حب الظهور عند المدير: فرصة للنمو أم عقبة للتقدم الوظيفي؟
حين يتصدّر القائد المشهد، يكون حضوره إمّا شعاعاً يضيء درب الفريق ويحفّز قدراتهم، أو جداراً عاتماً يحجب عنهم التقدّم ويُطفئ حماسهم

تعدّ بيئة العمل الحديثة مرآةً تعكّس تنوّع السّلوكيّات القياديّة وتناقضها، حيث يبرز بين الحين والآخر نمطٌ مثيرٌ للجدل يعرف باسم حبّ الظّهور عند المدير. ويتجسّد هٰذا السّلوك في سعي بعض القادة إلى تسليط الضّوء على أنفسهم عبر إبراز إنجازاتهم الشّخصيّة أو الاستحواذ على الاهتمام داخل المؤسّسة. ورغم أنّ الميل إلى لفت الأنظار قد يبدو طبيعيّاً لدى أيّ قائدٍ، فإنّه قد يتحوّل إلى نقطةٍ فاصلةٍ تؤثّر بعمقٍ، إمّا إيجاباً عبر دفع الفريق نحو التّميّز، وإمّا سلباً من خلال عرقلة التّعاون وتثبيط الحماس. ومن هنا يتولّد السّؤال المحوريّ: هل يشكّل حبّ الظّهور عند المدير فرصةً للنّموّ المهنيّ، أم يصبح عائقاً أمام تقدّم الموظّفين الوظيفيّ؟
حب الظهور عند المدير: فرصة للنمو أم عقبة للتقدم الوظيفي؟
يعتبر حبّ الظّهور عند المدير من أكثر السّلوكيّات القياديّة إشكاليّةً، لأنّه يجمع بين جانبين متناقضين: أحدهما قد يفتح أبواب التّطوّر، والآخر قد يغلقها بإحكامٍ. فعندما ينجح المدير في توظيف رغبته في لفت الأنظار ضمن إطارٍ متوازنٍ، يتحوّل هٰذا الميل إلى دافعٍ محفّزٍ يقود الفريق إلى تحقيق إنجازاتٍ ملموسةٍ. وذٰلك لأنّ المدير يسعى في هٰذه الحالة إلى تعزيز صورته أمام الإدارة العليا عبر النّجاحات الّتي يحقّقها فريقه، ليجد الموظّفون أنفسهم جزءاً من دائرة الضّوء، ممّا يمنحهم فرصاً للمشاركة في مشاريع كبرى، ويكسبهم خبراتٍ عمليّةً تؤهّلهم للتّرقّي مستقبلاً. إلى جانب ذٰلك، يمكن أن يسهم حضور المدير القويّ في المؤتمرات واللّقاءات المؤسّسيّة في توسيع شبكة العلاقات المهنيّة للفريق، الأمر الّذي يفتح أمام أعضائه أبواباً جديدةً نحو التّفاعل والنّموّ.
ومع ذٰلك، فإنّ الصّورة لا تظلّ مشرقةً دائماً، إذ يتحوّل حبّ الظّهور عند المدير إلى عقبةٍ حقيقيّةٍ حين يتجسّد في سلوكٍ أنانيٍّ يركّز على المصلحة الفرديّة فقط. ففي هٰذه الحالة، لا يكتفي بعض المديرين بالاستحواذ على الأضواء، بل يسحبون الإنجازات الفرديّة والجماعيّة وينسبونها إلى أنفسهم، ممّا يفقد الموظّفين إحساسهم بالعدالة ويولّد لديهم إحباطاً يقوّض دافعيّتهم. نتيجةً لذٰلك، تتراجع المبادرات الفرديّة، لأنّ الموظّف يدرك مسبقاً أنّ جهده لن يقدّر، كما تبدأ الثّقة بين أعضاء الفريق والمدير في التّآكل تدريجيّاً، بل قد يمتدّ أثر هٰذا السّلوك ليخلق بيئةً تنافسيّةً غير صحّيّةٍ، حيث يسعى الموظّفون إلى لفت الأنظار بأيّ وسيلةٍ لا لتحقيق نتائج حقيقيّةٍ، بل لمجرّد إرضاء المدير الباحث عن الأضواء.
وعلى مستوى أعمق، يتداخل حبّ الظّهور عند المدير مع الثّقافة المؤسّسيّة السّائدة. فإذا كانت المؤسّسة تكافئ الفرد أكثر من الفريق، فإنّ الميل إلى الاستعراض يترسّخ كقيمةٍ راسخةٍ، بينما تساهم المؤسّسات الّتي تركّز على الأداء الجماعيّ في الحدّ من سلبيّات هٰذا السّلوك وتحويله إلى محفّزٍ صحّيٍّ. وهنا تلعب شخصيّة المدير دوراً حاسماً؛ فإذا امتلك مهاراتٍ قياديّةً متوازنةً، استطاع أن يجمع بين إشباع رغبته في الاعتراف وتمرين فريقه في الوقت ذاته، ليغدو حبّ الظّهور فرصةً مشتركةً. أمّا إذا غابت عنه هٰذه المهارات، يتحوّل السّلوك إلى أداةٍ أنانيّةٍ تولّد الصّراعات الدّاخليّة وتجمّد فرص التّقدّم الوظيفيّ للآخرين. [1]
أثر حب الظهور عند المدير على الفريق
لا يتوقّف تأثير حبّ الظّهور عند المدير على شخصه فحسب، بل يمتدّ ليشكّل البنية العامّة لأداء الفريق. فعندما يتركّز اهتمام المدير على ذاته، يتراجع دافع الأعضاء، ويضعف شعورهم بالانتماء، وتقلّ المبادرات الفرديّة. في المقابل، إذا وجّه طموح المدير نحو تمرين فريقه، فإنّ حبّ الظّهور ينعكس في صورة إنجازاتٍ مشتركةٍ تعزّز من تماسك المؤسّسة. وهٰكذا، يتحدّد أثر هٰذا السّلوك بناءً على مدى التّوازن بين رغبة المدير في البروز وقدرته على توزيع الفرص بعدالةٍ ووعيٍ.
الجوانب الإيجابية لحب الظهور عند المدير
يمكن النّظر إلى حبّ الظّهور عند المدير بوصفه محرّكاً إيجابيّاً إذا تمّ ضبطه بذكاءٍ. فالرّغبة في تعزيز الصّورة أمام الإدارة العليا قد تدفع المدير إلى بذل أقصى ما لديه وتحفيز فريقه لتحقيق نتائج بارزةٍ. وغالباً ما يوفّر هٰذا الميل فرصاً للموظّفين للانخراط في مشاريع إستراتيجيّةٍ أو الظّهور بجانب مديرهم في محافل مؤثّرةٍ، ما يضيف إلى خبراتهم المهنيّة. وفي بعض البيئات، يؤدّي بروز المدير إلى تعزيز سمعة الفريق بأكمله، فيتحوّل حبّ الظّهور من نزعةٍ فرديّةٍ إلى مكسبٍ جماعيٍّ يفتح آفاقاً مهنيّةً جديدةً أمام الموظّفين.
الجوانب السلبية لحب الظهور عند المدير
غير أنّ الوجه الآخر لحبّ الظّهور لا يقلّ وضوحاً، إذ يتحوّل في كثيرٍ من الأحيان إلى عقبةٍ حقيقيّةٍ إذا تغلّب دافع الشّهرة على روح العمل الجماعيّ. ففي مثل هٰذه الظّروف، قد يهمّش دور الموظّفين وتسحب إنجازاتهم لتنسب إلى المدير وحده، ممّا يخلق حالةً من الإحباط والشّعور بالغبن. كما يغذّي هٰذا السّلوك ثقافةً قائمةً على المظاهر بدلاً من الجوهر، ويضعف الثّقة داخل الفريق، ويعطّل مسارات التّقدّم الوظيفيّ. بل قد يصل الأمر إلى إخماد روح الإبداع نفسها، لأنّ الموظّفين يخشون أن تستغلّ أفكارهم دون تقديرٍ أو اعترافٍ. [2]
الخاتمة
في النّهاية، يظلّ حبّ الظّهور عند المدير سلوكاً ذا أثرٍ مزدوجٍ، فهو قد يشكّل فرصةً للنّموّ الوظيفيّ متى وجّه بشكلٍ متزنٍ يخدم الفريق، كما قد يغدو عقبةً إذا انزلق نحو الأنانيّة والمبالغة في التّفاخر. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى وعي الموظّفين لحماية إنجازاتهم بذكاءٍ، وإلى التزام المؤسّسات بسياساتٍ تشجّع على العدالة والاعتراف الجماعيّ. وهٰكذا يصبح حبّ الظّهور عند المدير مرآةً لطبيعة القيادة المؤسّسيّة: فإن طغت روح التّمكين الجماعيّ تحوّل إلى فرصةٍ، وإن غلبت الأنانيّة غدا حاجزاً يقيّد التّقدّم الوظيفيّ ويضعف قيمة القيادة.
-
الأسئلة الشائعة
- كيف يمكن للموظف أن يستفيد من حب الظهور عند المدير بدلاً من أن يتضرر منه؟ يمكن للموظّف أن يحوّل الموقف إلى فرصةٍ عبر توثيق إنجازاته، وبناء شبكة علاقاتٍ مهنيّةٍ مستقلّةٍ، والمشاركة بفعاليّةٍ في المشاريع الّتي يحرص المدير على إبرازها، ما يمنحه مساحةً للظّهور الإيجابيّ دون الدّخول في صراعٍ مباشرٍ.
- . هل حب الظهور عند المدير ظاهرة مرتبطة فقط بشخصيات نرجسية؟ ليس بالضّرورة، فحبّ الظّهور قد ينبع من الّطموح والرّغبة في التّقدير، بينما النّرجسيّة حالةٌ أعمق ترتبط بعدم القدرة على الاعتراف بالآخرين. ولكن، بعض المديرين يجمعون بين الطّموح والاعتراف الجماعيّ، ما يجعل سلوكهم أقلّ سلبيّةً.