكار. ويكمن دور القائد هنا في بناء بيئةٍ تحترم التّساؤلات الذّكيّة وتشجّع على النّقاش، وتحوّل الخطأ من تهمةٍ إلى فرصةٍ للتّعلّم؛ فالعقليّة المعمّرة لا تنمو في بيئةٍ تخاف الفشل، بل في بيئةٍ ترى في الفشل دليلاً على المحاولة.

المساءلة الذاتية

تبرز أهمّيّة ثقافة المساءلة الذّاتيّة كعمودٍ أساسيٍّ لهٰذه العقليّة. فحين يتحمّل الفرد مسؤوليّة أدائه ونتائجه، يتحوّل الالتزام من أمرٍ خارجيٍّ إلى قناعةٍ داخليّةٍ نابعةٍ من الوعي الذّاتيّ. فالموظّف الّذي يدرك أثر عمله على المؤسّسة يشعر بأنّ نجاحها انعكاسٌ لنجاحه الشّخصيّ، فينجز مهامّه بإحساسٍ من الملكيّة لا من الواجب. ومن هنا، تصبح القيادة وسيلة تمكينٍ لا أداة رقابةٍ، ويصبح الفريق منظومةً من القادة الصّغار الّذين يديرون أنفسهم قبل أن يداروا، فيتحمّل كلٌّ منهم نصيبه من المسؤوليّة ويساهم في الازدهار الجماعيّ للفريق.

الشفافية والتواصل المستمر

تسهم الشّفافيّة والتّواصل المستمرّ في تعميق جذور هٰذه العقليّة داخل المؤسّسة. فحين يتاح تبادل المعلومات والنّتائج والملاحظات بصراحةٍ ودون خوفٍ أو تحفّظٍ، يشعر الأفراد بأنّهم جزءٌ من الرّؤية لا مجرّد منفّذين لها؛ فثقافة الثّقة الّتي تنشأ عن التّواصل تفتح الأفق للمشاركة وتطلق العنان للأفكار الجديدة، وتبني وحدةً فكريّةً بين جميع المستويات. وكلّ نقاشٍ مفتوحٍ أو ملاحظةٍ صادقةٍ تصبح بذرةً صغيرةً في تربة النّموّ المستدام، تنبت مع الزّمن وتؤتي ثمارها في الإبداع والتّطوّر.

وهٰكذا، لا تزرع العقليّة المعمّرة بالشّعارات أو النّدوات، بل بالممارسة اليوميّة الّتي تترجمها القيادة وتعيشها الفرق حتّى تصبح جزءاً من الهويّة المؤسّسيّة؛ فحين تصبح هٰذه الممارسات جزءاً من طبيعة المؤسّسة، تتحوّل بيئة العمل إلى كيانٍ نابضٍ بالحياة يتجدّد من داخله، ويستمرّ في النّموّ مهما تبدّلت الأسواق أو الاتّجاهات. [2]

كيف تحول العقلية المعمرة النمو إلى استدامة؟

حين تتجذّر العقليّة المعمّرة في الثّقافة المؤسّسيّة، يتحوّل النّموّ من سباقٍ على الأرقام إلى رحلةٍ نحو التّطوّر الحقيقيّ. فالفريق الّذي يتبنّى مبدأ التّحسين المستمرّ ينشئ نظاماً ذاتيّاً للتّجديد، يعيد فيه كلّ فردٍ تقييم نفسه ليحافظ على توازنه وإبداعه. كما تقلّل هٰذه العقليّة من الاحتراق الوظيفيّ، لأنّها توازن بين الطّموح والرّاحة الذّهنيّة، وتشجّع على وتيرةٍ صحّيّةٍ للعمل تحافظ على الحماس دون استنزافٍ. ومع مرور الوقت، تتكوّن بيئةٌ تنظيميّةٌ تبنى على النّضج والمرونة والانفتاح على التّغيير، فيصبح الفريق أكثر قدرةً على الصّمود أمام الأزمات وأكثر استعداداً لمواكبة المستقبل بثقةٍ واتّزانٍ.

الخاتمة

إنّ بناء فريقٍ يمتلك عقليّةً معمّرةً ليس قراراً سريعاً، بل مسارٌ طويلٌ من الرّؤية والصّبر والالتزام. فحين تغرس هٰذه العقليّة في جذور المؤسّسة، يتحوّل النّموّ من هدفٍ مؤقّتٍ إلى سلوكٍ دائمٍ يوجّه كلّ قرارٍ وكلّ إنجازٍ. والعقليّة المعمّرة ليست مجرّد أداةٍ لزيادة الإنتاجيّة، بل هي فلسفةٌ للحياة المهنيّة تعلّم كيف يصنع التّوازن بين الطّموح والاستدامة، بين الشّغف والوعي، بين العمل والإنسان. والمؤسّسات الّتي تدرك هٰذه الحقيقة وتستثمر في ترسيخها داخل فرقها، هي وحدها القادرة على تحقيق النّموّ الحقيقيّ؛ ذٰلك النّموّ الّذي يبدأ من الدّاخل قبل أن يزهر في الخارج.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما الفرق بين العقلية المعمّرة والعقلية المؤقتة؟
    العقلية المعمّرة تركّز على النّموّ المستدام وبناء المهارات على المدى الطّويل، بينما تسعى العقليّة المؤقّتة إلى تحقيق نتائج سريعةٍ دون استثمارٍ في التّطوير الذّاتي أو الجماعيّ؛ فالأولى ترى الفشل فرصةً للتّعلّم، والثّانية تعتبره نهاية الطّريق.
  2. كيف تساعد العقلية المعمّرة على تطوير أداء الموظفين؟
    تغرس العقلية المعمّرة في الأفراد عادة التّعلّم المستمرّ والمسؤوليّة الذّاتيّة، فتجعلهم أكثر وعياً بأدوارهم وأثرهم في المؤسّسة. ومع الوقت، يصبح الموظّفون أكثر استقلاليّةً وإبداعاً، ممّا ينعكس إيجاباً على الأداء العامّ للفريق.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: