الرئيسية الابتكار كيف يصوغ الذكاء الاصطناعي مستقبل الاندماج الوظيفي؟

كيف يصوغ الذكاء الاصطناعي مستقبل الاندماج الوظيفي؟

وسط تراجع الاندماج وتنامي الاستياء الوظيفيّ، يقدّم الذكاء الاصطناعي وكلاء تحفيزٍ قادرين على فهم دوافع الأفراد وإحياء ثقافة العمل من الدّاخل

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

ما أحبّه أكثر من أيّ شيء هو التقاء تيّارين ليُشكّلا معاً فرصةً جديدةً. أمّا التيّار الأوّل، فهو الواقع القاسي لانهيار الدّافعيّة في بيئة العمل. إذ رصدت شركة "غالوب" (Gallup) "هبوطاً دراماتيكيّاً في مستويات الاندماج خلال الأعوام الأخيرة. فقد تراجعت نسبة اندماج جيل الألفيّة الأكبر سنّاً من 39% إلى 32%، فيما شهد الشّباب من الجيل ذاته ومن جيل زد تراجعاً مماثلاً. بل إنّ 47% من العاملين من "جيل زد" يقرّون بأنّهم يسيرون على الهامش، إذ تحوّل ما يُعرف بالاستقالة الصامتة إلى ما بات يُسمّى "الاستياء الوظيفي" (Resenteeism). ويظلّ الاعتراف بأهميّة الفرد عنصراً حاسماً، فالموظّفون الّذين يشعرون بالتّقدير أكثر استعداداً بخمسة أضعافٍ للبقاء في وظائفهم.

هذا يقودني إلى التيّار الثّاني: "وكلاء الذكاء الاصطناعي" (AI Agents) والتّجارب فائقة التّخصيص؛ فمن المستحيل تجاهل الضجّة المرافقة لهذه الوكلاء، الذين باتوا بالفعل يُجدولون الاجتماعات، ويحجزون الرحلات، ويتفاوضون على الأسعار، ويعملون بمثابة دماغ ثانٍ، وهو الوصف الذي تستخدمه الشّركة النّاشئة "توين مايند" (TwinMind).

ابتكار وكلاء التحفيز الشخصي

لقد بلغ نضج البيانات حدّاً يسمح للذكاء الاصطناعي بتحليل السّلوك الفرديّ في مكان العمل: الرّسائل الإلكترونيّة، وملاحظات الاجتماعات، وإيقاع الجداول، ومشاعر المحادثات، وتقدّم المشاريع. عندها يستطيع وكيل الذكاء الاصطناعي أن يبني فهماً ديناميّاً وآنيّاً لدوافع التّحفيز ومخاطره لكلّ فردٍ. إنّ الحلول التّقليديّة، مثل الاستطلاعات السّنويّة وبرامج التّقدير النّمطيّة، أدواتٌ غليظةٌ تُصوَّب نحو هدفٍ متحرّكٍ. وكما تُظهر البيانات، فهي لا تنجح.

فالتحفيز معقّدٌ، شخصيٌّ، ومتطوّرٌ باستمرارٍ، بما يفرض مستقبلاً لحظيّاً، خالياً من الاستطلاعات. لقد فشل قسم الموارد البشريّة في معالجة هذه الأزمة. وحده وكيل الذكاء الاصطناعي المُصمَّم بشكلٍ شخصيٍّ يمكنه أن يوسّع نطاق الاندماج بفاعليّةٍ، بل أن يُضفي عليه طابعاً تنافسيّاً يشبه الألعاب. في لحظةٍ يتنامى فيها الخوف من أنّ الذكاء الاصطناعي سيقضي على القوى العاملة، ويحوّل الباقين إلى "مساعدين آليّين"، يستطيع وكيل التحفيز الشخصي أن يُبدّل ثقافة العمل جذريّاً.

نحو خطّة التحفيز بالذكاء الاصطناعي

سيعمل وكيل التحفيز الشخصي على جمع الإشارات الرقميّة للفرد وصهرها في صورةٍ واحدةٍ -من دون تعطيل سير العمل أو الاعتماد على الإفصاح الذّاتيّ- ليُنشئ مخطّطاً تحفيزيّاً متجدّداً. وقد عبّر جيل الألفيّة و"جيل زد" بوضوحٍ عن حاجتهم إلى هذا النّوع من التّغذية الرّاجعة؛ فبحسب غالوب، لا يتلقّى سوى 19% من جيل الألفيّة ملاحظات دوريّة من مديريهم، ولا يجدها مفيدةً إلا 17% منهم.

ماذا يقدّمه وكيل التحفيز الشخصي؟

سيبدأ وكيلك التحفيزي بالتعرّف إليك، وسيطوّر رؤىً شخصيّةً حول ما يدفعك للاندماج والالتزام، ضمن أيّ إطارٍ يختاره صاحب العمل. شخصيّاً، أميل إلى نموذج "دانيال بينك" (Daniel Pink) الّذي يقوم على الاستقلاليّة، والإتقان، والغاية، والارتباط. فهي متطلّباتٌ شعوريّةٌ أساسيّةٌ؛ من دونها يفقد الأفراد ارتباطهم بعملهم. وبمجرّد أن يفهم ما يُحرّك الشخص -بما في ذلك "تيك توك" (TikTok)- يستطيع الوكيل أن يلهمه نحو اندماجٍ أكثر معنىً. تخيّل مثلاً حواراً ثنائيّاً بين "برايان"، مندوب المبيعات في شركة برمجيّاتٍ "ساس" (SaaS)، و"جيني"، وكيلة تحفيزه الشّخصيّة:

  • "صباح الخير يا برايان. أنا جيني. هل ما زلت محبطاً اليوم؟"
  • "نعم، لا أستطيع ترتيب أفكاري".
  • "آمل ألّا تكون ما زلت تستمع لتلك البودكاستات المتطرّفة".
  • "حسناً..."
  • "اسمع، افعل شيئاً لأجلي. خذ استراحةً وركّز على أهداف مبيعاتك. أنا أعلم أنّك قادرٌ على تحطيم أرقام هذا الشّهر. سأتابع بياناتك في "سيلزفورس" (Salesforce)".
  • "لا شكّ في ذلك، أنت تلاحقينني دائماً".
  • "هذا ليس تعليقاً لائقاً. تذكّر أنّك أخبرتني عن "فيل"، ذاك المرشد الرّائع. تواصل معه اليوم. وإذا لم تفعل، قد لا أكون لطيفةً المرّة المقبلة".
  • هذا النّموذج الحواريّ يدمج بين البصيرة النّفسيّة والتّحفيز، ويتعمّد تجاوز الحدود بين الحياة والعمل، بل يتضمّن بعض الدّعابة الخفيفة.

تعزيز الاندماج الوظيفي عبر الوكلاء التحفيزيين

أستطيع أن أتخيّل مئات الآلاف -بل ملايين- من وكلاء التحفيز الشّخصيّ موزَّعين في المؤسّسات. وسيستخدمون منبّهاتٍ آليّةً واستجاباتٍ فوريّةً للعواطف وظروف العمل، وكلّ ذلك بهدف توليد تجارب تُحفّز الاندماج. وسوف تلامس هذه التّجارب أبعاد الاستقلاليّة، والإتقان، والغاية، والارتباط، الّتي تدفع النّاس إلى النّهوض كلّ صباحٍ.

بل إنّ مجرّد عرض صاحب العمل لوكيل تحفيز شخصيٍّ قد يُبدّل نظرة الموظّفين إلى مكان عملهم. إذ إنّ منافع الاستبقاء قد تكون هائلةً. فإذا تركت وظيفتك، فلن تتحدّث مع وكيل تحفيزك مرّةً أخرى.

أستطيع أن أسمع منذ الآن الأصوات المُحذّرة من أنّ هذا النموذج "أورويليّ"، وأنّه مجرّد صورةٍ أخرى من رأسماليّة المراقبة. غير أنّ جيلاً من الموظّفين بات جائعاً للتّغذية الرّاجعة، ومعتاداً على مشاركة بياناته ومعلوماته الشّخصيّة على الإنترنت مقابل قيمةٍ محسوسةٍ تعود إليه.

لقد بلغ الذكاء الاصطناعي مستوىً يُتيح جعل وكلاء التحفيز الشّخصيّ واقعاً ملموساً، وهم في طريقهم إلى المزيد من التطوّر. إذ يمكن بناء موصلاتٍ بسهولةٍ مع منصّاتٍ مثل "جيميل" (Gmail)، و"مانداي" (Monday)، و"تيمز" (Teams)، و"سلاك" (Slack)، لسحب البيانات اللّازمة لفهم "برايان" وتشغيل وكيله التّحفيزيّ.

إنّ مستقبل الاندماج لن ينبع من الموارد البشريّة والثّقافة المؤسّسيّة. فقد فشل ذلك، إنّما يجب أن يأتي من الدّاخل العميق. وبالتّكنولوجيا الراهنة، يبدو وكيل التحفيز الشخصي تماماً ما يطلبه جيل الألفيّة وجيل زد.

هذه المقالة التّحليليّة كتبها "آدم هانفت" (Adam Hanft)، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة "هانفت آيدياز" (Hanft Ideas)، وقد نُشرت أوّلاً في موقع  Inc.com.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: